الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 - باب ما جاء ويل للأعقاب من النار
ثنا قتيبة: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للأعقاب من النار".
قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وعائشة، وجابر، وعبد الله بن الحارث، ومعيقيب، وخالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان.
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة، "حديث حسن صحيح".
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار".
قال: وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين، إذا لم يكن عليهما خفين أو جوربين (1).
* الكلام عليه:
حديث أبي هريرة مخرَّج في الصحيحين (2) من حديث محمد بن زياد عن أبي هريرة، من رواية شعبة عنه.
رواه البخاري عن آدم، ومسلم عن قتيبة، وابن أبي شيبة، وأبي كريب، عن وكيع، كلاهما عن شعبة.
(1) الجامع (1/ 58 - 60).
(2)
رواه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 74) رقم 165 باب غسل الأعقاب، ومسلم في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 214 - 215) رقم 242 باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما.
وأخرجاه أيضًا (1) من حديث ابن سيرين عنه. ورواه ابن ماجه (2) وغيره (3).
وحديث عبد الله بن عمرو: اتفق البخاري (4) ومسلم (5) على إخراجه، من حديث يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو.
وحديث عائشة: رواه مسلم (6).
وحديث جابر: رواه الإمام أحمد (7)، وابن ماجه (8).
وحديث عبد الله بن الحارث بن جزء؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار".
رواه الإمام أحمد (9)، والدارقطني (10).
وحديث معيقيب: رواه الإمام أحمد (11) وقد عُلل.
(1) المصدر السابق.
(2)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 154) رقم 453 باب غسل العراقيب.
(3)
أخرجه أحمد من طرق عن أبي هريرة (2/ 228، 284، 409، 430، 467، 471، 482، 498) والدارمي في سننه (1/ 192) رقم 707 باب ويل للأعقاب من النار، والنسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 82) رقم 110 باب إيجاب غسل الرجلين.
(4)
في صحيحه كتاب العلم (1/ 37) رقم 60 باب من رفع صوته بالعلم رقم 96 باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه وفي كتاب الوضوء (1/ 73) رقم 163 باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين.
(5)
في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 214) رقم 241 باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما.
(6)
في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 213) رقم 240 باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما.
(7)
في مسنده (3/ 316، 369).
(8)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 155) رقم 454 باب غسل العراقيب.
(9)
في مسنده (4/ 190 - 199).
(10)
في سننه (1/ 95) رقم 1.
(11)
في مسنده (3/ 426).
قال الترمذي -في كتاب "العلل"(1) - وقد ذكر حديث الأوزاعي عن يحيى ابن أبي كثير، عن سالم مولى دوس، عن عائشة، ثم قال: وقال أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن معيقيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (2).
فسألت محمدًا عن هذا الحديث؛ فقال: حديث أبي سلمة عن عائشة حديث حسن، وكان قد ذكر حديث أبي سلمة هذا عن المقبري، عنه.
وحديث سالم مولى دوس عن عائشة؛ حديث حسن.
وحديث أبي سلمة عن معيقيب؛ ليس بشيء، كان أيوب لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه فلا أحدث عنه، وضعف أيوب بن عتبة جدًّا.
وعن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، كل هؤلاء سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال:"أتموا الوضوء ويل للأعقاب من النار". رواه ابن ماجه (3).
وفي الباب مما لم يذكره: عن عبد الله بن عمر، وأبي أمامة أو أخيه، وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبي ذر الغفاري رضي الله عنهم، وعن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
أما حديث ابن عمر: فعند ابن أبي شيبة (4)، عن وكيع، عن سفيان، عن
(1) علل الترمذي الكبير (1/ 120).
(2)
هذه الجملة اعتراضية هي من كلام ابن سيد الناس رحمه الله.
(3)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 155) رقم 455 باب غسل العراقيب.
(4)
حديث ابن عمر ليس في مصنف ابن أبي شيبة وقد استدرك الشارح على نفسه فالذي في المصنف (1/ 26) حديث عبد الله بن عمرو بالسند الذي ساقه ابن سيد الناس والله أعلم ونسبه إليه خطأ من حديث ابن عمر لابن أبي شيبة المباركفوري في تحفة الأحوذي (1/ 127) وحديث ابن عمر أخرجه الحصكفي في مسند أبي حنيفة (29) والخوارزمي في جامع المسانيد (1/ 232) بزيادة: "فإذا غسلتم أرجلكم فبلغوا بالماء أصول العراقيب".
منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمر؛ قال:"رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا توضؤوا وأعقابهم تلوح، فقال: "ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء" كذا (1).
