المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌11 - قال ابن القيم: "حُرِّم لبس جلود النمور، والسباع؟ - النصيحة بالتحذير من تخريب «ابن عبد المنان» لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌ ‌11 - قال ابن القيم: "حُرِّم لبس جلود النمور، والسباع؟

‌11

- قال ابن القيم: "حُرِّم لبس جلود النمور، والسباع؟ بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في عدة أحاديث صِحاح لامعارض لها":

قلت: هذا هو الحق الذي لاريب فيه عند أهل العلم، أمّا (الهدَّام)؛ فقد عاكسه في ذلك، وصال وجال (! ) في التعليق عليه، مضعّفًا له من جميع طرقه! وقد كنت خرجته في "الصحيحة"(1011) من حديث المِقدام، ومن حديث أسامة، مجوِّدًا إسناد الأول، ومصحِّحًا إسناد الآخر، وختمت التخريج بقولي:

"وأخرجه الطحاوي من حديث علي، وابن عمر، ومعاوية نحوه"؛ مشيرًا بذلك إلى أنَّ هذه الأحاديث تعطي الحديث قوة على قوة؛ فجاء (الهدَّام) فانتصب لمخالفتي، وأعلّ الحديثين بما ليس بعلّة، وأشار إلى تضعيف الأحاديث الأخرى، وهو في ذلك غير صادقٍ ولا مُصيبٍ.

وقبل الشروع في بيان هذا الكلام المجمل، لابد لي من أن أَسترعيَ نظر القراء إلى جهل هذا (الهَدّام) بفن التخريج، وبالفرق بين لفظ حديث وحديث -من حيث اختلافُهما في الدلالة-؛ فقد رأينا أن ابن القيم ذكر نهيه صلى الله عليه وسلم عن لبس جلود النمور والسباع؛ فلم يذكر (الهدَّام) في نقده وتخريجه للحديثين هذا اللفظ، وإنَّما ذكره بلفظ:"نهى عن جلود السباع"! وهذا لفظ حديث أسامة.

ومن تمام مخالفته ومشاكسته إياي، وسوء تخريجه: أنَّه بدأ تخريجه قبل تخريج حديث المقدام، ولفظه هو الموافق لما ذكر ابن القيم؛ فلم يذكره، تعميةً لمعناه إلى ما قد يدلُّ عليه معنى اللفظ الذي ذكره؛ مما لايتفق مع صريح معنى حديث المقدام؛ فقد تأَوّله بعضهم بأن النهيَ عن جلود السباع مُقَيَّدٌ بما إذا لم يدبغ، كما جاء في "التمهيد"(1/ 163)، و"الجوهر النقي"(1/ 18).

فلو أنَّ (الهدَّام) كان مخلصًا في تخريجه، وعلى شيء من العلم والفقه

ص: 58

والفهم لِلفرق بين دلالة الحديثين لبدأ بالأول منهما، وإن كان قد ضعّفهما كليهما معًا؛ وهذا من جَنَفِه وظلمه للسنة؛ وهاك البيان:

أولًا: لقد أعلّ حديث المقدام بأمرين يتعلّقان بشخص (بقية بن الوليد):

أحدهما: التشكيك في ثبوت تصريح بقية بالتحديث.

فأقول: هكذا يُلقي الكلام على عواهنه، ولا يذكر أيَّ سبب للتشكيك؛ مما لا يعجز عنه أجهلُ الناسِ وأخبثُ الناسِ؛ وذلك قوله:"إنْ صحَّ التصريح بالتحديث عند أحمد"! وحكاية هذا يغنينا عن تكلُّف الرد عليه، لوضوح تفاهته ولممقوطه، ولكني -مع ذلك - أضع التصريح بين أيدي القراء، ليصفعوا به وجه كل مكابر عنيد:

قال الإمام أحمد (4/ 131 - 132): حدثنا حَيوة بن شُريح، وأحمد بن عبد الملك، قالا: ثنا بقية: ثنا بَحِير بن سعد

(فساق إسناده الصحيح).

