الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
1 - باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور
حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد: ثنا أبو عوانة، عن سِماك بن حرب. قال: وثنا هناد: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سِماك، عن مصعب بن سعد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغير طهور، ولا صدقة من غلول".
قال أبو عيسى: هذا الحديثُ أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وفي الباب عن أبي الليح، عن أبيه، وأبي هريرة وأنس.
وأبو المليح بن أسامة؛ اسمه: عامر بن أسامة، ويقال: زيد بن أسامة؛ بن عُمير الهمداني.
قوله: "هذا الحديث أصحّ شيء في هذا الباب"، لا يلزم منه أنْ يكون صحيحًا عنده، وكذلك إذا قال:"أحسن"، لا يقتضي أن يكون حسنًا، كما ستقف عليه بعد هذا في مواضعه إنْ شاء الله.
وإذا كان كذلك؛ فنقول: الحديث صحيح، أخرجه مسلم عن قتيبة وغيره مِن حديث أبي عوانة، وإسرائيل، وغيرهما.
ورواه ابن ماجه مِن حديث إسرائيل، وشعبة -جميعًا- عن سِماك. ورجالُه رجالُ مسلم، ولعلَّ البخاري لم يخرجه لحال سِماك، فإن مداره عليه، وهو لا يُخْرِج حديث سِماك، فَينبغي أن نُعْرِّفَ بحاله ليتبين عذر البخاري في عدم إخراج حديثه، فنقول:
هو سِماك بن حرب بن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة بن عامر
ابن ذُهْل بن ثعلبة، الذُّهلي، البكري، وقيل: الهُذَلي، أبو المغيرة، كذا قال الحافظُ عبدُ الغني، في "كماله".
وقوله: "وقيل: الهُذلي"، ليس بشيء، وقد خالفه ابن الكلبي في هذا النسب، والنفس إلى ما قال ابن الكلبي أمْيَل، قال:"سِماك بن حرب بن علقمة ان هند بن قيس بن عمر بن سَدوس بن شَيْبان بن ذُهْل بن ثعلبة".
أخو محمَّد وإبراهيم ابنَيْ حَرْب، سَمعَ جابر بن سَمرة، والنعمان بن بشير وأنس بن مالك، وغيرهم
…
وقال: "أدركت ثمانين مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد ذَهَبَ بصري، فدعوتُ الله عز وجل فرد على بصري".
ورَوى عنه حمادُ بنُ سلمة أنه سمعه يقول: "ذهب بصري فرأيت إبراهيم - خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم - في المنام، فمسح يده على عيني، فقال: ائْتِ الفُرات، فاغْتَمسْ فيه، وافتح عينيك في الماء، ففعلت، فرد الله عليَّ بصري".
روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، ومالك بن مِغْوَل، والثوري، وشعبة، وزائدة، وزهير، في خلق كثير.
وقال البخاري: عن علي: "له نحو مائتي حديث".
وقد اختُلِف في حاله: فقال أحمد: "سِماكُ أصلحُ حديثًا من عبد الملك بن عُمير"، وقال أبو حاتم:"صدوق"، وقال أبو بكر بن عياش:"سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: عليكم بعبد الملك بن عمير، وسماك"، وثقه يحيى بن معين، وقيل له: ما الذي عِيبَ عليه؟ قال: أسند أحاديث لم يُسْنِدها غيرُه".
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خِراش: "في حديثه لين"، وقال أحمد
-مرّةً-: "مضطرب الحديث"، وقال ابن حبان -وقد ذكره في كتاب "الثقات"-:"كان يخطئ كثيرًا".
وقال أحمد بنُ عبد الله العِجْلي: "هو تابعيّ جائز الحديث، إلَّا أنَّه كان يُخطئ في حديث عِكْرِمة، وربما وصَلَ الشيء عن ابن عباس، وكان الثوري يُضعِّفه بعض الضعف، وكان جائز الحديث، لم يترك حديثَهُ أحدٌ، ولم يرْغَبْ عنه، وكان عالمًا بالشعر وأيام الناس، وكان فصيحًا".
