الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا
حدثنا علي بن حجر: أنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا، فلا تصدقوه؛ ما كان يبول إلا قاعدًا.
قال: وفي الباب عن عمر، وبريدة.
قال: وحديث عائشة أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر؛ قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائمًا، فقال:"يا عمر! لا تبل قائمًا" فما بلت قائمًا بعد.
قال أبو عيسى: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم ابن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أيوب السختياني وتكلم فيه.
روى عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال عمر: "ما بلت قائمًا منذ أسلمت".
وهذا أصح من حديث عبد الكريم.
وحديث بريدة في هذا غير محفوظ.
ومعنى النهي عن البول قائمًا: على التأدب، لا على التحريم.
وقد روي عن عبد الله بن مسعود؛ قال: "إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم".
حديث عائشة: رواه الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه (1)، ولم يذكر الترمذي من حكمه أكثر من أنه:"أحسن شيء في الباب وأصح"، وذلك لا يفيده في نفسه صحة ولا حسنًا.
(1)"المسند"(6/ 192)، النسائي (29)، ابن ماجه (307).
فنقول: المقدام، وأبوه شريح، وُثِّقا، وانفرد بإخراجهما مسلم دون البخاري (1).
وشريك (2) لم يخرجا له؛ إلا أن مسلمًا أخرج له في المتابعات وكان ذا جلالة، وقدر، وعلم.
وهو شريك بن عبد الله بن أنس، ويقال: ابن عبد الله بن أبي شريك، وهو أوس (3) بن الحارث بن الأدهل بن وهبيل، وقيل: هبل بن سعد بن مالك بن النخع الكوفي، أبو عبد الله النخعي، ولد بخراسان (4) نيسابور، ويقال: ولد ببخارى؛ مقتل قتيبة بن مسلم، سنة خمس وتسعين، أدرك عمر بن عبد العزيز، وسمع أبا إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وسماك بن حرب، وإسماعيل بن أبي خالد، وسلمة بن كهيل، والأعمش، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن المعتمر، في آخرين.
روى عنه: يحيى القطان، ووكيع، وابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعبد السلام بن حرب الملائي (5)، وجماعة يطول ذكرهم.
قال أبو بكر الخطيب: وقال عبد الله بن محمود: سمعت أبي يقول: سمعت يحيى الحماني يقول: قال لي عبد الله بن المبارك: أما يكفيك علم شريك؟!
وقال شريك -في قصة-: فكنت أضرب اللبن، وأبيعه وأشتري دفاتر
(1)"رجال صحيح مسلم"(1689، 672).
(2)
"رجال صحيح مسلم"(665) و"تهذيب الكمال"(12/ 462 - 475) و"الجرح والتعديل"(5/ 365 - 367).
(3)
في الأصل وت: أراس، وهو خطأ صوابه كما أثبت، كما في مصادر ترجمته، وانظر "الأنساب"(3/ 64).
(4)
من بعد كلمة خراسان بدأت نسخة السندي التي قابلت عليها. (صالح).
وقد رمز الأخ عبد العزيز لنسخة السندي: س. وقال: هنا تنقطع نسخة المصنف، وتبتدئ من جديد
…
!
(5)
الأصل: المرادي!
وطروسًا، فأكتب فيها العلم والحديث، ثم طلبت الفقه، فبلغت ما ترى.
وقال أبو أحمد الزبيري: "كنت إذا جلست إلى الحسن بن صالح، رجعت وقد نغَّص علي ليلتي، وكنت إذا جلست إلى سفيان الثوري، رجعت وقد هممت أن أعمل عملًا صالحًا، وكنت إذا جلست إلى شريك بن عبد الله، رجعت وقد استفدت أدبًا حسنًا".
وقال حفصُ بن غياث: قال الأعمش -يومًا-: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، قال: فقدمنا شريكًا، وأبا حفص الأبار".
