المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ١

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة الأولى* التعريف بأبي عيسى الترمذي وبمن بيننا وبينه:

- ‌ وأما مَنْ بيننا وبينه:

- ‌المقدمة الثانية* في ذكر كتاب "الجامع" لأبي عيسى وفضله:

- ‌فصل

- ‌1 - كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌1 - باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور

- ‌2 - باب ما جاء في فضل الطهور

- ‌3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور

- ‌4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

- ‌6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

- ‌7 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك

- ‌8 - باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا

- ‌9 - باب الرخصة في ذلك

- ‌10 - باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة

- ‌11 - باب ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين

- ‌12 - باب الاستنجاء بالحجارة

- ‌13 - باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين

- ‌14 - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به

- ‌15 - باب ما جاء في الاستنجاء بالماء

- ‌16 - باب ما جاء أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب حدثنا محمد بن بشار: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حاجته فأبعد في المذهب

- ‌17 - باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل

- ‌18 - باب ما جاء في السواك

- ‌19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن بكار، من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدُكم من اللَّيل فلا يُدخل يده في الإناء حتَّى يُفرغ عليها مرتين أو ثلاثًا، فإنَّه لا يدري أين باتت يده

- ‌20 - باب ما جاء في التسمية عند الوضوء

- ‌21 - باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق

- ‌22 - باب المضمضة والاستنشاقِ من كفٍ واحدٍ

- ‌23 - باب ما جاء في تخليل اللحية

- ‌25 - باب ما جاء أنَّه يبدأ بمؤخَّر الرأسِ

- ‌26 - باب ما جاء أنَّ مسح الرأس مرَّة

- ‌27 - باب ما جاء أنّه يأخذ لرأسه ماءً جديدًا

- ‌28 - باب ما جاء في مسح الأُذُنين ظاهرهما وباطنهما

- ‌29 - باب ما جاء أن الأذنين من الرأس

- ‌30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع

- ‌31 - باب ما جاء ويل للأعقاب من النار

- ‌32 - باب ما جاء في الوضوء مرة مرة

- ‌33 - باب ما جاء الوضوء مرتين مرتين

- ‌34 - باب ما جاء في الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌35 - باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا

- ‌36 - باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثًا

- ‌37 - باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان

- ‌38 - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء

- ‌39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء

- ‌40 - باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء

الفصل: ‌6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

" ويحتمل وجهًا ثالثًا: أن يكون هذا خرج منه عليه السلام مخرج التشريع والتعليم في حالتي الدخول والخروج، فحق من خرج سالمًا معاذًا مما استعاذ منه، من الخبث والخبائث، أن يؤدي شكر نعمة الله عليه، في إعاذته وإجابة سؤاله، وأن يستغفر الله تعالى، خوفًا أن لا يؤدي شكر تلك النعم حقها.

وهو قريب من تحميد العاطس على سلامته، مما قد كان يخشى منه حالة العطاس؛ ولما كانت حالة التخلي لقضاء الحاجة محظورًا فيها الذكر والتوجه إلى الله تعالى، حسن أن يكون الذكر والاستغفار، أول ما يصدر منه عند الخروج، كما كان ذلك آخر ما ختم به عند الدخول، ونحو من هذا ما مر بي عن بعض أهل العلم (1) في الأدعية المأثورة عند النوم إلى جنبه، والبداءة عند اليقظة بقول المستيقظ:"الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"(2).

وقال: فيه استحباب ختم الأعمال بالدعاء والتوجه، وافتتاحها بمثله.

وأنشد هذا القائل متمثلًا:

وآخر شيء أنت آخر هجعةً

وأول شيء أنت عند هبوب

‌6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا".

(1) قارن مع ما ذكره النووي في "شرح مسلم"(17/ 35).

(2)

رواه البخاري (5965) ومسلم (2711).

ص: 87

قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت، مستقبل القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله.

وفي الباب عن عبد الله بن الحارث، ومعقل بن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، وأبي أمامة، وأبي هريرة وسهل بن حنيف.

قال: وحديث أبي أيوب، أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وأبو أيوب اسمه: خالد بن زيد.

والزهري: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري.

قال أبو الوليد المكي: قال أبو عبد الله الشافعي: إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائط، ولا بول، ولا تستدبروها"؛ إنما هذا في الفيافي، فأما في الكنف، فله رخصة في أن يستقبلها، وهكذا قال إسحاق.

قال أحمد بن حنبل: إنما الرخصة من النبي صلى الله عليه وسلم في استدبار القبلة بغائط أو بول، فأما استقبال القبلة؛ فلا يستقبلها، كأنه لم ير في الصحراء ولا في الكنف أن يستقبل القبلة (1).