وقال النسائي: "إذا انفرد بأصل لم يكن له حجة؛ لأنّه كان يلَقِّن فيتلقَّن، وربما قيل له: عن ابن عباس".
وقال العقيلي: "أبنا عبدُ الله بن أحمد قال حدثني أبي قال: ثنا الحجاج قال: قال شعبة: كانوا يقولون لسماك: عِكْرمة عن ابن عباس، فيقول: نعم. قال شعبة: فكنت لا أفعل ذلك به".
وذكره أبو الحسن بن القطان (1) فقال: هذا أكثر ما عيب به سِماك، وهو قبول التلقين، وإنه لَعَيْبٌ تسقط الثقة بمَنْ يتَصف به، وقد كانوا يفعلون ذلك بالمحدِّث تجربةً لحفظه وضبطِهِ وصدقِهِ، فربّما لقَّنوه الخطأ، كما فعلوا بالبخاري حين قَدِمَ بغداد، وبالعُقَيلي أيضًا، فالحافظ الفَطِنُ يفطن لما رُمِيَ به من ذلك، فيصنع ما صنعا، وقصة البخاري مشهورة، وقصة العُقَيلي ذكرها مَسْلَمة بن القاسم -عند ذكره أبا جعفر محمَّد بن عمرو بن موسى بن حماد بن مدرك العقيلي- قال:"كان مكيًّا ثقة، جليل القدر، عظيم الخطر، عالمًا بالحديث، ما رأيت أحدًا مِن أهل زماننا أعرف بالحديث مِنْه، ولا أكثر جمعًا، وكان كثير التأليف، عارفًا بالتصنيف، وكان كل مَنْ أتاه مِن أصحاب الحديث يقرأ عليه، قال: "اقْرَأ من كتابك"؛ وكان يُقرأ عليه، لا
(1)(4/ 58).
يخرج أصله، فأنكرنا ذلك عليه، وتكلّمنا في أمره، فقلنا: إما أنْ يكون مِن أحفظ الناس، أو مِن أكذب الناس، فاجتمعْتُ مع نَفَر من أصحاب الحديث، فاتفقنا على أنْ نكتب له أحاديث مِن أحاديثه ونزيد فيها وننقص، ونقرأها عليه، فإنْ هو علم بها وأصْلحها من حفظه، عرفنا أنّه أوثق الناس، وأحفظهم، وإنْ لم يَفْطَن للزيادة والنقصان، عَلِمْنا أنه مِن أكذب الناس.
فاتفقنا على ذلك، فأخذنا أحاديث من روايته، فبدَّلْنا فيها ألفاظًا، وزدنا ألفاظًا، وتركنا منها أحاديث صحيحة، ثم أتينا بها مع أصحاب لنا من أهل الحديث، فقلنا له: أصلحكَ الله، هذه أحاديث مِن روايتك، أردنا سماعها وقراءتها عليك، فقال لي: اقرأ؛ فقرأتُها عليه، فلمّا أتتِ الزيادة والنقصان فَطِنَ لذلك، فأخَذَ مني الكتاب، وأخَذَ القلمَ فأصلحها مِن حفظه، وألحق النقصان، وضَرَبَ على الزيادة، وصححها كما كانت، ثم قرأها علينا، فانصرفنا مِن عنده وقد طابت أنفسنا، وعلمنا أنَّه مِن أحفظ الناس".
"ورُوي عن قتادة -مِن غير وجه-: "إذا رأيت أنْ يَكْذِبَ صاحبُك فلقنه".
وعن ابنِ سيرين، وابنِ أبي ملَيْكة نحوه.
وقال حمادُ بنُ زيد: "لقنت سلمةَ بنَ علقمة حديثًا فحدَّثَني به، ثم رَجَعَ عنه، وقال: "إذا سرَّك أنْ يَكذِب صاحبك فلقِّنه".
وأخبار الناس في التلقين كثيرة، وسيأتي منها في هذا الكتاب -إن شاء الله- عند ذكر مَن رمِي به من الرواة ما فيه كفاية.