وقال البغوي: ثنا داود بن رشيد: ثنا محمد بن معاوية النيسابوري؛ قال: سمعت عبادًا يقول: "قدم علينا معمر وشريك واسطًا، وكان شريك أرجح عندنا منه"(1).
وقال العجلي (2): شريك بن عبد الله النخعي القاضي، كوفيٌّ ثقة، وكان حسن الحديث، وكان أروى الناس عنه: إسحاق بن يوسف الأزرق الواسطي، سمع منه تسعة آلاف حديث".
وقال سعدويه: سمعت ابن المبارك يقول: "كان شريك أحفظ لحديث الكوفيين من سفيان" -يعني: الثوري-.
قال الخطيب: أنا الأزهري: أنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى: أنا مكرم بن أحمد: حدثني يزيد بن الهيثم البادا؛ قال: قلت ليحيى بن معين: زعم إسحاق بن أبي إسرائيل أن شريكًا أروى عن الكوفيين من سفيان، وأعرف بحديثهم، فقال: ليس يقاس بسفيان أحد، ولكن شريك أروى منه في بعض المشايخ: الرّكين،
(1)"تاريخ بغداد"(9/ 280).
(2)
"ترتيب الثقات"(727)، وانظر "تاريخ بغداد".
والعباس بن ذريح، وبعض مشايخ الكوفيين -يعني: أكثر كتابًا- (1).
قلت ليحيى: فروى يحيى بن سعيد القطان عن شريك؟ قال: لم يكن شريك عند يحيى بشيء وهو ثقة ثقة (2).
قال يزيد بن الهيثم: وسمعت يحيى يقول: "شريك ثقة، وهو أحب إلي من أبي الأحوص وجرير، ليس يقاس هؤلاء بشريك، وهو يروي عن قوم لم يرو عنهم سفيان"(3).
وقال عباس: قلت ليحيى: شريك أثبت أو أبو الأحوص؟ [قال: شريك. وروى أبو يعلى الموصلي عن يحيى مثله، وقال عئمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: فشريك أحب إليك منه يعني في أبي إسحاق أو إسرائيل؟](4) قال: شريك أحب إلي، وهو أقدم، وإسرائيل صدوق. قلت: فشريك أحب إليك في منصور أو أبو الأحوص؟ فقال: شريك أعلم به.
قال عثمان: وأراه قال: وكم روى أبو الأحوص عن منصور.
وذكر أبو بشر الدولابي: ثنا أبو عبد الله معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين؛ قال:"شريك بن عبد الله هو صدوق ثقة، إلا أنه إذا خولف مغيره أحب إلينا منه".
قال أبو عبيد الله: وسمعت من أحمد شبيهًا بذلك.
(1)"تاريخ بغداد"، و"من كلام أبي زكريا في الرجال" رواية الدقاق (322).
(2)
"تاريخ بغداد"، و، "الدقاق"(31)، وعنده: ثقة، مرة واحدة فقط.
(3)
انظر "تاريخ بغداد" و "الدقاق"(32).
(4)
زيادة من س.
وقوله: وإسرائيل، كذا هو، ولعلها: أو إسرائيل، كما هو في "ترتيب الكمال" وانظر "تاريخ بغداد".
وسئل أبو عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- عن شريك وإسرائيل عن أبي إسحاق: أيهما أحب إليك؟ فقال: شريك أحب إلي؛ لأن شريكًا أقدم سماعًا من أبي إسحاق، وأما المشايخ فإسرائيل. قال: وشريك أكبر من سفيان.
وقال يعقوب: قال أبو طالب: قال أبو عبد الله: "شريك أقدم من إسرائيل وزهير، وذاك أنه أسنهم".
وقال أبو بكر المروذي: قلت لأحمد بن حنبل: يحيى القطان إيش كان يقول في شريك؟ قال: كان لا يرضاه، وما ذكر عنه إلا شيئًا على المذاكرة حديثين.
وقال أبو يعلى الموصلي: "وسئل يحيى بن معين: روى يحيى القطان عن شريك؟ فقال: لا، لم يرو يحيى عن شريك، ولا عن إسرائيل. ثم قال: شريك ثقة؛ إلا أنه كان لا يتقن، ويغلط، ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة.