قلت: فهذان ثقتان قد حدَّثا عن بقية مصرِّحًا بالتحديث، نحن لا ندَّعي العصمة لأحد من الرواة، ولو كان من الأئمة الثقات، ولكننا لا نرضى -بالمقابل- التشكيكَ في حفظهم، والطعنَ في رواياتهم بمجرد الدعوى، وإلا بطلت العلوم كلها، إلاما شاء الله؛ ومثل هذا قد يتعدى إلى الشك في أصولنا كلها، كما فعل بعض مُتَعَصِّبة الحنفية في الهند أو الباكستان، فَشَكَّكَ في نسبة "المسند" للإمام أحمد، فرددت عليه في كتاب "الذب الأحمد" -وهو تحت الطبع-.

هذأ ما يتعلّق بالأمر الأول.

أمّا الأمر الآخر، فهو قوله: "

وإنْ صرَّح بقية بالتحديث؛ فالمشكلة في بقيّةَ نفسهِ".

ص: 59

فأقول. هكذا -أيضًا- يشكّك في شخص (بقية)، ثم يولِّي الأدبار، ولا يبين ما حالُه، وما موقفُه منه، فهو في ريبه يتردّد! والحقيقة أن (بقية) فيه كلام كثير يحار فيه الجهلة الذين لا علم عندهم بهذا الفن، وعلم الجرح والتعديل؛ فَمَن كان يدّعي العلم والمعرفة؛ فعليه أن يبين وجهة نظره فيما قيل فيه، على أساس {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} ، لا مجرد الدعوى التي لا يعجِزُ عنها أحد، وما قيل فيه يدور بين مُوَثِّق توثيقًا مطلقًا، وُمَضِّعف تضعيفًا مطلقًا، ومن قائل:"له مناكير"، ومتوسط فيه يفرق بين عنعنته وتحديثه.

وهذا الأخير هو الذي تطمئنُّ إليه النفس، وينشرح له الصدر، واستقرَّ عليه رأيُ الحُفّاظ المُطَّلعين على تلك الأقوال الصادرة فيه من أئمة الجرح والتعديل، وقامت عليه كتبُ التخريج؛ فهذا هو الإمام الذهبي النَّقّاد -مع ذكره الخلافَ المشارَ إليه في كتابه "المغني"- فقد بالغ في الثناء عليه، ويشير إلى أنَّ تلك المناكير مغتفرةٌ بالنسبة لكثرة حديثه، فقال فيه: "أحد الأئمة الحفاظ، يروي عمّن دبَّ ودرج، وله غرائب تستنكر -أيضًا- عن الثقات؛ لكثرة حديثه

"؛ ثم ذكر الأقوال فيه، وختمها بقولا النسائي: "إذا قال: (ثنا)، و (أبنا) فهو ثقة"، واعتمده في "الكاشف"، فقال: "وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات، وقال (س): إذا قال: (ثنا) و (نا) فهو ثقة" (1)؛ ولذلك أورده في كتابهِ "الرواة المتكَّلم فيهم بما لا يوجب الرّد" (ص 76)، وقال الحافظ ابن حجر: "صدوق كثير التدليس عن الضعفاء".

قلت: يعني تدليس الإسناد؛ ففيه إشارة إلى عدم اتهامه بتدليس التسوية

(1) ونحوه في "سير أعلام النبلاء"(8/ 458)، وقد بسط الكلام فيه؛ فراجعه؛ فإِنَّه مهم جدًا.

ومنه يتبين أنَّه إذا صرح بالتحديث عن ثقة -كما هنا - فهو حجةٌ؛ إلاّ إذا خالف الثقات.

ص: 60

الذي رماه به بعض المتقدمين، وتبنّاه بعض المؤلفين في "مصطلح الحديث"، وقلده بعض الأغرار من الناشئين، فضعّفوا بعض الأحاديث التي صرّح فيها بالتحديث لعنعنة شيخه! ولا أستبعد أن يكون منهم هذا (الهدَّام)، ولكنّه يتكتم ولا يُفصِح؛ بحيث (يلسع ثم يختبئ)!

