الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة
حدثنا قتيبة: ثنا عبد السلام بن حرب عن الأعمش، عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
قال [أبو عيسى](1): هكذا روى محمد بن ربيعة، عن الأعمش، عن أنس بن مالك هذا الحديث.
وروى وكيع والحماني، عن الأعمش، قال: قال ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
وكلا الحديثين مرسل، ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس بن مالك ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نظر إلى أنس بن مالك؛ قال: رأيته يصلي فذكر عنه حكاية في الصلاة.
والأعمش اسمه: سليمان بن مهران (2) أبو محمد الكاهلي وهو مولى لهم؛ قال الأعمش: كان أبي حميلًا فورَّثه مسروق (3).
* الكلام عليه:
الحديث عند الترمذي منقطع لأنَّ الأعمشَ عنده لم يسمع من أنس وهذا هو المشهور.
وقد ذكر أبو نعيم الأصبهاني: أنَّ الأعمش رأى أنس بن مالك وابن أبي أوفى
(1) زيادة من المطبوع نسخة أحمد شاكر.
(2)
يوجد كلام بالهامش مقابل قوله سليمان بن مهران في نسخة ت (ل 43 / ب) إلا أنه غير مقروء.
(3)
"الجامع" للترمذي (1/ 22 / 14).
وسمع منهما (1).
وقال البزار: سمع الأعمش من أنس وأورد حديثًا ذكر فيه سماعه منه؛ قال: فلا ينكر ما أرسل عنه (2).
وقال أبو داود: عبد السلام بن حرب رواه عن الأعمش، عن أنس بن مالك وهو ضعيف (3).
يعني بذلك: رواية الأعمش عن أنس، وإلَّا فليس فيمن ذكر من يُضعف، ورواية الأعمش من طريق ابن عمر التي أشار إليها مخرَّجة عند أبي داود (4) من طريق رجل لم يسمه عن ابن عمر (5) فهي منقطعة أيضًا، غير أنَّ الحافظ أبا بكر البيهقي رحمه الله، قال: ثنا أبو الحسن علي بن عبد الله الخسروجردي: أنا أبو بكر الإسماعيلي: نا عبد الله بن محمد بن مسلم -من أصل كتابه-: ثنا أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي -شيخ جليل-: ثنا وكيع: ثنا الأعمش، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر؛ قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة تنحَّى ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض (6).
(1) في "الحلية"(5/ 54 / ترجمة 298).
(2)
انظر "كشف الأستار"(3/ 92 / برقم 2319) والحديث الذي أورده هو الحديث الذي سيأتي معنا في قراءة أنس لقوله تعالى {وَأَقْوَمُ قِيلًا} وسماع الأعمش منه هذه القراءة.
(3)
"السنن"(1/ 22).
(4)
في "السنن"(1/ 21 / 14).
(5)
علَّق الناسخ عند هذا الكلام بقوله (ل 43 / أ)"قلت: الرواية التي أشار إليها المصنف ليست في أبي داود، فإن التي في أبي داود فيها بين ابن عمر والأعمش واسطة، فأما رواية وكيع فرواها المعمري في عمل اليوم والليلة، وأما رواية الحماني فذكرها العقيلي أيضًا في الضعفاء".
قلت بل الرواية التي أشار اليها عند أبي داود وهي كذلك عنده عن الاعمش عن رجل لم يسمه عن ابن عمر كما قال المصنف فلا عبرة بما قال المعُلِّق.
(6)
"السنن الكبرى"(1/ 96).
فسمَّى الرجلَ الذي لم يُسمْ: القاسم بن محمد، فإنْ لم يكنْ ابن أبي بكر، فهو أعرف أنْ من نُعرِّف به، وأشهر من أن ننبِّه عليه.
ومحمد بن ربيعة: الراوي عن الأعمش، هو: أبو عبد الله الكِلابي الرَّؤاسي، ابن عم وكيع بن الجراح.
