الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الهدَّام)، فلا أدري أفعل ذلك جهلًا أم عمدًا؟ ! وإن كان ذلك كله فيه متحقّقاً!
ثم إن قوله في الإسناد: (
…
موسى القصير) دليلٌ آخرُ من الأدلة الكثيرة على عدم قيامه بواجب (التحقيق) الذي ادعاه! والصواب: (
…
مسلم القصير).
28
- ثم ذكر من رواية أحمد أيضًا: حدّثنا سحيار: حدّثنا جعفر: حدّتنا الجُرَيري، قال:
بلغني أنَّ رجلًا من بني إسرائيل كانت له إلى الله حاجةٌ
…
إلخ.
قال (الهدَّام)(1/ 128): "إسناده ضعيف، فإن سيار (كذا) هو ابن حاتم، وهو متهم بالكذب".
قلت: قد عرفتَ من الرد على التخريج الذي قبله أنّ (سيارًا) صدوق، وأنَّ (الهدَّام) افترى عليه بما نسب إليه من التهمة، غير أنَّه هنا كشف عن جهلٍ جديد بهذا العلم، فإنَّ اقتصاره على تضعيف الإسناد لا يلتئم مع التهمة، فالصواب في هذه الحالة أن يقال:"إسناده ضعيفٌ جدًا"، لكن التهمة غير صحيحة، بل ولا القول بضعفه على إطلاقه، بل يقال: فيه ضعف، وهو لا ينافي أنَّه حسن الحديث -كما تقدم مرارًا-، لكن بين (الجريري) وبين (بني إسرائيل) مفاوز! والله أعلم.
29
- قال ابنُ القَيِّم: "رواه التِّرمذي -وصحّحه -عن أبي هريرة- رضي الله عنه، أنَّ أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله! علِّمني شيئًا أقوله إذا أصبحتُ وأمسيتُ، قال: "قل: اللهم عالم الغيب والشهادة
…
أعوذ بك من شَرِّ نفسي، وشرِّ الشيطان وشركه، وأن أَقترف على نفسي سوءًا
…
" إلخ:
قلت: لم يرض (الهدَّام) -كعادته - بتصحيح الترمذي -، ولا اعتبر بإقرار
ابن القيم إياه، فقد صدّر تعليقه عليه بالشك في حسنه! فقال (1/ 130): "حديث حسن -إن شاء الله تعالى-، أخرجه
…
"!
ثم سوّد أربعة أسطر في تسمية الحفاظ الذين أخرجوه من طريقين عن يعلى بن عطاء، عن عمرو بن عاصم الثقفي، عن أبي هريرة!
وكتم -كعادته- سببَ رفضهِ لتصحيح التِّرمذي وابن القيم، ومعهما تصحيحُ ابن حبّان والحاكم والذهبي، فضلًا عمِن لم يذكرهم كالنووي والعسقلاني وغيرهم، ممن لا مجال لذكرهم، هذا -أوّلًا-.
أمَّا ثانيًا: فإنّه لم يبين سبب شكِّه في حُسنهِ، مع أنَّ هذا مهم جدًا ليقدم للقراء علمًا جديدًا (لم يستطعه الأوائلُ! )، ولكنه يتعمّد ذلك؛ لأنَّه لو فعل انفضح، وتبيَّن للناس أنَّه يتكلّم بغير علم، بل بهوى، كما تقدم بيانه مبسوطًا في المقدمة، رقم الفقرة (2).
ويغلب على ظني أنَّه يشير بذكره الطرفَ الأوّلَ من الإسناد إلى أنَّه يحطُّ على (عمرو بن عاصم الثقفي)، لأنَّ راوِيَهُ (يعلى بن عطاء) ثقة اتفاقًا، واحتج به مسلم، وأمّا شيخه (عمرو بن عاصم) فلم يوثِّقه غيرُ الإمام أحمد وابن حبان والحافظ، ولم يرو عنه غير ثقتين - (يعلى) أحدهما-، فأظن أنَّه يرفض هذا التوثيق اعتداداً منه بأوهام وخيالات لا ضابطَ لها ولا قواعد؛ إلاّ (على كيفه! )؛ وقد يختلق فيه عِلَّةً، فيقول مثلًا: لا يُعْرف له سماع من أبي هريرة -ونحوه مما وقع له في بعض الأحاديث الصحيحة-، فانظر -مثلًا- "ضعيفته"(ص 535 - 536).