فنقول:
* من يَفْطَن لما يُرمى به مِن ذلك، ويرجع إلى الصواب، فهذا في رتبة "الثقة"، بل في رتبة "الحفظ والإتقان".
* ومن لا يَفْطَن، ففي رتبة "الترك"، لا سيما إنْ أكثر ذلك مِنه.
* ومن جُهِلَت حاله: هل هو ممن يَفْطِن، أم لا؟ -كما ذُكِرَ عن سِماك-، فهذا "المستور" موقوف على تبيُّن حاله، فهذا مقتضى توقف البخاري عن سِماك، والله أعلم.
وفي "كتاب الأثرم": "أن حديثَ سِماك مضطرب عن عكرمة".
قلت: ليس هذا مِن حديثه عن عكرمة، فلعله أسلمُ مِن القَدَحِ.
وتوفي سماك في خلافة هشام بن عبد الملك، سنة أربع وعشرين ومائة.
وقد ذكر الترمذي حديث ابن عمر، وأسنده، لترجحه على ما عداه مِن أحاديث هذا الباب، كما هو الأكثر مِن عمله.
وقوله: "وفي الباب عن أبي المليح، عن أبيه، وأبي هريرة، وأنس".
فأمّا حديث أبي المليح: فرواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه مِن حديث شعبة عن قتادة عنه.
وأمّا حديث أنس: فرواه ابن ماجه مِن حديث ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد عنه.
وأمَّا حديث أبي هريرة: فذكره ابن عدي من حديث ابن سيرين وأبي سلمة عنه، وقال:"لا أعلمه رفعه إلا غسانَ بن عبيد الموصلي"، ثم قال:"وهذا بهذا الإسناد باطل".
وقد وجدنا مما لم يذكره الترمذي في الباب، ما أخبرنا به أبو المعالي أحمد بن إسحاق -سماعًا- قال: أنبأ عبد السلام بن فتحة السرقول (1): أنبأ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي: أنبأ أحمد بن عمر البيع -سماعًا عليه- قال: ثنا أبو غانم
(1) كذا، وفي "السير" (20/ 376): السرفولي، قال الذهبي: الذي روى عن الديلمي (كتاب)"الألقاب" للشيرازي.
حُميد بن المأمون: أنبأ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي -في كتاب "الألقاب"- أحمد بن الفرج: ثنا مكرم بن أحمد القاضي: ثنا يونس بن موسى بن كديم: ثنا ابن الحسن بن حماد الكوفي أبو محمَّد: ثنا عبد الله بن محمَّد العدوي قال: سمعتُ عمرَ بنَ عبد العزيز -على المنبر- يقول: حدثني عبادة بنُ عبدِ الله، عن طلحةَ بنِ عبيد الله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -على المنبر-: "لا يقبلُ اللهُ صلاةَ إمام حَكَمَ بغير ما أنزل الله، ولا يقبلُ الله صلاة عبد بغير طهور، ولا صدقة مِن غلول".
ووجدنا أيضًا فيه حديثًا لأبي بكرة، مِن رواية الحسن عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه، وقد تكلَّم فيه ابن عدي أيضًا.
وحديثًا لابن مسعود، مِن طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي السّفْر، عن الأسود عنه، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقبلُ اللهُ صلاة بغير طهور ولا صدقة مِن غلول، وابدأ بمن تعول".
رواه الطبراني عن محمدِ بن عبدِ اللهِ الحضرمي: أنبأ عباد بن أحمد العَرْزَمي: ثنا عمي، عن أبيه، عن إسماعيل.
وذكر أبو بكر بنُ أبي شيبة عن عَبِيدة بن حميد، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي روح قال:"صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقرأ سورة (الروم) فتردد فيها، فلمَّا انصرف قال: "إنما يُلْبِس علينا صلاتنا قومٌ يحضرون الصلاة بغير طهور، مَن شَهِدَ الصلاةَ فَلْيُحْسِن الطهور".