وحديثه في "مصنف ابن أبي شيبة" وأظنه وهمًا، وكأنه -والله أعلم- عبد الله بن عمرو بن العاص.
وأما حديث أبي أمامة أو أخيه: فرواه ابن أبي شيبة (2) ، عن علي بن مسهر، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة أو عن أخيه، قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا توضؤوا فرأى عقب أحدهم خارجًا لم يصبه الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويل للعراقيب من النار".
وقد روي من حديث أبي أمامة (3)، ومن حديث أخيه (4)، ومن حديثهما معًا (5)، ومن حديث أحدهما على الشك (6).
(1) في س: كذا وجدته في مصنف ابن أبي شيبة.
(2)
في مصنفه (1/ 26).
(3)
رواه الطبراني في معجمه الكبير (8/ 347 - 348) برقم 8110 و 8111 و 8112 و 8114 و 8115.
(4)
قال الهيثمي في المجمع (1/ 240): رواه الطبراني في الكبير من طرق ففي بعضهما عن أبي أمامة وأخيه وفي بعضها عن أبي أمامة فقط وفي بعضها عن أخيه فقط وفي بعضها قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا يتوضؤون فبقي على أقدامهم قدر الدرهم فقال: "ويل للأعقاب من النار" ومدار طرقه كلها على ليث بن أبي سليم وقد اختلط.
قلت وليس في معجم الطبراني الكبير حديث أخي أبي أمامة وحده فلعله سقط، وذكر ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 606) حديث أخي أبي أمامة وعزاه لابن أبي خيثمة في تاريخه.
(5)
رواه الطبراني في معجمه الكبير (8/ 347) رقم 8109.
(6)
كما في الحديث السابق عند ابن أبي شيبة.
وأما حديثُ عمر بن الخطاب: أن رجلًا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ارجع فأحسن وضوءك"، فرجع ثم صلى.
فرواه مسلم (1).
وحديث أنس كحديث عمر مرفوعًا، فيه: موضع ظفر.
رواه الإمام أحمد (2)، وأبو داود (3)، وابن ماجه (4)، والدارقطني (5) وقال: تفرد به جرير بن حازم، عن قتادة وهو ثقة.
وحديث أبي ذر: عن ابن عيينة، عن عبد الكريم أبي أمية عن مجاهد عنه.
قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتوضأ فقال: "ويل للأعقاب من النار"، فجعلنا نغسلها غسلًا، وندلكها دلكًا، وأبو أمية مستضعف.
ذكره شيخنا أبو الفتح القشيري رحمه الله في كتابه "الإمام"(6).
وحديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة.
(1) في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 215) رقم 243 باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة.
(2)
في مسنده (3/ 146).
(3)
في سنته كتاب الطهارة (1 /) رقم 173 باب تفريق الوضوء.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 218) رقم 665 باب من توضأ فترك موضعًا لم يصبه ماء.
(5)
في سننه (1/ 108).
(6)
الإمام (1/ 604) ولم يذكر ابن دقيق العيد من أخرجه وفاته كذلك أن مجاهدًا لم يدرك أبا ذر رضي الله عنه وأخرجه عبد الرزاق بواسطة في مصنفه (1/ 22 رقم 64) عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجل عن أبي ذر به والله أعلم.
رواه الإمام أحمد (1)، وأبو داود (2)، وليس عند أحمد ذكر الصلاة.
والعَقِبُ: مؤخر القدم، وهي مؤنثة، وبكسر القاف، وتسكن، وخص العقب بالعذاب لأنها التي لم تغسل، وقيل: أراد صاحب العقب، فحذف المضاف وإنما قال ذلك لأنهم كانوا لا يستقصون غسل أرجلهم في الوضوء.
قال أبو عمر (3): في هذا الحديث من الفقه:
* إيجاب غسل الرجلين؛ وفي ذلك تفسيرٌ لقول الله عز وجل: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ، وبيان أنه أراد الغسل لا المسح، وإن كانت قد قرئت {وَأَرْجُلَكُمْ} بالجر؛ فذلك معطوف على اللفظ دون المعنى، والمعنى فيه الغسل على التقديم والتأخير، فكأنه قال عز وجل: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم؛ والقراءتان بالجر والنصب صحيحتان مستفيضتان، والمسح مخالف للغسل، وغير جائز إبطال إحدى القراءتين بالأخرى، ما وجد إلى الجمع بينهما سبيل. والخفض بالجوار معروف، قال امرؤ القيس:
كان أبانا في أفانين ودقة
…
كبير أناس في بِجاد مزمّلِ
فخفض بالجوار، وإنما المزمل: كبير أناس، وإعرابه الرفع، ومنه: هذا جحر ضب خربٍ، بالجر وإنما هو مرفوع، ومن هذا قراءة أبي عمرو:{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ} بالجر، لأن النحاس: الدخان، فعلى ما ذكرنا تكون القراءة بالجر والنصب، ويكون الخفض بالجوار، والمعنى: الغسل وقد يراد بلفظ المسح: الغسل عند
(1) أطراف مسند الإمام أحمد لابن حجر (8/ 266) رقم 11017 ولم أهتد إليه في المسند.
