الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإلحاق به والقياس عليه، واستفاد وجوبها في الغسل بقوله تعالى:{وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} .
كما أشار إليه أبو عمر (1): فقد أبعد النجعة، وأتى بما يقبل المنازعة في غير ما موضع. والله أعلم.
وأمَّا حكم الجمع والتفرقة وذكر الهيئات في ذلك، وما يختار منها، فيأتي في الباب بعد هذا إن شاء الله.
22 - باب المضمضة والاستنشاقِ من كفٍ واحدٍ
حدثنا يحيى بن موسى: ثنا (2) إبراهيمُ بنُ موسى: ثنا خالد، عن عمرو بنِ يحيى، عن أبيهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ زيد قال:"رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم مَضمَض واستنشَقَ مِن كفٍ واحدٍ، فعل ذلك ثلاثًا".
[قال: وفي الباب من عبد الله بن عباس].
قال: وحديث عبد الله بن زيد حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وقد روى (3) مالكٌ، وابن عيينة، وغيرُ واحدٍ هذا الحديثَ عن عمرو بن يحيى، ولم يذكروا هذا الحرف أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيِ مضمض واستنشق من كفٍ واحدٍ.
وإنَّما ذكره خالد بن عبد الله، وخالدٌ: ثقةٌ حافطٌ عند أهل الحديث.
(1) في "التمهيد"(4/ 35 - 36).
(2)
عليها بياض في ت.
(3)
في س روي وهو تصحيف يرده السياق.
وقال بعضُ أهلِ العلمِ: المضمضة والاستنشاق مِن كف واحدٍ يُجْزئ. وقال بعضهم: يُفرِّقها أحبُّ إلينا.
وقال الشافعي: إن جمعهما في كفٍ واحدٍ فهو جائز، وإن فرَّقَها فهو أحبُّ إلينا (1).
* الكلام عليه:
حديث عبدِ الله بنِ عباس: "فأخَذَ غَرْفة من ماءٍ فتمضمض بها واستنشق، [ثم] (2) قال في -آخره-: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ".
أخرجه البخاري (3) من حديث زيدِ بن أسلمَ، عن عطاء بنِ يسار عنه، رواه عن محمد بن عبد الرحيم قال: ثنا أبو سَلَمة منصور بن سلمة الخُزاعيّ قال: ثنا ابن بلال -يعني سليمان- عنه.
وحديثُ الباب: من طريق خالدِ بن عبدِ الله، التي أشار إليها مُخَرَّج في الصحيحين أيضًا.
رواه البخاري عن مُسدَّد (4). ومسلم عن محمد بن الصَّبَّاح (5)، كلاهما عن خالد به.
(1)"الجامع"(1/ 41 - 43).
(2)
كذا في س وفي المخطوط "ت": وقال في آخره.
(3)
في "صحيحه"(كتاب الوضوء 1/ 65 / برقم 140) باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة.
(4)
في "صحيحه"(كتاب الوضوء 1/ 81 / برقم 188) باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة.
(5)
في "صحيحه"(كتاب الطهارة 1/ 210 / برقم 235) باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذَكرَ خالدًا ووثَّقه، ووصفه بالحفظ، وذكَرَ تفرَّده بهذا اللفظ (1).
فلنذكر ما حضَرَنا من حالِهِ، وما وَصَل إلينا من طُرُق حديثه هذا على سبيل الاختصار والإيجاز، فنقول:
خالدٌ هذا هو: خالدُ بن عبدِ الله بنِ عبد الرحمن بن يزيد الواسطيُّ، أبو الهَيْثَم الطحان، ويُقال: أبو محمد المُزَنيُّ مولاهم، يقال: إنه مولى النعمان بن مُقْرِن.
سَمعَ أبا إسحاق الشيبانيّ، وإسماعيل بن أبي خالد، وحُصَيْن بن عبد الرحمن، وخالد الحذَّاء، وعمرو بن يحيى الأنصاري، ومُغيرة بن مِقْسَم، وبيان بن بِشر، وعبد الله بن عَوْن، ويونس بن عُبَيْد، وداود بن أبي هند، وسُهَيل بن أبي صالح، ومُطَرِّف بن طَريف، وعبد الملك بن أبي سليمان، وسعيد بن إياس الجُرَيْري.