وقال ابن أبي شيبة أيضًا: ثنا عفان: ثنا وهيب: ثنا عبد الرحمن بن حرملة: أنَّه سَمعَ أبا ثِفال يُحدِّث قال: سمعتُ رباحَ بنَ عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حُوَيطب يقول: حدثتني جدَّتي أنها سمعت أباها يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يقول: "لا صلاةَ لمن لا وُضوءَ له".
فهذان حديثان أيضًا، لكن ليس فيهما ذكر "الغلول"(1).
وأبو ثفال، اسمه: ثمامة بن وائل، ويُقال: ابن الحصين الشاعر.
رَوَى عن رباح هذا وروى عنه عبد الرحمن بن حرملة الأسلَمي، وعبد العزيز الدَّراورْدِي، ذكره أبو أحمد الحاكم.
وجدَّةُ رباح بن عبد الرحمن، ابنة لسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، عن أبيها سعيد بن زيد.
وفي الباب عن عُمر، وابن عمر، وعبد الله بن مسعود، موقوف.
وقد ذكرنا أن حديثَ ابنِ عمر أخرجه مسلم، ولفظه عند مسلم: عن مصعب بن سعد قالت دَخَلَ عبدُ الله بنُ عمر على ابنِ عامر يعوده -وهو مريض- فقال: ألا تَدْعُو اللهَ لي يا ابنَ عمر؟ قال: إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُقْبَلُ صلاة بغير طهور، ولا صدقة مِن غلول". وكُنتَ على البصرة.
"الطهور": بضم الطاء، وهو اسم لفعل التطهير، هذا هو المشهور. واسم الماء:"الطهور" -بفتح الطاء- وكل ماء نظيف طهور، قاله ابن سِيدَه، وكذا قال الجوهري، كالسّحور، والفُطور، والوُقود.
وذَهَبَ الخليل، والأصمعي، وغيرُهما، إلى أنَّه بالفتح فيهما.
قال القاضي عياض: "ولم يَعْرِف الخليل الضمّ".
(1) في حاشية الأصل: قلت: وفي الباب أيضًا مما لم يذكره الترمذي ولا الشارح عن أبي سعيد الخدري؛ رواه الطبراني في "مسند الشاميين" من رواية رجاء بن حيوة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول".
ورواه أيضًا في "المعجم الأوسط" من هذا الوجه من حديث الزبير بن العوام من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن جده، ورواه البزار أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري، وحديث أبي هريرة.
وحَكَى ابنُ قرقول في "المطالع": "الضم فيهما"(1).
"والغلول": بضم الغين المعجمة.
قال ابنُ سِيدَه: "غلَّ يَغُلُّ غُلولا، وأغلَّ: خان"، وخصّ بعضهم به الخون في الفيء، وأغَلَّه: خوّنه، وفي التنزيل:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} ، والإغلال: السرقة، وفي الحديث:"لا إغلال، ولا إسلال"
قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: "فيه من الفقه:
* أنّ الصلوات كلّها مفتقرة إلى الطهارة، وتدخل فيها صلاة الجنازة، والعيدين وغيرهما مِن النوافل كلِّها.
* وفيه دليل أنّ الطواف لا يُجزئ بغير طُهور؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمّاه صلاة، فقال:"الطوافُ صلاةٌ؛ إلا أنّه أبيح فيه الكلام".
قلت: المُشبَّه لا يَقْوى قُوَّة الشبه به مِن كل وجه، ومعلومٌ أنّ قولَه عليه السلام:"الطواف صلاة"، أي يُشْبه الصلاة، وقد نَبَّه على الفرقِ بينهما بجواز الكلام فيه، وكما أنّه يجوز فيه ما لا يجوز في الصلاة؛ فكذلك لا يُشْترطُ فيه كلُ ما يُشْترَطُ في الصلاة.
ويَرِدُ على الخطابي. إباحتُه الكلامَ فيه، والمشي، وليس مما يُباح في الصلاة، وقد صَحّح بعضهم رَفْعَ الحديث الذي أشار إليه، وبعضُهم وَقَفَهُ، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في موضعها -إن شاء الله-.
