الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيهقي، وصحّح ما رواه هكذا عن ابن مسعود، كما بيّنته في الفصل الثامن من "الرَّد على ابن حزم ومقلديه في إباحة المعازف"؛ وهو مطبوعٌ -بحمد اللَّه تعالى-.
76
- "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهِنًا فَصَدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنْزِلَ على محمد":
قلت: جزم به ابن القيِّم -إشارة إلى صِحَّتِهِ-، وهو الحقُّ الذي لا ريب فيه، فقد روى عوف بن أبي جميلة، عن خِلاس، ومحمد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . . فذكره بلفظ: "من أتى عَرَّافًا أو كاهنًا. . . "، والباقي مثله سواء، أخرجه أبو بكر بن خَلّاد في "الفوائد"(1/ 221/ 1)، والحاكم (1/ 8)، والبيهقي (8/ 135) من طريقين عنه.
وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرطهما جميعًا من حديث ابن سيرين"، ووافقه الذهبي؛ وأقرَّه الحافظ ابن حجر -كما يأتي-، وصحّحه الحافظ ابن كثير في "التفسير"(1/ 144).
وأما (الهدَّام)؛ فقد تعامى عن هذا الإسناد الصحيح، وعن تخريج الحديث بلفظ الكتاب، وسَوَّد صفحتين في تخريج لفظٍ آخَرَ لم يَرِدْ له ذكرٌ فيه! موهمًا القراء -بتدليسه ومكره- أنَّه يخرِّج لفظَ الكتاب، وإنَّما هو لفظٌ آخرُ عن أبي هريرة -بزيادة على متن حديث الكتاب-.
ومن تمام تدليسه أنَّه لم يسق لفظه في أوّل تخريجه؛ ليصرف أنظار القراء أنَّه إنَّما يعني به لفظ الكتاب، مصرحًا بأنَّه ضعيف! وإنما ساقه بعد النصف الأوّل من تخريجه، بلفظ:"من أتى حائضًا أو امرأةً في دبرها، أو كاهنًا، فقد كفر. . "؛ خرَّجه من طريق أبي تميمة، والحارث بن مُخَلَّد، وخِلاس -ثلاثتهم-، عن أبي هريرة، وعن الحسن البصري مرسلًا، مقرونًا مع حديث
خِلاس، من رواية أحمد (2/ 429).
ولم تَدَعْهُ نفسُهُ الأمّارة بالسوء دون أن يُدَلِّس في حديث، فإِنَّه لم يسق منه إلَّا كلمتين، فقال:". . . خِلاس، عن أبي هريرة، والحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من أتى. . . " فذكره"، يعني اللفظ الذي ذكرتُهُ قبل أسطر! وإذا رجعتَ إلى الموضع الذي أشار إليه من "المسند" وَجَدْتَهُ مختصرًا مثل لفظ خِلاس المقرون مع محمد بن سيرين -الذي قدَّمتُه في صَدر هذا التحقيق-؛ فأعوذ باللَّه من شَرِّ التدليس والمُدَلِّسين، والكذب والكذّابين!
وقد وَقَعَتْ له عجائبُ أُخرى؛ من الآراء الفَجَّة والتعليلات الشخصية الباردة في تخريجه للطرق المذكورة، لا أرى من المهم بيانها، لأنَّ البحث سيطول بذلك جدًا، وبخاصّة أنني قدّمت الإسناد الصحيح لحديث الكتاب -الذي هو موضوعُ البحث- الذي تَعَمَّد (الهدَّام) كتمه والإعراض عنه -عامله اللَّه بما يستحقُّ! -.
وَحَسْبُ القراءَ أن يعلموا أنَّ الحديث من لفظ آخر -من طريق (الهُجَيمي) - قد صحّحه جمعٌ من الحفّاظ؛ كالضياء المقدسي، والحافظ العراقي، والدهبي، وما أعلّه به (الهدَّام) ليس بِعِلَّةٍ قادحة، ويشهد له طريق الحارث بن مُخَلَّدٍ.
ومن رام التفصيل فلْيرجع إلى "الإرواء"(7/ 68 - 70)؛ الذي منه استقى (الهدَّام) عامّة طرقه وتخريجها، لقمةً سائغةً يأخذ منه ما يراه، ويَدَعُ ما يخالف هواه، كحديث ابن سيرين الذي يقضي على هواه ويجعله كالهباء، وكشاهده -حديث جابر المشار إليه هنا، والآتي تقويةُ إسناده من الحافظ قريبًا- إن شاء اللَّه -تعالى-.
