المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن بكار، من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ١

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة الأولى* التعريف بأبي عيسى الترمذي وبمن بيننا وبينه:

- ‌ وأما مَنْ بيننا وبينه:

- ‌المقدمة الثانية* في ذكر كتاب "الجامع" لأبي عيسى وفضله:

- ‌فصل

- ‌1 - كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌1 - باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور

- ‌2 - باب ما جاء في فضل الطهور

- ‌3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور

- ‌4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

- ‌6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

- ‌7 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك

- ‌8 - باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا

- ‌9 - باب الرخصة في ذلك

- ‌10 - باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة

- ‌11 - باب ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين

- ‌12 - باب الاستنجاء بالحجارة

- ‌13 - باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين

- ‌14 - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به

- ‌15 - باب ما جاء في الاستنجاء بالماء

- ‌16 - باب ما جاء أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب حدثنا محمد بن بشار: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حاجته فأبعد في المذهب

- ‌17 - باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل

- ‌18 - باب ما جاء في السواك

- ‌19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن بكار، من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدُكم من اللَّيل فلا يُدخل يده في الإناء حتَّى يُفرغ عليها مرتين أو ثلاثًا، فإنَّه لا يدري أين باتت يده

- ‌20 - باب ما جاء في التسمية عند الوضوء

- ‌21 - باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق

- ‌22 - باب المضمضة والاستنشاقِ من كفٍ واحدٍ

- ‌23 - باب ما جاء في تخليل اللحية

- ‌25 - باب ما جاء أنَّه يبدأ بمؤخَّر الرأسِ

- ‌26 - باب ما جاء أنَّ مسح الرأس مرَّة

- ‌27 - باب ما جاء أنّه يأخذ لرأسه ماءً جديدًا

- ‌28 - باب ما جاء في مسح الأُذُنين ظاهرهما وباطنهما

- ‌29 - باب ما جاء أن الأذنين من الرأس

- ‌30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع

- ‌31 - باب ما جاء ويل للأعقاب من النار

- ‌32 - باب ما جاء في الوضوء مرة مرة

- ‌33 - باب ما جاء الوضوء مرتين مرتين

- ‌34 - باب ما جاء في الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌35 - باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا

- ‌36 - باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثًا

- ‌37 - باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان

- ‌38 - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء

- ‌39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء

- ‌40 - باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء

الفصل: ‌19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن بكار، من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده

‌19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن بكار، من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدُكم من اللَّيل فلا يُدخل يده في الإناء حتَّى يُفرغ عليها مرتين أو ثلاثًا، فإنَّه لا يدري أين باتت يده

".

[قال](1): وفي الباب عن ابن عمر، وجابر، وعائشة.

قال: هذا حديث حسن صحيح.

قال الشافعي: وأُحِبُّ لكل من استيقظ من النوم قائلةً كانت أو غيرها أن لا يُدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له، ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة.

وقال أحمد بن حنبل: إذا استيقظ من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها فأعجبُ إليَّ أن يهريق الماء.

وقال إسحاق: إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها (2).

(1) يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت.

(2)

"الجامع"(1/ 36 - 37).

ص: 270

* الكلام عليه:

حديث الباب أخرجه البخاري (1) ومسلم (2).

وفي رواية: "إذا كان أحدكم نائمًا ثم استيقظ فأراد الوضوء؛ فلا يضع يده في الإناء حتى يصبَّ على يده، فإنَّه لا يدري أين باتت". ورواه ابن ماجه أيضًا (3).

وحديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من النوم فأراد أن يتوضأ فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإنّه لا يدري أين باتت يده، ولا على ما وضعها". رواه ابن ماجه أيضًا (4).

وحديث عائشة) (5)[(6) فيسمِّي الله ثم يفرغ الماء على يديه](7).

(1) في "صحيحه"(كتاب الوضوء 1/ 72 / برقم 160) باب الاستجمار وترًا.

(2)

في "صحيحه"(كتاب الطهارة 1/ 233 / برقم 87) باب كراهية مس المتوضيء وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثًا.

(3)

في "سننه"(كتاب الطهارة (1/ 138 / برقم 393) باب الرجل يستيقظ من منامه هل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها.

(4)

في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 139 / برقم 394) الباب السابق.

(5)

لم يذكر الناسخ حديث جابر فعلّق عليه مالك هذه النسخة أحمد بن العجمي قائلًا: "قلت: سقط على الناسخ تخريج حديث جابر فإنه أيضًا قد أخرجه ابن ماجه وهذا اللفظ الذي ذكره لحديث ابن عمر هو لفظ حديث جابر في

والله تعالى أعلم".