وقد حقّقت القول في براءة (بقية) من تدليسى التسوية في تخريج حديثٍ له في (العقل)؛ العلة فيه من شيخه، وذلك في "الضعيفة"(5557)، وعلى ما ذكرت من التبرئة؛ مذهب الجمهور -فيما سمعه من شيوخه الثقات - كما تقدم عن الحافظ الذهبي -؛ فتنبه!

وبهذا يتم الجواب عمّا أعل به (الهدَّام) حديث المقدام.

ثانيًا: أعلَّ الحديث الآخر بالإرسال بعد أن خرّجه من رواية أصحاب "السنن" -وغيرهم - وهم ستة كما هم في "الصحيحة"! - عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه -مرفوعًا-؛ وقال عَقِبَه:"انفرد سعيد بن أبي عَروبة بزيادة: "عن أبيه"، كما قال التِّرمذي، وإن المرسل أصح".

قلت: لم يذكر (الهدَّام) نص عبارة الترمذي؛ لأنَّها تُبَيِّنُ سببَ ترجيحه للمرسل؛ فإِنَّه قال عقب الحديث: "لا نعلم أحدًا قال: "عن أبي المليح عن أبيه" غير سعيد بن أبي عَروبة"، ثم ساق بسنده الصحيح عن شعبة، عن يزيد الرِّشْك، عن أبي المليح، عن النبي صلى الله عليه وسلم

، ثم قال:"وهذا أصح".

قلت: فأَنت ترى أنَّ سبب ترجيحه المرسل يعود إلى أمرين:

أحدهما: إرسال يزيد الرِّشْك إياه، خلافًا لقتادة، والخطب في هذا سهلٌ

- بقاعدة: "زيادة الثقة مقبولة"؛ لا سيما وقتادة أوثق من يزيد، كما يُعلم ذلك

ص: 61

من ترجمتيهما؛ زد على ذلك أنَّه قد اختُلف عليه في إسناده، كما اختُلف فيه على شعبة:

فأخرجه البيهقي (1/ 21)، من طريق أخرى، عن شعبة، عن يزيد -بسنده-، فذكر فيه:"عن أبيه".

وتابعه على وصله مَعْمَرٌ، عن يزيد الرِّشْك

به، أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(1/ 159/ 510).

ورجاله ثقات غير شيخ الطبراني أحمد بن عمرو الخلال المكي؛ فلم أجد له ترجمة.

وأخرجه عبد الرزّاق (1/ 66/ 215) عن معمر .. به؛ إلاّ أنَّه لم يذكر: "عن أبيه" فأرسله! لكن الراوي عنه -الدَّبَرِيُّ -؛ وفيه ضعف معروف.

وعلى كل حال؛ فهذا الاختلاف على يزيد الرِّشْك في وصله وإرساله، لا يصلح أن يكون مرجِّحًا لروايته المرسلة على رواية قتادة المتصلة -كما هو ظاهر-.

وهذا على افتراض تفرُّد قتادة به، وليس كذلك؛ فقد روى إسحاق بن إدريس: ثنا أَبَان بن يزيد، عن مطر الورّاق، عن أبي المليح، عن أبيه

به. أخرجه الطبراني أيضًا (511).

لكن إسحاق بن إدريس -وهو الأسواري - متروك؛ فلا يُستشهد به؛ ولا كرامة.

والأمر الآخر - الذي من أجله رجّح التِّرمذي المرسل -؛ قوله المتقدم: "لانعلم أحدًا قال: "

عن أبيه" غير سعيد".

ص: 62

وجوابي على هذا النفي، وردّي على (الهدَّام) الذي زعم انفراد سعيد بوصله -تقليدًا منه للترمذي؛ الذي لا يثق به إلاّ إذا وافق هواه، والذي يمنعه من أن يحكي مخالفته إيّاه! - من ناحيتين اثنتين:

الأولى. القاعدة المعروفة عند العقلاء فضلًا عن العلماء: "عدم العلم بالشيء لايستلزم العلم بعدمه"، فقد يكون الشيء موجودًا ويعلمه بعضٌ دون بعض، وهذا أمر بَدَهِيٌّ لا يحتاج إلى برهان، وأعتقد أنَّه لا يجادل فيه إلا سُفُسْطائي مرتاب، أو (هدَّامٌ) معادٍ للصواب!