(2)
في سننه كتاب الطهارة رقم 175 باب تفريق الوضوء.
(3)
التمهيد (24/ 254).
العرب من قولهم: تمسحت للصلاة، والمراد الغسل، ويشد هذا التأويل كله قولُ النبي صلى الله عليه وسلم:"ويل للأعقاب من النار".
وسيأتي له في آخر الباب مزيدُ بيان إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا القول والتأويل جمهور علماء المسلمين، وجماعة فقهاء الأمصار بالحجاز، والعراق والشام، من أهل الحديث والرأي.
وإنما روي مسح الرجلين عن بعض الصحابة، وبعض التابعين، وتعلق به الطبري، وذلك غير صحيح في نظر ولا أثر، والدليل على غسل الرجلين قوله صلى الله عليه وسلم:"ويل للأعقاب من النار". فخوفنا بذكر النار، من مخالفة مراد الله تعالى، ومعلوم أنه لا يعذب بالنار إلا على ترك الواجب، ومعلوم أن المسح ليس شأنه الاستيعاب، ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما لا بطونهما، فتبين بهذا الحديث بطلانُ قول من قال بمسح القدمين، إذ لا يدخل المسح بطونَهما عندهم، وإن (1) ذلك إنما يدرك بالغسل لا بالمسح.
ودليل آخر من الإجماع، وذلك أنهم أجمعوا على أن من غسل قدميه فقد أدى الواجب الذي عليه، واختلفوا فيمن مسح قدميه؛ فاليقين ما أجمعوا عليه، دون ما اختلفوا فيه، وقد اتفقوا أن الفرائض إنما يصح أداؤها باليقين، وإذا جاز عند من قال بالمسح على القدمين أن يكون من غسل قدميه قد أدى الفرض عنده، فالقول في هذه الحال بالاتفاق، وهو اليقين من قوله صلى الله عليه وسلم:"ويل للأعقاب من النار".
وقد قيل: أن من قرأ: {وَأَرْجُلَكُمْ} ، بالخفض؛ أراد به المسح على الخفين، مع ما روي في ذلك من الآثار، وذكر أشهب عن مالك أنه سئل عن قول الله عز وجل:{وَأَرْجُلَكُمْ} في آية الوضوء؛ بالنصب أم بالخفض؟ فقال: هو الغسل ولا
(1) في ت: فإن.
يجزيء المسح.
والعرقوب: هو مجمع مفصل الساق والقدم.
والكعب: هو الناتي في أصل الساق، والعقب: هو مؤخر الرِّجل تحت العرقوب.
وقال أبو جعفر النحاس (1): كل مفصل عند العرب كعب.
وقال أبو جعفر الطحاوي (2): للناس في الكعبين ثلاثة أقوال:
* فالذي يذهب إليه محمد بن الحسن: أن في القدم كعبًا، وفي الساق كعبًا، ففي كل رجل كعبان.
* وقال: غيره يقول: في كل قدم كعب، وموضعه ظهر القدم مما يلي الساق.
* قال: وآخرون يقولون: الكعب هو الدائر بمغرز الساق، وهو مجمع العروق من ظهر القدم إلى العراقيب.
قال: والعرب تقول: الكعبان هما العرقوبان. كله عن أبي عمر، وسيأتي الكلام على ما فيه آخر الباب.
وروى البيهقي (3) من حديث خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} ، قال: عاد إلى الغسل.
وروى عن عباد بن الربيع، عن علي رضي الله عنه: أنه كان يقرؤها كذلك.
وعن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود: أنه كان يقرأ: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
(1) في التمهيد الطحاوي.
(2)
التمهيد (20/ 130).
(3)
السنن الكبرى (1/ 70 - 71).
الْكَعْبَيْنِ}؛ قال: رجع الأمر إلى الغسل.
وعن هشام بن عروة، عن أبيه؛ قال: رجع الأمر إلى الغسل، وقرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} نَصَبَها.
وعن قيس، عن مجاهد مثله سواء.