وقال علي بن المديني: شريك أعلم من إسرائيل، [وإسرائيل] أقل خطأ منه، وذكر عن شريك؛ قال: كان عسرًا في الحديث، وإنما كان [شريك أعلم] حديث شريك وقع بواسط، قدم عليهم في حَفْرِ نَهْرٍ، فحمل عليه إسحاق الأزرق وغيره، قال علي: إن شريكًا قال: صليت مع أبي إسحاق ألف غداة. قال علي: وكان يحيى بن سعيد حمل عن شريك قديمًا، وكان لا يحدث عنه، وكان ربما ذكرها على التعجب، فكان بعضهم يحملها عنه.
وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن إسرائيل، ولا عن شريك، وكان عبد الرحمن يحدث عنهما.
وقال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قدم شريك مكة فقيل لي: لو أتيته، فقلت: لو كان بين يدي ما ساكته عن شيء، وضعف حديثه جدًّا.
قال يحيى: "أتيته بالكوفة فإذا هو لا يدري".
وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: شريك ثقة، يخطئ على الأعمش، زهير وإسرائيل فوقه.
وقال -مرة-: "أبو بكر بن عياش بعد شريك".
وقال أبو حاتم الرازي: "شريك لا يحتج بحديثه".
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: شريك بن عبد الله سيئ الحفظ، مضطرب الحديث مائل.
وقال محمد بن يحيى: سمعت أبا الوليد يقول: كان شريك يحدث بشيء، ويسبق إلى نفسه لا يرجع إلى كتاب.
وقال يعقوب بن شيبة: شريك بن عبد الله ثقة صدوق، صحيح الكتاب، رديء الحفظ مضطربه.
وقال أبو علي (1) صالح بن محمد: "شريك صدوق، ولما ولي القضاء اضطرب حفظه. وقل ما يحتاج إليه في الحديث الذي يحتج به.
وقال عباس الدوري (2): سمعت يحيى بن معين يقول: قال أبو عبيد الله -وزير المهدي- لشريك القاضي: أردت أن أسمع منك أحاديث. فقال: قد اختلطت علي أحاديثي، وما أدري كيف هي؟ فألحَّ عليه أبو عبيد الله، فقال: حدثنا مما تحفظ، [ودع ما لا تحفظ] فقال: أخاف أن تخرج (3) أحاديثي ويضرب بها وجهي.
وقال أبو كريب: سمعت يحيى بن يمان يقول: لما ولي شريك القضاء أكره على ذلك، وأقعد معه جماعة من الشرط يحفظونه، ثم طاب للشيخ فقعد من نفسه،
(1) في س: يحيى!
(2)
"التاريخ"(2/ 252) و"تاريخ بغداد"(9/ 285).
(3)
كذا الأصول، وعند د. بشار: تجرح.
فبلغ الثوري أنه قعد من نفسه، فجاء فترايا له، فلما رأى الثوري قام إليه، فعظمه وأكرمه، ثم قال: يا أبا عبد الله هل من حاجة؟ قال: نعم، مسألة. قال: أوليس عندك من العلم ما يجزيك؟ قال: أحببت أن أذكرك بها، قال: قل، قال: ما تقول في امرأة جاءت فجلست على باب رجل، ففتح الرجل الباب، فاحتملها ففجر بها، لمن تحد منهما؟ قال: له دونها لأنها مغصوبة، قال: فإنه لا كان من الغد جاءت فتزينت وتبخرت، وجلست على ذلك الباب، ففتح الرجل الباب، فرآها فاحتملها، ففجر بها، لمن تحد منهما؟ قال: أحدهما جميعًا لأنها جاءت من نفسها، وقد عرفت الخبر بالأمس، قال: أنت كان عذرك حيث كان الشرط يحفظونك، إيش عذرك اليوم؟ قال: يا أبا عبد الله أكلمك، قال: ما كان الله ليراني أكلمك، أو تتوب، قال: ووثب فلم يكلمه حتى مات، وكان إذا ذكره قال: أي رجل كان لو لم يفسدوه.
