المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهذا الحقّ ليس به خفاءُ … فَدَعْني مِنْ بُنَيَّات الطريق ‌ ‌7 - النصيحة بالتحذير من تخريب «ابن عبد المنان» لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: فهذا الحقّ ليس به خفاءُ … فَدَعْني مِنْ بُنَيَّات الطريق ‌ ‌7

فهذا الحقّ ليس به خفاءُ

فَدَعْني مِنْ بُنَيَّات الطريق

‌7

- "وفي "الترمذي" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: ابنَ آدم! تفرّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى

": ضعفَّه (الهدَّام) بقوله - بعد أن عزاه للترمذي وابن ماجه -:

"وفيه زائدة بن نَشِيط، وهو مجهول الحال".

قلت: أخذ هذا الإعلال مِن "الصحيحة"(1359)، وكتم - كعادته - تلبيساً على قرائه - الحقائق التالية:

أوّلاً: قول التِّرمذي - عقبه -:

"حديث حسن غريب".

ثانياً. تصحيح ابن حبّان إيَّاه - وهو على علم به، فقد عزوته إليه في "الصحيحة" -.

ثالثاً: تصحيح الحاكم والذّهبي إياه.

رابعاً: شاهداً قوياً له من حديث مَعْقِل بن يسار - مرفوعاً -، صحّحه الحاكم والذّهبي - أيضاً -.

وهو على علم بذلك كله، لوروده في "الصحيحة"، ولكنّه الكبر والحسد وحب الظهور، ولو على حساب هدم السّنة - عامله الله بما يستحق! -.

يضاف إلى ذلك أنَّ الحافظ المنذري أورد الحديثين في "الترغيب والترهيب" (4/‌

‌ 8

1) مشيراً إلى ثُبُوتهما، ومقرّاً للحاكم على تصحيحهما.

8 -

"قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث التِّرمذي وغيره: "الدّنيا ملعونة، ملعون ما

فيها؛ إلاّ ذكر الله وما والاه"":

ص: 46

قلت: كذا جزم ابنُ القَيِّم رحمه الله بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب، وعاكسه (الهدَّام)، فقال (1/ 56):"حديث ضعيف، ولعلّه قولٌ لبعض السلف"!

فأقول: اجعل (لعلّ) عند ذاك الكوكب، فإِنَّه قولٌ مبتدَعٌ لم يقل به أحدٌ ممن سلف، ولو كان من الخلف، فحريٌّ بمثله أن يُرمى به أرضاً.

ثم خرَّجه من رواية التِّرمذي وابن ماجه - فقط -، فأَعلّه بـ (عبد الرحمن ابن ثابت بن ثوبان)، قال. "وهو ضعيف"، وبعطاء بن مُرَّة (كذا؛ والصواب: قره! )، قال:"ولم يعرفه ابن المديني".

ومن حديث ابن مسعود، وأبي الدرداء، وجابر، ونقل عن أبي حاتم أنَّه قال: "وهذا خطأ، وإنَّما هو محمد بن المنكدر، أن النبي

مرسلاً"، ثم قال: "وبهِ قال الدارقطني وابن الجوزي".

وفي الرّد عليه أقول: أَحْصُرُ الكلامَ على حديث أبي هريرة، وحديث جابر: أمّا حديث أبي هريرة؛ فنقول: إِنه حسن الإسناد، رغم أنفط (الهدَّام)؛ وذلك لأنَّ عبد الرّحمن بن ثابت ليس ضعيفاً كما زعم، بل هو وسطٌ، ولذلك قال المنذري والذهبي فيه:"صدوق".

وسيأتي بيان ذلك مفصلاً تحت الحديث (103)، ولذلك صحّح له كثير من الحفّاظ المتقدمين والمتأخرين، كالترمذي، وابن حِبّان، والحاكم، والمنذري، والذهبي، والعراقي، وغيرهم.