وعن عمر بن قيس، عن عطاء: أنه كان يقرؤها {وَأَرْجُلَكُمْ} نصبًا.
وروي مثل ذلك عن عبد الرحمن الأعرج، وعبد الله بن عمرو بن غيلان، وعن إسماعيل القاضي قال: ثنا عيسى بن مينا قالون؛ قال: قرأت على نافع هذه القراءة غير مرة، فذكر فيها {بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} ؛ مفتوحة.
وروي عن الوليد بن حسان: أنه قرأ القرآن على أبي محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي، وكان عالمًا بوجوه القراءات، وذكر فيها:{وَأَرْجُلَكُمْ} بنصب اللام.
وعن إبراهيم بن يزيد التيمي مثله.
وعن عبد الله بن عامر اليحصبي، وعن عاصم برواية حفص، وعن أبي بكر بن عياش برواية الأعمش، وعن الكسائي، كل هؤلاء نصبوها ومن خفضها فإنما هو للمجاورة، قال الأعمش: كانوا يقرؤونها بالخفض، وكانوا يغسلون.
وعن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي أنه قال: اغسلوا القدمين إلى الكعبين كما أمرتم.
وروينا في الحديث الصحيح: عن عمرو بن عبسة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء: ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله، وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى أمر بغسلهما (1).
(1) السنن الكبرى (1/ 71).
قلت: أما الأحاديث في ذلك، فقد ذكرنا عمن وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما تيسر، وكلهم ذكروا غسل رجليه، وهو مبطل لقول من عَيَّنَ الفرض في المسح، وهو دلالة فعلية.
وأما الدلالة القولية: ففي حديث عمرو بن عبسة الطويل، وقد تقدم، رواه مسلم (1)، وعن جابر بن عبد الله؛ قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا". أخرجه الدارقطني (2) من حديث ابن أبي ليلى، عن عطاء بن أبي رباح عنه.
وروى مالك في "الموطأ"(3) عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن، فغسل وجهه خرجت من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطرِ الماء -أو نحو هذا-، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كلُّ خطيئة بطشتها يداه مع الماء، فإذا غسل رجليه، خرجت من رجليه كلُّ خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب".
قال أبو عمر (4): سقط ليحيى "فإذا غسل رجليه
…
إلى آخر قطر الماء".
ولجماعة معه، وذكره ابن وهب وغيره.
وعن إبراهيم؛ قال: سألت الأسود: أكان عمر يغسل قدميه؟ قال: نعم، كان يغسلهما غسلًا.
(1) في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/ 569 - 571) رقم 832 باب إسلام عمرو بن عبسة.
(2)
السنن (1/ 107) رقم 1.
(3)
الموطأ (1 /) رقم 67 جامع الوضوء.
(4)
التمهيد (21/ 260) والاستذكار (2/ 201) وقد ذكر المصنف هنا كلامه بالمعنى وكذا ذكره ابن دقيق العيد كما في الإمام (1/ 588) وكأن المصنف ينقل عنه.
وعن حميد: أن أنسًا كان يغسل قدميه ورجليه حتى يسيل.
وعن عمر: أنه رأى رجلًا غسل ظاهر قدميه وترك باطنهما، فقال: لم تركتهما للنار؟
وعن مجاهد، عن ابن عمر؛ قال: إن كنت لأسكب عليه الماء، فيغسل رجليه. وعن أبي الجحاف، عن الحكم؛ قال: سمعته يقول: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، يعني: بغسل القدمين.
وعن أبي مجلز: أنه كان يغسل قدميه.
وأما من ذهب إلى المسح:
فروى ابن علية، عن أيوب؛ قال: كان عكرمة يمسح على رجليه، وكان يقول به.
وروى ابن عُلية، عن يونس، عن الحسن، قال: كان يقول: إنما هو المسح على القدمين، وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما.
وابن علية، عن داود، عن الشعبي؛ قال: إنما هو المسح على القدمين ألا ترى أن ما كان عليه الغسل جعل عليه التيمم، وما كان عليه المسح أُهمل، فلم يُجْعل عليه شيء.
وابن علية، عن مالك بن مغول، عن زبيد اليامي، عن الشعبي؛ قال: نزل جبريل بالمسح.
وروى وكيع، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي؛ قال: لو كان الدين بالرأي كان باطنُ القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما، ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح ظاهرَهما.
كل هذا عن ابن أبي شيبة (1) عن من ذكرناه.
وروى أبو داود (2)، من حديث أوس بن أبي أوس الثقفي: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم، فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه.