سمع: هشام بن عروة، وابن جريج، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وابن أبي ليلى، وإسماعيل الأزرق، وكامل بن العلاء.
روى عنه: محمد بن الوليد الفحام، وعبد الرحمن بن الأسود، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وسريج بن يونس، ويحيى بن معين، وزياد بن أيوب، وأبو كريب، وابن أبي شيبة وآخرون (1).
قال يحيى بن معين: ليس به بأس (2)، وفي رواية: صدوق، ثقة (3).
وقال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث (4).
وقال الدارقطني: ثقة (5).
روى له: أبو داود والترمذي وابن ماجه (6).
ووكيع والحماني؛ يأتي ذكر كل منهما في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأما الأعمش: فهو سليمان بن مهران، أبو محمد، الأسدي الكاهلي الكوفي.
(1) انظر "تهذيب الكمال"(25/ 196).
(2)
"التاريخ"(2/ 515).
(3)
"الجرح والتعديل"(7/ 252 / ترجمة 1383).
(4)
"الجرح والتعديل"(7/ 252 / ترجمة 1383).
(5)
"سؤالات البرقاني" الترجمة (430).
(6)
والبخاري في "الأدب المفرد" أيضًا.
وكاهل هو: ابن أسد بن خزيمة، يقال: أصله من طبرستان من قرية يقال لها: دُنْباوَنْد، جاء به أبوه حميلًا إلى الكوفة فاشتراه رجل من بني أسد فأعتقه كذا، قال عبد الغني.
رأيت بخط شيخنا الحافظ أبي محمد الدمياطي رحمه الله: الصحيح أن الحميل كان أبوه (1).
والحميل: الذي يولد بأرض العدو.
وقال أبو بكر الخطيب (2): رأى أنس بن مالك ولم يسمع منه شيئًا مرفوعًا.
وروى عن عبد الله بن أبي أوفى مرسلًا، وسمع المعرور بن سويد وأبا وائل شقيق بن سلمة، وزيد بن وهب، وعمارة بن عمير، وإبراهيم التيمي، وأبا صالح ذكوان، وسعيد بن جبير، ومجاهدًا، وإبراهيم النخعي.
روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وسليمان التيمي، والحكم بن عتيبة، وزبيد اليامي، وسهيل بن أبي صالح، وسفيان الثوري، وشعبة، وزائدة، وشيبان بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن زياد، وسفيان بن عيينة، وعلي بن مسهر، وأبو معاوية، وحفص بن غياث، ووكيع، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن إدريس، [وعيسى](3) بن يونس، وعبد الرحمن المحاربي، وعبدة بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان، وعمر، ويعلى، ومحمد بنو عبيد الطنافسي، وأبو أسامة، وعبد الله بن عمر (4) وغيرهم.
(1)"الكمال" وذكره الخطيب في "تاريخه".
(2)
"تاريخ بغداد"(9/ 4)، وقد رده ابن حجر على المزي، بل ونقل بشار عواد عن نسخة منقولة عن نسخة المزي ما يفيد تراجعه عن هذه الدعوى.
وهذه الرواية فيها خطأ قال الحافظ: وكأنه كان والله أعلم: أخذ بركاب ابن أبي بكرة فسقطت: ابن.
(3)
الأصل بدونها، ولعل الصواب إثباتها، أو [وإسرائيل].
(4)
كذا ولعلها: ابن نمير.
وكان من أقرأ الناس للقرآن وأعرفهم بالفرائض وأحفظهم للحديث".
قال ابن المنادي: قد رأى سليمان الأعمش أنس بن مالك؛ إلا أنه لم يسمع منه، ولكنه قد رأى أبا بكرة الثقفي وأخذ له بركابه، فقال له: يابني! إنما أكرمت ربك عز وجل" (1).
وروى وكيع عن الأعمش؛ قال: رأيت أنس بن مالك وما منعني أن أسمع منه إلا استغنائي بأصحابي (2).