أما حديث أبي أيوب، فمخرج في الكتب الستة (2).

وحديث عبد الله بن الحارث رواه الإمام أحمد وابن ماجه (3).

وحديث معقل بن أبي معقل في "النهي عن استقبال القبلتين"؛ وسيأتي

(1) هنا ثلاث كلمات غير واضحة.

(2)

البخاري في "الصحيح"(1/ 66، 67، رقم 114)، ومسلم في "الصحيح"(1/ 224، رقم 264)، وأبو داود في "السنن"(1/ 19، 20، رقم 9)، والنسائي في "السنن"(1/ 22)، وابن ماجه في "السنن"(1/ 115، رقم 318).

(3)

"المسند"(4/ 199)، وسيأتي لفظه، "السنن"(1/ 115، رقم 317).

ص: 88

الكلام على معقل، لذكره الخلاف واسم أبيه رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه (1).

وحديث أبي هريرة: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها" رواه مسلم (2).

وحديث سهل بن حنيف ذكره الدارمي في "مسنده"(3): ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عبد الكريم، عن الوليد بن مالك من عبد القيس، عن محمد بن قيس -مولى سهل بن حنيف- عن سهل.

قال: عبد الكريم شبه المتروك.

وذكر ابن المديني أنه أيضًا: لا الوليد عن مالك، ولا محمد بن قيس، فإن هذا الحديث لا يروى إلا عن عبد الكريم، وأن محمد بن قيس لا يروى عنه شيء غير هذا الحديث، وقال: غريب من حديث سهل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُستقبل شيء من القبلتين بالغائط والبول.

وفي الباب مما لم يذكره:

حديث سلمان الفارسي، وهو عند مسلم (4).

وفيه أيضًا (5): ما ذكره أبو أحمد ابن عدي من حديث عمرو العجلاني.

(1)"المسند"(6/ 406)، "السنن"(1/ 20، رقم 10)، "السنن"(1/ 115، 116، رقم 319).

(2)

"الصحيح"(1/ 224، رقم 265).

(3)

"السنن"(1/ 170، 172) وقوله في عبد الكريم ليس في المطبوع، ذكره الحافظ في "الإتحاف"(6162).

(4)

"الصحيح"(262).

(5)

في هامش الأصل: وفيه أيضًا: ما ذكره أبو أحمد بن عدي من حديث محمد الجهني.

ص: 89

وقال: في إسناده عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وهو ضعيف عندهم (1).

ومعقل المذكور، قال أبو عمر (2): معقل بن الهيثم الأسدي يقال له: معقل بن أم معقل، ويقال له: معقل بن أبي معقل وكله واحد، يعد في أهل المدينة، مات في عهد معاوية، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم:"عمرة في رمضان تعدل حجة"(3). وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استقبال القبلتين لبول أو غائط.

وقال ابن سعد: صحب النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه.

روى له أبو داود وابن ماجه، والنسائي.

قال: (وأبو أيوب اسمه خالد بن زيد) وهو ابن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار.

وقيل: ابن عبد عوف بن جشم بن غنم بن مالك الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا أيوب، شهد بدرًا والعقبة والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة شهرًا حتى بنيت مساكنه ومسجده، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وخمسون حديثًا، اتفقا منها على سبعة، وانفرد البخاري بحديث واحد، ومسلم بخمسة.

روى عنه البراء بن عازب، وجابر بن سمرة، والمقدام بن معد يكرب، وأبو أمامة الباهلي، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعطاء

(1) قارن مع "الكامل"(4/ 164، 165).

(2)

"الاستيعاب"(3/ 1432)، وانظر "الجرح والتعديل"(8/ 285) و"التهذيب" وفروعه.

وفي "الاستيعاب" و "الجرح": ابن أبي الهيثم.

(3)

انظر "السنن الكبرى" للنسائي (4226)، وصححه الشيخ في "الإرواء"(3/ 375).

ص: 90

ابن يزيد الليثي، وعبد الله بن حنين، وخلق سواهم، روى له الجماعة.

قال أبو عمر (1): وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين مصعب بن عمير.

وكان أبو أيوب الأنصاري مع علي بن أبي طالب في حروبه كلها، ثم مات بالقسطنطينية من بلاد الروم في زمن معاوية وكانت غزاته تلك تحت راية يزيد، هو كان أميرهم يومئذ، وكان سنة خمسين أو إحدى وخمسين من التاريخ.

وقيل: بل كان ذلك سنة اثنتين وخمسين -وهو الأكثر- في غزوة يزيد القسطنطينية.