قال الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله تعالى-: "هذا الحديثُ نص في وجوبِ الطهارة للصلاة، وقد أجمعت الأمةُ على أن الطهارةَ شرطٌ في صحّةِ الصلاةِ.
(1) في هامش الأصل: قلت: قد حكاه القاضي عياض قبله، فلا حاجة إلى عزوه لابن قرقول.
قال القاضي عياض: "واختلفوا، متى فُرِضَتْ الطهارة للصلاة؟ فذهب ابنُ الجَهم إلى أن الوضوءَ في أولِ الإِسلام كان سنة، ثم نَزَلَ فَرْضه في آية التيمم.
وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فَرْضًا.
قال: واختلفوا في أنّ الوضوء هل هو فرضٌ على كل قائم إلى الصلاة، أم على المحدث خاصة؟
فذهب ذاهبون مِن السلف إلى أنَّ الوضوءَ لكل صلاةٍ فرضٌ بدليل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ
…
} الآية.
وذَهَب آخرون إلى أنّ ذلك كان ثمّ نُسخ.
وقيل: الأمر به لكل صلاةٍ على النَّدْبِ.
وقيل: بل لم يُشْرَع إلّا لمن أحْدَث، ولكن تجديده لكلّ صلاة مستحبّ، وطى هذا أجمع أهلُ الفتوى بعد ذلك، ولم يبق بينهم فيه اختلاف، ومعنى الآية عندهم: إذا قمتم مُحْدِثين.
قلت: وسيأتي لهذا مزيدُ بيانٍ في حديث حُميد عن أنس: "كان يتوضأُ لكل صلاة" إن شاء الله تعالى.
وقوله: "هذا الحديث نصّ في وجوب الطهارة للصلاة". ظاهرٌ لما يقتضيه مِن انتفاء القبول عن الصلاة، عند انتفاء شرطها، -وهو الطهارة-، فكذلك يقتضي مفهومُهُ وجودَ القبول، إذا وُجِدَ شرطُه، وهو المراد.
والقبول موكول إلى علم الله تعالى ليس لنا بوجوده علم، فلا بدّ مِن الكلام على معنى القبول، فنقول:
"القبول": ثمرةُ وقوعِ الطاعة مُجْزِئة، رافعة لما في الذمة.
ولمّا كان الإتيان بالصلاة بشروطها مَظِنّة الإجزاء، الذي هو ثمرة القبول، عبّر
عنه بالقبول مجازًا، وقد تمسك به مِنْ لا يَرَى وجوب الوضوء لكل صلاة -وهم الجمهور-، إذ الطهور الذي تقام به الصلاة الحاضرة أعم مِن أنْ يكون قد أقيمت به صلاة أخرى، أو لم تُقَم.
وكذلك أيضًا قوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"؛ لأن نفي القبول ممتد إلى غاية الوضوء، ومعلوم أن ما بعد الغاية مغاير لما قبلها؛ فيقتضي ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا. ويدخل تحته الصلاة الثانية قبل الوضوء ثانيًا، وقد استدل جماعة من المتقدمين بانتفاء القبول على انتفاء الصحة، وفيه بحث ذكره شيخنا الإِمام الحافظ أبو الفتح القشيري. وسيأتي في الكلام على قوله عليه السلام:"لا تقبل صلاة أحدع إذا أحدث حتى يتوضأ"، إن شاء الله تعالى.
وذهب بعض الفقهاء من المالكية إلى أن الطهارة شرط في وجوب الصلاة.
وقال آخرون منهم: بل هي شرط في أدائها لا في وجوبها، وبنوا عليه الخلاف فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا حتى خرج الوقت، هل عليه القضاء أو لا. وسيأتي تفصيل مذهبهم في ذلك، وقد تمسك بعضهم في وجوب الاغتسال على الكافر إذا أسلم بهذا الحديث؛ قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: هو مستحب عند الشافعي وأبي إسحاق القاضي.
وقال مالك وابن القاسم وأحمد وأبو ثور: هو واجب، وهو الصحيح لقوله عليه السلام:"لا يقبل الله صلاة بغير طهور".