ولِتتبيَّنَ -أيها القارئ الكريم- صِحَّةَ ما ذكرته آنفًا من استقائهِ تخريجَه
من "الإرواء"؛ قابِلْه بقوله في آخر تخريجه:
"والشواهد المذكورة لهذا الحديث لا تَصِحّ، انظر "مجمع الزوائد" (5/ 117 - 118")!
فلو أنَّ الرجل كان على معرفةٍ بفنّ التخريج، وعلى علم بطرق التصحيح والتضعيف، وغيورًا على سُنَّة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تُضَعَّفَ بمجَرَّد الدَّعوى، لبادر إلى تخريج الشواهد التي أشار إليها تخريجًا علميًّا دقيقًا، ولم يقنع بإحالة القراء إلى "مجمع الزوائد"، بل وموهمًا إياهم أنَّ صاحب "المجمع" ضَعَّفها، وهو كذبٌ وزورٌ، بل هو -كما يقول البعض: - له قرونٌ! فإنَّ بعضها حجّة عليه؛ لأنَه وثَّق رجالها، وهذا -وإن كان لا يعني أنَّه صحَّح إسنادها- كما بيّنت ذلك مرارًا -، فهو -أيضًا- لا يعني ما أشار إليه من التضعيف، على أنَّه لما رجعت إلى أسانيد بعضها تبين لي صحتها، ممّا أكَّد لي تدليسه وكذبه.
والكلام عليها وتخريجها مما لا يَتَّسع له المجال الآن، ولا سيما وقد خَرَّجت أحدها تحت الحديث (2650) من "الصحيحة" المجلد السادس، وأشرت فيه إلى جناية (الهدَّام) عليه، فحسبي هنا -إذن- أن أسترعي النظرَ إلى أنَّ الحافظ المنذري في "الترغيب"(4/ 52 - 53) قد جَوَّد أسانيد ثلاثة منها، هي: عن عِمْران بن حُصَين، وجابر بن عبد اللَّه، وابن مسعود، ونحا نحوه الحافظ العسقلاني.
ومن المفيد أن أسوق كلامه ليتأكد القراء -بل ليزدادوا تأكُّدًا- أنَّ (الهدَّام) ليس على شيء من العلم والتقوى! بل هو يهرف بما لا يعرف!
قال الحافظ في "الفتح"(10/ 217) -بعد أن ذكر تصحيحَ الحاكمِ لحديث ابن سيرين وأقرّه-، وسَيُؤكِّد ذلك في آخر كلامه-:
"وله شاهد من حديث جابر، وعِمران بن حُصين، أخرجهما البزار بسندين
جيدين، ولفظهما:"من أتى كاهنًا. . . " وأخرجه مسلم من حديث امرأةٍ من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومن الرواة من سمّاها حفصة - بلفظ: "من أتى عَرّافًا. . . "، وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود بسندٍ جيدٍ، لكن لم يُصَرِّح برفعه، ومثله لا يقال بالرّأي (1)، ولفظه:"من أتى عَرَّافًا أو ساحِرًا أو كاهنًا. . . ".
واتفقت ألفاظُهم على الوعيد بلفظ حديث أبي هريرة، إلّا حديث مسلم، فقال فيه:"لم يقبل لهما صلاة أربعين يومًا"، ووقع عند الطبراني من حديث أنس -بسند ليِّن مرفوعًا- بلفظ:"من أتى كاهنًا فَصدَّقه بما يقول، فقد برئ مما أنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدِّقٍ له، لم تُقبل صلاته أربعين يومًا".
والأحاديثُ الأُوَلُ -مع صحّتها وكثرتها- أولى من هذا، والوعيدُ جاء تارة بعدم قبول الصلاة، وتارة بالتكفير، فَيُحمل على حالين من الآتي، وقد أشار إلى ذلك القرطبيُّ.
و(العرّاف): بفتح اليهملة وتشديد الرّاء: من يستخرج الوقوف على المغيَّبات بضرب من فعل أو قول.
قلت: وحديث مسلم مخرَّج في "غاية المرام"(172/ 173)، وتحت الحديث (6523) من المجلّد الرابع عشر من "الضعيفة"، وحديث أنس مخرَّج فيه برقم (6555).
فهل بعد هذا كلّه؛ يشكُّ أحدٌ في أنَّ الرجل جاحدٌ للحقائق، يردُّ الأحاديث الصحيحة بجهلهِ وتطاوله؛ مدلِّسٌ معأنِدٌ مكابرٌ، غَرَضُهُ -باسم التخريج والتحقيق- هدمُ السنّة وما بُني عليها من الأحكام الشرعية؟ ! فاللَّه حسيبُهُ.
(1) قلت: ويؤيِّده أنَّ بعض الرّواة رفعه؛ رواه أبو نعيم في "الحلية"(5/ 104).
ورواه -أيضًا- (8/ 246) من حديث ابن عمر.