الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا هذه الروايةُ: "بدأ بمؤخَّر رأسه" فقد تكون محمولة على الرواية بالمعنى عند مَن يُسمِّي الفعل بما يُنتهي إليه، كأنَّه حمَل قولَه:"ما أقبل وما أدبر". على الابتداء بمؤخَّر الرأس فأدَّاه بمعناه عنده، وإنْ لم يكن كذلك ذكر معناه ابنُ العربي (1).
ويمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم (2) فعل ذلك لبيان الجواز مرَّة، وكانت مواظبته على البداءة بمقدّم الرأس أكثر، وما كان أكثر مواظبته عليه كان أفضل.
26 - باب ما جاء أنَّ مسح الرأس مرَّة
ثنا قتيبة: ثنا بكر بن مضر، عن ابن عجلان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الرُّبيِّع بنت معوِّذ:"أنها رأت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ، قالت: مَسَح رأسه ما أقبل منه وما أدبر، وصُدْغَيْه، وأُذُنَيْه مرَّةً واحدة".
قال: وفي الباب عن عليٍّ، وجدِّ طلحة بن مصرِّف.
قال أبو عيسى: حديث الرُّبيِّع حديث حسن صحيح، وقد رُوي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه مسح برأسه مرَّة" والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدهم، وبه يقول جعفر بن محمد، وسفيان، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: رأوا مسح الرأس مرَّة واحدة.
حدثنا محمد بن منصور المكي، قال: سمعتُ سفيانَ بنَ عيينة يقول: سألتُ جعفر بن محمد عن مسح الرأس: أيجزئ مرّة؟ [واحدة (3)] قال: إي والله (4).
(1) في "عارضة الأحوذي"(1/ 48 - 49).
(2)
في ت يعمل.
(3)
زيادة من س وهي ليست مثبتة في المطبوع من طبعة أحمد شاكر.
(4)
"الجامع"(1/ 49 - 50).
* الكلام عليه:
رواه أبو داود عن قتيبة بهذا الإسناد (1).
قال (2) ابن عساكر: وجدث في نسخة من طريق اللؤلؤي، عن ابن عقيل، عن أبيه، عن رُبيع، وهو وَهْم.
ورواه الإمام أحمد (3)، وصحَّحه الترمذيُّ، وهو كالذي قبله من حديث ابن عقيل، ولم يُصحَّح (4) ذلك لأمور:
* أحدها (5): ما فيه من اضطراب المتن، واختلاف الألفاظ.
* الثاني: مخالفة لفظه للأحاديث الصحيحة في هيئة المسح.
* الثالث: أنَّه لم يذكر في معناه شيئًا، وذكر في معنى هذا حديث عليٍّ، وحديث طلحة بن مصرِّف، عن أبيه، عن جده.
وقد كان الحميدي، وأحمد، وإسحاق، يحتجون بابن عقيل (6).
وأمَّا حديثُ عليٍّ: فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "رأيتُ عليًّا توضَّأ فَغَسل وجْهَه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا (7)، ومسح برأسه واحدة، ثمَّ قال: هكذا توضَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أبو داود (8).
(1) في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 91 / برقم 129) باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
في ت: وقال والمثبت أنسب للسياق وهو من س.
(3)
في "مسنده"(6/ 359) وليس فيه: مرَّة واحدة!
(4)
كذا في س وفي ت: ولم يصح.
(5)
في ت: أحدهما رهو خطأ ظاهر يرده السياق.
(6)
كذا قال البخاري فيما نقله الترمذي عنه في "الجامع"(1/ 9).
(7)
قوله "وغسل ذراعيه ثلاثًا" ألحقه الناسخ س في الهامش وصححه.
(8)
في "سننه" في كتاب الطهارة (1/ 83 / برقم 115) باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه النسائي (1)، من حديث الحُسَين بن عليٍّ، عن أبيه:"ثمَّ مسح برأسه مسحة واحدة".