وروى عنه؛ يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وقُتَيْبة، وعمرو بن عون، ووكيع، ويحيى بن يحيى، ومُسدَّد، وعفَّان بن مسلم، ومُعلَّى (2) بن منصور، ومحمد بن الصَّبَّاح، ووهب بن بقيَّة، ورفاعة بن الهيثم، وخلف بن هشام [البزار](3)، وعبد الحميد بن بيان، وعمر بن حفص، وإسحاق بن شاهين، وأبو عمر الحوضيّ، وسعيد بن منصور (4)، وسعيد بن سليمان.
قال أبو زرعة: "ثقة"(5).
وقال أبو حاتم: "ثقة صحيح الحديث"(5).
قال أبو بكر الخطيب: "قدم بغدادَ في أيامِ هارون الرشيد مع جماعة من
(1) الترمذي في هذا الباب من كتابه "الجامع"(1/ 43).
(2)
في س: يعلى وهو تصحيف.
(3)
كذا في س ومصادر ترجمته وفي ت: البزاز وهو تصحيف.
(4)
قوله "سعيد بن منصور" ألحقه ناسخ في الهامش وصحح اللحق.
(5)
"الجرح والتعديل"(3/ 341 / برقم 1536).
الواسطيين، يسألون عَزْلَ (1) سلمة بن صالح عن (2) قضاء واسط" (3).
قال: أنا [أبو](4) نُعيم الحافظ -إملاءً- قال: سمعتُ الطبرانيّ يقول: سمعتُ عبد الله بنَ أحمدَ بن حنبل يقول: قال أبي: "كان خالد بن عبد الله الواسطيُّ من أفاضل المسلمين (5)، اشترى نفسَه من الله أربعَ مراتٍ، فتصدَّق بوزن نفسِه فضةً أربعَ مراتٍ"(6).
وقال أبو داود (7): قال إسحاق الأزرق: "ما أدركت أفضلَ من خالد الطحان، [قال] (8): رأيت سفيان؟ قال: كان سفيان رجل نفسه، وكان خالدٌ (9) رجل عامّة.
وسُئل محمد بن [عبد الله بن](10) عمّار عنه، وعن جرير بن عبد الحميد، فقدَّمَه (11) " (12).
وكان عثمان بن أبي شيبة يُقدِّم جريرًا على خالدٍ (13).
(1) في س: عن أبي وهو تحريف يرده السياق.
(2)
عقب قوله "عن" بياض مقدار كلمة في نسخة س.
(3)
"تاريخ بغداد"(8/ 294 / برقم 4397).
(4)
من س وهي ساقطة من ت.
(5)
في س: أفضل الناس.
(6)
"تاريخ بغداد"(8/ 294 / 4397).
(7)
كما في "سؤالات أبي عبيد الآجري" له (2/ 291 / برقم 1888).
(8)
كذا في س وفي ت: قد قيل.
(9)
قوله: "كان سفيان رجل بنفسه وكان خالد" ساقط من س وأشار الناسخ إلى هذا السقط في الهامش قائلًا "سقط في الأصل" ولكنه لم يُحدِّد مقدار هذا السقط.
(10)
زيادة من س.
(11)
ساقطة من س.
(12)
"تاريخ بغداد"(8/ 295).
(13)
قوله: "جريرًا على خالد" ساقط من س وأشار الناسخ لـ س إلى هذا السقط في الهامش ولكنه لم يُحدِّد مقدار هذا السقط.
وقال أحمد: "كان ثقة صالحًا في نفسِهِ"(1).
ولد سنة عشر ومائة.
وقال محمد بن سعد (2): "خالد بن عبد الله الطحان ثقة، توفي سنة اثنين وثمانين ومائة"(3).
