المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قلتُ: فهذه الرّوايات هي التي أشار إليها ابن القيم بقوله - النصيحة بالتحذير من تخريب «ابن عبد المنان» لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: قلتُ: فهذه الرّوايات هي التي أشار إليها ابن القيم بقوله

قلتُ: فهذه الرّوايات هي التي أشار إليها ابن القيم بقوله المذكور، وليس الحديثَ الواهي الذي ليس له علاقةٌ بالموضوع، فأعرض عما يجب تخريجُهُ -وصحّ-، إلى ما لا ينبغي تخريجُهُ -ولا يصحُّ! -، وهَكذا فلْيكُنِ التَّخريجُ والتحقيق! !

وقد فصَّل القولَ في صيام شهر رجب: الإمامُ الطُّرطوشيُّ في كتابه القيِّم "الحوادث والبدع"(ص 138 - 142/ تحقيق الأخ علي الحلبي)، والحافظ ابن حَجَر في آخر رسالته "تبيين العَجَب فيما ورد في فضل رجب"؛ فلْيرجع إليهما مَن شاء.

وكذلك لم يُخَرِّج (الهدَّام) إفرادَ يومِ الجمعة بالصوم، وخرّج حديث النهي عن التخصيص (1)، فهذا أخصُّ، وذاك أعمُّ، فكان ينبغي تخريجه لو كان

يعلم! وهو من حديث جابر رضي الله عنه، يرويه محمد بن عَبّاد بن جعفر، قال: قلت لجابر أسمعتَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم ينهى أن يُفرد يوم الجمعة بصوم؟ قال: إِيْ وربِّ الكعبة.

أخرجه النسائي في "الكبرى"(2/ 2747/ 141) بسندٍ صحيح، وأصله في "البخاري"(1984)، وعلّقه بلفظ النسائي، انظر "الفتح"(4/ 233 - 234).

(تنبيهٌ): حديث أبي هريرة الذي عزاه (الهدَّام) لمسلم، قد ضعَّفه في "ضعيفة الرياض"(561/ 123)!

‌107

- قال ابنُ القيِّم رحمه الله: "وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما"، سدًّا لذريعة الفِتنة والفُرقة":

قلت: فرفض (الهدَّام)(1/ 508) هذا الحُكْمَ، وأعَلّ حديثَه بعد أن عزاه

(1) وهو مخرَّج في "الصحيحة"(980)، وانظر الاستدراك (16) -منه-.

ص: 212

لمسلم، والبيهقي من طريق وَهْب بن بقيّة الواسِطي، عن خالد بن عبد اللَّه، عن الجُرَيْري، عن أبي نَضْرةَ، عن أبي سَعِيد الخدري. . . مرفوعًا، فقال (الفَسْلُ):

"خالد بن عبد اللَّه الواسطي؛ لم يُذكر فيمن روى عن الجُرَيري قبل الاختلاط، وهب بن بقية: ثقة، لا يحتمل التفرُّدَ بمثل هذا الأصل"!

فأقول لهذا الجاهلِ الظالمِ المتعالمِ:

أَوّلًا: كذلك لم يُذكر خالدٌ فيمن روى عن الجُرَيري -واسمه سَعِيد بن إياس- بعد الاختلاط، فالعدلُ والواجبُ حينئدٍ التوقُّف عن الجزم بتضعيف حديثه؛ حتى يتبيَّن ما يُرَجِّح الصّحة أو الضعف.

ثانيًا: إنَّ الاختلاطَ الذي رُمي به لم يكن فاحشًا -كما قال ابن حبّان-، فهو -والحالةُ هذه- حُجَّةٌ كسائر الثقات الذين فيهم ضعفٌ يسيرٌ ما لم يظهر خَطَؤُهُ.

ولذلك قال الذهبي في "الميزان": "أحد العُلَماء الأثبات، تغيّر قليلًا، ولذلك ضعَّفه يحيى القطان، ووثّقه جماعة".

وقال في "المغني": "ثقةٌ مشهور، تغيَّر قليلًا، ضعَّفه القطان".

وَمَعَ ذلك؛ لم يمتنع الشيخان من الاحتجاجِ بحديثه في "الصحيحين"، وتبعهم على ذلك أصحاب "الصحاح"، كابن حِبّان -نفسه-، فاحتجّ به في "صحيحه".

ومن جُملة ما أخرجا له: رواية خالد بن عبد اللَّه -هذا- وهو الواسِطي -عنه- كما في "تهذيب المِزّي"-.