ورواه الإمام أحمد (2)، والبيهقي (3)، من حديث عبد خير، عن عليٍّ:"مرَّة واحدة".
ورواه البيهقي (4) أيضًا من حديث زر بن حُبيش، عن علي:"ومسح (5) رأسه حتى لمَّا تقطَّر".
وأمَّا (6) حديثُ طلحةَ بن مصرِّف، عن أبيه، عن جدِّه: فهو عند أحمد (7)، والبيهقي (8).
وفيه زيادة حسنة وهي: "مسح العُنُق".
ولفظه عند أحمد: "أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذالَ (9)، وما يليه مِن مقدَّم العُنق".
وعند البيهقي: "حتى يأتي (9) على أُذُنَيْه (10) وسالفتيه"، وفي لفظ له:"مَسَحَ رأسه وأذُنَيْه، وأمرَّ يديه على قفاه". وكلاهما خرَّجه من حديث ليث عن
(1) في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 69 - 70 / برقم 95) طبعه عبد الفتاح.
(2)
في "مسنده"(1/ 110، 125).
(3)
في "السنن الكبرى"(1/ 58 - 59).
(4)
في "السنن الكبرى"(1/ 58) وفيه "ومسح على رأسه حتى الماء يقطر".
(5)
من قوله "ومسح" إلى قوله "فهو عند أحمد" كل هذا ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّحه.
(6)
ساقطة من ت.
(7)
في "مسنده"(3/ 481).
(8)
في "السنن الكبرى"(1/ 60).
(9)
غير مقروءة في ت.
(10)
من قوله "أذنيه" إلى قوله "خرجه من حديث" ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّحه.
طلحة، قال المقدسي:"وليثٌ متكلَّمٌ فيه"
قلت: قد أخرج (1) له مسلم (2)، ولو أعلَّه بطلحة بن مصرِّف، عن أبيه، عن جدِّه لكان أشبه، وقد تقدَّم الكلام على هذا الإسناد.
وفي الباب ممَّا لم يذكره: حديث (3) سالم سبلان عن عائشة: "فأرتني كيف كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتوضّأ، قال: "فمضْمَضَتْ واستنثرت ثلاثًا، وغسلتْ وجهها ثلاثًا، ثمَّ غسلت يدها اليمنى ثلاثًا، واليسرى ثلاثًا، ووضعَت يدها في مقدَّم رأسها، ثمَّ مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخَّره، ثم مدَّت بيدها بأذنيها (4)، ثم مدّت على الخدَّيْن". رواه النسائي (5).
وحديثُ ابن عباس: روى البيهقي (6) من حديث عطاء بن يسار عنه: قال لنا ابن عباس: "أتحبُّون أنْ أُريَكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ، فدعا بإناء فيه ماء" فذكر الحديث.
وفيه قال: "ثمَّ قبض قبضة من الماء، فنفض يده، فمسح بها رأسه وأذُنَيْه".
(1) في ت: خرَّجه.
(2)
في "صحيحه" حديثًا في (كتاب اللباس والزينة 3/ 1636 / برقم 2066) مقرونًا بأبي إسحاق الشيباني.
(3)
بياض في ت ومن قوله "حديث سالم سبلان" إلى قوله "يتوضَّأ قال" كل هذا ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّح اللحق في هامشه.
(4)
قوله "ثم مدت بيدها بأذنيها" ساقطة من ت.
(5)
في "سننه"(1/ 72، 73 / برقم 100) طبعة أبي غدة.
(6)
في "السنن الكبرى"(1/ 80).
ولم يُبَوِّب الترمذي على مَسْح الرأس مرتين.
وفيه عن عبد الله بن زيد قال: "رأيت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ، فغسَلَ وَجْهَهُ ثلاثًا، ويديه مرَّتين، وغَسَل رجليه مرَّتين، ومَسَحَ برأسه مرَّتين". رواه النسائي (1).
ولا بوَّبَ أيضًا على مسحه ثلاثًا.