وقال ابن أبي شيخ: وحدثني عبد الله بن صالح بن مسلم؛ قال: كان شريك على قضاء الكوفة فخرج يتلقى الخيزران، فبلغ شاهي، وأبطأت الخيزران، فأقام ينتظرها ثلاثًا، ويبس خبزه، فجعل يبله بالماء ويأكله، فقال العلاء بن المنهال شعرًا:
فإن كان الذي قد قلت حقًّا
…
بأن قد أكرهوك على القضاء
فما لك موضعًا في كل يوم
…
تلقى من يحج من النساء
مقيم في قرى شاهي ثلاثًا
…
بلا زاد سوى كسر وماء
وقال ابن الجنيد: سمعت يحيى بن معين يقول: قال المهدي لشريك: كأني أرى رأس زنديق يضرب الساعة، فقال شريك: يا أمير المؤمنين! إن للزنادقة علامات؛ تركهم الجماعات، وشربهم القهوات، وتخلفهم عن الجمعات، فقال المهدي: يا أبا عبد الله! لم نعنك بهذا. قال يحيى بن معين: وجده حاضر الجواب.
وقال عبد الجبار بن محمد الخطابي: قلت ليحيى بن سعيد: إن شريكًا إنما
خلط بآخره، قال: ما زال مخلطًا.
وقال أبو زرعة: كان كثير الغلط، صاحب وَهْم يغلط أحيانًا.
وقال فضل بن الصايغ: إن شريكًا حدث بواسط أحاديث بواطيل، فقال أبو زرعة: لا تقل بواطيل.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: سمعت بعض الكوفيين يقول: قال شريك: قدم علينا سالم الأفطس، فأتيته ومعي قرطاس فيه مئة حديث فسألته عنها، فحدثني بها وسفيان يسمع فلما فرغ، قال سفيان: أرني قرطاسك. قال: فأعطيته إياه، فخرقه. فرجعت إلى منزلي فاستلقيت على قفاي حفظت منها سبعة وتسعين وذهبت علي ثلاثة.
وقال أبو أحمد بن عدي: ولشريك حديث كثير من المقطوع، والمسند، وأصناف، وفي بعض ما لم أتكلم عليه من حديثه مما أمليت بعض الإنكار، والغالب على حديثه الصحة، والذي يقع في حديثه من النكرة إنما أتي فيه من سوء حفظه، لا أنه يتعمد شيئًا مما يستحق أن ينسب فيه إلى شيء من الضعف.
وقال الحافظ عبد الغني: روى له مسلم، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه.
فأطلق القول في رواية مسلم له، وذلك الإطلاق يقتضي الاحتجاج به، وليس كذلك، فإن مسلمًا إنما روى له في المتابعات والشواهد.
وقال ابن سعد: شريك بن عبد الله القاضي، توفي في مستهل ذي القعدة، سنة سبع وسبعين ومئة، وكان ثقة مأمونًا كثير الحديث، وكان يغلط.
وقال ابن حبان -في كتابه "الثقات"-: كان في آخر أمره يخطئ فيما يروي تغير عليه حفظه، فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بواسط ليس فيه تخليط
مثل يزيد بن هارون، وإسحاق الأزرق، وسماع المتأخرين عنه بالكوفة فيه أوهام كثيرة (1).
وحديث عمر رضي الله عنه: رواه ابن ماجه وضعفه الترمذي بعبد الكريم ابن أبي المخارق (2)، وقال: إنما روى من حديث عبد الكريم -يعني: مرفوعًا- ورجح الموقوف، من رواية عبيد الله، ولو تساويا في الثقة لترجح المرفوع من حيث النظر، لكن عبد الكريم لا يعدل بعبيد الله بن عمر ليس مثله، ولا قريبًا منه.
واسم أبي المخارق: قيس، وقال عبد الرحمن: طارق أبو أمية البصري نزل مكة.
