الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
32 - باب ما جاء في الوضوء مرة مرة
حدثنا أبو كريب، وهناد، وقتيبة؛ قالوا: ثنا وكيع، عن سفيان، وثنا محمد بن بشار: ثنا يحيى بن سعيد: ثنا سفيان عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة".
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر، وجابر، وبريدة، وأبي رافع، وابن الفاكه.
قال: وحديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح.
وروى رشدين بن سعد وغيره هذا الحديث، عن الضحاك ابن شرحبيل، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب:"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة".
قال: وليس هذا بشيء، والصحيح ما روى ابن عجلان، وهشام بن سعد، وسفيان الثوري، وعبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم (1).
* الكلام عليه:
سكت الترمذي عن هذا الحديث، فلم يحكم عليه بشيء، وهو طرف من حديث أخرجه البخاري (2) مطولًا ومختصرًا، وأخرجه النسائي (3) وابن ماجه (4)،
(1) الجامع (1/ 60 - 61).
(2)
في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 67) رقم 140 باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة مطولًا وبرقم 157 باب الوضوء مرة مرة مختصرًا.
(3)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 66) برقم 80 باب الوضوء مرة مرة.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 143) برقم 411 باب ما جاء في الوضوء مرة مرة.
وأخرجه أبو داود في بابين (1) من "كتابه"؛ في "باب الوضوء مرتين مرتين"؛ مطولًا، ثم أخرجه بعده في "باب الوضوء مرة مرة"؛ مختصرًا، كما ذكره أبو عيسى.
وأما حديث عمر: فمذكور في الأصل معلل فيه، ورواه ابن ماجه (2) أيضًا.
وأما حديث جابر: فسيأتي في باب الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا.
وأما حديث بريدة: فأخرجه البزار (3) من حديث سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، رواه عن أبي كريب عن علي بن قادم عنه.
وأما حديث أبي رافع: فأخرجه البزار (4) أيضًا، من حديث عبد العزيز: ثنا عمرو بن أبي عمرو، عن ابن أبي رافع، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة.
رواه عن أحمد بن أبان، عن عبد العزيز، ويشبه أن يكون الدراوردي (5).
وأما حديث ابن الفاكه: فذكره أبو القاسم البغوي في "معجمه": ثنا علي بن الجعد: ثنا عدي بن الفضل، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن ابن الفاكه؛ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة.
وذكر أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل"(6)؛ قال: ابنُ الفاكه
(1) في سننه كتاب الطهارة برقم 137 باب الوضوء مرتين وبرقم 138 باب الوضوء مرة مرة.
(2)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 143) برقم 412 باب ما جاء في الوضوء مرة مرة.
(3)
لم أقف عليه عند البزار وذكره الهيثمي في المجمع (1/ 231) وعزاه للطبراني في الأوسط وضعفه بابن لهيعة.
(4)
وانظر كشف الأستار (1/ 143) رقم 272.
(5)
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 231) رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح.
(6)
الجرح والتعديل (9/ 326) رقم 1424.
قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة، في رواية عدي بن الفضل، عن أبي جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، قال أبو محمد: عدي بن الفضل متروك الحديث.
وقوله: حديث ابن عباس أحسنُ شيء في هذا الباب (1)؛ ظاهر لما ذكرنا من صحته، ومن أن البخاري أخرجه،
وقال البزار (2): بعد أن خرَّج حديث ابن عباس، من حديث عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، ومن حديث سفيان عن زيد كما أخرجناه: وهذا الحديث رواه عن زيد بن أسلم سفيان الثوري، ومحمد بن عجلان، وهشام بن سعد، وداود بن قيس، وحفص بن ميسرة، والدراوردي، وورقاء بن عمر، وغيرهم كما ذكرناه.
وخالفهم: الضحاك بن شرحبيل فرواه عن زيد بن أسلم، عن عمر، وأغفل (3) في إسناده قصد الصواب، ثم أخرج عن أبي كريب: ثنا رشدين، عن الضحاك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، الحديث.