وقد أجمعت الأمة على وجوب الوضوء، فالغسل مثله، دليلًا بدليل، واعتراضًا باعتراض، وجوابًا بجواب.
قلت: وقد خرج الترمذي عن قيس بن عاصم: أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر.
وهناك يأتي الكلام على هذه المسألة، وما في حديث قيس هذا من الانقطاع، مستوفى، إن شاء الله تعالى.
واختلف هل يجب الوضوء بالحدث وجوبًا موسعًا أو عند القيام إلى الصلاة أو بالأمرين، على ثلاثة أوجه.
قال الشيخ محيي الدين: والأخير المختار عند أصحابنا، قال: وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب، ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة، وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة، إلا ما حكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري من قولهما: تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب باطل، وأجمع العلماء على خلافه.
وأما سجود التلاوة فقد روى فيه أيضًا عن عثمان وسعيد بن المسيب: تومئ الحائض بالسجود. قال سعيد: وتقول: رب لك سجدت.
وعن الشعبي جواز سجودها إلى غير القبلة، قال: ولو صلى محدثًا متعمدًا بلا عذر أثم ولا يكفر عندنا وعند الجماهير. وحكي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يكفر لتلاعبه؛ هذا في غير المعذور، وأما المعذور كمن لم يجد ماءً ولا ترابًا ففيه أربعة أقوال للشافعي، أصحها عند أصحابه: يجب عليه أن يصلي على حاله وأن يعيد إذا تمكن من الطهارة.
الثاني: يحرم أن يصلي ويجب القضاء.
الثالث: يستحب أن يصلي ويجب القضاء.
الرابع: يجب أن يصلي ولا يجب القضاء.
وقال أبو العباس: فيه دليل لمالك وابن نافع على قولهما: أن من عدم الماء والصعيد لم يصل ولم يقض إن خرج وقت الصلاة؛ لأن عدم قبولها كعدم شرطها يدل على أنه ليس مخاطبًا بها حالة عدم شرطها؛ فلا يترتب شيء في الذمة فلا تقضى.
وعلى هذا فتكون الطهارة من شروط الوجوب، فهذا قول خامس.
والمحكي عن ابن القاسم: يصلي ويقضي.
وعن أشهب: يصلي ولا يعيد.
وعن أصبغ: يصلي إذا قدر.
وأبو الطاهر بن بشير يقول: سبب هذا الخلاف الخلاف في كون الطهارة شرطًا في الوجوب فتسقط الصلاة عمن تعذرت عليه، أو شرطًا في الأداء، فيقف الفعل على الوجود.
وأما الصلاة في الحال دون الإعادة أو معها فمبنيان على الأخذ بالأحوط.
وحكى ابن العربي عن القابسي قولًا سادسًا أنه يوميء إلى التيمم.
وفي لفظه عند مسلم قول ابن عمر: وكنتَ على البصرة، فذكر ابن عمر لابن عامر هذا الحديث حين سأله الدعاء؛ على جهة الوعظ والتذكير حتى يخرج عما تعلق به من ولاية البصرة، وكأنه يشير له إلى أن الدعاء مع عدم التخلص من التبعات قد لا يجدي؛ كما لا تنفع صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول؛ وكذلك قال له: وكنت على البصرة ليشير له إلى الأمر الذي تعلقت به فيه الحقوق كثيرًا منها إلى أربابها أو مما أمكنه منها.
وقال الخطابي: في قوله: "ولا صدقة من غلول" بيان إلى من سرق مالًا أو خانه ثم تصدق به لم يجزئه، وإن كان نواه عن صاحبه.
وفيه دليل مستدل لمن ذهب إلى أنه إن تصدق به عن صاحب المال لم يسقط عنه تبعته، وإن كان طعامًا فأطعمه إياه لم يبرأ منه، ما لم يعلمه بذلك، وإطعام الطعام لأهل الحاجة صدقة ولغيرهم معروف وليس من باب أداء الحقوق ورد الظلامات.