روى عن: أنس بن مالك، وطاووس بن كيسان، ومجاهد، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.
روى عنه: أبو سعد البقال، وابن جريج، والثوري، ومالك، وسعيد بن أبي عروبة، وابن عيينة، وإسرائيل بن يونس وغيرهم.
قال أيوب: هو غير ثقة، سألني عن حديث لعكرمة فحدثته، ثم قال: حدثني عكرمة.
قال معمر: سألني حماد عن فقهائنا، فذكرتهم، فقال: قد تركت أفقههم، يعني: عبد الكريم أبا أمية.
قال أحمد: كان يوافقه على الإرجاء.
(1) قال عبد العزيز: هنا تنتهي اللوحة الأولى من (أ) التي أقحمت في النسخة (س).
وقد جاء في حاشية (س) ما نصه: الظاهر أن هنا سقط قدر ورقة في الأصول المنقول منها أو أكثر.
(2)
انظر "الجرح والتعديل"(6/ 59).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عبد الكريم أبي أمية، فقال: بصري، نزل مكة، وكان معلمًا، وكان ابن عيينة يستضعفه، فقلت له: فهو ضعيف؟ قال: نعم.
وقال عمرو بن علي: كان عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد لا يحدثان عن عبد الكريم أبي أمية المعلم، فذكروا أمره عند يحيى في المسجد الجامع يوم الجمعة الترويح (1) في الصلاة، فقال: يذكرون عن مسلم بن يسار وأبي العالية، فقال له عفان: مِن حديث مَن؟ فقال: حدثنا هشام بن أبي عبد الله، عن عبد الكريم، عن عمر (2) بن أبي يزيد فيما بينه وبينه.
وكذا رأيت هذا الخبر بخط شيخنا الحافظ الدمياطي في كتاب "الكمال"، ورأيت فيه زيادة في كتاب "الكنى" للحاكم، قال: وأما عبد الرحمن، فإني سألته في المجلس عن حديث من حديث محمد بن راشد، عن عبد الكريم المعلم، فقال. دعه. فلما قام ظننت أنه يحدثني به فسألته؛ فقال: فأين التقوى؟
وقال ابن عدي (3): والضعف بيّن على كل ما يرويه.
وقال يحيى: هو بصري ضعيف.
وقال أيوب بن أبي تميمة لمعمر: عبد الكريم أبو أمية غير ثقة، فلا تحملن عنه.
مات سنة سبع وعشرين ومئة.
وقال أحمد: ليس هو بشيء، وقد ضربت على حديثه، وهو شبيه المتروك (4).
(1) في "الجرح والتعديل": التروح. مع تقديم وتأخير.
(2)
في "تهذيب الكمال" و"الجرح": عمير.
(3)
"الكامل"(5/ 1978).
(4)
انظر: "الجرح"(6/ 60).
وقال يحيى: ليس بشيء (1).
وقال السعدي (2): غير ثقة.
وقال الحاكم: ليس بالقوي عندهم.
وقال ابن حبان: كثير الوهم، فاحش الحفظ (3)، فلما كثر ذلك منه بطل الاحتجاج به.
وقال النسائي (4) والدارقطني (5): متروك.
قال الحافظ عبد الغني: روى له مسلم، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه.
وذكره ابن طاهر في من اتفق عليه الشيخان (6)؛ قال: وهو حديث واحد عندهما. وذكر حديثًا عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي؛ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه
…
الحديث، من رواية ابن عيينة عنه.
لكن البخاري أورده تعليقًا عن سفيان، فقال: قال سفيان: حدثني عبد الكريم.
وأخرجه مسلم عن زهير والناقد وأبي بكر، عن سفيان مخرجًا (7). انتهى كلامه (8).
(1)"التاريخ" الدارمي، (681).
(2)
"أحوال الرجال"(144).
(3)
كذا، وصوابها: الخطأ. "المجروحين"(2/ 144).
(4)
"الضعفاء والمتروكين"(422).