وفيه (2) من حديث الرُّبيِّع بنت معَوِّذ عند البيهقي (3)، وفيه:"ومسَحَ برأسه مرَّتين يبدأ بمؤخر رأسه، ثمَّ بمقدَّمه، ثمَّ بمؤخَّره، ثمَّ بمقدَّمه" الحديث (4).
وفيه عن حُمْران قال: رأيث عثمانَ بنَ عفَّان توضَّأ، وفيه:"ومَسَحَ رأسَه ثلاثًا، ثمَّ غَسَل رجليه ثلاثًا، ثمَّ قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضَّأ هكذا"، وقال: "مَنْ توضَّأ دون هذا (5) كفاه". رواه أبو داود (6) والدارقطني (7).
وقال أبو داود (8): أحاديث عثمان الصحاح كفها تدل على أن مسْحَ الرأس مرَّةً، فإنَّهم ذكروا الوضوء ثلاثًا، وقالوا فيها:"مسَحَ رأسه"، لم يذكروا عددًا [كما ذكروه في غيره](9).
وهو عند أبي داود (10) من حديث عبدِ الرحمن بنِ وردان، عن أبي سلمة،
(1) في "سننه"(1/ 72 / برقم 99) طبعة أبي غدة.
(2)
من قوله: "وفيه من حديث" إلى قوله "ثم بدأ بمقدمه" الحديث كل هذا السقط في س.
(3)
في "السنن الكبرى"(1/ 64).
(4)
علق ناسخ ت عندها في الهامش قائلًا (ل 87 / ا)". . . أيضًا على مسحه ثلاثًا".
(5)
في س هكذا.
(6)
في "سننه"(كتاب الطهارة 1 / / برقم 107) باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
(7)
في "سننه"(1/ 91 / برقم 3).
(8)
في "سننه"(1/ 64).
(9)
زيادة من "سنن أبي داود".
(10)
في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 79 - 80 / برقم 107) باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
عن حُمران.
وعبد الرحمن؛ قال فيه يحيى (1): "صالح".
وقال أبو حاتم الرازي: "ما به بأس"(2).
وغيره من رُواته مشهور، فلولا مخالفة عبد الرحمن الثقات، في انفراده بالتَّثليث لكان صحيحًا أو حسنًا.
وقال (3) البيهقي (4): "إن ما روي فيه المسح ثلاثًا لا تقوم به حُجَّةٌ عند أهل المعرفة".
وعن عليّ: "إنّه توضّأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه وأذُنَيْه ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هكذا وُضوء رسول الله [صلى الله عليه وسلم] (5)، أحببْتُ أنْ أُرِيَكُموه". رواه الدارقطني.
قال الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله: "وغالب الروايات عن عَليٍّ أنَّه مسَحَ رأسه (6) مرَّة واحدة".
قلت: ما وَرَد (7) من ذلك في التثنية، والتثليث محمول على بيان الجواز إن ثبت.
(1) وهو ابن معين كما في "الجرح والتعديل"(5/ 295 - 296 / برقم 1401).
(2)
المصدر السابق ولفظه فيه: "هو شيخ ما بحديثه بأس".
(3)
من قوله وقال إلى قوله "عند أهل المعرفة" ساقط من س.
(4)
في "السنن الكبرى"(1/ 62) بمعناه.
(5)
زيادة من س.
(6)
ساقطة من س.
(7)
ساقطة من س.
وأمَّا مَسْح بعضِ الرأسِ:
فعن المغيرة بن شعبة: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأ، فمَسَح بناصيته، وعلى العِمامة والخُفَّين رواه مسلم (1).
وفي لفظ له (2): "ومَسَحَ مقدّم رأسه، ومسح على العمامة" الحديث.
والنَّاصية: مُقَدَّم الرأس.
