الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنشور في آخر المجلد الأوّل من "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، الطبعة الجديدة.
80
- "عن عِمْران بن حُصَين، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي قذفٌ وخسفٌ ومسخٌ"، فقال رجل من المسلمين: متى ذلك يا رسول اللَّه؟ ! قال: "إذا ظهرت القِيَان، والمعازف، وشُرِبت الخمور"، قال التِّرمذي: هذا حديث غريب":
قلت: رَكَنَ (الهدَّام) هنا إلى تضعيف التِّرمذي إيّاه، وإشارته إلى ترجيح رواية الأعمش، عن عبد الرحمن بن سابِط، عن النبي صلى الله عليه وسلم. . . مرسلًا، وأمّا في التصحيح والتحسين، فهو مُزْوَرٌّ عنه! ثم إنَّه -كعادته- كتم عن قرائه حالَ هذا المرسل، وهو صحيحُ الإسناد، فهو صالحٌ للاستشهاد به اتفاقًا، وللاحتجاج به عند بعض الأئمة، كمالك وغيره، كما هو معروفٌ في بحث (المرسل) من علم المصطلح وغيره، كتم هذا كلَّه، مُضِيًّا منه في غَيِّهِ، واستمرارًا في ضلاله وَهَدْمِه. . .
ثم هو صحيحٌ اتفاقًا؛ لأنَّ له شواهدَ، منها حديث ربيعة الجُرَشي بإسناد صحيح -كما يأتي بيانه بعد حديثين، مع الرّد على (الهدَّام) الذي ضعفّه أيضًا (خبط لزق)! -.
81
- "وروى أحمد وأبو داود عن عبد اللَّه بن عَمْرو، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّه حَرَّم على أُمَّتي الخمر، والميسر، والكوبة، والغُبَيراء، وكل مسكر حرام":
ضعّف (الهدَّام) إسناده بالجهالة والانقطاع (1)، وهذا مما لا نقاش فيه؛ واللَّه يحبُّ العدل، ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّ متن الحديث ضعيفٌ -أيضًا-؛
(1) وقد سوَّد صفحتين كاملتين لبيان ذلك؛ إبرازًا منه لعضلاته! ! وهو مخرَّج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(1708) لشواهده؛ ولذلك عاكسني (الهدَّام) فضعَّفه.
وذلك لأنَّ له شواهدَ تقوّيه، وهي مذكورةٌ في "الرَّد على ابن حزم"، وليس فيها ضعفٌ شديدٌ، ولكن (الهدَّام) من جنايته على السّنة أنَّه يخالف العلماء في تقوية الحديث بالطرق -كما تقدم التنبيه عليه مرارًا-، بل إنَّ بعضها إسناده صحيح لذاته، وهو ما ذكره (الهدَّام) نفسه من حديث أبي أحمد الزُّبيري، عن سفيان الثوري، عن علي بن بَذِيمة، عن قيس بن حَبْتَر، عن ابن عباس. . . به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، كما في "الصحيحة" (1806): قيس، وعلي: ثقتان، والثوري، والزُّبيري لا يُسأل عن مثلهما؛ وقد احتجّ بهما الشيخان.
وأمّا (الهدَّام)؛ فعاكسني، وأعلّه بالانقطاع الذي لم يقل به أحدٌ من قبله! فقال:
"ولا أرى (! ) هذا الإسناد متصلًا، فإني لم أجد قيس بن حَبْتَر صرَّح في حديث صَحَّ إسناده إليه أنَّه سمع ابن عباس، وما ذُكر في إسناد أحمد أنَّه سأل ابن عباس فضعيفٌ، انفرد بها أبو أحمد الزُّبيري عن سفيان، وفي حديثه ضعفٌ عن سفيان -إن لم يُتابَع-، ولم يتابعه أحدٌ من أصحاب سفيان على الحديث".
قلت: هذه الفقرة وحدَها كافيةٌ ليتبيَّن منها القراء شيئًا من خُلُق هذا الرجل، وعُجْبهِ، وغروره، وأنَّه ينظر إلى نفسه أنَّه وصل إلى مَصافِّ كبار الحفّاظ المتقدّمين (! ) الذين يجمعون الطرق الكثيرة للحديث الواحد، فيعلِّلون بها ويرجِّحون، فنقول لهذا (الهدَّام):(ليس هذا بِعُشِّكِ فادْرُجي)، فمن يجهل أحاديث في "الصحيحين"، فيعزوها إلى من دونهما طبقةً أو منزلةً -كما تقدم في الأحاديث رقم (18 و 21 و 37 و 56 و 59 و 63)، والحبل جَرّار- حَريٌّ به أن يعرف قدر حفظه، وأن لا يتَعدّى طوره فيقول:". . . فإِنّي لم أجد. . . " إلخ! ! فمن أنت أيّها المسكين؟ ! وأنت لا تعلم أكثر المطبوع من متون السنّة؛ فضلًا عن
أن تقفَ عليها، أو تعرف طرقها، فضلًا عما لم يُطبع منها، فاستر على نفسك؛ فكفاك عُجبًا وغرورًا وفُضُوحًا!