(5)
"السنن"(1/ 164)، انظر "سؤالات الحاكم" للدارقطني (523).
(6)
رواه البخاري (1716 م)، وهو عند مسلم (1317) في أول حديث في الباب (348) ثم عاد (349) ورواه من طريق الجزري كما سيذكره المصنف، ولا يظهر ما حكاه أن الرواية عن الجزري في المرتين.
(7)
في "الجمع بين رجال الصحيحين": "مجودًا".
وانظر "الصحيح" لمسلم: (1317).
(8)
"الجمع بين رجال الصحيحين" لابن طاهر (1/ 324، 325)، وقد نقله الشارح بمعناه.
ويحتاج إلى تعقب: فأما ما تضمن من أن البخاري أخرج له أصلًا، فقد استدرك هو وبين أنه عنده معلق عن سفيان، لكنه تضمن من غير استدراك، أن ليس له من هذا اللفظ في "صحيح البخاري" إلا ذلك الموضع، واستدرك عليه بعض المتأخرين فقال: وقد ذكر البخاري (1) في "باب التهجد بالليل"، وقال سفيان -يعني: ابن عيينة-: وزاد عبد الكريم أبو أمية "لا حول ولا قوة إلا بالله".
وأما ما ذكره غير (2) مسلم، فقد ذكر مثله الحافظ عبد الغني المقدسي أيضًا، وزعم أن مسلمًا أخرج له أصلًا -يعني: الحديث المذكور- وإن لم يصرح به.
وزعم بعض الحفاظ أن مسلمًا لم يخرج لابن أبي المخارق، وأن عبد الكريم في ذلك الحديث هو الجزري؛ وهو الصواب إن شاء الله، فإن مسلمًا صرح به أولًا، ثم أحال على ما سبق عنده، فقال: ثنا يحيى بن يحيى؛ قال: ثنا أبو خيثمة زهير بن معاوية، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد.
وثنا أبو بكر والناقد وزهير، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم، عن مجاهد.
لم يزد على ذلك، ثم ساق الحديث بعد ذلك من طريق: ابن أبي نجيح
(1) علقه البخاري (1120)، وانظر "مختصر البخاري"(1/ 333) للالباني، وهو عند مسلم موصولًا (769)، كما هو عند البخاري من غير طريق عبد الكريم.
قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري"(ص 421): " .. متروك عند أثمة الحديث، وقد ذكره أبو الوليد الباجي في "رجال البخاري" من أجل زيادة وقعت في حديث سفيان بن عيينة عن سليمان عن طاوس عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد .. " الحديث.
أورده البخاري في "كتاب التهجد" وقال في آخره: قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية -يعني عن طاوس-: "ولا حول ولا قوة إلا بالله". ولم يقصد البخاري الاحتجاج به، وإنما أورده كما حصل عنده، واحتجاجه إنما هو بأصل الحديث عن سليمان كعادته في ذلك
…
".
(2)
كذا ولعلها: عن.
والحسن بن مسلم كلاهما عن مجاهد، كرواية عبد الكريم الجزري.
وأما البخاري: فساق الحديث من طريق: ابن أبي نجيح والحسن بن مسلم، وسيف بن [أبي] سليمان وعبد الكريم، عن مجاهد -أصلًا وتعليقًا- مصرحًا في كلا الموضعين بأنه الجزري، فهذا كما ترى مقرونًا بابن أبي نجيح وغيره، وعندهما مصرحًا فيه بالنسبة المفرقة بينهما عند البخاري في طريقي التعليق والاتصال، وعند مسلم في السند الأول الذي يحسن حوالة ما يأتي بعده عليه.
وأما ما استدرك على ابن طاهر بما وقع عند البخاري في قيام الليل فصحيح فابن أبي المخارق هو الذي يكنى أبا أمية، وليس الجزري، لذلك يستقيم الفرق بينهما.
ووجه آخر -في الرد على من زعم أن مسلمًا انفرد بإخراج حديثه في الأصول- وهو أنه ليس له عنده إلا هذا الحديث الواحد، وقد ساقه مقرونًا بابن أبي نجيح، والحسن بن مسلم؛ ولا يكون محتجًا به حتى ينفرد.
