المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أمّا الشطر الأوّل منه، فشاهده حديث بريدة عند مسلم وغيره - النصيحة بالتحذير من تخريب «ابن عبد المنان» لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: أمّا الشطر الأوّل منه، فشاهده حديث بريدة عند مسلم وغيره

أمّا الشطر الأوّل منه، فشاهده حديث بريدة عند مسلم وغيره -كما تقدم آنفًا-.

وهنا أتساءل، فأقول: أليس لنا أن نتّخذ إعراضه عن الاستشهاد به دليلًا جديدًا على تضعيفه لحديث بريدة، غير الانقطاع الذي ادّعاه في إسناده على ما قدّمنا بيانه؟ ! بلى وربِّي؛ فإنَّ من طريقته الاستشهادَ بالأحاديث الصحيحة للأحاديث الضعيفة، فلولا أنَّه يرى ضعف حديث بريدة لاستشهد به لحديث علي -إن شاء اللَّه تعالى-.

أَمّا الشطر الآخر فيشهد له حديث بريدة -أيضًا- عند أحمد -كما تقدم (ص 126) بلفظه -أعني الشطر الثاني-، كما يشهد له زيادة أبي داود - المتقدّمة (ص 125) - بلفظ:"فإِنَّ في زيارتها تذكرة"، وسندها صحيح -كما تقدم-.

ويشهد لها -أيضًا- حديث أنس -بلفظه أيضًا المخرَّج في "الأحكام"- بسندٍ حسن -كما سبق-.

ثم إنَّ قوله: "فيه ضعفاء"، ليس تعبيرًا علميًّا، لأَنَّه ليس فيه إلّا ضعيفٌ واحدٌ -هو: علي بن زيد بن جُدْعان-، عن (ربيعة بن النابغة، عن أبيه) -وهما مجهولان-.

وقد يجادلُ هو -أو غيره من الجهلة-، فأقول له سَلَفًا: أرأيتَ لو كان في الإسناد رجلٌ مجهول، أتقول فيه: ضعيف؛ أو: مجهول؟ ! وكذلك الأمر إذا كان فيه مجهولان فأكثرُ، فكذلك ما نحن فيه، الصواب أن يقال:"فيه ضعيف ومجهولان"؛ فإنَّه المطابق للواقع.

‌74

- "وفي "الترمذي" وغيره مرفوعًا: "الدعاء هو العبادة"".

ص: 158

قلت: الحديث عندنا صحيحٌ بلا ريب، وقد صحَّحه جَمْعٌ، وهو مخرَّج عندي في مواضع، منها "أحكام الجنائز"(246).

وقد خرجه (الهدَّام) من رواية أصحاب "السنن" وغيرهم، ولم يذكر من صحَّحه من الأئمّة كعادته، وإنَّما أعلّه بـ (يُسَيعْ الحضرمي) الراوي له عن النعمان بن بشير، فقال (1/ 292):

"فيه جهالةُ حالٍ، وتوثيق النسائي وابن حبان له؛ فمن عادتهما -أحيانًا-[التساهل] (1) في توثيق المجاهيل والمسكوت عنهم، وهي عند النسائي أقلُّ بكثير مما عند ابن حبّان، وأرجو أن يكون الحديث حسنًا"!

قلت: هذا التحسين - ولو مقرونًا مع الرجاء؛ والذي نتمنى أن يكون مطَّرِدًا في كل ما ضَعَّفه من الأحاديث الصحيحة؛ من باب أخفِّ الضررين! - أقول: هو مما يخالفُ به منطلقَهُ الذي شذّ به عن العلماء، وخالف {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} في التضعيف -بناءً على عِلَلٍ ابتدعها-، فكم من حديث صحيح ضَعَّفَه بدعوى الجهالة وعدم الشهرة تارةً، أو الانقطاع بين التابعي والصحابي تارةً أُخرى! وغير ذلك من عِلَلِه؛ مثل تضعيف الحديث المتعَدِّد الطرق مهما كانت كثيرة وسالة من الضعف الشديد -كما تقدّم التنبيه عليه مرارًا وتكرارًا-.

وأقربُ مثالٍ للعِلَّة الأولى رَدُّه للحديث المتقدِّم برقم (68) بقوله:

"تَفَرَّد به حمزة، وليس بالمشهور"! ثم قال:

"فأَين أصحابُ سهيل بن أبي صالح المشهورون عن هذا الحديث؟ ! ".

فنقول له:

ما عدا عَمّا بدا؟ ! لِمَ لَمْ تُعلِّل هذا الحديثَ -أيضًا- بعلَّتِك تلك إن كنت

(1) سقطت من مطبوعة (الهدَّام)؛ والسياق يقتضيها.

ص: 159

مؤمنًا بها؛ فتقول مثلًا: فأين أصحاب النعمان بن بشير عن هذا الحديث؟ ! وهي هنا أَوْلَى من هناك لو كانت صحيحة! وذلك لأنَّ (حمزة) ليس مجهولَ العين، ولا مجهولَ الحال، بل هو ثِقَةٌ -كما تَقدَّم-؛ بخلاف (يُسَيع)، فإنَّه لم يَرو عنه غير (ذَرّ بن عبد اللَّه الحضرمي)، وعليه فهو مجهولُ العين عِندَك، فَلِمَ خالفت أيضًا، فقلت:"فيه جهالة حال"؟ ! وأنت القائل في "حوارك"(ص 99):

"من وثَّقه ابن حبان وروى عنه اثنان أو ثلاثة أو أكثر؛ يكون مجهولَ الحال".

فهذا يعني أنَّ (يُسيعًا) مجهولُ العين عندك؛ فَلِمَ خالفت، فأفهمتَ القراء خلاف الواقع؟ ! وعندي أنَّك فعلتَ ذلك تميهدًا لقولك الأخير:"وأرجو أن يكون الحديث حسنًا"!

وحينئذٍ؛ نأخذُ بتلابيبهِ، ونقولُ له: لِمَ لَمْ تَرْجُ مثلَ هذا الرَّجاء في حديث العِرْباض بن سارية -المتقدِّم برقم (2) -، والذي رواه عنه عبد الرحمن بن عمرو السُّلَمي، وحالُهُ خيرٌ من حال (يُسَيع)، فقد اعترفت في "حوارك"(ص 100) بأنَّه مجهولُ الحال مع كَثرةِ من روى عنه! يضاف إلى ذلك كثرةُ الحفاظ المُصحِّحين له، وشهرتُه عند العلماء كافة، واحتجاجُهم به -كما بيَّنت هناك؟ ! -.

وأمّا إعلالُهُ بالانقطاع -ولا انقطاعَ-؛ فأقربُ مثالٍ الحديثُ (43) من رواية أبي نَعَامة، عن عبد اللَّه بن مُغَفَّل؛ فزعم أنَّ ظاهره الإرسال من أبي نَعَامة، إلّا أن يُصرح بالسماع من عبد اللَّه بن مُغَفَّل، وقد وددتُ عليه هناك باختصار، وأحلت التفصيل على المقدِّمة.

وهذا الإعلالُ العليلُ يَرِدُ -أيضًا- على رواية (يُسَيع) عن النعمان بن بشير؛ فإنَّه لم يصرح بالسماع أيضًا، فهل رجع إلى الاكتفاء بالمعاصرة -وهو

ص: 160