وأمَّا ما أشار إليه مِن تفرُّد خالدٍ بهذا اللفظ، فإنَّ البخاري رواه مِن حديث سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى (4)، كرواية خالد.
وكذلك رواه مسلم (5) رحمه الله فقال: حدَّثني محمد بن الصبَّاح قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، عن أبيه، عن عبدِ الله بن زيدِ بن عاصم الأنصاريِّ -وكانت له صُحْبة- قال: قيل له: "توضَّأ لنا وضوءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فدعا بإناءٍ، فأكْفَأَ منه على يديْه، فغسلهما ثلاثًا، ثمَّ أدخل يده فاستخرجها، فمضمض واستنشق من كفٍّ واحدٍ، ففعل ذلك ثلاثًا، ثمَّ أدخل يده فاستخرجها، فغسل وجهَهُ ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فغسل يديه إلى المِرْفَقَيْن مرَّتين مرَّتين، ثم أدخَل يده فاستخرجها، فمسح برأسه، فأقبل بيديه وأدبر، ثم غسَلَ رِجْلَيْه إلى الكعبين، ثم قال: هكذا كان وضوءُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم"(5).
قال مسلم (6): وحدثني القاسم بن زكريا قال: ثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، بهذا الإسناد نحوه، ولم يَذْكرِ الكعبين.
(1)"العلل ومعرفة الرجال"(1/ 434 / برقم 968) دون قوله "في نفسه".
(2)
في س سعيد وهو تصحيف.
(3)
في "الطبقات"(7/ 313) وفيها أنه مات بواسط.
(4)
وذلك في "صحيحه" من (كتاب الوضوء 1/ 84 / برقم 196) باب الوضوء من التُور.
(5)
في "صحيحه"(كتاب الطهارة 1/ 210 / 235) باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
(6)
في "صحيحه"(كتاب الطهارة 1/ 211).
قال مسلم (1): وحدثني إسحاق بن موسى الأنصاريّ قال: ثنا معن قال: ثنا مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى، بهذا الإسناد
وقال: مضمض واستنثر ثلاثًا، ولم يقل: مِن كفٍّ واحدٍ.
فقد تبيَّن بما ذكرناه: أنَّ سليمان بن بلال تابعَ خالدًا، عند مسلمٍ على زيادة:"من كفٍّ واحدٍ"، لأن مسلمًا استثناها في حديث مالك، حيث لم تثبت، ولم يستثنِ في حديث سليمان إلًا الكعبين، فرواية سليمان أيضًا بن بلال هذه تنفي عنه اسمَ الغرابة، وهو أجدر بأن يُسمَّى عزيزًا، فإنَّ المعروفَ عندهم أنّ من اشتهر إذا انفرد الرجل عنه بالحديث سُمِّي غريبًا.
وإذا روى عنه رجلان، أو ثلاثة، واشتركوا في حديث سُمِّي عزيزًا، وإذا روى له الجماعة حديثًا سُمِّي مشهورًا، وقد تقدَّم هذا، وإطلاق الصِّحة على هذا هو الظاهر الأن لثبوته في صحيْحَي (2) البخاري ومسلم، ومتابعة سليمان بن بلال خالدًا على روايته عن عمرو بن يحيى، كرواية خالد عنه (3).
ولوجود حديث ابن عباس في معناه، وهو أيضًا عند البخاريِّ (4).
ولأنَّ خالدًا لو انفرد لم يكن حديثه نازلًا عن درجة الصَّحيح على ما رسموه، ولَسنا في هذا وأمثاله نلزم الترمذي تصحيح الشيخين، إذ هو مجتهد كواحد (5) منهما، ولعلَّ متابعة سليمان لم تقع له، وإنَّما كلامُنا بحسب ما انتهى إليه الحال، ممَّا اقتضاه النظر في عصرنا، والله أعلم.
وقد تقدَّم في الباب قبله حكم المضمضة والاستنشاق في الوجوبِ وعدمِه.
(1) في "صحيحه"(كتاب الطهارة 1/ 211).
(2)
في س صحيح.