وأما المقرون به غيره: فالاحتجاج بقرينه لا به، فقد تبين الوجه في ذلك من وجوه:
* أولها: أنه الجزري وليس غيره.
* والثاني: لو كان هو لكان في الشواهد والمتابعات.
* والثالث: أنه لم يأت إلا مقرونًا بغيره فلا يكون الحمل عليه ولا الاحتجاج به.
نعم، الذي أخرج حديثه مع انتقائه الرجال وأنه ليس من شأنه أن يخرج إلا عن ثقة الإمام مالك رحمه الله ورضي عنه- لكنه لم يخرج عنه إلا اليسير الثابت
من غير طريقه: "إذا لم تستح فافعل ما شئت"، "ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة"، ومع ذلك فقد اعتذر لما بين أمره.
وقال: غرني بكثرة بكائه في المسجد أو نحو هذا.
وفي عذر من اشتبه عليه بعبد الكريم الجزري لاشتراكهما في الاسم والعصر؛ فقد ماتا معًا في سنة سبع وعشرين، وفي الشيوخ والرواة فكلاهما روى عن: الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وروى عن كليهما: الثوري، وابن جريج، ومالك، ومن في طبقتهم.
وقد ضعف عبد الكريم الجزري (1) أيضًا سيما، قال أبو أحمد الحاكم: لم يكن بالحافظ عندهم. وذكر أن ابن المديني: قال ليحيى بن سعيد: حديثه عن عطاء، عن جابر في لحم البغل؛ فقال: قد سمعته وأنكره يحيى وأبي أن يحدثني عنه أعني عبد الكريم الجزري.
لكن قد وثقه غير واحد.
وقال أبو عمر (2) -في ابن أبي المخارق عبد الكريم-: بصري، ضعيف، متروك، لا يختلف العلماء بالحديث في ضعفه إلا أن منهم من يقبله في غير الأحكام خاصة ولا يحتج به على كل حال، ومن أجل من جرحه (3)، وطرحه: أبو العالية وأيوب مع ورعه ثم شعبة والقطان وأحمد وعلي وابن معين. وكان مؤدب كتاب حسن السمت غر مالكًا منه سجيته ولم يكن من أهل بلده فيعرفه، كما غر الشافعي من إبراهيم بن أبي يحيى حذقه ونباهته؛ فروى عنه وهو أيضًا مجتمع على تجريحه وضعفه ولم يخرج مالك عن عبد الكريم حكمًا في "موطئه" وإنما ذكر فيه عنه ترغيبًا وفضلًا،
(1) انظر "الجرح والتعديل"(6/ 58 - 59).
(2)
"التمهيد"(20/ 65).
(3)
الأصل: حل من صححه جرحه.
وكذلك الشافعي لم يحتج بابن أبي يحيى في حكم أفرده به. انتهى كلامه.
أما قوله: أن مالكًا لم يخرج عنه في الأحكام فقد ذكرنا وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.
وقال أبو جعفر العقيلي (1) عن معمر: ما رأيت أيوب اغتاب أحدًا قط إلا عبد الكريم؛ فإنه ذكره فقال: رحمه الله كان غير ثقة.
وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: لم يحدث مالك عن أحد أضعف من عبد الكريم.
فحديث عمر إذن ضعيف لمحل عبد الكريم وهو منحط عن درجة حديث عائشة وكذلك حديث جابر.
وقد رواه (2) ابن ماجه، وضعفه ابن عدي في "الكامل" في ترجمة عدي بن الفضل، من طريقه أخرجه ابن ماجه.
وأما حديث بريدة: فقال البزار: ثنا نصر بن علي: ثنا عبد الله بن داود: ثنا سعيد بن عبيد الله: ثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: "ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ في سجوده".
ثم قال: لا نعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبيد الله.
