المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومن شواهد الحديث ما أَتْبعهُ به ابن القيِّم رحمه الله؛ - النصيحة بالتحذير من تخريب «ابن عبد المنان» لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ومن شواهد الحديث ما أَتْبعهُ به ابن القيِّم رحمه الله؛

ومن شواهد الحديث ما أَتْبعهُ به ابن القيِّم رحمه الله؛ وفضح (الهدَّام) نفسه بتخريجه -كما سترى-.

‌52

- "قال شدّاد بن الهادِ: خرج علينا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو حاملٌ الحسنَ أو الحسينَ، فوضعه، ثم كَبَّر للصلاة، فَصَلّى، فسجد بين ظهرانَي صلاته سجدة أطالها، فلما قضى الصلاة، قال: "إنَّ ابني ارتحلني" فكرهت أن أُعْجِلَه"؛ رواه أحمد، والنسائي":

عزاه (الهدَّام) إليهما -وإلى البيهقي (2/ 263) -، فقال (1/ 224):

"من طريق جرير بن حازم، عن محمد بن أبي يعقوب التميمي، عن عبد اللَّه بن شدّاد، عن أبيه، وأرجو أن يكون حسن الإسناد"!

فأقول: جرى على عادته من تعمية الأُمور، فلم يُبيِّن السبب في إعراضه عن تصحيحه، واقتصاره على التحسين، وفي تشكيكه فيه أيضًا! !

والسبب الرئيسي هو الشذوذُ، والمخالفةُ لمن صحّحوه، ويتسَتّر بالتمسُّك بما قيل في (جرير بن حازم) من جرحٍ غير قادح عند الحفّاظ، أمّا (الهدَّام): فهو ينظر إلى نفسه أنَّه إمامٌ في الجرح والتعديل (! ) لا يقلّد فيهما أحدًا!

قال الذهبي في (جرير): "ثقة إمام؛ تغتر قبل موته، فحجَبَه ابنه (وهب)، فما حدَّث حتى مات، قال ابن معين: هو في قتادةَ ضعيفٌ، وقال (خ): ربّما وهم".

كذا قال في "المغني"، ولهذا الكلام اليسير -فيه- أورده في "الميزان"، ولكنّه قال:

"أحد الأئمة الكبار الثقات، ولولا ذِكْرُ ابن عديٍّ لما أوردته".

قلت: والبخاري قد احتجَّ به في "صحيحه"، فقوله فيه:"ربما وهم"

ص: 128

ليس جرحًا مسقطًا لحديثه عن مرتبة الصحة -كما لا يخفى-، ولذلك لما صحّح الحاكمُ حديثَه هذا في "المستدرك"(3/ 165 - 166) -على شرط الشيخين-؛ وافقه الذهبي في "تلخيصه"، وأقرّه عليه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(2/ 218).

وعلى مثل هذا التصحيح جرى الحفّاظ في أحاديث أخرى لجرير بن حازم، مثل حديث:"ما استجار عبدٌ من النار سبع مَرّات. . . " إلخ؛ فقد صحّحه على شرط الشيخين الحافظُ ضياءُ الدين المقدسى، وزكي الدين المنذري، وابن القيِّم في "حادي الأرواح" -كما تراه مخرجًا في أوّل المجلد السادس من "الصحيحة" رقم (2506) -، وهذا يعني -عندهم- أنَّ ما قيل في جرير ليس جرحًا.

وهنا تنكشفُ لنا فضيحةٌ من فضائح (الهدَّام) الكثيرة، وهي كتمانه عزو الحديث للحاكم وتصحيحه هو والذهبي إيّاه، وتتجَسَّد الفضيحة إذا علم القراء أنَّ البيهقي الذي عزاه (الهدَّام) إليه؛ إنّما رواه من طريق شيخه الحاكم! فليت شِعري لم استجاز (الهدَّام) العزوَ للتلميذ وهو غير ملتزم الصِّحَّة في كتابه، وأعرض عن العزو إلى شيخه؛ وهو ملتزم الصحة في كتابه -وقد صَرَّح بها- كما سبق؟ ! -؛ الجواب ندعه للقراء الألِبَّاء.

وإن من فوائد رواية الحاكم؛ أنَّها من طريق وهب بن جرير، الذي حجب أباه من التحديث بعد تَغَيُّره؛ مما يسدُّ الطريق على (الهدَّام) وأمثاله أن يُعِلُّوا الحديثَ به، فصَحَّ الحديث والحمدُ للَّه، ولم يبق للشك في صِحَّته -فضلًا عن حُسنه- معنًى، إلّا حبُّ المخالفة والمشاكسة، والعياذ باللَّه!

وإذا كان الحديث عنده حسنًا فبما يرجو؛ فلماذا لم يُقَوِّ به حديث أبي هريرة وحديث أبي بكرة -اللَّذين ضعَّفهما- كما تقدم؟ ! -؛ الجواب لدى القراء الأَلِبَّاء -أيضًا-.

ص: 129