ثم إِنَّ (الهدَّام) انتقد المؤلّف في ضمّه قوله صلى الله عليه وسلم: "وأن أقترف
…
" إلخ .. إلى حديث أبي هريرة، وذكر أنَّه عند التِّرمذي (3529) من حديث عبد الله ابن عمرو.
فأقول: هذا انتقادٌ في محله، وإن كان على خلاف عادته من إهماله التحقيق، ولا أستبعد أن يكون استفاده من تعليقي على "الكلم الطيب" لابن تيمية (ص 33/ الحديث 22)؛ فإنَّه جعل هذه الضميمة من حديث أبي هريرة، وإنْ فَصَلَ بينه وبينها بقول:"وفي رواية"، ولكنَّه ختم ذلك بقولِه:"قال التِّرمذي: حديث حسن صحيح"؛ فأوهم أنّها من حديث أبي هريرة أيضًا! فنبّهت على هذا في التعليق المشار إليه، فاستفاده (الهدّام)، ولكنْ (على الصمت؛ لا حمدًا ولا شُكورًا! ).
ويظهر أنَّ الإمامَ أبن القيِّم لم يتنبّه لخطإ شيخه هذا، واستجاز -بناءً كليه - أن يحذف قوله:"وفي رواية" هنا، وفي "الوابل الصيب" - أيضًا -، ولم يتعرَّض الشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله وغَفَرَ له- لبيان ذلك في التعليق عليه؛ كما هي عادتُه إجلالًا للشيخ؛ متناسيًا أن الحق والنصح لا يُنَافيانِ الإجلالَ، بل هما أحقُّ منه!
والمقصود أنَّ (الهدَّام) انشغل بنقد ابن القيم عما هو أهمُّ منه من التحقيق، وهو بيان مرتبة إسناد حديث ابن عمرو هذا، فيؤخذ عليه أنَّه كتم -كعادته- تصريح التِّرمذي بتحسينه بقوله:"حديث حسن غريب"؛ كما كتم -أو على الأقلّ: جَهِلَ -تقوية الحافظ ابن حجر إياه في "نتائج الأذكار"(2/ 345 - 346)، والسببُ في ذلك يعود إلى أنَّ بيان ذلك يعود إلى تقوية الحديث ورفعه من مرتبة الحُسْن التي شك -بل شَكَّكَ- فيها، إلى مرتبة الصحة التي لا ريب بها! وذلك لأنَّه من رواية إسماعيل بن عياش، عن محمد ابن زياد، عن أبي راشد الحُبراني، عن ابن عمرو
…
به.
وهذا إسنادٌ صحيح، رجاله كلهم ثقات، و (الهدَّام) يعلم ذلك (! )، فإِنَّ إسماعيل بن عياش له الكعب المعلَّى في الحفظ، حتى قال يزيد بن هارون:
"ما رأيت أحفظ من إسماعيل بن عياش، وما أدري ما سفيان الثوري؟ ! ".
وإِنَّما تكلَّم فيه بعضُهم في روايته عن غير الشاميين، وأمَّا روايته عنهم فهي صحيحةٌ عند الحُفَّاظ النقاد من المتقدمين والمتأخرين، مثل الإمام أحمد، وابن معين، وابن المديني، وعمرو بن علي، ويعقوب بن سفيان، والبخاري، وأبي زرعة، وابن عدي، والعقيلي -وغيرهم -، بل قال فيه الحافظ (دُحَيم) الشامي -وهو من أعرف الناس به-:
"هو في الشاميين غاية".
ولهذا قال الذهبي في "السير"(8/ 278):
"يحفظ حديث أهل بلده، ويكاد يُتقنه -إن شاء الله -تعالى-".
وقال الحافظ في "التقريب" - ملخّصًا أقوال الأئمة المذكورة في "التهذيب" -:
"صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلِّط في غيرهم".
تلك أقوال الأئمة الحفاظ في إسماعيل بن عياش، وأمّا مجتهد آخر الزمان (! ) فقد أعرض عنها كلِّها، وضعّف تضعيفًا مطلقًا؛ وعليه ضعّف حديثًا له -آخر- من روايته عن بعض الشاميين، في تعليقه على "رياضه"(122/ 207)، فقال:
"وهذا الحديث تفرد به إسماعيل بن عياش
…
وهو ضعيف في روايته عامة، أعن الشاميين أم غيرهم"!
فقولوا -أيها القراء الكرام! -ما شئتم-بعد هذا- في هذا (الهدَّام)، الذي لا يرعوي -لجهله- عن مخالفة أقوال الأئمة العِظام، وعن تضعيف أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام.