الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صوابٌ اصطلاحًا، ولكنّه من حيث سكوتُه عليه وعدمُ بيانه صِحِّته خطأٌ وهدمٌ؛ لأنَّ الحديث (المعلّق) هو نوعٌ من أنواع (المنقطع)، وهذا يعطي إشارة بالضعفِ! ولذلك سكت، وهو يعلم أنَّ تعليقات البخاري لا تُساق مساقًا واحدًا -في اصطلاحه هو- كما بيَّنه العلماء، فما جزم به فهو صحيحٌ، وما لم يجزم فقد وقد، وهذا الأثر مما جزم به، البخاري، فقال:"ورأى عمرُ أنَس بن مالك يصلي. . . " إلخ، فلماذا اكتفى (الهدَّام) ببيان أنَّه معلّق، ولم يبين أنَّه معلَّقٌ صحيح؟ !
الجواب معروفٌ عند جميع المتتبِّعين لهذه التخريجات!
هذا -أوّلًا-.
وثانيًا: إنَّ مما يؤكِّد ما ذكرته؛ أنَّه تجاهل مَنْ وَصَلَهُ ولم يبيّنه، ولو أنَّه فعل لتبين للقراء صِحَّتُه!
فقد قال عبد الرّزاق في "مصنّفه"(1/ 404/ 1581): عن مَعْمَر، عن ثابت البُنَاني، عن أنس.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط مسلم.
وقد تابعه حماد بن زيد: ثنا ثابت البُنَاني. . . به.
أخرجه الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق"(2/ 229).
68
- "قال صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتَدَّ غضبُ اللَّه على قومٍ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد":
قلت: هكذا جزم المؤلّفُ بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرًا بذلك إلى صِحَّته، وهو كما قال.
أمَّا (الهدَّام) فلم يُعجبه ذلك، وأعلّه بِعِلَّةٍ من وساوس صَدْرِهِ، فإنَّه رغم
كونه خَرَّجه من طريقين عن زيد بن أسلم مُرْسلًا، ومن طريق مالك، عنه، عن عطاء بن يسار مرسلًا، فهو مرسلٌ صحيحٌ؛ فإنَّه مع ذلك خرّج له شاهدًا موصولًا من رواية سفيان بن عيينة، عن حمزة بن المغيرة الكوفي، عن سُهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة -مرفوعًا-، وعزاه لجمعٍ منهم ابن عبد البر (5/ 44)؛ ولكنّه أعلّه بما يكشف عما تُكِنّه نفسُه من العداوة الشديدة للسنة الصحيحة؛ فقال:
"قلت: وهذا إسنادٌ غريبٌ، في قلبي منه شيء (! )، تفَرَّد به حمزة؛ وليس بالمشهور"!
قلت: هكذا قال المأفون! خلافًا لمن وثقّه من الأئمة -كما يأتي-، وقد روى عنه جَمْعٌ من الثقات، مثل أبي أسامة، وهاشم بن القاسم، وسفيان بن عيينة -راويه هنا وهو أعرفُ الناس به-، فقد وصفه بأنَّه كان من سَراة الموالي، أي: من أشرافهم وذوي المروءة منهم.
وقد قال الدّارمي في "تاريخه عن ابن معين"(98 - 99): "وسألته عن (حمزة بن المغيرة الكوفي) الذي يروي عنه ابن عيينة: "لا تجعلوا قبري وثنًا" ما حاله؟ فقال: ليس به بأس".
وروى مثلَه ابنُ أبي حاتم (3/ 214 - 215/ 942) عن الدّارمي.
وذكره ابن حبان في "الثقات"(6/ 229)، (8/ 209).
وقال الحافظ: "لا بأس به".
ثم قال الأفين: "ولم يُصرِّح بسماعه من سهيل"!
قلت: هذا ليس بشرطٍ إلّا في رواية المدلّسين، وحمزةُ ليس منهم؛ وهذا مثالٌ من الأمثلة الكثيرة التي تؤكِّد أنَّه منطلقٌ في إعلال الأحاديث من آراء له
شخصيّة! لا قيمة لها في العلم! !
ومن هذا القَبيل قولُه -فيما بعد-: "فأخشى أن يكون مدار الحديث على المرسل"!