على أنَّ الذهبي قد وجّه إخراجَهما عنه بتوجيهٍ آخرَ، فقال في "السير"

ص: 213

(6/ 155 - 156) -بعد أن نقل عن الإِمام أحمد استغرابه لحديثه هذا-:

"وقد رَوَيَا له في "الصحيحين"، وتحايَدَا ما حَدَّث به في حالةِ تغيُّر حفظهِ".

يشير إلى أنَّ حديثه هذا لا يُعَلُّ بالتغيُّر؛ لأنَّه مِمَّا انتقاه مسلم في "صحيحه".

ثالثًا: لا نُسَلِّم بأنَّ خالدًا هذا سمع منه بعد الاختلاط، أو التغيّر، فقد ذكروا جماعةً رووا عنه قبل التغيُّر تأخَّرت وفاتُهم عن وفاة خالد بسنين كثيرة، مثل عبد الأعلى بن عبد الأعلى؛ توفي سنة (198)، وتوفي خالد سنة (179 أو 182)، وهو -وإن كان واسطيًّا-: فقد سمع من جماعةٍ من الشيوخ البصريين هم أقدمُ وفاةً من الجُرَيري (ت 144)، مثل حُمَيد الطويل، وسليمان التَّيْميِّ؛ تُوُفِّيا سنة (143)، وخالد بن مِهْران الحَذّاء (ت 141) ويونُس بن عُبَيد (ت 139).

ولعلّ في هذا التحقيق ما يُزيل تردُّدَ الحافظ في "مقدمة الفتح"(ص 405):

"لم يتحرّر لي أمرُه إلى الآن؛ هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده؟ ! ".

وبذلك يسقط تعجُّب المعلِّق على "تهذيب الكمال"(10/ 342) من إخراج الشيخين لسعيد هذا، جازمًا بأنَّه ممن سمع من (الجريري) بعد الاختلاط! وهذا باطلٌ لأنَّه لم يقل به أحدٌ من الحفّاظ، وهو وَهَمٌ محضٌ، وحَسْبُك -دليلًا- تردُّدُ الحافظ المذكور، بِغَضِّ النظر عن التحقيق المزبور

هذا هو الجوابُ عن إعلال (الهدَّام) للحديثِ بالاختلاط، وقد تبيَّن أنَّه سالِمٌ منه، والحمدُ للَّه.

ص: 214

وأمّا قولُهُ: "وهب بن بقيّة: ثقةٌ، لا يحتمل التفرّد. . . "؛ فمن شقاشقِه التي يتشبَّثُ بها في سبيل ردِّ رواية حديث الثقةِ المتفق على صحَّة حديثه!

ثم؛ ما هو السببُ -عند هذا الظالم- في ربط هذه الدعوى الباطلةِ به، دون مَن فوقَه مِن الثقات؟

وما الفرقُ -عنده- في ردّ أي حديث من أحاديث الثقات بمثل هذه الدعوى الكاذبة؟ !

أليس هذا من الأدِلَّة الكثيرة على أنَّ هذا الرجل هو -كما قيل: - (يَهْرِف بما لا يَعْرِف)؟ !

ثم ماذا يقول الظالمُ -يا تُرى! - في ثقةٍ آخر قد تابع الأوّل؟ وهو عَمْرو ابن عَوْن الواسطي: ثنا خالد بن عبد اللَّه. . . به، أخرجه أَبُو عَوَانة في "صحيحه"(4/ 460).

وماذا يقولُ -أيضًا- في بقيَّة الطرقِ والشواهدِ التي يطولُ الكلام بذكرها، وقد ذكرتُ الكثيرَ الطيِّبَ منها في "الصحيحة"(3089)، ومنها حديث عَرْفَجة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من أتاكم وأمرُكُم جميعٌ على رجلٍ واحدٍ، يريد أن يشقَّ عصاكم، أو يفرِّق جماعتَكم: فاقتلوه".

أخرجه مسلم، وأبو عَوَانة، وابن حِبّان في "صِحاحهم"، وهو مخرّج في "الإرواء"(8/ 105).

ومثلُه قولُه صلى الله عليه وسلم حديث ابن عَمْرٍو -الطويل-:

". . . وَمَن بايع إمامًا، فأعطاه صفقةَ يدِه، وثمرةَ قلبِه؛ فَلْيُطعْه ما استطاع؛ فَإنْ جاء آخرُ يُنازعه؛ فاضربوا عُنُق الآخر".

ونحوهُ حديثُ أسامةَ بنِ شَرِيك، رواه أبو عَوَانةَ -وغيره-، وهو مخرّج في

ص: 215