قال البزار: وقد تابع رشدين عبد الله بن لهيعة على مثل هذه الرواية عن الضحاك، وخالفا من سمينا من الثقات، وما أُتي هذا إلا من الضحاك.
وقد ذكره ابن الجارود (4) وزاد معمرًا فيمن رواه عن زيد كرواية سفيان والدراوردي وغيرهما.
وأما حديث جابر: فسيأتي تعليله في موضعه.
(1) وقد سبق.
(2)
ولم أقف عليه في كشف الأستار ولا في مجمع الزوائد وهذا التعليل للحديث من البزار ذكره ابن كثير في جامع السانيد (رقم 1066) بعد أن ذكر طرق الحديث فقال: ثم أخذ البزار يعلل حديث هشام بن سعد وما بعده بما ليس بمؤثر ولا مغير والله أعلم.
(3)
في س: أنه غفل.
(4)
المنتقى (1/ 70) رقم 69 غوث المكدود.
وأما حديث أبي رافع: فإن البزار (1) قال عند تخريجه بالسند الذي ذكرناه عنه آنفًا: لا نعلم يُروى هذا الحديث عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد.
وحكى الترمذي في كتاب "العلل"(2) له عن البخاري أنه قال: فيه اضطراب.
وأما حديث بريدة: فحكى البزار تفرد علي بن قادم به، عن الثوري وقد ضعفه يحيى.
وأما حديثُ ابن الفاكه: فقد ذكرنا عن ابن أبي حاتم: أن عدي بن الفضل راويه متروكٌ.
فظهر بذلك ترجيحُ حديث ابن عباس، على ما عداه من أحاديث الباب.
وفي الباب أيضًا مما لم يتقدم له ذكر:
حديث عبد الله بن عمرو: أخرجه البزار (3) من حديث مندل بن علي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة؛ رواه عن الجراح بن مخلد، عن بكر بن يحيى بن زبان العنزي؛ قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عبد الله بن عمرو إلا مجاهد، ولا عن مجاهد إلا ابن أبي نجيح (4).
وفيه مما لم يذكره أيضًا:
حديث عكراش بن ذؤيب المري: ذكره أبو بكر الخطيب (5)، أخبرنا به عنه أبو
(1) كشف الأستار (1/ 143) رقم 272.
(2)
العلل الكبير (1/ 124).
(3)
كشف الأستار (1/ 142) رقم 269.
(4)
في س تكملة بعد نجيح: عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "توضأ مرة" رواه عن الجراح بن مخلد كذا بكر بن يحيى.
(5)
تاريخ بغداد (11/ 28) رقم 5694.
الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني- إجازة، إن لم يكن سماعًا: أبنا أبو اليمن الكندي: أبنا أبو منصور القزاز عنه، قال: ثنا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري: أبنا أبو بكر بن المقرئ بأصبهان: ثنا أبو صالح عبد الوهاب بن أبي عصمة بن الحكم العكبري -بعكبرا سنة خمس وثلاث مئة- قال: ثنا النضر بن طاهر: ثنا عبيد الله بن عكراش: حدثني أبي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة.
وقال: "هذا وضوء لا يقبل اللهُ الصلاة إلا به".
وذكر أبو عمر (1) عكراش بن ذؤيب هذا في "الاستيعاب"، وقال: له حديث واحد؛ وذكر حديث الصدقة، "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي"، وهذا ثان لم يذكره أبو عمر، وقد ذكر الخطيب (2) ثالثًا قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين، وقال:"هذا وسط من الوضوء".
وأما قول البزار في حديث أبي رافع: لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد، مع أن البخاري قال: فيه اضطراب؛ والاضطراب يقتضي تعدد الطرق إذا كان راجعًا إلى الإسناد فبينهما تعارض، والصواب في ذلك ما قاله البخاري فإن الشيخ أبا الحسن الدارقطني (3)؛ قال: يرويه الدراوردي واختلف عنه، فرواه سعيد بن سليمان وسليمان الشاذكوني، ونعيم بن حماد عن الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده.