(6)

ما بين المعكوفتين ألحقه الناسخ للمخطوط "ت" بالهامش وصحَّح هذا اللحق بوضع علامة "صح" في آخره.

(7)

ذكر حديث عائشة هذا ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 62 / 162).

ص: 271

وفي الباب مما ليس عند الترمذي حديث الحارث، عن عليٍّ أنَّه:"دعا بماء فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم قال: هكذا رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يصنع".

رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عنه (1).

فيه النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها، وهو نهي تنزيه لا تحريم عند الجمهور، فلو خالف وغمس لم يفسد الماء، ولم يأثم الغامس (2).

وحكي عن الحسن البصري أنَّه ينجس إن كان قام من نوم الليل.

وحكي ذلك عن إسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير الطبري (3) وهو ضعيف؛ فإنَّ الأصل في الماء واليد الطهارة.

وروي عن الحسن إعادة الوضوء والصلاة على من لم يغسل يده ثلاثًا قبل أن يدخلها في الوضوء (4)، وبه يقول داود الظاهري (5).

وذكر ابن عدي من حديث معلّى بن الفضل: ثنا الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها، ثم ليتوضأ، فإن غمس يده في الإناء من قبل أن

(1) في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 139 / برقم 396) باب الرجل يستيقظ من منامه هل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها.

(2)

انظر "فتح الباري" لابن حجر (1/ 317).

(3)

انظر "فتح الباري"(1/ 317).

(4)

انظر "المحلى"(1/ 210).

(5)

المصدر السابق.

ص: 272

يغسلها، فليهريق ذلك الماء. أنكر ابن عدي على معلّى زيادة: فليهريق ذلك الماء.

قال: ولمعلّى غير ما ذكرت، وفي بعض ما يرويه نكرة (1).

وفي الحديث أيضًا رواية الحمسن عن أبي هريرة، وهو منقطع عند أكثرهم (2).

وقال (3) غيره حتى يغسل يديه ثلاث مرات، ويستنشق ويستنثر ثلاثًا ثلاثًا، فإن لم يفعل لم يجزءه الوضوء، ولا تلك الصلاة، لما روى البخاري (4) ومسلم (5) في صحيحيهما، من حديث عيسى بن طلحة عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات، فإنَّ الشيطان يبيت على خيشومه".

وفي لفظ: "فليستنشق ثلاثًا".

وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أحقٌّ عليَّ أن أستنشق؟ قال: نعم، قلت: كم؟ قال: ثلاثًا. قلت: عمَّن؟ قال: عن عثمان.

قال عبد الرزاق: ثنا معمر، عن قتادة، عن معبد الجهني قال في المضمضة والاستنشاق: إن كان جنبًا فثلاثًا، وإن كان جاء من الغائط فاثنتين، وإن كان جاء من البول فواحدة.

(1) في "الكامل"(6/ 374 / رقم 1857).

(2)

انظر "جامع التحصيل" ص (164).

(3)

يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت.

(4)

في كتاب "بدء الخلق"(3/ 1199 / برقم 3121) باب صفة إبليس وجنوده.

(5)

(كتاب الطهارة 1/ 213 / برقم 238) باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار.

ص: 273

وقد خصَّ الإمامُ أحمدُ (1)، وبعضُ أهلِ الظاهرِ (2) التَّحريم في ذلك بنوم الليل دون النهار، أخذًا لذلك من لفظ البيات.

[وقد](3) روى أبو داود (4) في هذا الحديث: "إذا استيقظ أحدُكم من اللَّيل" كما ذكرناه من طريق الترمذي.

والذي ذهب إليه مالك (5) والشافعي (6) وغيرهما (7) أنّ الأمر بهذا الغسل محمول على اليدين للمتوضئ سواء قام من نوم ليل أو نهار، أو قام لا من نوم.

إلَّا أنَّ أصحابنا (8) فرقوا في ذلك بين المستيقظ من النوم وغيره تفرقة يأتي ذكرها.

قالوا: وإنَّما قلنا إنَّ الأمر بذلك محمول على الندب، لا على الوجوب لأمرين: أحدهما: ما جاء (9) في الحديث (10) من قوله عليه السلام للأعرابي:

(1)"مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود (9) برقم 18.

(2)

حكى ابن حزم عن داود وأصحاب الظاهر وجوب غسل اليدين ثلاثًا قبل إدخالها في الإناء مطلقًا سواء كان في نوم الليل أو غيره وقرر ذلك كله في "المحلى"(1/ 106 - 207 مسئلة برقم / 149) وهذا خلاف ما ذكره ابن سيد الناس عن بعض أهل الظاهر. فالله أعلم.

(3)

يقتضيها السياق وموضعها بياض في ت.

(4)

في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 76 / 103) باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها.

(5)

انظر "الاستذكار"(1/ 193).