وعن أنس بن مالك قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضّأ، وعليه عمامة قطرية فأدخل يده مِن تحت العمامة، فمسح مقدَّم رأسه، ولم ينقض العِمامة". رواه أبو داود (3)، والبيهقي (4).
وضعَّفه ابن القطان (5) بمعاوية بن صالح، والجهالة في أبي معقل راويه عن أنس، وقال:"قال ابن السكن: لم يثبت إسناده".
وسيأتي الكلامُ عليه في المسح على الناصية والعمامة.
واختلف الفقهاء في "مسح الرأس"، هل تُستحبُّ فيه الزيادة على المرَّة الواحدة أو لا؟ كما ذكرناه.
وحجَّة من لم يرَ التكرار: أنَّ الأحاديث الصحيحة -كما قال أبو داود (6) لا تقتضيه، وأيضًا فليس مشروعية المسح التكرار كما في مسح الخُفَّين، ومَسْح الجبيرة،
(1) في "صحيحه"(كتاب الطهارة 1/ 231 / برقم 83) باب المسح على الناصية والعمامة.
(2)
في "صحيحه"(كتاب الطهارة 1/ 231 / برقم 82) باب المسح على الناصية والعمامة.
(3)
في "سننه"(كتاب الطهارة 1 / / برقم 147) باب المسح على العمامة.
(4)
في "السنن الكبرى"(1/ 60 - 61).
(5)
في "بيان الوهم والإيهام "(4/ 111 - 112 / برقم 1548).
(6)
بل هو مقتضى كلامه كما سبق.
والمسح في التيمُّم، وإلحاق المسح بالمسح أولى، ولأنَّ المسح إذا تكرر صار غسلًا. والله أعلم.
وأمَّا من اختار في المسح التثليث، فله حديث عبد الرحمن بن وردان، عن أبي سلمة، عن حمران، وقد تقدَّم تعليله (1).
واختلفوا في مسح بعض الرأس:
فقال مالك: الفرضُ مسْحُ جميع الرأس، وإن ترك (2) شيئًا منه كان كمَنْ ترك غَسْل شيء من وجهه".
قال أبو عمر (3): "هذا هو المعروف مِن مذهب مالك، وهو قول ابن عُلَيَّة، قال ابن عُلَيّة: قد أمر الله تعالى (4) بمسح الرأس في الوضوء كما أمر بمسح الوجْه في التيمُّم، وأمر بغسله في الوضوء، وقد أجمعوا أنَّه [لا يجوز غسل] (5) بعض الوجه في الوضوء، ولا يمسح بعضه في التيمُّم، فكذلك مسح الرأس".
وذَكَر من الاحتجاج في ذلك وجوهًا، ثمَّ قال: "وقوله عز وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} ، معناه عندهم: وامسحوا رؤوسَكُم، ومن مَسَح بعض رأسه فلم يمسح رأسه.
ومن الحجة لهم أيضًا: أنَّ الفرائض لا تؤدّى إلَّا بيقين، واليقين (6): ما أجمعوا
(1) ص (300 - 301).
(2)
في س: "تركت".
(3)
في "التمهيد"(20/ 125).
(4)
ساقطة من س.
(5)
كذا في المطبوع من "التمهيد" وفي ت وس ولا يغسل والمثبت أنسب للسياق.
(6)
ألحقها ناسخ س في الهامش وصحح هذا اللحق.
عليه من مسح جميع الرأس، هذا هو المشهور من مذهب مالك، لكن أصحابه اختلفوا في ذلك:
فقال أشهب: يجوز مسح بعض الرأس، وذكَرَ أبو الفرج المالكي قال: اختلف متأخّرو أصحابنا في ذلك، فقال بعضهم: لا بدَّ أنْ يمسح كل الرأسِ، أو أكثره، حتَّى يكون الممسوح أكثر الرأس فيجزئ ترْكُ سائِره.
قال أبو عمر: هذا قولُ محمد بن مسلمة. وزعم الأبهريُّ أنَّه لم يقُله غيرُه من المالكيين.