قلت: هذه خشيةُ جبانٍ جاهلٍ، لأنَّ الطريقين مختلفان تمامًا، فهذا: عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، وذاك: عن زيد بن أسلم عن عطاء مرسلًا؛ وإنّما يمكن أن يقال ما قال، فيما لو كان الموصول -مثلًا- من طريق عطاء عن أبي هريرة، أمَا والطريقان مختلفان كلَّ الاختلاف؛ فما يقول ذلك إلّا جاهِلٌ أو مكابرٌ!
وقال أخيرًا: "وإلّا؛ فأين أصحابُ سهيل بن أبي صالح المشهورون. . . " إلى آخر هُرائه؛ فإنَّه أقامه على زعْمِه المتقدِّم أنَّ حمزة هذا غيرُ مشهور، وقد أثبتُّ بطلانه، وما بُني على باطل فهو باطل! !
(تنبيه): ذكر (المُبْطِل) -عَقِبَ مرسل عطاء- أنَّه وصله عمر بن صُهْبان عند البزّار (440) عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري، ثم قال (المُبْطِل):
"ولكن المرسل هو الصواب، لأنَّ عمر بن صُهبان متروك".
قلت: هكذا وقع في "كشف الأستار"(1/ 220/ 440)(عمر بن صهبان)، وبه أعلَّه الهيثمي (2/ 28)؛ فاهتبلها (الهدَّام) فرصَة؛ فضعَّف هذا الإسناد الموصول به، وتجاه -كعادته- ما يعكر عليه تضعيفاته؛ وذلك أنَّه رأى (عمر بن صهبان) -هذا- وقع في رواية ابن عبد البر لحديثه من طريق البزار:(عمر بن محمد)، ووثَّقه ابن عبد البر، وصَحَّح حديثه هذا، ونقل نحوَه عن البزار نفسه؛ فلا بأس من نقله عنه -وإن طال به البحثُ- لما فيه من
الفائدة، وإقامة الحجَّة على (الهدَّام)، وتجاهله للحقائق.
قال -رحمه اللَّه تعالى- في "التمهيد"(5/ 41 - 43) - وقد ذكرَ روايةَ مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء. . . مرسلًا-:
"لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث. . .، وزعم أبو بكر البزَّار أنَّ مالكًا لم يتابعه أحد على هذا الحديث إلّا (عمر بن محمد)، عن زيد بن أسلم، قال: وليس بمحفوظ من وجه من الوجوه إلّا من هذا الوجه، لا إسناد له غيره، إلّا أنَّ (عمر بن محمد) أسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: وعمر بن محمد ثقة، روى عنه الثوري وجماعة، قال: وأمّا قوله جمبه: "لعن اللَّه اليهود" اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"؛ فمحفوظٌ من طرقٍ كثيرة صِحاح.
قال أبو عمر: لا وجهَ لقول البزار إلّا معرفةُ مَن روى الحديث لا غير، ولا خلاف بين علماء الأثر والفقه؛ أنَّ الحديث إذا رواه ثقةٌ عن ثقة حتى يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه حجةٌ يُعمل بها، إلّا أن ينسخَه غيرُهُ، ومالك بن أنس عند جميعهم حُجَّةٌ فيما نقل، وقد أسند حديثَه هذا (عمرُ بن محمد)، وهو من ثقات أشراف أهل المدينة، روى عنه مالك، والثوري، وسليمان بن بلال وغيرهم، وهو (عمر بن محمد بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، فهذا الحديث صحيحٌ عند من قال بمراسيل الثقات، وعند من قال بالمسند؛ لإسناد (عمر بن محمد) له، وهو ممن تُقبل زيادته، وباللَّه التوفيق".
ثم ساق الحديثَ بإسناده المتصل إلى البزار، وهذا بإسناده المذكور في "الكشف" من طريق محمد بن سُلَيمانِ أَبي داود الحَرّاني؛ إلّا أنه قال:(عمر بن محمد)، مكان (عمر بن صُهْبان).
قلت: وهذا اختلافٌ شديدٌ، ولا أجد الآن ما يساعد على ترجيح أحد