وإذ الأمر كذلك، فلازمه أنّ الثقة إذا أثبت شيئًا، ولم يثبت ما ينفيه فهو حُجَّة، والأمر هنا كذلك، لأنَّ رواية يزيد الرِّشك المرسله قد ثبت أنَّها مرجوحة -لاضطراب الرواة عليه وصلًا وإرسالًا-؛ فلا يصلح دليلًا لنفي الرواية المثبتة، بل الأقرب أن رواية الوصل تكون أرجح؛ لموافقتها لرواية سعيد المثبتة، وعليه تكون شاهدًا لها، وآخذةً بعضدها، فتأمَّل هذا؛ فإِنَّه من دقائق هذا العلم الذي استفدناه من تخريجاتهم وتحقيقاتهم العلمية، جزاهم الله خيرًا.

وأمّا قول (الهدَّام): "وخولف سعيد

" -ثم ذكر رواية هشام الدَّسْتُوائي، عن قتادة، عن أبي المليح؛ أنَّه كره جلود السباع-: فهذا من جهله وعدوانه، إذ لا مخالفة بين قول الرّاوي بمقتضى حديثه، بل هذا هو الواجب على كل مسلم أن يعمل بحديث النبي وأن يفتي به، والراوي له أولى بذلك -كما لا يخفى-.

ثم إنَّ هذا (الهدَّام) يذكر دائمًا ما له -فيما يظنُّ- ويكتم كل ما عليه -فيما يعتقد-، ومما كتم هنا رواية شعبة عن قتادة

به، مثل رواية سعيد؛ أخرجها الطبراني (509) عَقِبَ رواية سعيد، فقال: حدثنا عبد الله بن أحمد: ثنا أبو كُرَيب: ثنا ابن المبارك، عن شعبة

به.

وهذا إسناد صحيح غاية؛ رجاله كلهم رجال الشيخين، غير عبد الله

ص: 63

- واسمه (عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي) -، وهو حافظ ثقة، مترجم في "تذكرة الحفاظ" وغيره.

ويأتي له أمثلة أخرى من جُحوده.

من أجل ما تقدم؛ رأينا الحفَّاظ صحّحوا الحديث، ولم يلتفتوا إلى رواية الإرسال؛ مثل الحاكم، والذهبي، ومن قبله ابن عبد البر، وقبله عبد الحق الإشبيلي، فأورده في "الأحكام الصغرى"(2/ 805) التي خصَّها بالأحاديث الصحيحة، وزاد على ذلك أن أشار إلى رفض الرواية المرسلة، ردًا على من قد يكون جاهلًا مثل (الهدَّام):

"يُروى عن أبي المليح مرسلاً"!

والناحية الأخرى في الرَّد على (الهدَّام) -في تضعيفه لهذا الحديث الصحيح- أن نقول:

لنفترض أنَّ الصواب في حديث أسامة -والد أبي المَلِيح - الإرسال، ولكنّه صحيح الإسناد، وحينئدٍ فهو شاهد قويٌّ لحديث المقدام الجيد الإسناد -في نقدي -، ولْنفترض أنَّه ضعيف الإسناد -كما يزعم (الهدَّام) - فذلك لا يضرُّ الحديث؛ بل يقوِّيه عند الإمام الشافعي وغيره من الأئمة، كما هو مبسوط في "علم المصطلح"، وإن خالفهم (الهدَّام) على الدوام، نسأل الله السلامة وحسن الختام.