قلت: إن لم يكن لهذا الحديث علة، فهو أقوى من حديث عائشة؛ فإن سعيد بن عبيد الله احتج به البخاري ووثقه أحمد ويحيى وابو زرعة (3).
(1)"الضعفاء"(3/ 262).
(2)
أي حديث جابر، وانظر "السنن" لابن ماجه (309).
(3)
"الجرح"(4/ 39).
وحديث جابر الذي تقدم ذكره ليس مما أشار إليه الترمذي، وقد ذكره البيهقي (1) أيضًا، وضعف عدي بن الفضل، فقال: وروى عدي بن الفضل وهو ضعيف عن علي بن الحكم، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله؛ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائمًا.
أخبرناه أبو سعد الماليني: أنا أبو أحمد بن عدي: ثنا ابن صاعد: ثنا محمد بن عبد الله المخرمي وأبو الفضل الخرقي؛ قالا: ثنا أبو عامر العقدي: ثنا عدي بن الفضل
…
فذكره.
وذكر أيضًا: من حديث عبد الرحمن بن حسنة وعمرو بن العاص وليس مما أشار إليه الترمذي: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل الماسرجسي: نا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري: ثنا محمد بن عبد الوهاب أبو أحمد: أنا يعلى بن عبيد: ثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة؛ قال: كنت أنا وعمرو بن العاص جالسين فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده درقة فبال وهو جالس
…
الحديث (2).
قال الترمذي: ومعنى النهي عن البول قائمًا: على التأدب لا على التحريم.
قال النووي (3) رحمه الله وقد ذكر حديث عائشة في الباب وأنه ثابت؛ قال: ولهذا قال العلماء: يكره البول قائمًا إلا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم.
قال ابن المنذر في "الإشراف": اختلفوا في البول قائمًا فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد رضي الله عنهم أنهم بالوا قيامًا.
(1)"السنن الكبير"(1/ 101).
(2)
المصدر السابق، و (1/ 104)، والحديث رواه أبو داود (22) وابن ماجه (346) والنسائي (30) وابن الجارود (131) والحاكم (657، 658) وقال: صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني.
(3)
"شرح صحيح مسلم"(3/ 166).
قال: وروي ذلك عن علي وأنس وأبي هريرة، وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزبير.
وكرهه ابن مسعود والشعبي وإبراهيم بن سعد، وكان إبراهيم بن سعد لا يجيز شهادة من بال قائمًا.
قال: وفيه قول ثالث؛ إن كان في مكان يتطاير إليه من البول شيء؛ فهو مكروه وإن كان لا يتطاير فلا بأس به، وهذا قول مالك.
قال ابن المنذر: البول جالسًا أحب إلي، وقائمًا مباح؛ وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فحجة من منع أحاديث هذا الباب وحجة من أجاز حديث حذيفة الآتي بعده.
وقال المانعون: ذلك لمقتضى (1) يخصه من وجع صلب، كما قال الشافعي (2) وجرح بمأبضة، كما روي من طريق ضعيفة (3) أو غير ذلك مما سيأتي في الباب بعده. وانفصل عن ذلك المجيزون؛ بأن هذه الأوجه وإن كانت محتملة إلا أن حذيفة كان شاهدًا لحالته كلها، واستدل بهذا الفعل على جواز البول قائمًا من على نزل النهي في التحرز من النجاسة؛ فلو كان هناك شيء من تلك الاحتمالات لما استدل به، ولنقل ذلك المعنى، ومن فصل بين أن يتطاير لمن يبول شيء من البول أو لا فللجمع بين الحديثين واستعمال كل منهما في مورده.
* * *
(1) غير واضحة، وتحتمل: لمعنى. (على بعد).
(2)
انظر: "شرح مسلم"(3/ 165) و"السنن الكبير"(1/ 101) للبيهقي.
(3)
رواه الحاكم وصححه والبيهقي، وضعفه الألباني في "الإرواء"(58)، وقال السيوطي في "شرح النسائي" (1/ 20): قال الحافظ: ضعفه الدارقطني والبيهقي.