ثم إن خلاصة هُرائه المذكور؛ إعلال الحديث بعلتين:
إحداهما: جهله بتصريح (قيس بن حَبْتَر) بالسماع من ابن عباس.
قلت: وحكاية هذا يُغني عن ردّه، لأنَّه جهلٌ وكفى، ثم هو مبنيٌّ على ما انحرف إليه من مخالفة {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} الذي استقرَّ عليه علمُ المصطلح من الاكتفاء بالمعاصرة.
والآخر وَضْعُهُ ضعفًا في (أبي أحمد الزُّبيري) في روايته عن سفيان الثوري، موهمًا بذلك القراء أنَّه ليس بحجَّةٍ في روايته عنه، وكاتمًا عنهم الأقوال الأخرى المزكِّية له، التي يراها كلُّ واقف على ترجمته، ولخّصهما الحافظ في "تقريبه" بقوله:
"ثقة ثبت؛ إلّا أنَّه قد يخطئ في حديث الثوري".
فقوله: "قد يخطئ" فيه إشارة إلى قِلَّة خطإه في حديث الثوري، ومثل هذا لا يضعِّف حديثَه عند العلماء، إلّا إذا تبيَّن خَطَؤُه، شأن كل ثقة موصوف بأنَّه قد يخطئ، ولذلك احتج به الشيخان، وَرَوَيَا له من حديثه عن الثوري، فضلًا عن غيره -كما في "تهذيب المزي"-، وصحّح له ابن حبان أحاديث كثيرة غير هذا، فانظرها إن شئت في ("الإحسان" - طبع المؤسسة)؛ وهذه أرقامها (436 و 889 و 2459 - وأشار فيه إلى حفظه - و 3167 و 3283 و 4822 و 5841 و 6072 و 6098)، وأكثرها مخرَّجة في كتابي "الصحيحة"، وغيره من مؤلّفاتي.
وأما قوله: "ولم يتابعه أحد. . . " إلخ؛ فليس من شرط الحديث الصحيح
أن يتابع الثقة عليه -كما هو معلومٌ في علم المصطلح-.
على أنَّ سفيان قد توبع عن علي بن بَذِيمة، كما ذكر (الهدَّام) نفسه، ففيم المشاغبةُ؟ !
وأمّا قوله أخيرًا: "وانظر الخلاف في إسناد هذا الحديث في "التحفة" (5/ 198) ":
فهو من تدليساته الكثيرة ليوهم القراء أنَّ فيه عِلَّة أخرى، والحقيقة أنَّه لا شيء منه، وذلك لأنَّ بعض الرّواة أدخل -بين علي بن بَذِيمة وقيس بن حبتر- سعيد بن جُبير؛ وهذه الزيادة في السند لو صَحَّت لا تضرّه، لأنَّ سعيدًا ثقة، إلّا أنَّ الحافظ المزي جزم بخطإِها تبَعًا لبعض الحفاظ، ونقل عن الخطيب أنَّه قال:
"والصحيح عن علي بن بَذِيمة: ما رواه سفيان الثوري، عنه، عن قيس ابن حَبْتَر، عن ابن عباس".
قال المِزِّي - عَقِبَه:
"وليس لسعيد بن جُبير فيه ذكر".
فبان جليًّا تدليسُه وقلبُه للحقائق، بل إنَّه بتلك الإحالة كان (كالباحث عن حتفه بظلْفِه)؛ فإن تصحيح الخطيب لرواية علي بن بَذِيمة تعود عليه بإبطال ما وضع فيها من عِلَّة الانقطاع بين قيس وابن عباس، إذ لو كان شيءٌ من ذلك صحيحًا؛ لبيَّنوه وتَكَلَّموا عليه -كما فعلوا برواية سعيد بن جبير-.
وقد ختم (الهدَّام) تخريجَه للحديث، ومحاولتَه تضعيفَه بتلك الإحالة المدلَّسة، وأنا أختم ردّ محاولته بالجزم بصحّة الحديث -أولًا-، وبالتنبيه -ثانيًا- على أن تخريجه لهذا الحديث وختمه إياه بما ذكرت: لَيُؤَكِّد أنَّ همَّه