(6)

انظر "الأم" للربيع (1/ 20).

(7)

حكاه ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 372 - 373) عن طائفة من أهل العلم.

(8)

وهم الشافعية انظر مذهب الشارح في المقدمة.

(9)

ألحقها الناسخ في هامش ت وصحَّح اللحق.

(10)

الذي رواه أبو داود في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 537 / برقم 857 و 858) باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، والترمذي في "الجامع"(كتاب الصلاة 2/ 100 / برقم 302) =

ص: 274

"توضَّأْ كما أمرك الله" فأحاله على الآية، وليس فيها غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء.

الثاني: أنَّ الأمر وإن كان ظاهره الوجوب، إلا أنَّه انصرف عن الظاهر بقرينة ودليل؛ القرينة ها هنا قائمة في صرفه عن الوجوب لأنَّه عليه السلام علَّلَ بأمرٍ يقتضي الشك، وهو قوله:"فإنَّه لا يدري أين باتت يدُه".

والقواعد تقتضي أنَّ الشكَ لا يقتضي وجوبًا في الحكم إذا كان الأصل المستصحب على خلافه موجودًا (1).

والأصل الطهارة في اليد فليستصحب، واعتبار هذه العلَّة ظاهر خلافًا لمن قال من الظاهرية (2) وغيرهم (3) أنَّ الأمر بذلك للتعبد فهذه علَّة نص [الشارع] عليها.

غير أن المعلِّلين بها اختلفوا هل ذلك [للنظافة](4)، أو خشية النجاسة، كما أشار إليه القاضي أبو بكر بن العربي (5).

فالذين علَّلوا بتوقع النجاسة قالوا: إنَّهم كانوا يستنجون بالأحجار غالبًا ومعلوم أنها لا تستوعب الإنقاء؛ فربما وقعت اليد على المحل في حالة العرق فتنجست، فإذا وضعت في الماء نجّسته، لأن الماء المذكور في الحديث هو ما يكون في الأواني التي

= باب ما جاء في وصف الصلاة، والنسائي في سننه كتاب "الأذان"(2/ 349 / برقم 666) باب الإقامة لمن يصلي وحده. وابن ماجه كتاب "الطهارة"(1561 / برقم 460) باب ما جاء في الوضوء على ما أمر الله تعالى.

(1)

انظر "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 110 - 111 مع حاشية الصنعاني).

(2)

كابن حزم في "المحلى"(1/ 207).

(3)

كمالك انظر "فتح الباري"(1/ 318).

(4)

يقتضيها السياق وفي المخطوط ت تصحفت فجاءت فيه للنضافة.

(5)

بل صرح بذلك في "عارضة الأحوذي"(1/ 38) ولعله أشار إلى ذلك في موضع أو كتاب آخر.

ص: 275

يتوضّأ منها، والغالب عليها القلّة، وقد لا يخلو الإنسان من حك بثرة في جسمه أو ما أشبه ذلك، فيعلق دمه بيده، فاستحبّوا غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء في ابتداء الوضوء مطلقًا، سواء قام من النوم أو لا، ولهم فيه مأخذان:

* أحدهما: أنَّ ذلك وارد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لسبق نوم.

* الثاني: أن المعنى الذي عُلِّل به النوم وهو جولان اليد في الجسد؛ هو موجود في حالة اليقظة أيضًا فيعمّ الحكم لوجود علته.

وإنّما ذُكر الليل لكونه الغالب، وذكر العلّة لينبه على أنّه ليس مخصوصًا باللَّيل، إلَّا أنَّ الأصحاب رحمهم الله تعالى فرّقوا بين حالة المستيقظ من النوم، وغير المستيقظ وهي التفرقة التي تقدَّمت الإشارة إليها.

فقالوا في المستيقظ من النوم:

* يكره أن يغمس يده في الإناء قبل غسلها ثلاثًا. وفي غير المستيقظ من النوم يستحبُ له غسلها قبل إدخالها في الإناء على أظهر الوجهين.

* والثاني: يكره الغمس قبل الغسل كالأول.

والفرق بين قولنا يستحبّ فعل كذا وقولنا يكره تركه ظاهر. فلا تلازم بينهما، إذ قد يكون الشيء مستحب الفعل، ولا يكون مكروه الترك؛ كصلاة الضحى مثلًا، وكصوم يوم الاثنين والخميس. فغسلهما لغير المستيقظ من النوم قبل إدخالهما الإناء من المستحبّات، وترك غسلهما للمستيقظ من المكروهات.

فقد وردت صيغة النهي عن إدخالهما في الإناء قبل الغسل في حق المستيقظ من النوم، وأقل ما يقتضيه الكراهة.