وقال أبو يحيى الحِمّاني، عن الأعمش؛ قال: سمعت أنسًا يقرأ: (إن ناشثة الليل هي أشد وطئًا وأصوب قيلًا)، فقيل له يا أبا حمزة:{وَأَقْوَمُ قِيلًا} فقال: أقوم وأصوب واحد (3).
وروى ابن فضيل، عن الأعمش، قال: رأيت أنسًا بال، فغسل ذكره غسلًا شديدًا، ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم صلى (4).
وقال يحيى بن معين: كل ما روي عن الأعمش عن أنس فهو مرسل (5)، وقد رأى الأعمش أنسًا (6).
وقال ابن المديني: الأعمش لم يحمل عن أنس إنما رآه يخضب، وإنما سمعها عن يزيد الرقاشي وأبان عن أنس (7).
(1) انظر الحاشية (2) في الصفحة السابقة.
(2)
"تاريخ بغداد"(9/ 4).
(3)
المصدر السابق وهذا الأثر أخرجه البزار أيضًا كما في "كشف الأستار"(3/ 92).
(4)
"تاريخ بغداد"(9/ 4).
(5)
"التاريخ"(2/ 235).
(6)
"التاريخ"(2/ 234 / 1572).
(7)
"تاريخ بغداد"(9/ 4).
وقال حنبل بن إسحاق: قال أبو عبد الله: بلغني أن الأعمش ولد مقتل الحسين. (1)(2).
وقال الخطيب: أنا البرقاني، قال: قرأت على أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن [علّك](3) المروزي: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد الذهلي يقول: ولد عمر بن عبد العزيز، وهشام بن عروة، والزهري، وقتادة، والأعمش، ليالي قتل الحسين بن علي، وقيل سنة إحدى وستين (4).
وقال حنبل: قال أبو عبد الله: قال يحيى: قال الأعمش: إنما كان بيننا وبين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ستر (5).
قال أبو عبد الله: صدق، هكذا كان قد رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (6).
وقال العجلي: الأعمش سليمان بن مهران أبو محمد: ثقة كوفي وكان محدث أهل الكوفة في زمانه، يقال: إنه ظهر له أربعة آلاف حديث ولم يكن له كتاب وكان يقرئ القرآن رأس فيه. قرأ على يحيى بن وثاب وكان فصيحًا وكان [أبوه من سبي](7) الديلم وكان مولى لبني كاهل فخذ من بني أسد وكان عسرًا سيئ الخلق (8).
وقال -في موضع آخر-: كان لا يلحن حرفًا، وكان عالمًا بالفرائض، ولم يكن
(1) علَّق الناسخ للمخطوط ت قائلًا (ل 44 / ب)"إذا كان ولد عند مقتل الحسين فكيف يصحُّ له. . . أبي بكر البيهقي إنه كان قبل مقتل الحسين بمدة".
(2)
"تاريخ بغداد"(9/ 5)، وقارن مع "ثقات العجلي" و"تهذيب الكمال".
(3)
كذا في ترجمته من "السير"(16/ 168 / ترجمة 123) وفي المخطوط ت: عليك وهو خطأ.
(4)
"تاريخ بغداد"(9/ 5).
(5)
"تاريخ بغداد"(9/ 5).
(6)
المصدر السابق.
(7)
ما بين المعكوفتين معرفة من الثقات للعجلي وفي ت: كان يقرئ القرآن وهو تكرار.
(8)
"معرفة الثقات"(1/ 432 / 676 ترجمة).
في زمانه من طبقته أكثر حديثًا منه وكان فيه تشيع، ولم يختم على الأعمش إلا ثلاثة نفر: طلحة بن مصرف، اليامي وكان أفضل من الأعمش وأرفع سنًّا منه، وأبان بن تغلب النحوي، وأبو عبيدة بن معن بن عبد الرحمن، بن عبد الله بن مسعود روى عن أنس بن مالك حديثًا واحدًا:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء"(1).