قال أبو الفرج: وقال آخرون: إذا مسَحَ الثلث فصاعدًا أجزأه.
قال: وهذا أشبه القولين عندي، وأولاهما، مِن قِبَل أنَّ الثلث فما فوقه قد جُعِل في حيِّز الكثير في غير موضعٍ.
وزعم الأبْهَريُّ أنَّه لم يقُل أحدٌ من أصحاب مالك ما ذكَرَه أبو الفرج عنهم، وأنَّ المعروف ما ذكَرَه محمدُ بن مسلمة، ونازع في أكثرية الثلث.
وأمَّا الشافعي فقال: "الفرضُ مسْحُ بعضِ الرأس ولم يُحَدّ" وهو قول الطبريَ.
قال الشافعي: "احتمل قول الله عز وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}؛ مسح بعض الرأس، ومسح جميعه، فدلَّت السنة أن مسح بعضه يُجزئ".
وقال -في موضع آخر-: "فإن قيل: قد قال الله -في التيمم-: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} ؛ ولا يجزئ بعض الوجه في التيمُّم؛ قيل له: مسح الوجه في التيمُّم بدل من عموم غسله، فلا بُدَّ من أنْ يأتي بالمسح على جميع موضع الغسل فيه، ومسح الرأس أصلٌ، فهذا فرق ما بينهما، وعفا الله عز وجل في التيمُّم عن الرأس
والرجلين، ولم يَعْفُ عن الوجه واليدين، فلا بُدَّ مِن الإتيان بذلك على كماله وأصله.
وقال أبو حنيفة وأصحابُه: إنْ مسَحَ المتوضي رُبْعَ رأسه أجزأ، ويبدأ بمقدَّم رأسه إلى آخره.
وقال الثوري، والأوزاعي، والليث: يجزي مسْح بعضِ الرأس ويمسح المقدَّم، وهو قول أحمد، وقد قدَّمنا عن جميعهم: أنَّ مسح الرأس أحبُّ إليهم.
وكان ابنُ عمر، وسلمة بن الأكوع يمسحان مُقدَّم رؤوسِهما (1).
وعن جماعة مِن الناس إجازة مَسْح بعض الرأس.
وأجاز الثوري، والشافعي: مسح الرأس بأصبع واحدة.
وقال أبو حنيفة: "إن مَسَح رأسه، أو بعضه بثلاثة أصابع فما زاد أجزأه، وإنْ مَسَح بأقلَّ مِن ذلك لم يجزئه.
والمرأة عند جميع العلماء في مَسْح رأسها كالرجل سواء" (2).
ولو غسل الرأس بدلًا عن المسح؛ ففي إجزائه عند الأصحاب وجهان:
* أحدهما: لا يُجزئ لأنَّه مأمور بالمسح، وهو غير الغسل.
* والثاني: يُجزئ (3) لأن الغسل مسحٌ وزيادة.
وهل يُكره الغسل بدلًا عن المسح، وإن أجزأ؟ فيه وجهان:
* أحدهما: يكره لأنَّه سرف، كغسل الخف بدلًا عن مسحه.
(1)"التمهيد"(20/ 125 - 128).
(2)
"التمهيد"(20/ 129).
(3)
من قوله "يجزي" إلى قوله "فيها وجهان" ألحقه ناسخ في الهامش وصحَّحه.
* وأظهرهما: لا يُكره لأنَّ الغسل هو الأصل إذْ به تحصل النظافة، والمسح تخفيف من الشرع نازل منزلة الرُّخَص، فإذا عدَلَ إلى الأصل لم يأتِ بمكروه، لكن لا يُستحبُّ لقوله عليه السلام:"إنَّ الله يُحِبُّ أن تُقبل رُخَصُه كما يُحبُّ أنْ تُؤتى عزائمه".