قال: حدثنا سعيد بن نصر، قال: ثنا قاسم بن أصبغ، قال: ثنا محمد بن وضاح، قال: ثنا ابن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أشياخه، عن أبي أيوب، أنه خرج غازيًا في زمن معاوية، فمرض، فلما ثقل قال لأصحابه: إذا أنا مت، فاحملوني، فإذا صاففتم العدو، فادفنوني تحت أقدامكم، ففعلوا

وذكر تمام الحديث.

وقبر أبي أيوب: قرب سورها معلوم إلى اليوم، معظّم، يستسقون به، فيسقون.

قال: والزهري: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، كذا قال؛ نسب عبيد الله إلى جده شهاب. وهو عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري.

قال ابن الحذاء (2): "وشهد جده -عبد الله بن شهاب- أحدًا مع المشركين ثم أسلم بعدُ وكان اسمه في الجاهلية عبد الجان، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيد الله وهو عبد الله الأصغر.

(1)"الاستيعاب"(2/ 425).

(2)

"التعريف برجال الموطأ"(ل 34 / أ).

ص: 91

وقال الزبير (1): هما أخوان: عبد الله الأكبر، وعبد الله الأصغر ابنا شهاب، كان اسم عبد الله بن شهاب الأكبر عبد الجان فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. كان من المهاجرين إلى أرض الحبشة، ومات بمكة قبل الهجرة إلى المدينة.

وأخوه عبد الله بن شهاب الأصغر، شهد أحدًا مع المشركين ثم أسلم بعدُ، وهو جد محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الفقيه.

قال ابن إسحاق: هو الذي شج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه، وابن قميئة جرح وجنته، وعتبة كسر رباعيته.

وحكى الزبير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري؛ قال: ما بلغ أحد الحلم من ولد عتبة بن أبي وقاص، إلا بخر أو هَتِم، لكسر عتبة رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقيل: إن عبد الله بن شهاب الأصغر، هو جد الزهري من قبل أمه وأما جده من قبل أبيه، فهو عبد الله بن شهاب الأكبر، وأن عبد الله الأصغر، هو الذي هاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مكة فمات بها قبل الهجرة.

وقد روى أن ابن شهاب قيل له: أشهد جدك بدرًا؟ قال: شهدها من ذلك الجانب -يعني: مع المشركين- فالله أعلم أي جدَّيه كان؟

ومحمد بن مسلم يكنى: أبا بكر، مدني سكن الشام، سمع: أنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي وأبا الطفيل عامر بن واثلة، والسائب بن يزيد، وسنينًا أبا جميلة، وعبد الرحمن بن أزهر، وربيعة من عباد الديلي، ومحمود بن الربيع، -رجلًا من بَلِيِّ له صحبة- ورأى عبد الله بن عمر بن الخطاب وسمع عبد الله بن عامر بن ربيعة وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، وأبا أمامة بن سهل بن حنيف، ومالك بن أوس

(1)"نسب قريش"(274).

ص: 92

ابن الحكم وعمير أبي سلمة وأبي رُهم، والمسور، وأم عبد الله الدوسية على خلاف في عمرو بن أبي سلمة ومن بعده. وسمع من كثير وتمَّام

انتهى.

ومن التابعين: سعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن وأخاه حميدًا وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية، وكثير بن العباس، ومحمد بن عباد بن جعفر، وحمزة بن عبد الله بن عمر، وحفص بن عاصم بن عمر، ومحمد بن النعمان بن بشير، وعبد الله بن كعب بن مالك، وعباد بن تميم، وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعمارة بن خزيمة بن ثابت، وسعيد بن جبير بن مطعم وعطاء بن يزيد، وعلقمة بن وقاص، وقبيصة بن ذؤيب، وأبا إدريس الخولاني، وخالد بن سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان، ونبهان -مولى أم سلمة- وعروة بن الزبير، وابنه يحيى، وعبد الله بن محيريز، وعبيد الله بن عبد الله بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعمر بن عبد العزيز.

وروى عن أبان بن عثمان بن عفان، ولم يسمع منه، قاله ابن أبي حاتم؛ قال. ولا يصح حديث أبان بن عثمان في طلاق السكران (1).

روى عنه: عراك بن مالك وأخوه عبد الله بن مسلم، وبكير بن الأشج، ومنصور بن المعتمر، وعمرو بن شعيب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وصالح بن كيسان، وسليمان بن موسى، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، ويونس بن يزيد، وعقيل والأوزاعي، والزبيدي.

روى عبد الرزاق عن معمر؛ قال: قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: هل تأتون

(1)"المراسيل"(ت 696، 701، 703) و "الجرح والتعديل"(8/ 271).

ص: 93

ابن شهاب؟ قالوا: إنا لنفعل. قال: فأْتوه، فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه. قال معمر: وإن الحسن وأضرابه لأحياء يومئذ (1).

وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال -عنه مرة-: ما رأيت أحدًا أحسن سوقًا للحديث منه.

وعن عبد الرحمن بن مهدي: سمعت مالك بن أنس يقول: حدث الزهري يومًا بحديث فلما قام، قمت فأخذت بعنان دابته، فاستفهمته، قال: تستفهمني؟ ما استفهمت عالمًا قط ولا رددت شيئًا على عالم قط. قال: فجعل عبد الرحمن بن مهدي يعجب، فيقول: فذيك الطوال وتلك المغازي؟!

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن أخي ابن وهب، قال: أنا عمي أنا الليث بن سعد؛ قال: قال ابن شهاب: ما استودعت قلبي علمًا نسيته.

وقال ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول: بقي ابن شهاب وما له في الناس نظير.

وروى إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: الزهري ويحيى بن سعيد أثبت في القاسم بن محمد من عبد الرحمن ابن القاسم ومن أفلح بن حميد.

وكان يحيى بن سعيد القطان يقول: الزهري حافظ كان إذا سمع الشيء علقه.

وعن مكحول: ما بقي على ظهرها أعلم بسنة ماضية من ابن شهاب الزهري.

وذكر سعيد بن بشير عن قتادة: ما بقي على ظهر الأرض إلا اثنان: الزهري، وآخر، فظننا أنه يعني نفسه.

وقال أحمد بن حنبل: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، عن وهيب؛ قال:

(1) انظر "الجرح"(8/ 72).

ص: 94

سمعت أيوب يقول: ما رأيت أعلم من الزهري، فقال له صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري.

وقال سفيان بن عيينة: سمعت عمرو بن دينار يقول: ما رأيت أحدًا أنص للحديث من الزهري، ولا رأيت أجود منه ما كانت الدنانير والدراهم عنده إلا بمنزلة البعر (1).

وقال أيضًا -مرة-: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري، ولقي رجالًا.

وعن سفيان: لم يكن أحد أعلم بسنة منه -يعني: الزهري-.

وحكى سفيان: قال لي أبو بكر الهذلي: لقد جالسنا الحسن وابن سيرين، فما رأينا أحدًا أعلم منه -يعني: الزهري-.

وقال علي بن المديني: لم يكن بالمدينة -بعد كبار التابعين- أعلم من ابن شهاب، ويحيى بن سعيد، وأبي الزناد، وبكير بن عبد الله بن الأشج.

وروى خالد عن سفيان؛ قال: كان الزهري أعلم أهل المدينة.

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قلت لإبراهيم بن موسى: ابن شهاب الزهري عندك فقيه؟ فقال: نعم فقيه، وجعل يفخم أمره.

وسمعت أبي يقول: الزهري أحب إلي من الأعمش، يحتج بحديثه وأثبت أصحاب أنس: الزهري.

سئل أبو زرعة، عن الزهري، وعمرو بن دينار، فقال: الزهري أحفظ الرجلين.

قال ابن الحذاء (2): وذكر ابن أخي الزهري عنه: أنه أخذ القرآن في ثمانين ليلة.

(1)"التمهيد"(6/ 111).

(2)

"التعريف"(ل 34 / أ).

ص: 95

وقال الزهري: ما استعدت حديثًا قط، وما استودعت حفظي شيئًا فخانني.

وفيما ذكرناه -قبل- في ترجمة الزهري هذه: أنه رأى عبد الله بن عمر.

قال ابن الحذاء (1): وروى عنه حديثين:

* وروى عن عبد الله بن ثعلبة؛ مسح النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه.

* وروى عن محمود بن الربيع الأنصاري: عقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مجة مَجّها من بئر في دارهم.

وكان الزهري كريمًا، سخيًّا جوادًا، وكان يقول الشعر، ذكره أبو عبيد الله محمد بن موسى بن عمران المرزباني في "معجم الشعراء"(2) له.

وقال: وهو القائل لعبد الله بن عبد الملك بن مروان (3):

أقول لعبد الله لما لقيته

يسير بأعلى الرقتين مشرِّقًا

تبغ خبايا الأرض وادع مليكها

لعلك يومًا أن تجاب وترزقا

في أبيات ذكرها.

وغيره يقول: الشعر لعمران بن أبي حدير أنشده الزهري متمثلًا.

وقال موسى بن عبد العزيز: كان ابن شهاب إذا أبي أحد من أصحاب الحديث أن يأكل طعامه، حلف أن لا يحدثه عشرة أيام (4).

وقال مالك: ما رأيت أحدًا فقيهًا إلا واحدًا، قيل: من هو؟ وقال: ابن شهاب.

(1)(ل 34 / أ).

(2)

ص (413).

(3)

انظر "التمهيد"(6/ 112 - 113).