(3)
في ت عندهما والمثبت أنسب للسياق وهو مثبت من س.
(4)
في صحيحه وقد تقدَّم عزونا إليه ص (277) حاشية (4).
(5)
في س وكواحد منهما.
[والكلام على الهيئة المختارة من ذلك قال الشيخ محيي الدين -رحمه الله تعالى-](1).
"واتفقوا على أنَّ المضمضة مُقدَّمة على الاستنشاق، وهل هو تقديم استحباب أو اشتراط؟ فيه وجهان:
* أظهرهما: أنه اشتراط لاختلاف العُضوين.
* والثاني: استحباب كتقديم اليد اليمنى على اليسرى (2).
قلتُ: تقديمُ المضمضةِ مستفاد من حديث عبدِ الله بن زيدٍ هذا، من قوله:"ثمَّ أدخل يده فاستخرجها، فمَضْمَض"، فعطف بالفاء المقتضية للتعقيب من غير تراخٍ ولا مُهْلة، ثم جاء ذكرُ الاستنشاق بعد ذلك.
وأما كيفيَّتها: ففي الأفضل خمسةُ وجوه:
* الأصح: يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، يتمضمض من كُلِّ واحدة، ثمَّ يستنشق منها ثلاثًا.
* والوجه الثاني: يجمع بينهما بغرفة واحدة، يتمضمض منها ثلاثًا، ثمَّ يستنشق منها ثلاثًا.
* والوجه الثالث: يجمع أيضًا بغرفة، ولكن يتمضمض منها، ثمَّ يستنشق، ثمَّ يتمضمض منها (3) ثم يستنشق، ثمَّ يتمضمض منها ثمَّ يستنشق (4).
* والوجه الرابع: يفصل بينهما بغرفتين، فيتمضمض من إحداهما ثلاثًا، ثم يستنشق من الأخرى ثلاثًا.
(1) ما بين المعقوفتين مضروب عليه في الأصل وأثبته لأنه مثبت في "ت" و"س".
(2)
انظر "شرح مسلم" للنووي (3/ 106).
(3)
ساقطة من س.
(4)
قوله "ثم يتمضمض منها ثم يستنشق" ساقط من س.
"والخامس: يفصل بست غرفات، يتمضمض بثلاث غرفات، ثمَّ يستنشق بثلاث غرفات".
قال الشيخ محيي الدين -رحمه الله تعالى-: "والصحيح الوجه الأول، وبه جاءت الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما". (1)
والرافعي يخالفه في التصحيح (2).
قال النووي: "وأمَّا حديثُ الفصل فضعيف، فتعيَّن المصيرُ إلى الجمع بثلاث غرفات، كما ذكرنا، لحديث عبد الله بن زيد"(3).
يعني قوله فيه: "ثمَّ أدخل يده في الإناء، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات من ماءٍ الحديث.
قلت: هذا اللفظ الذي أشار إليه في حديث عبد الله بن زيد هو صحيح من رواية مالك، وسفيان، وغيرهما، عن عمرو بن يحيى.
ولكن اللفظ الآخر الذي فيه: "مِن كفٍّ واحدٍ" ثابت أيضًا من رواية خالد بن عبدِ اللهِ الطحّان، وسليمان بن بلال، عن عمرو كما بيّناه.
وحديثُ ابنِ عباس في معناه صحيحٌ أيضًا، ويدخل فيهما الوجه الثاني والثالث.
فالأحاديث الصحيحة جاءت بالوجه الأول والثاني والثالث، لا تخصيص الوجه الأول فقط كما قال (4).
وأمّا أحاديث الفصل فليست كذلك، والله أعلم.
(1)"شرح النووي" على مسلم (3/ 106).
(2)
في "فتح العزيز"(1/ 397) وأشار إلى ترجيح الوجه الرابع أو الخامس من الفصل بين المضمضة والاستنشاق.
(3)
في "شرحه" على "صحيح مسلم"(3/ 106).
(4)
النووي في شرحه على مسلم كما تقدم العزو إليه آنفًا.