وأمَّا تشبُّثُهُ بقول ابن المديني في عطاء بن قُرّة: "لا أعرفه"! فهو من أسلوبه في هدم السنّة، فإِنَّه يقدِّم النّفي على الإثبات - خلافاً لقاعدة الفقهاء - بل العقَلاء جميعاً:(من علم حُجَّة على من لم يعلم) -، فإِذا هو لم يعرفه،

ص: 47

فلا ندفع به علم من عرفه، فقد قال فيه أبو زرعة الدِّمشقي:"كان من خيار عباد الله"، وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"(7/ 222) وروى عنه جمع من الأئمة الثقات الحفّاظ كالثوري، والأوزاعي وغيرهم، ولذلك قال الذهبي في "المغني":

"صدوق".

ونحوه في "التقريب".

وقد صحّح له ابن حِبّان غيرَ ما حديث، والحاكم، فانظر "الصحيحة"(653)، وحسّن له التِّرمذي هذا الحديث، وأقرّه الحافظ المزّي، والحافظ العسقلاني في "تهذيبَيهما"، ومن قبلهما الحافظ المنذري في "الترغيب"(1/ 56)، والإمام النووي في كتابه "رياض الصالحين"(رقم 1391).

وكل هذا مما كتمه (الهدَّام) عن قرائه، ليحملَهم على تقليد جهله، ويصرفهم عن اتّباع أهل العلم والبصيرة من علمائهم.

وهذا الحديثُ من الأحاديث الكثيرة التي حذفها (الهدَّام) من "رياض" النووي، ولم يوردها في "رياضه"- هو - (ص 359 - 361) - وقد أضلّه الله عنه - والحمد لله -، فلم يورده في ذيله الخاص بما ضعَّفه من أحاديث "رياض" النووي! وقد قارب عددها الخمسين بعد المئة، ويتفاخر بذلك في مقدِّمةِ "الذيل"! !

وكذلك أقرَّه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(1/ 10) و (3/ 202). وأمَّا حديث جابر فَرَدُّنا على (الهدَّام) - فيه - من وجهين:

الأوّل: أنَّه ساقه متصلاً من طريق سفيان الثوري، عن ابن المنكدر عنه، وهذا - في الظاهر - إسناد صحيح، ومع ذلك أعلّه بالإرسال - تقليداً لأبي

ص: 48

حاتم وابن الجوزي -؛ مع أنّ الأوّل ساق إسناده من طريق عبد الله بن الجرّاح القُهُسْتَاني، عن أبي عامر العَقَدِي، عن سفيان

به؛ وهذا إسناد جيد، وهو الذي رواه أبو نُعَيْمٍ في "الحلية"، وإليه فقط عزاه (الهدَّام)(1)، وسكت عنه - تقليداً منه لأبي حاتم الذي لم يذكر الثقة الذي أرسله -؛ وأبو عامر هذا، هو: عبد الملك بن عمرو القيسي؛ ثقة من رجال الشيخين، فَمَن هو الذي خالفه من الثقات ممّن هو أوثق منه؛ حتَّى يثبُتَ خطأ ذلك الوصل المدعى؟ !

وإن كان المقصود بالخطإ هو عبد الله بن الجرّاح (2): فهو محتملٌ؛ لأن فيه بعض الضعف - كما بيّنته في المكان المشار إليه - آنفاً -، ولكن ذلك لا يمنع من أن يكون قد حفظه، ولذلك جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عبدالبر - حافظ المغرب - في "التمهيد"(1/ 316 - 317)، فالسؤال المذكور - عن الثقة اليرسل: من هو؟ - لا يزال قائماً.

وأمّا ابن الجوزي الذي آثر (الهدَّام) تقليدَه على التحقيق العلمي - اتِّباعاً لهوى هَدْمِه -؛ فقد ذكر المخالف الذي لا يجوز الأخذ بحديثه؛ ولو لم يخالف غيره لضعفه - من جهة -، وشدة ضعف الراوي عنه - من جهة أخرى -؛ فقد ساق (2/ 316/ 1331) بإسناده عن محمد بن حُميد - وعنه ابن أبي الدّنيا في "ذم الدنيا" (14/ 7) -: ثنا مِهران بن أبي عمر: نا سفيان الثوري، عن محمد؛ المنكدر، عن أبيه - مرفوعاً - به.