وروى أبو همام عن الدراوردي بهذا الإسناد إلا أنه لم يذكر عمرو بن أبي عمرو.
(1) الاستيعاب (3/ 1244) رقم 2039 ط دار الجيل.
(2)
تاريخ بغداد (11/ 28).
(3)
العلل (7/ 10) رقم 1173.
ورواه سعيد بن منصور، وضرار بن صُرْد، وخلف بن هشام، عن الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن يعقوب بن خالد، عن أبي رافع.
ورواه الحسن بن الصباح الزعفراني عن سعدويه، عن الدراوردي، عن محمد بن عمارة، ويعقوب بن المسيب، عن أبي رافع.
وأشبهها بالصواب:
• حديث: عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبيد الله، وهو عبادل، عن أبيه عن جده.
• وحديث: محمد بن عمارة، هو حديث آخر، لأن سعيد بن سليمان قد أتى بهما جميعًا، فأشبه أن يكونا محفوظين عن الدراوردي، انتهى ما ذكره الدارقطني (1).
ولا يحسن أن يقال في الجواب عن البزار أنه ظنهما حديثين، كما ظن الدارقطني، فلا يعارض قوله قول البخاري، لأن الذي عند البزار مخالف لما ذكره الدارقطني؛ سواءً كانا حديثين أو حديثًا واحدًا.
وأما الوضوء مرة مرة:
فقال الشيخ محيي الدين (2): وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن الثلاثة سنة، قد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، وثلاثًا ثلاثًا، وبعض الأعضاء ثلاثًا وبعضها مرتين.
قال العلماء: فاختلافها دليل على جواز ذلك كله، وأن الثلاث هي الكمال،
(1) العلل (7/ 10 - 11) رقم 1173.
(2)
شرح صحيح مسلم (3/ 101) ط دار المعرفة.
والواحدة تجزئ، فعلى هذا يحمل اختلاف الأحاديث. انتهى.
ثم ما حكم الثانية والثالثة بعد ذلك:
وقال القاضي أبو بكر بن العربي (1) رحمه الله: قال: إن للعلماء في ذلك أقوالًا متعددة:
• منهم: من جعل المرة الأولى فرضًا، والثانية سنة، والثالثة فضيلة.
وقال مالك في "المدونة": تجوز الواحدة، وقال: لا أحب الواحدة إلا من العالم.
وقال في "سماع أشهب": الوضوء مرتان وثلاث، قيل له: فالواحدة، قال: لا. وقال في "مختصر ابن عبد الحكم": لا أحب أن ينقص من اثنتين، إذا عمتا (2).
وقد عللت كراهة مالك للواحدة (3)؛ قال في حق الجاهل لما يخشى من تفريطه، وفي حق العالم لئلا يقتدى به؛ وتكرار الغسل فيما يغسل، والمسح فيما يمسح من ذلك كله، سنة عند الشافعي.
وقال مالك وأبو حنيفة (4) وأحمد (5): لا يستحب التكرار في مسح الرأس، وقد سبق ما عن الشافعي في ذلك.
ولو شك في أنه غسل أو مسح مرة أو مرتين، أو شك في أنه فعل ذلك مرتين أو ثلاثة؟ فوجهان:
(1) عارضة الأحوذي (1/ 55).
(2)
عارضة الأحوذي (1/ 55 - 56).
(3)
بداية المجتهد (1/ 372) ط دار الكتب العلمية، تنوير المقالة (1/ 511).
(4)
المبسوط (1/ 7).
(5)
الأوسط (1/ 396).
أصحهما: أنه يأخذ بالأقل، كما لو شك في عدد ركعات الصلاة.
والثاني: ذكره الشيخ أبو محمد (1): أنه يأخذ بالأكثر حذارًا من أن يزيد مرة رابعة فإنها بدعة، وترك السنة أهون من اقتحام البدعة، لكن من قال بالأول لا يُسلِّم أن الرابعة بهذه المثابة بدعة، بل لا تكون بدعة، إلا إذا كانت واقعة مقصودة يقينًا.
* * *
(1) انظر فتح العزيز (1/ 411، 412).