(4)

"التمهيد"(6/ 111).

ص: 96

وقال عمرو بن دينار: جالست ابن عمر، وابن عباس وابن الزبير، وجابرًا فلم أر أنسق للحديث من الزهري (1).

وقال الأوزاعي: ما داهن ابن شهاب ملكًا من الملوك قط، إذا دخل عليه، ولا أدركت خلافة هشام أحدًا من التابعين أفقه منه.

وقال إبراهيم بن ربيعة (2) عن أبيه: ما جمع أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع ابن شهاب. وفي رواية: ما وعى.

قال أبو عمر: كان من علماء التابعين، وفقهائهم، مقدمًا في الحفظ والإتقان والرواية والاتساع، إمامًا جليلًا من أئمة الدين.

وقد وقع في ترجمته من غرائب الجرح ما أنا ذاكره:

* فذكر البلخي في كتابه في "معرفة الرجال":

قال يحيى: وقد سئل عن الزهري: ليس بشيء (3).

* وقال ابن المديني: قال سفيان بن حبيب: ثنا أبو جعفر الخطمي: إن الزهري قتل رجلًا فحدثت بذلك ابن عيينة، فقال: إيهًا؛ تولى السعاية، فعزر رجلًا فمات.

قال: ولم يرو لعلي حديثًا قط.

وكان مروانيًّا وحدث الوليد بن عبد الله (4) عن قبيصة بن ذؤيب عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تناشدوا الخلفاء".

(1)"التمهيد"(6/ 103) و"السير"(5/ 335) وانظر، "شرح العلل"(1/ 442).

(2)

كذا وفي "التمهيد"(6/ 105) من طريقين: سعد، ولعله الصواب.

(3)

انظر "اللسان"(3/ 255) و"تاريخ بغداد"(9/ 384).

(4)

وانظر "تاريخ دمشق"(43/ 519)، فلم يذكر الزهري في القصة!

ص: 97

فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال: ما نرغب عن ذكره. ثم قال: أما سمع أخا خزاعة يقول:

يا ربِّ إني ناشدٌ محمدًا

قال ابن المسيب: فيناشد النبي، ولا يناشد الوليد؟ قال: وقدم على عمر بن عبد العزيز فأخرجه من عسكره من أجل هذا الحديث، ومن نقصه عليًّا.

قال ابن المديني: سمعت يحيى يقول: حديث يحيى بن أبي كثير أحسن من حديث الزهري.

وسمعت شيخنا الحافظ أبا الفتح محمد بن علي القشيري يقول: ذكر الزهري أن رجلًا -يعني: سلمة بن دينار- يروي عن سهل بن سعد، فقال: من أبي حازم هذا -لا أعرفه- فذكر ذلك لأبي حازم، فقال (1).

وأبو الوليد المكي الذي روى عن الشافعي، اسمه: موسى، ويعرف بالجارودي وكأنها نسبة إلى أبيه، فإنه ابن أبي الجارود.

والأصل في الغائط: المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه لقضاء الحاجة، ثم كنوا به عن الخارج.

والشام: إقليم مشهور، يُذَكّر ويُؤنَّث، ويقال بالهمزة وبغير همز.

وأما شأَم: بفتح الهمزة، فأباه أكثرهم إلا في النسب.

وقيل: سميت الشام بـ"سام بن نوح"، وذلك أنه أول من نزلها فجعلت "السين" شينًا، تغييرًا للفظ الأعجمي.

وقيل: سميت بذلك لكثرة قراها، وتداني بعضها من بعض، فشبهت بـ "الشامات".

(1) كذا.

ص: 98

وقيل: باب الكعبة مستقبل المطلع، فمن قابل طلوع الشمس كانت اليمين عن يمينه، والشام عن يده اليسرى.

وقيل: هو مأخوذ من اليد اليسرى، أو من الشؤم.

والمراحيض: جمع مرحاض.

قال ابن سِيدَه (1): والمرحضة والمرحاض: المغتسل، والمرحاض: موضع الخلاء وهو منه.

والمرحاض: خشبة يضرب بها الثوب إذا غسل.

والرُّحضاء: العرق، والرُّحضاء: الحمَّى بعرق.

وفي الحديث: دليل على المنع من استقبال القبلة واستدبارها وقد اختلف العلماء في ذلك:

* فمنهم من منع ذلك مطلقًا، أخذًا بظاهر هذا الحديث، وبما روى مسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".

وبما روى مسلم أيضًا من حديث سلمان الفارسي؛ قال: أجل إنه نهانا أن نستقبل القبلة، وأن يستنجي أحدنا بيمينه.

وبما روى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي -وهو آخر من مات من الصحابة بمصر-:"لا يبولَنَّ أحدكم مستقبل القبلة".

