الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذا قال! كتم ولم يبيِّن -كعادته! -، وعلى القراء أن يكونوا إمَّعَةً له! وليس في السند أحَدٌ معروفٌ بالضعف، بل إسناده جيد من مسندِ (ربيعة الجُرَشي) والد (الغاز)، وكذلك رواه ابن عساكر وغيره، وقَوّاه الحافظ، وهو مُخَرَّجٌ تحت الحديث السادس في رسالة "الرَّد على ابن حزم".
وقوله -في السند-: "أنَّ أبا مالك"؛ من سوء فهمه وسرعة قراءته! فليس له ذكر في الإسناد.
84
- "روى عبد اللَّه بن مسعود، قال: لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المُحَلِّلَ والمحَلَّلَ له":
رواه الحاكم في "الصحيح"، والترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح"، قال:"والعمل عليه عند أهل العلم، منهم عمر، وعثمان، وابن عمر، وهو قول الفقهاء من التابعين".
ضعَّفَهُ (الهدَّام) بعد أن خَرَّجه بقوله (1/ 385): "وهذا إسناد فيه نظر، فإن أبا قيس عبد الرحمن بن ثَرْوَانَ ليس بالحافظ، ولا يُحتمل تفرّده في مثل هذا الحديث (! )، وليّنه غير واحد، ولم يتابع ممن هو مثله"(1)!
قلت: نظرته هذه -كغيرها من نظراته الكثيرة- منحرفةٌ عن علم المصطلح إلى هدمه للسنّة! متستّرًا ببعض ما قيل في الرّاوي! ومقدِّمًا للجرح على التعديل! خلافًا للعلم، وقد يقترن مع ذلك شيء من الكذب أو على الأقلّ: التدليس أو الجهل بأقوال العلماء، كمثل قوله المذكور:"ليّنه غير واحد"؛ فإنَّ أحدًا من الأئمة لم يُطلق القول في تليينه، وهو يشير بذلك إلى
(1) وأمّا في "تهذيب الكبائر" -له- (ص 136)، فقال:"أرجو أن يكونَ حسنًا؛ فإنّ الأحاديثَ -جميعًا- لا تخلو من ضعف، ولكنّه ضعفٌ قد يُحتمل -إن شاء اللَّه تعالى-. . . "! ! !
فيا للَّه العَجَبُ!
قولين معروفين:
أحدهما: قول أحمد فيه: "يُخالِف في أحاديث"، وهذا لا يُعَدُّ جَرحًا مسقطًا لحديثه؛ لأن كثيرًا من الثقات لهم مخالفات، ومع ذلك فحديثهم حجَّة إلا عند ظهور مخالفتهم لمن هو أوثق منهم، ولا شيء من ذلك هنا.
وقد أشار إلى هذا الإمام أحمد -في روايةٍ عنه كما في "التهذيب"-: "ليس به بأس".
فسقط تشبُّثُهُ بالقول الأول!
وأمّا الآخر؛ فهو قول أبي حاتم: "ليس بالقوي":
فهذا لا يعني أنَّه ضعيف، لأنَّه ليس بمعنى:"ليس بقوي"؛ فبين هذا وبين ما قال فرقٌ ظاهرٌ عند أهل العلم، ويؤيِّده أنَّه سُئل: كيف حديثه؟ فقال: "صالح، هو ليِّن الحديث".
فهذا يعني أنَّه وَسَطٌ حسن الحديث، وقد تقدّم من كلام أبي حاتم -نفسه- تفسير قوله:"صالح"؛ بأنّه يعني حسنَ الحديث.
فسقط -أيضًا- تشبُّثُهُ بهذا القول الثاني! وتبيّن أنّه لا مستند له في وضعه ضعفًا في عبد الرحمن هذا، وأنَّ حديثه حسن عِنْدَ هذين الإمامين.
وعلى التنزُّل، فهو معارَض بتوثيق الجمهور له، ومنهم الإمام البخاري، فقد احتج برواية عبد الرحمن -هذا- عن هُزَيل في "الصحيح" -كما في "تهذيب المزي" - وغيره-.
وقال الذهبي في ترجمته من "الكاشف": "ثقة".
وقال الحافظ: "صدوق؛ ربما خالف".
فهذا يدلُّ القارئ دلالة قاطعة على أنَّ الرجل -مع إعراضه عن أقوال العارفين بهذا العلم-: يُحَمِّل أقوال بعضهم ما لا تحتملُ من الجرح.
وإنَّ مما يؤكِّد ذلك؛ أنَّ الحفاظ النقاد مِن بعدهم صحّحوا هذا الحديث على شرط البخاري؛ منهم ابن القطان الفاسي، وابن دقيق العيد -كما ذكر الحافظ في "التلخيص"، وأقرَّهما-، وصحّحه -أيضًا- التِّرمذي، وابن حزم في "المحلّى"(10/ 180)، وعبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الصغرى"(28621)، وابن تيمية، وابن القيم -وغيرهم كثير وكثير-.
وقد خَرَّجت له في "الإرواء"(6/ 307 - 311) -تبعًا للزيلعي في "نصب الراية"، وابن القيِّم هنا- شواهد عن خمسة من الصحابة، ولبعضهم عنه أكثر من طريق، وقد ضَعَّفها (الهدَّام) كلّها.
ولو سُلَم بذلك -جَدلًا- لكاد مجموعها يَدُلّ على أنَّ للحديث أصلًا أصيلًا، كيف لا؟ ! وحديث ابن مسعود هذا -وحده- صحيحٌ رغم أنف (الهدَّام)، وحديث أبي هريرة قويٌّ، وقد حسَّنه البخاري، وصحّحه ابن الجارود، والزيلعي (3/ 239).
وإن من جهل (الهدَّام) وغروره؛ أنَّه لم يُعجبه تحسين البخاري وتوثيقه لراويه! وقال فيه -كعادته-: "فيه نظر"! ! ثم هذى ما شاء له هواه مِن الهَذَيان!
وإنَّ مما يؤكّد خروجَه عن {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ؛ أنَّ الحديث قد عمل به كبارُ الصحابة وفقهاء التابعين -كما تقدم في كلام الترمذي-، ولقد كان هذا كافيًا ليعرفَ -مِن نفسهِ- انحرافه وضلاله، ولكن صَدَق من قال:
لا ترجع الأنفسُ عن غيِّها
…
ما لم يكن منها لها زاجِرُ
وإنَّ من جَنَفِه وهدمهِ؛ أن ابن القيم ذكر لحديث ابن مسعود رواية أخرى أتمَّ -بلفظ-: