المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌102 - "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُوطأ - النصيحة بالتحذير من تخريب «ابن عبد المنان» لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌ ‌102 - "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُوطأ

‌102

- "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُوطأ حاملٌ حتى تضَعَ، ولا غيرُ ذاتِ حملٍ حتى تحيض".

خرَّجه (الهدَّام) من حديث أبي سعيد الخُدري -وضعّف إسناده-، ومن حديث أبي ثعلبة، وابن عباس، ورُويفِع، والعِرباض بن سارية -وسكت عنها-!

هكذا يفعلُ (الهدَّام)؛ يصرِّحُ بتضعيف الضعيف، ويسكتُ عن الصحيح!

والواقعُ أنَّ أسانيدَ بعضها صحيحٌ، وبعضها حسنٌ، والأوَّلُ حسَّنه الحافظ لغيره، فتعامى عن ذلك كلِّه، كما تعامى عن حديثِ جابرٍ الصحيحٍ، ومرسل الشعبيِّ الصحيح، وعن غيرها من الشواهد؛ وهي مخرَّجةٌ في "الإرواء"(1/ 200 - 201) و (5/ 139 - 142)، وقد وقف عليها يقينًا، فإِنَّه منها لخَّص -بل سَرَقَ- تخريجَه المذكور! فتجاهلها نكايةً في السنةِ وأهلها.

وقد احتجّ به أحمدُ على إبطال الحِيَل -كما رواه المؤلّف عنه هنا-، واحتجَّ به أيضًا في "مسائل ابنه صالح"(3/ 196)؛ وكفى بالإمام أحمد حُجَّةً! ولكنّ (الهدَّام) ليس له إمامٌ؛ إلّا هواه! وقد قوّى بعضَها ابنُ عبد البر في "التمهيد"(18/ 279).

(تنبيه): مِنْ غَفَلات (الهدَّام) وجهالاتِهِ؛ أنَّه لم يميّز حديثَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من حديث غيره؛ فقد حصر آخرَ الحديثِ عنده بزيادةٍ فيه، -هكذا-:"لا تُوْطَأُ حاملٌ. . .، ولا غير ذات حملٍ حتى تحيض فلا يدري": هي حاملٌ أم لا؟

فأدرج -بجهلٍ بالغ- قوله: "فلا يدري" في آخر الحديث! وإنَّما هو من تمام كلام الإمام أحمد -الذي ساقه ابن القيِّم-.

‌103

- "ونهى صلى الله عليه وسلم عن التَّشبُّه بأهل الكتاب -وغيرهم- من الكُفَّار في

ص: 200

مواضعَ كثيرةٍ. . . وقد قال صلى الله عليه وسلم: "خالف هديُنا هَدْيَ الكفار"، وفي "المسند" مرفوعًا:"من تشبَّه بقومٍ فهو منهم":

قلت: هذا المقطع لم يخرِّج منه (عدوُّ السنةِ) إلّا حديث "المسند"؛ لِظنِّه -وهو سرابٌ- أنَّه يجدُ فيه مجالًا لتضعيفه، وهو باغٍ مُعتدٍ -كما هي عادتُهُ-، فقد أعَلَّه بعلَّتين:

إحداهما: (عبد الرحمن بن ثابت بن ثَوْبَان)؛ فجزم الخاسرُ -من عنده- بأنّه ضعيف!

والأخرى: جهالة (أبي مُنيب الجُرَشي)؛ فقال:

"لم يوثّقه غير ابن حبّان والعِجلي، وعندهما تساهلٌ معروف"!

فأقولُ مُستعينًا باللَّه:

1 -

أمّا ابن ثابت؛ فالصواب فيه أن يقال: "مُختلَف فيه"، وبه صَرَّح الحافظُ في "الفتح"(6/ 98)؛ فإنَّ هذا هو الواقعُ، فإنَّ مِن الأئمة مَن وثّقه، ومنهم مَن ضعَّفه، ومنهم مَن توسّط فيه، وهذا هو العدلُ الذي جَنَحَ إليه الحُفَّاظ النُّقَّاد الذين وقفوا على الخلافِ المذكورِ، وطبّقوا قواعدَ علمِ الحديث عليه؛ كالحافظ الذهبي؛ فإِنَّه توسَّط فيه:

فقال في "الكاشف": "قال دُحَيم، وغيره: ثِقَةٌ، رُمي بالقدر، وليَّنَه بعضُهم".

وقال في "السِّيَر"(7/ 313): "وثّقه دُحَيم، وأبو حاتم؛ وقال صالح -جَزَرَة-: قَدَري صدوق".

ثم ذكر أقوالَ مضعّفيهِ، ثم ختم ترجمته بقوله:

"وقد تتبّع الطبراني أحاديثه؛ فجاءت في كُرّاسٍ تامّ، ولم يكن بالمُكْثِرِ،

ص: 201

وَلَا هو بالحجة، بل صالح الحديث":

ولذلك أورده في "الرّواة المتكلَّم فيهم بما لا يوجب الرّد"(133/ 200).