وحديث معقل: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط.

وقد تقدمت الإشارة إلى هذه الأحاديث.

(1)"المحكم"(3/ 89).

ص: 99

وإليه ذهب أبو أيوب، وممن نحى هذا المنحى: مجاهد بن جبير، وإبراهيم بن يزيد النخعي، وسفيان بن سعيد الثوري، وأهل الكوفة، وأبو ثور، وأحمد -في إحدى الروايتين عنه- وقالوا: إنما كان المنع لحُرْمَة القبلة، وهذا المعنى موجود في البنيان والصحراء، ولأنه لو كان الحائل كافيًا لجاز في الصحراء؛ لأن بيننا وبين الكعبة جبالًا وأودية، وغير ذلك من أنواع الحائل وتعليل ذلك باحترام الفناء ظاهر؛ لأنه معنى مناسب، ورد الحكم على وَفْقه فيكون علّة له.

وأقوى من هذا في التعليل بذلك، ما روي من حديث سراقة بن مالك (1)، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله عز وجل ولا تستقبلوا القبلة".

وهذا ظاهر قوي في التعليل.

وحديث سراقة هذا، ذكر ابن أبي حاتم (2) أنه سأل أباه عن حديث رواه أحمد بن ثابت، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن سماك (3)، عن سراقة.

* ومنهم من اختار ذلك مطلقًا في الصحراء والبنيان؛ واحتجوا بحديث ابن عمر الآتي في الباب بعد هذا.

وحديث جابر الآتي فيه أيضًا، وقوله فيه: قبل أن يُقبَض بعام يستقبلها.

وبحديث عائشة: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الناس في ذلك، أمر بمَقْعدته، فاستقبل بها القبلة. ورأوا هذه الأحاديث وما أشبهها، ناسخة للأحاديث المتقدمة.

(1) انظر "نصب الراية"(2/ 103) و "كنز العمال"(9/ 361 / 26464) و (9/ 511 / 27201).

(2)

"العلل"(1/ 36، 37/ 75) قال أبو حاتم: إنما يروونه موقوفا، وأسنده عبد الرزاق بأخرة.

(3)

زاد في "العلل": عن أبي رشدين الجندي.

ص: 100

وهذا يحكى عن: عروة بن الزبير، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبي سليمان داود بن علي الأصبهاني (1).

* ومنهم من اختار ذلك في البنيان، (ورآه)(2) في الصحراء محرمًا، وحمل حديث ابن عمر وجابر وما في معناهما، على التخصيص لحديث أبي أيوب، لا على النسخ.

والحمل على التخصيص أولى؛ إذ إعمال الحديثين أولى من إلغاء أحدهما، ولأنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر التخصيص، وليس هو هاهنا متعذرًا.

قالوا: الرخصة في استقبال القبلة للغائط والبول، في المنازل، والمنع من ذلك في الصحارى، وهذا المذهب يروى عن العباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن عمر، والشعبي، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد -في إحدى الروايتين عنه-، وإسحاق بن راهويه، واحتجوا في المنع بحديث أبي أيوب وما في معناه، وفي الإباحة بحديث جابر، وابن عمر وما في معناهما.

ومحمل النهي عندهم -حيث ورد- على حرمة المصلين من الملائكة- أي في الصحراء، لا على حرمة القبلة، وذكروا في ذلك عن عيسى بن أبي عيسى؛ قال: قلت للشعبي: عجبت لقول أبي هريرة رضي الله عنه ونافع عن ابن عمر، قال: وما قالا؟ قلت: قال أبو هريرة: لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، وقال نافع عن ابن عمر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ذهب مذهبًا مواجه القبلة.

قال: أما قول أبي هريرة، ففي الصحراء إن لله خلقًا من عباده، يصلون في الصحراء، فلا تستقبلوهم، ولا تستدبروهم، وأما بيوتكم هذه التي تتخذونها

(1)"التمهيد"(1/ 311).

(2)

الأصل: ورواه.

ص: 101

للنتن (1)، فإنه لا قبلة لها.

وذكر الدارقطني: أن عيسى بن أبي عيسى وهو الحناط، وهو عيسى بن ميسرة وهو ضعيف (2).

وقد علل بغير ذلك.

* ومذهب رابع: لا يجوِّز الاستقبال؛ لا في الصحراء ولا في البنيان، ويجوز الاستدبار فيهما وهو أحد القولين عن أبي حنيفة وأحمد والمحكي عند الترمذي عن الشافعي.

واحتج هؤلاء بحديث سلمان: ليس فيه أكثر من قوله: أجل، لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول.