وذكروا أن أبا الأعمش مهران شهد مقتل الحسين، وأن الأعمش ولد يوم قتل الحسين، وذلك يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وراح الأعمش إلى الجمعة وعليه فروة، وقد قلب جلدها على جلده وصوفها إلى الخارج وعلى كتفه منديل الخوان مكان الرداء (2).
وقال يحيى بن يمان: قال الأعمش: إني لأرى الشيخ يخضب لا يروى شيئًا من الحديث فأشتهي أن ألطمه (3).
وعن طلحة بن مصرف قال: كنا نختلف إلى يحيى بن وثاب نقرأ عليه، والأعمش ساكت ما يقرأ، فلما مات يحيى بن وثاب فتشنا أصحابنا فإذا الأعمش أقرأنا (4).
وقال زياد بن أيوب: سمعت هشيمًا يقول: ما رأيت بالكوفة أحدًا أقرأ لكتاب الله من الأعمش، ولا أجود حديثًا ولا أفهم ولا أسرع إجابة لما يسأل عنه (5).
وقال زهير: سمعت أبا إسحاق يقول: ما بالكوفة منذ كذا وكذا سنة أقرأ من رجلين في بني أسد: عاصم والأعمش؛ أحدهما لقراءة عبد الله، والآخر لقراءة زيد (6).
(1)"معرفة الثقات"(1/ 434).
(2)
المصدر السابق.
(3)
"تاريخ بغداد"(9/ 6).
(4)
المصدر السابق.
(5)
المصدر السابق.
(6)
"تاريخ بغداد"(9/ 7).
وقال شعبة: سليمان الأعمش أحبُّ إليَّ من عاصم. وفي حديث [الجوهري](1): أحبُّ إلينا حديثًا من عاصم.
وذكر العجلي (2)؛ قال: أمر عيسى بن موسى للقراء بصلة، فأتوا وقد لبسوا وجاء الأعمش وعليه ثياب قصار إلى أنصاف ساقيه، ورجل يقوده، فلما دخل الدار؛ قال: ها هنا ابن أبي ليلى؟ ها هنا ابن شبرمة؟ أريحونا من هذه الحيطان الطوال.
قال عيسى: ما دخل علينا اليوم قارئ غير هذا عجلوا له.
وقال عيسى بن يونس: لم نر نحن ولا القرن الذي كانوا قبلنا مثل الأعمش (3).
وقال: ما رأينا نحن والسلاطين عند أحد أحقر منهم عند الأعمش مع فقره وحاجته (4).
وقال عيسى بن موسى لابن أبي ليلى: اجمع الفقهاء، قال: فجمعهم، فجاء الأعمش في جبة فرو، قد ربط وسطه بشريط، فأبطؤوا، فقام الأعمش وقال: إن أردتم أن تعطونا شيئًا وإلا فخلوا سبيلنا، فقال: يا ابن أبي ليلى! قلت لك تأتي بالفقهاء، تجيء بهذا، قال: هذا سيدنا هذا الأعمش (5).
وقال يوسف بن موسى: سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقوله: مات الأعمش يوم مات وما خلف أحدًا من الناس أعبد منه، قال: وكان صاحب سنة (5).
وكان يحيى القطان إذا ذكر الأعمش؛ قال: كان من النساك، وكان محافظًا على الصلاة في جماعة وعلى الصف الأول، قال يحيى: وهو علامة الإسلام (5).
(1)"تاريخ بغداد"(9/ 7) والجوهري أحد رواة هذا الخبر، والأصل: الزهري!
(2)
"معرفة الثقات"(1/ 435).
(3)
"تاريخ بغداد"(9/ 8).
(4)
المصدر السابق وفيه: "ما رأيت الأغنياء والسلاطين" به.
(5)
"سؤالات أبي عبيد"(1/ 336 / برقم 575).
وعن محمود بن غيلان: ثنا وكيع؛ قال: كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريبًا من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة (1).
وذكر أبو عبيد محمد بن علي الآجري: قال أبو داود: وسمعت يحيى بن معين يقول: كان الأعمش جليلًا جدًّا (2).
وروى ابن نمير عن الأعمش؛ قال: كنت آتي مجاهدًا فيقول: لو كنت أطيق المشي لجئتك (3).
وقال أحمد: كان أبو إسحاق والأعمش رجلي أهل الكوفة (3).
وقال زهير بن معاوية: ما أدركت أحدًا أعقل من الأعمش والمغيرة (3).
وقال أبو بكر بن عياش. ثنا مغيرة، قال: لما مات إبراهيم اختلفنا إلى الأعمش في الفرائض (3).
وقال ابن عيينة: سبق الأعمش أصحابه بأربع خصال: كان أقرأهم للقرآن، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض، ونسيت أنا واحدة (3).
وقال علي بن المديني: حفظ العلم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستة، فلأهل مكة: عمرو بن دينار، ولأهل المدينة: محمد بن مسلم -وهو ابن شهاب الزهري-، ولأهل الكوفة: أبو إسحاق السبيعي، وسليمان بن مهران الأعمش ولأهل البصرة: يحيى ابن أبي كثير نافلة، وقتادة (3).
وروى يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن عاصم الأحول؛ قال: مرَّ الأعمش بالقاسم بن عبد الرحمن فقال: هذا الشيخ -يعني: الأعمش- أعلم الناس بقول عبد الله بن مسعود (3).
(1)"تاريخ بغداد"(9/ 8)، وفي تهذيب الكمال: سنتين، بدل: ستين سنة.
(2)
سؤالات أبي عبيد (1/ 336 / برقم 575).
(3)
تاريخ بغداد (9/ 9).
وعن شعبة: ما شفاني أحد من الحديث ما شفاني الأعمش (1).
وقال العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: كان جريرًا إذا حدَّث عن الأعمش؛ قال: هذا الديباج الخسرواني (2).
وروى عبيد الله بن [عمرو](3) عن إسحاق بن راشد؛ قال: قال لي (4) الزهري: بالعراق أحد يحدث؟ قلت: نعم، قلت له: هل لك بعدُ أن آتيك بحديث بعضهم؟ فقال لي: نعم، فجئته بحديث سليمان الأعمش، فجعل ينظر فيها ويقول: ما ظننت أن بالعراق من يحدث مثل هذا! قال: قلت: وأزيدك! هو من مواليهم (5).
وقال عبد الله بن داود: سمعت شعبة يقول: إذا ذكر الأعمش؛ قال: المصحف المصحف (5).
وقال أبو حفص عمرو بن علي: كان الأعمش يُسمَّى المصحف من صدقه (6).
وقال الحسين بن إدريس: سمعت ابن عمار يقول: ليس في المحدثين أحد أثبت من الأعمش، ومنصور بن المعتمر -وهو أفضل من الأعمش- إلا أن الأعمش أعرف بالمسند منه وأكثر مسندًا (6).
وقال أبو بكر بن عياش: كنا نُسمِّي الأعمش سيد المحدثين، وكنا نجئ إليه إذا فرغنا من الدوران -وذكر كلامًا- ثم قال: وكان يُخرجُ إلينا شيئًا فنأكله، قال: فقلنا يومًا: لا يخرج إليكم الأعمش شيئًا إلا أكلتموه، قال: فأخرج إلينا شيئًا فأكلناه،
(1) تاريخ بغداد (9/ 10).
(2)
"التاريخ"(2/ 235 / برقم 2119).
(3)
كذا في "تاريخ بغداد"(9/ 11) وانظر الرواة عن إسحاق بن راشد الجزري في "تهذيب الكمال"(2/ 419).
(4)
ألحقها ناسخ ت في الهامش وصحح اللحق بوضعه علامة صح عليها.
(5)
"تاريخ بغداد"(9/ 11).
(6)
"تاريخ بغداد"(9/ 11).
وأخرج فأكلناه، فدخل فأخرج فتيتًا فشربناه، فدخل فأخرج إجانة صغيرة وفتًا. فقال: فعل الله بكم وفعل، أكلتم قوتي وقوت امرأتي وشربتم فتيتها، هذا كلوا علف الشاة -وذكر تمام الحكاية- (1).
وحكى الترمذي أن الأعمش ذكر عن أنس حكاية في الصلاة، وقد ذكر الحافظ أبو محمد عبد الغني بسند له إلى السري بن عاصم، قال: كنا عند محمد بن فضيل فسأله ابن حنبل أو سألته: يا أبا عبد الرحمن؟ الأعمش رأى أنس بن مالك؟ فوقف فقال: ما أدري، فقلت له: حدثني عيسى بن يونس، عن الأعمش أنه رأى أنس بن مالك يصلي فلما رفع رأسه من الركوع استوى قائمًا فرأيت محمد بن فضيل أعجبه ذلك وسُرَّ به (2).
قال أبو نعيم: مات الأعمش وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وولد سنة ستين، ومات سنة ثمان وأربعين ومئة في شهر ربيع الأول، بعد منصور بست عشرة سنة (3) وقال العجلي: مات سنة تسع وأربعين ومئة، وكان ثقة ثبتًا في الحديث، وقال في موضع آخر: سنة ثمان (4).
قال الخطيب: الصحيح أنه مات سنة ثمان وأربعين ومئة (5).
روى له الجماعة.
قلت: لم يذكر في باب الاستتار عند الحاجة إلا حديث الأعمش (6) من
(1)"تاريخ بغداد"(9/ 11).
(2)
"الجامع" للترمذي (1/ 22).
(3)
"الحلية"(5/ 54).
(4)
"معرفة الثقات"(1/ 435).
(5)
"تاريخ بغداد"(9/ 12).
(6)
علَّق الناسخ للمخطوط ت قائلًا (ل 46 / أ): "بقي عليه في الباب عن أبي هريرة رواه المعمري من رواية عبد الكريم بن أبي المخارق عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج إلى الخلاء التفت يمينًا وشمالًا ولم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض". اهـ.
(انظر: "الكامل" 5/ 286).
طريقيه المنقطعين عن ابن عمر معلقًا وعن أنس مسنده إليه.
وهذا الانقطاع ليس متفقًا عليه، قد خالف فيه البزار وأبو نعيم (1).
وفي كلام العجلي ما يشعر به (1)(2).
وقال عبد الحق (3): وقد روى حديث الترمذي هذا أبو جعفر العقيلي (4) من حديث الحسين بن عبيد الله التميمي، عن شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر ولم يتَابع الحسين على هذا.
وقد ذكر في الباب حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل؛ فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم. من فعل هذا فقد أحسن ومن لا فلا حرج". رواه الإمام أحمد (5) وهذا لفظه وابن ماجه (6)، وذكره البيهقي (7) أيضًا كلهم من طريق أبي سعيد الخير وبعضهم يقول الحبراني، عن أبي هريرة وبعضهم يقول أبو سعيد، كذلك قال الدارمي في مسنده (8).
وقال أبو زرعة: لا نعرفه (9).
(1) كما تقدم ص 175 حاشية (3، 2).
(2)
لأنه قال كما تقدم آنفًا: "روى عن أنس بن مالك".
(3)
في "الأحكام الوسطى"(1/ 131).
(4)
في "الضعفاء"(1/ 252).
(5)
في "المسند"(2/ 371).
(6)
في "سننه"(1/ 121).
(7)
في "السنن الكبرى"(1/ 94).
(8)
انظر "سنن الدارمي"(كتاب الطهارة 1/ 179 برقم 667) باب التستر عند الحاجة.
(9)
انظر "الجرح والتعديل"(9/ 378 / برقم 1758).