ص: 276

وإذا كان الماء في إناء كبير، أو صخرة بحيث لا يمكن الصّب منه، وليس معه إناء صغير يغترف به، فطريقه أن يأخذ الماء بفيه، ثم يغسل به كفيه، أو يأخذه بطرف ثوبه النظيف أو يستعين بغيره.

قال الشيخ محيي الدين: وفي هذا الحديث دلالة لمسائل كثيرة في مذهبنا ومذهب الجمهور؛ [منها](1):

أنَّ الماء القليل إذا وردت عليه نجاسةٌ نجسَّته، وإنْ قلَّت ولم تغيِّره فإنَّها تنجِّسه لأنّ الذي تعلَّق باليد ولا يرى قليل جدًّا، وكانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقصر عن قلَّتين بل لا تقاربهما (2).

قال شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري: "وفيه نظر عندي لأن مقتضى الحديث: إنَّ ورود النجاسة على الماء يؤثّر فيه، ومطلق التأثير أعمُّ من التأثير بالتَّنْجيس، ولا يلزم من ثبوت الأعمَّ ثبوت الأخصِّ المُعيَّن، فإذا سلَّم الخصمُ أنَّ الماء القليل بوقوع النجاسة فيه يكون مكروهًا. فقد ثبت مطلق التأثير، ولا يلزم ثبوت خصوص التأثير بالتنجيس"(3).

قال: ومنها: "الفرق بين ورود الماء على النجاسة، وورودها عليه، فإنَّها إذا وردت عليه نجّسته، وإذا ورد عليها أزالها" انتهى كلامه (4).

[وتقريره](5) أنَّه قد نهى عن إدخال اليدين في الإناء لاحتمال النجاسة،

(1) موضعها بياض في المخطوط ت وأثبتها من شرح النووي على مسلم (3/ 516).

(2)

في شرحه على مسلم (3/ 179).

(3)

في شرحه "لعمدة الأحكام"(1/ 117 - 118) مع حاشية الصنعاني.

(4)

أي كلام النووي في شرحه على صحيح مسلم (3/ 179).

(5)

يقتضيها السياق وهي غير مقروءة في المخطوط ت لوجود بياض على بعض حروفها.

ص: 277

وذلك يقتضي أنَّ ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه، وأمر بغسلهما بإفراغ الماء عليهما للتطهير، وذلك يقتضي أنَّ ملاقاتهما الماء على هذا الوجه غير مفسد له، بمجرَّد الملاقاة، وإلَّا لما حصل المقصود من التطهير.

قال: "ومنها: أنَّ الغسل سبعًا ليس عامًّا في جميع النجاسات، وإنّما ورد الشرع به في ولوغ الكلب خاصة.

ومنها: أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالأحجار، بل يبقى نجسًا معفوًّا عنه في حين الصلاة.

ومنها: استحباب غسل النجاسة ثلاثًا.

ومنها: استحباب الغسل ثلاثًا في المتوهمة.

ومنها: أنَّ النجاسة المتوهَّمة يستحبُّ فيها الغسلُ، ولا يُؤثِّر الرش لأنَّه صلى الله عليه وسلم قال: حتى يغسلها، ولم يقل حتى يغسلها أو يرشَّها.

ومنها: استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حدِّ الوسوسة.

ومنها: استحباب استعمال الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به، فإنَّه عليه السلام قال:"لا يدري أين باتت يده"، ولم يقل: فلعلَّ يده وقعت على دبره، أو ذكره، أو نجاسة ونحو ذلك.

وإن كان هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز، والأحاديث الصحيحة، وهذا إذا عُلم أنَّ السامع يفهم بالكناية.

المقصود: فإن لم يكن كذلك، فلا بدّ من التصريح لينتف اللبس والوقوع في

ص: 278

الخلاف للمطلوب.

وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مُصرَّحًا به" (1).

وروى هذا الحديث مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإنّه لا يدري أين باتت يده"

أخرجه البخاري من حديث مالك (2).

قال أبو عمر: لم يختلف الرواة عن مالك في حديث أبي الزناد هذا (3).

وفيه شيئان:

* أحدهما: صيغة الأمر في قوله فليغسل.

" والثاني: ترك العدد.

[قلت](4): وقد روي بصيغة النهي فلا يدخل يده في الإناء كما ذكرناه، وبصيغة العدد من غير وجه.

فأمّا ما ورد فيه الغسل مطلقًا، وما ورد فيه مقيّدًا بالعدد فيحمل مطلق ذلك على مقيّده.

* * *

(1) انظر "شرح مسلم" للنووي (3/ 179 - 180).

(2)

في "صحيحه"(كتاب الوضوء 1/ 172 / برقم 160) باب الاستجمار وترًا.

(3)

في "التمهيد"(18/ 227).

(4)

يقتضيها السياق وهي غير مقروءة لوجود بياض على بعض حروفها.

ص: 279