قلت: لم أقف على هذا القول الرابع محكيًا عن مذهب الشافعي، في غير كتاب الترمذي، فقد قال الإمام الرافعي في كتابه في شرح "وجيز الغزالي" -رحمهما الله- عندما تكلم على آداب قضاء الحاجة: إن كان في بناء، أو بين يديه ساتر، فالأولى أنه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها.

وإن كان في الصحراء ولم يستتر بشيء حرُم عليه استقبال القبلة واستدبارها، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا".

وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".

ولا يحرم ذلك في البناء -وإن كان الخبر مطلقًا- خلافًا لأبي حنيفة، وذلك لما روي عن ابن عمر؛ قال: رقيت السطح مرة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا على

(1) انظر "التمهيد "(1/ 309) و"المدونة"(1/ 7).

(2)

"السنن"(1/ 61 / 11).

ص: 102

لَبِنَتين، مستقبلًا بيت القدس (1).

ومن استقبل بيت القدس بالمدينة، فقد استدبر الكعبة.

وعن جابر (2)؛ قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بفروجنا ثم رأيته - قبل موته بعام- مستقبل القبلة (3).

* ومذهب خامس: وهو جواز الاستدبار دون الاستقبال، في البنيان خاصة، وهو مروي عن الإمام أبي حنيفة.

* ومذهب سادس: وهو تحريم الاستقبال، والاستدبار للقبلتين. الكعبة وبيت المقدس، نقل عن النخعي وغيره.

* ومذهب سابع: أن تحريم الاستقبال والاستدبار في ذلك لأهل المدينة وما وراءها، من الشام والغرب لأنهم في التشريق والتغريب لا يستقبلون القبلة ولا يستدبرونها، وإليه ذهب البخاري.

* وبعضهم يشير إلى أن ذلك ممنوع في البنيان إذا كان للمتبرِّز عنه مندوحة.

وإن أحوجه البنيان إلى الاستقبال أو عكسه جاز هذا، أو معناه.

ومنهم من توقف.

وسبب المنع في الصحراء -فيما ذكره الأصحاب- أن الصحراء لا تخلو من مصلٍّ من ملك، أو جني، أو إنسي، وربما وقع بصره على عورته.

وأما في الأبنية: فالحشوش لا يحضرها إلا الشياطين، ومن يصلي يكون خارجًا عنها، فيحول البناء بينه وبين المصلَّى، وليس السبب مجرد احترام الكعبة.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري (145) ومسلم (266).

(2)

رواه أبو داود (13) والترمذي (9) وابن ماجه (325).

(3)

"فتح العزيز"(1/ 458 - 460).

ص: 103

وقد نقل ما ذكروه عن ابن عمر وعن الشعبي رضي الله عنهما؛ انتهى ما ذكره (1).

وليس فيه التفرقة بين الاستقبال مطلقًا والاستدبار مطلقًا.

وفيه التصريح بالعلة، والتعليل بها لا يناسب هذا المذهب الرابع بوجه.

وقول الرافعي: "إن كان في بناء أو بين يديه ساتر، فالأولى أنه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".

قال الشيخ محيي الدين: قال جماعة من أصحابنا: هو مكروه، ولم يذكر الجمهور الكراهة.

والمختار: أنه إن كان عليه مشقة في تكلف التحرف عن القبلة فلا كراهة، وإن لم تكن مشقة فالأولى تجنبه، للخروج من خلاف العلماء، ولا تطلق عليه الكراهة، للأحاديث الصحيحة (2)، والله أعلم.

قوله: "إن كان عليه مشقة فلا كراهة": يقتضي ثبوت الكراهة؛ حيث لا مشقة.

ثم قوله: "وإن لم تكن مشقة فالأولى تجنبه": لا يقتضي ثبوت الكراهة، حيث لا مشقة، ليفرق بين أولوية الفعل، وثبوت الكراهة في الترك، لا سيما وقد أتبع التجنب المطلوب، كونه متسببًا عن الخروج من خلاف العلماء، وربما يقتضي ذلك لا كراهة عنده لذاته فتأمله.

والحديث دلَّ على المنع من استقبال القبلة لغائط أو بول.

(1)"فتح العزيز"(1/ 460، 461).

(2)

"شرح مسلم"(3/ 155، 156).

ص: 104

قال شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري رحمه الله: هذه الحالة تتضمن أمرين:

* أحدهما: خروج الخارج المستقذر.

" والثاني: كشف العورة. فمن الناس من قال: المنع للخارج، لمناسبته لتعظيم القبلة عنده.

ومنهم من قال: المنع لكشف العورة.

وينبني على هذا الخلاف: "الخلاف في جواز الوطء مستقبل القبلة، مع كشف العورة؛ فمن علل بالخارج، أباحه، إذ لا خارج، ومن علل بالعورة منعه".

انتهى ما قاله (1).