ولو بلَّ رأسه، ولم يمدَّ اليدَ أو غيرها ممَّا يمسح به على الموضع فهل يُجزئه ذلك؟ فيه وجهان:
* أحدهما: يجزئ لأن المقصودَ وصولُ الماء، ولا نظر إلى كيفيَّة الإيصال، كما في الغسل لا يفترق بين أن يُجري الماء على أعضائه أو يخوض ببدنه في الماء.
* والثاني: وهو اختيار القفَّال لا يجزئ لأنه لا يُسمَّى مسحًا، ولو قطر على رأسه قطرة، ولم تجر على الموضع فعلى الخلاف، وإنْ جرت كفى، وهذا يدلُّ على أنَّ المقصود عندهم الوصول (1)، ولا عبرة بمسمَّى المسح (2).
وأمَّا أصحابُ داود فمختلفون في استيعاب جميع الرأس بالمسح أو مسح بعضه، على قولين، وممَّن حُكيَ عنه جوازُ الاقتصارِ على مسح البعض من السَّلفِ: عبد الله بن عمر، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، والنخعي، والشعبي، وعطاء، وصفية بنت أبي عُبيد، وعكرمة، والحسن، وأبو العالية، وعبد الرحمن بن أبي ليلى".
قال أبو محمّد (3) رحمه الله: "ولا نعلم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلافًا لما رُوّيناه عن ابن عمر في ذلك".
(1) من س وفي ت "الوضوء" وهو خطأ يرده السياق.
(2)
من س وفي ت "ولا عبرة بمسح المسح" وهو خطأ ظاهر يرده السياق.
(3)
وهو ابن حزم في "محلاه"(2/ 53).
وأمَّا ما يفعله بعضُ الناس من أنْ يمسح بعض رأسه، بل ربما [بلَّ](1) الشعرة الواحدة منه، أو ما قارب ذلك المرتين والثلاثة، فعَمَلٌ لا أصل له، ومَن نقل عنه استحباب التكرار في مَسْحِ الرأس فمحمولٌ على استحباب التكرار (2) في الكلِّ (3) لا البعض، ولا يشكُّ قائل ذلك أنَّ مَسْح الرأس جميعه مرَّةً واحدةً أولى من تكرار المسح لبعضه، ولم يُنقل مسحُ بعضِ الرأسِ معادًا مُكرَّرًا عن النَّبِّي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من السلف.
وأمَّا الصدغُ فهو: المحاذي لرأس الأذن، نازلًا إلى أوَّل العذار، واختلف أصحابُنا فيه فقال بعضهم (4): هو من الرأس، وقيل (5): مِن الوجه، وقيل: أعلاه من الرأس، وأسفله من الوجه، فمن قال إنَّه مِن الرأس قال: ذكره بعد الرأس توكيدًا لاستيعاب الرأس، ومَن قال: هو من الوجه قال: إنَّما مسح عليهما ليصير بالابتداء منهما محتاطًا في استيفاء آخر الرأس، لئلَّا يترك جُزءً من الرأس بغير مسح.
وأمّا مسح (6) العنق: فقد وَقَع في حديث طلحة بن مصرف: "يمسح رأسه حتى بلغَ القذال (7)، وما يليه من العنق"، والقذال: مقدّم العنق.
فالحديث معلّل بليث ابن أبي سُلَيْم، وطلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جدّه. وإن كان طلحة معروفًا فمَن بعده غيرُ معروفين (8).
وهل يحتاج إلى تجديد ماء أم لا؟
(1) زيادة من س.
(2)
من س في ت: الأكل وهو خطأ ظاهر يرده السياق.
(3)
من قوله "التكرار" إلى قوله "أولى من تكرار المسح" ألحقه ناسخ س في الهامش وصححه.
(4)
في س: أكثرهم.
(5)
من قوله "وقيل" إلى قوله "فمن قائل أنه من الرأس" ساقط من ت.
(6)
قوله "وأمَّا مسحُ" ألحقه ناسخ س في الهامش وصحَّحه.
(7)
غير مقروءة في ت من مصورتي.
(8)
في س: غير معروف.