وفي ذلك أيضًا حديث عبد الله بن جعفر؛ قال: "أردفني النبيّ صلى الله عليه وسلم خلفه (1)؛ وكان أحبَّ ما استتر به لحاجةٍ [هدفٌ] (2)؛ أو حايشُ نخلٍ". صحيح أخرجه مسلم (3).
وأخرج أيضًا في الباب (4) من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن جابر:"فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجد شيئًا يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما؛ قال جابر: فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت (5) كل واحدة منهما على ساق"(6) وذكر باقي الحديث.
ورواه البيهقي (7)، وهذا لفظه إلا أن البيهقي فرَّق في التبويب، فبوَّبَ على حديث الأعمش المذكور من طريقيه، كما ثوب أبو داود: باب كيف التكشف عند الحاجة، وعلى الأحاديث الأخر: بابٌ الاستتار عند قضاء الحاجة، وغيرهما لم يفرَّق
(1) ألحقها ناسخ ت في الهامش وصحح هذا اللحق بوضعه عليه علامة صح.
(2)
في ت: هدم وهو خطأ والصواب ما هو مثبت كما في صحيح مسلم وسيأتي تعريف الهدف من الشارح.
(3)
في "صحيحه"(كتاب الحيض 1/ 268) باب ما يستتر به لقضاء الحاجة (4/ 29)"شرح النووي".
(4)
قول الشارح: وأخرج أيضًا في الباب يعني مسلمًا إلا أن مسلمًا رحمه الله لم يخرج الحديث في باب ما يستتر به وإنما أخرجه كما سيأتي في "الزهد والرقائق"(18/ 428)"شرح النووي".
(5)
مكررة في ت.
(6)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب الزهد والرقائق 4/ 2301) باب حديث جابر الطويل.
(7)
"في السنن الكبرى"(1/ 94).
ولم يُبوب سوى بالاستتار كما فعل الترمذي، لكن زاد عليه بتلك الأحاديث.
والحكم المذكور في الحديث مستحب للنصوص الواردة فيه؛ ويوضح ذلك قوله في حديث أبي هريرة: "من فعل هذا فقد (1) أحسن، ومن لا فلا حرج" وهذا من حديث أبي هريرة ظاهر في أن الأمر للوجوب ولولا ذلك لم يحتج صلى الله عليه وسلم إلى قوله: "ومن لا فلا حرج"، وقوله فيه:"فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم".
قال الإمام أبو سليمان الخطابي (2): "معناه أن الشيطان يحضر تلك الأمكنة ويرصدها بالأذى والفساد، لأنها مواضع يهجر فيها ذكر الله تعالى، وتكشف فيها العورات وهو معنى قوله: "إن هذه الحشوش محتضرة" فأمر صلى الله عليه وسلم بالتستر مهما أمكن وأن لا يكون قعود الإنسان (3) في براح من الأرض يقع عليه اختلاف الناظرين؛ فيتعرض لانتهاك التستر أو تهبُّ الريح عليه فيصيبه نشر البول فيلوث بدنه أو ثيابه، وكل ذلك من فعل الشيطان وقصده إياه بالأذى والفساد".
والهدف بفتح الهاء والدال: ما ارتفع من الأرض. وحايش النخل بالحاء المهملة والشين المعجمة، ويقال فيه أيضًا: حَش وحُش بفتح الحاء وضمها.
قال الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى: "فيه استحباب الاستتار عند قضاء الحاجة بحائط أو وهدة أو هدف أو نحو ذلك؛ بحيث يغيب [شخص (4)] الإنسان جيدًا عن أعين الناظرين، وهذه سنة متأكدة"(5).
(1) ألحقها الناسخ في هامش ت وصحح هذا اللحق.
(2)
"معالم السنن"(1/ 35).
(3)
في ت: الشيطان ثم ضرب عليها وجاء بعدها بـ "الإنسان".
(4)
كذا في "شرح مسلم" وفي المخطوط ت (ل 47 / ب): بحيث يغيب مختصر الإنسان والكلام غير متناسب ولا متناسق.
(5)
"شرح مسلم"(4/ 29).