وهو حسن، لو كان المعلل بكشف العورة موافقًا له على الحكم الذي أشار إليه؛ لكن ليس كذلك؛ فقد قال الشيخ محيي الدين رحمه الله: يجوز الجماع في الصحراء، والبنيان مستقبل القبلة، هذا مذهبنا، ومذهب أبي حنيفة، وأحمد، وداود.

واختلف فيه أصحاب مالك: فجوزه منهم ابن القاسم، وكرهه ابن حبيب.

والصواب: الجواز، فإن التحريم إنما يثبت بالشرع، ولم يرد فيه نهي، والله أعلم.

وكذلك أيضًا قالوا: إذا تجنب استقبال القبلة واستدبارها حال خروج البول والغائط، ثم أراد الاستقبال، أو الاستدبار حال الاستنجاء جاز (2).

فهؤلاء المبيحون للوطء: هم المعللون بكشف العورة، كما حكى الرافعي عنهم،

(1)"إحكام الأحكام"(1/ 237، 238).

(2)

"شرح مسلم"(3/ 156).

ص: 105

فلا يحسن أن يورد هذا نقلًا ولكن يحسن أو يورد إلزامًا في المسألتين.

وأما ما حكاه الشيخ محيي الدين، من مذهب مالك، فيحتاج إلى تنقيح.

قال ابن شاس: وفي جواز الاستقبال والاستدبار -مع وجود الساتر- وإن لم تكن مراحيض ومنعهما، روايتان، سببهما: هل النهي لحرمة المصلين، أو لحق القبلة؟

وهل ينزل الوطء منزلة قضاء الحاجة، أو يجوز مطلقًا، مستقبلًا ومستدبرًا؟ قولان:

مدارهما: هل النهي للعورة، فيستويان؟ أو للخارج، فيفترقان؟

وحكى ابن سابق عن ابن حبيب: أنه لا يجوز في صحراء، ولا بنيان.

وهذا هو المسلك الذي سلكه شيخنا القشيري -رحمه الله تعالى- ولكنه أطلق في موضع التقييد، وفيما حكاه النووي عن ابن حبيب: الكراهة، وابن شاس يحكى عن ابن سابق عنه عدم الجواز.

وفي الأحاديث السابقة في الباب، حديث معقل:

"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نستقبل القبلتين"؛ قيل: أراد بالقبلتين: الكعبة وبيت المقدس.

ويحتمل أن يكون احترام البيت المقدس، إذ كان قبلة لنا مرة، أو يكون ذلك من أجل استدبار الكعبة، لأن من استقبله بالمدينة استدبر الكعبة.

وقد قال أصحابنا: لا يحرم استقبال بيت المقدس، ولا استدباره بالبول والغائط؛ لكن يكره.

فلو ثبت الحديث طولبوا بالفرق على التأويل الأول؛ لكن في إسناده أبو زيد

ص: 106

-مولى بني ثعلبة- راويه عن معقل، ولا تعرف له حال.

وفي معناه ما ذكره ابن عدي: من حديث عمرو بن العجلاني، ومداره أيضًا على: عبد الله بن نافع، وهو ضعيف عندهم.

وقوله: "ولكن شرقوا أو غربوا": محمول على محل يكون التشريق والتغريب فيه مخالفًا لاستقبال القبلة واستدبارها، كالمدينة التي هي مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في معناها من البلاد فلا يدخل تحته ما كانت القبلة فيه إلى المشرق.

وقول أبي أيوب: فننحرف عنها، ونستغفر الله: دليل على أنه لم يبلغه حديث ابن عمر وما في معناه، أو لم يره مخصصًا، وحمل ما رواه علي العموم.

وفي معنى الاستغفار في هذا المحل، أقوال رأيتها عن العلماء (1).

* فمنهم من يقول المراد نستغفر الله لباني الكنيف على هذه الصفة الممنوعة، وإنما حملهم على هذا التأويل أنه إذا انحرف عنها لم يفعل ممنوعًا، فلا يحتاج إلى الاستغفار.

* ومنهم من يقول: إنما استغفر لنفسه، قال شيخنا القشيري رحمه الله: ولعل ذلك لأنه بسبب موافقته البناء غلطًا أو سهوًا، فيتذكر، فينحرف ويستغفر الله.

قال: فإن قلت: فالغالط أو الساهي لم يفعل إثمًا، فلا حاجة به إلى الاستغفار.

قلت: أهل الورع والمناصب العلية في التقوى، قد يفعلون هذا، بناء على نسبتهم التقصير لأنفسهم مع التحفظ ابتداء (2).

(1) انظر "إحكام الأحكام"(1/ 247) و"عارضة الأحوذي"(1/ 25).

(2)

"الإحكام"(1/ 247).

ص: 107