واختصر ترجمتَه في "المغني" بقوله: "صدوق".

وسبقه إِلَى ذلك الحافظُ المنذريُّ في "الترغيب".

ونحوه قولُ الحافظ في "التقريب": "صدوق يخطيء، وتغيَّر بأَخَرة".

ولذلك ثبَّت حديثَهُ -هذا- في "الفتح"(6/ 98).

بل إنَّ شيخه الحافظَ العراقيَّ قد صحَّح إسناده في "تخريج الإحياء".

وعلى ذلك جرى كثيرٌ من الأئمةِ القدامي، فصَحَّحوا له أحاديث كثيرة -كالتِّرْمذي، وابن حِبان، والحاكم، والمنذري، والذهبي - وغيرهم-، واحتجَّ بحديثه هذا غيرُ واحدٍ من العلماء على كراهةِ أشياء من زِيِّ غير المسلمين؛ كما قال شيخُ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم"، ومنهم الحافظ ابن كثير في "تفسيره"(1/ 148) و"تاريخه"(2/ 145)، ومِن قبلِهما الحافظ ابن الصلاح في "الفتاوى"(277/ 244)، وأفاد فائدةً هامّةً؛ فقال:

"التشبُّه بالكفار؛ قد يكون مكروهًا، وقد يكون حرامًا، وذلك حَسْبَ الفُحْشِ فيه؛ قِلَّةً وكثرةً؛ واللَّه أعلم".

وإنَّ مِمَّا يَسْتَرعي النظرَ: أنَّ من الموثِّقين لـ (ابن ثابت) هذا: الإِمام أبا حاتم الرازي -المعروفَ بتشَدُّدِه في التوتيق-؛ ولذلك يعتمد عليه (الهدَّام) كثيرًا في التجريح والتجهيل، وأمّا هنا فقد خالفه!

2 -

وأمّا (أَبُو مُنيب الجُرَشي)؛ فاتِّهام (الهدَّام) إياه بالجهالة -بزعم تساهُل الموثِّقَيْنِ له-، إنَّما هو من كِبْرِه وبَطَره للحق، فإِنَّ من المعلوم أنَّه لا

ص: 202

يلزمُ من تساهلهِيا -أي: ابن حِبّان، والعِجْلي- أن يُردَّ توثيقُهما دائمًا، كما لا يلزمُ من كون غيرهما من المتشدِّدين أن يُردَّ تضعيفُهم دائمًا، وإنَّما ذلك كلُّه خاضعٌ لعلم الجرح والتعديل، ومنه تقديمُ الجرح على التعديل عند التعارض -بشرطِهِ المعروف-، ولا شيء من هذا هنا مطلقًا، وإنَّما فيه التوثيقُ المذكورُ المُدَعَّمُ بتصحيح الحُفَّاظ لحديثه هذا وغيرِه، وبرواية خمسةٍ من الثقات عنه، وأكثرُهم من التابعين، فليس هناك من أهل العلم من يَرُدُّ حديثَ مثلِه بالجهالة، فلا غرابةَ بعد هذا أن يَتَّفِقَ رأيُ الحُفَّاظِ على توثيقه، والجمِّ الغفيرِ على تصحيح حديثه!

فهذا كلُّه يدلُّ دلالةً قاطعةً على أنَّ (الهدَّام) ينطلقُ في تضعيفه للأحاديث من اتِّباعه لهواه، وأنَّه لا يُقيم وزنًا للعلماء، واللَّه المستعان!

ومن ذلك، أنَّه لم يُخَرِّج ما أشار إليه ابن القيِّم من الأحاديث الواردةِ في التشبُّه بالكُفّار ". . . في مواضعَ كثيرةٍ" -كما هو نصُّ كلامهِ رحمه الله، وقد كنت جمعت ما تيسَّر لي منها في آخر كتابي "حجاب المرأة المسلمة" -والذي سميته أخيرًا "جلباب المرأة المسلمة"-، نحو ثلاثين حديثًا صحيحًا في مختلف أبواب الشريعة، في العبادات، والمعاملات. . . ونحوها.

ومن ذلك حديث: "خالف هدينا هدي الكفار"، الذي أعرض (الهدَّام) عن تخريجه -لجهلهِ بهِ! -، فقد خرّجته -هناك- من رواية الحاكم -وصحَّحه-، وفيه نَظَرٌ بيّنته ثمّة، لكن معناه في "صحيح البخاري"، فضلًا عن الأحاديث الأُخرى التي أشار إليها ابن القيِّم.

ومن تمام سعيه في الهدم، أنَّه لم يُشر إليها، ولم يدلَّ القراء عليها، بل إنَّه -على العكس من ذلك- ختم تخريجَهُ بقوله -بجهلٍ بالغٍ-:

"والشواهدُ المذكورة للحديث أشدُّ ضعفًا"!

ص: 203