ثالثًا: لو فرضنا أنَّ الحديث لايتقوى بمجموع الحديثين، فهو -بلا شك ولا ريب- صحيحٌ بمجموع الأحاديث التي سبقت الإشارة إليها (ص 62) من حديث علي، وابن عمر، ومعاوية؛ فإنَّه لا يمكن لطالب علمٍ مسلم وقف على أسانيدها مع أسانيد الحديثين أن يستمرَّ على القول بضعفه، إلاّ من كان مثل هذا (الهدَّام)؛ فقد أصرَّ على تضعيفه؛ فإِنَّه -بلا شك- كان وقف عليها،

ص: 64

ولذلك فإنَّه عاكسني وعارضني، فكما أشرت أنا في ختام تخريجي للحديث إلى تقويتي بها، عارضني فأشار إليها في ختام تخريجه، وَأَمَرَ القارئ (! ) بالنظر إليها في "مشكل الآثار"، و"مصنف ابن أبي شيبة"، و"مصنف عبد الرزاق"، وقال:"وفي جميع أحاديثها كلام، ولا أظنُّها بمجموعها ترقى إلى درجة الصحيح"!

وردّي على هذا الهُراء من وجهين:

الأوّل: أنَّ التعميم الذي ذكره في أوّله؛ كذبٌ وزورٌ، فإِنَّ في المصدر الأوَّل من المصادر الثلاثة، قول ابن أبي شيبة (8/ 494/ 5296): حدثنا وكيع، عن أبي المعتمر، عن ابن سيرين، عن معاوية، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثوب الخَزِّ والنُّمور.

قال ابن سيرين: وكان معاوية لا يُتَّهَم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن طريق ابن أبي شيبة: أخرجه ابن ماجه (3656)، ورواه أبو داود (4129) من طريق آخر عن وكيع، بلفظ:

"لا تركبوا الخزَّ ولا النِّمار"؛ وذكر قول ابن سيرين في معاوية رضي الله عنه.

وهكذا أخرجه أحمد أيضًا (4/ 93): ثنا وكيع

به.

وقال أبو داود -عَقِبَه -: "أبو المعتمر اسمه: يزيد بن طَهْمان، كان ينزل الحِيرة".

قلت: وثّقه أبو حاتم، وابن معين، وابن حبان، وأبو نُعيم، والذهبي، والعسقلاني، وسائر رجاله ثقات من رجال الشيخين، فالسند صحيح لا عِلَّة فيه، وصحَّحه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الصغرى"(2/ 805)، فسقط

ص: 65

حَشرُ (الهدَّام) إياه في عموم كلامه المذكور

ولكنّي لا أستبعد أن يختلق له عِلَّةً من عنده يضعِّفه بها، فإِنَّه فريد زمانه (! )، كما فعل في (إسماعيل بن أميّة) الثقة الثبت، فإِنَّه رماه بالتدليس في حديثٍ له في "صحيح مسلم"، فقال فيه:"لم يصرِّح بالتحديث في جميع طرق الحديث"! (ص 566 - ذيل "رياضه")، مع أنَّ أحدًا لم يتهمه بالتدليس.

وله من مثل هذا الاختلاق الشيءُ الكثيرُ -كما سيأتي التنبيه على ذلك -إن شاء الله-.

وقد يتساءَل بعض القراء عن سبب إحالة (الهدَّام) إلى المصادر الثلاثة فقط، دون "السنن" و"مسند أحمد" الذين أخرجوا الحديمث بهذا السند الصحيح؟ !

فأقول: الجواب عند كلِّ من عرف الرجل وأساليبه في هدم السنة وتضعيف الأحاديت الصحيحة، هو: طَمْسُ الحقائق العلمية، وتصعيبُ الطرق على القراء الذي يحبون الوصول والتعرف إليها، فإِنَّ مراجعة هذه المصادر -التي طوى ذكرَها هنا - أيسرُ على القراء من تلك، ولست أشكُّ أنَّه على علم بوجود الحديث فيها، وأنَّ له في "المسند" أربعة طرق أخرى (4/ 92، 93، 65، 96، 99، 101) عن معاوية -غير الطريق الصحيحة المتقدمة-، هي وحدها كافيةٌ -على ما فيها من ضعف- لتقوية حديث معاوية، فكيف إذا ضُمَّ إليها الطريق الصحيحة؟ ! وكيف إذا ضُمَّ إليها طرق أحاديث الصحابة الآخرين؟ !

نسألك اللهم أن لاتضلَّنا بعد إذ هديتنا، إنَّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم

ص: 66