قلت: مِهران - هذا - قال الذهبي في "المغني":

(1) وقد رواه جمع آخر من المصنفين ذكرتهم في "الصحيحة"(2797).

(2)

وقد ذكر أبو نعيم أنّه تفرد به، وكذا قال الدّارقطني في "الأفراد" - كما في "أطرافه"

لأبي الفضل المقدسي (ق 111/ 2) -.

ص: 49

"وثّقه ابن معين، وقال البخاري: في حديثه اضطراب".

وقال الحافظ:

"صدوق له أوهام، سيِّئ الحفظ".

والرّاوي عنه أسوأ منه - كما ذكرت - آنفاً - وهو الرّازي، قال الحافظ:

"ضعيف".

وتركه الذهبي في "الكاشف".

وقال في "المغني":

"ضعيف لا من قبل الحفظ! "، ثم حكى عن غير واحد تكذيبه. وابن الجوزي - عفا الله عنا وعنه - طالما ضعّف أحاديثه في غير ما كتاب من كتبه، وهنا يحتجُّ بإعلال حديث الثقة الذي لا غمز فيه، وهو أبو عامر العَقَدي، فإِنَّه قال عَقِبَ حديث ابن حُميد:

"هذا الحديث مرسل، كذلك رواه مِهران، وقد رواه أبو عامر العَقَدي، عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر"!

فتأمل كيف يجزم بأن عامراً قد رواه عن الثوري بسنده الصحيح - كما قدَّمت - عن جابر؛ ومع ذلك يُعِلُّه بمن عرفت أنّه ليس في العِير ولا في النفير!

ثم قال:

"وكلا الطريقين غير محفوظ".

يعني: طريق جابر هذه، والأخرى ذكرها ابن الجوزي قبل هذه: من طريق خالد بن يزيد: نا سفيان الثوري، عن عطاء بن قُرّة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة.

ص: 50

وأقول: خالد - هذا - كذَّبه أبو حاتم، ويحيى (1)، وقد خالف - مع هذا الضعف الشديد - أبا عامر العَقَدي - كما رأيت آنفاً -، وإنَّما المحفوظ عن أبي هريرة من رواية عبد الرحمن بن ثابت، عن عطاء بن قرة

به؛ وهذا إسناد حسن - كما تقدم -.

وقد رواه بعض المجهولين، عن ابن ثوبان، عن عَبْدة بن أبي لُبابة، عن شَقِيق، عن عبد الله بن مسعود، وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(1/ 244 / 1/ 4228 - بترقيمي)، وقال:

"لم يروه عن ابن ثوبان إلاّ أبو المُطَرِّف المغيرة بن المُطَرِّف، ورواه غيره عن ابن توبان، عن عطاء بن قُرّة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة".

قلت: وذكر هذا الاختلافَ على ابن ثوبان: الدّارقطنيُّ في "العلل"(5/ 89/ 735)، وقال في حديث المغيرة بن المطرِّف:"وهذا إسناد مقلوب"، وقال في حديث أبي هريرة:"وهو الصحيح".

قلتْ وجهل (الهدَّام) هذه الحقيقة - أو تجاهلها -، وهي أن العلّة في الإسناد المقلوب؛ إنّما هو المغيرة، فعاكس هو - كعادته -، فحطّها على ابن ثوبان؛ توهيناً منه لحديثه الصحيح عن أبي هريرة - كما قال الدّارقطني -، مع أنَّه ذكر أنَّ فيه المغيرة المجهول! !

وخلاصة الكلام في هذا الوجه: أنّ حديث جابر لم يقم دليل على أنَّه مرسل؛ وأنَّ إسناده الموصول حسنٌ؛ خلافاً لما خطّط له (الهدَّام). والوجه الآخر: أنَّه لو فرضنا أنَّه ترجّح الإرسال، فلا يضرُّ؛ لأنَّه مرسل صحيح الإسناد، فيكون شاهداً قويّاً لحديث أبي هريرة رضي الله عنه كما

(1) وقد تفرَّد به - كما قال الدّارقطني في "الأفراد"(ق 296/ 2 - الأطراف) -.

ص: 51