والكِظامة: بكسر الكاف، وبالظاء المعجمة، قال القزاز (3) في جامعه: قناة في باطن الأرض يجري فيها الماء، والجمع كظام، وهي الكظيمة أيضًا.
رواه من طريق هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه؛ قال: حدثني أوس بن أبي أوس.
وأعله ابن القطان (4) بأمرين وترك ثالثًا:
• أما الأول: فالجهالة في عطاء والد يعلى، قال: وإنه ثقة، ولم يرو عنه غيره، ولا ترتفع الجهالة براو واحد.
• الثاني: أن من الرواة من يقول: عن أوس بن أوس بن أبي أوس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فزيادة "عن أبيه" عادت بنقص معناه، صار أوس من التابعين فيحتاج إلى النظر في حاله.
• والثالث -الذي لم يذكره-: قال أحمد: لم يسمع هشيم هذا من يعلى، مع ما عرف من تدليس هشيم، فلا بد من ضعف الواسطة بينهما.
(1) المصنف (1/ 19 - 20).
(2)
في سننه كتاب الطهارة (1 /) رقم 160.
(3)
هو محمد بن جعفر القزّاز القيرواني أبو عبد الله التميمي النحوي شيخ اللغة في المغرب صنف الجامع في اللغة مات سنة اثنتي عشرة وأربعمائة بالقيروان عن نحو تسعين، بغية الوعاة (1/ 71) رقم 120 وإنباه الرواة (3/ 84 - 87).
(4)
بيان الوهم والإيهام (4/ 119 - 120) رقم 1565.
والجواب (1) عن ذلك:
• أما الأول: فقد وَثَّق عطاء هذا أبو حاتم ابن حبان (2).
• وأما الثاني: فقد ذكر أبو عمر أوس بن أبي أوس هذا في الصحابة، قال: وله أحاديث منها في المسح على القدمين، وفي إسناده ضعف، وسمى أبو عمر أبا أوس: حذيفة، عن خليفة بن خياط (3).
وهذا التعريف لا يرفع الإشكال لأنه لا ينفي أن يكون لأوس هذا ابن اسمه أوس أيضًا، هو راوي هذا الحديث، وإنما استفدنا منه ضعف الحديث عند أبي عمر.
• وأما الثالث: فقد رواه سعيد بن منصور، عن هشيم: أبنا يعلى بن عطاء، فأزال إشكال عنعنة هشيم، رواه عن سعيد دعلج وبشر بن موسى، خرجه ابن شاهين عن بشر، والحازمي من طريق دعلج.
حديثٌ آخر: روى سعيد بن أبي أيوب، عن أبي الأسود، عن عباد بن تميم، عن أبيه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويمسح على رجليه (4).
رواه الطبراني في "معجمه الكبير"(5)، عن هارون بن ملول، عن أبي
(1) انظر التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي (1/ 161) رقم 151 وفيه أن أحمد قال سمع هشام هذا من يعلى وهو خطأ قطعًا ووقع على الصواب في تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (1/ 398) ومحقق التحقيق يقول في الحاشية بعد أن عزا الحديث لأحمد قال: وقع في رواية المسند سقط فيما يبدو فلم يذكر فيه والد عطاء ولعل ذلك السقط من الطبع.
قلت: والحديث في المسند (4/ 8) بذكر والد عطاء وفي نفس المجلد والصفحة التي عزا إليها المحقق الحديث والله المستعان.
(2)
الثقات (5/ 202).
(3)
طبقات خليفة بن خياط (285).
(4)
ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين (121) رقم 124.
(5)
المعجم الكبير (2/ 60) رقم 1286.
عبد الرحمن المقري، عن سعيد.
ورواه ابن قانع (1) من جهة أبي بكر بن أبي سعيد، عن المقرئ.
وذكر أبو عمر (2) تميمًا وحديثه هذا وضعف الحديث وقال: في صحبة تميم نظر، وفيما قاله أبو عمر من ذلك نظر؛ لشهرة من ذكرنا من رواته من طريقي الطبراني وابن قانع.
حديث آخر: روى الدارقطني (3) من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع حديثًا فيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء، كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين".
حديث آخر: روى الطبراني في "معجمه الأوسط"(4): ثنا أحمد بن علي الأبار: ثنا أمية بن بسطام: ثنا يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ألا أريكم كيف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: ثم مسح برأسه، ثم أخذ بيده ماءًا فنضحه على قدميه، فمسح بهما قدميه وعليه النعلان.
وقد تقدم في هذا حديث علي، من طريق ابن أبي شيبة، وحديث الربيع بنت معوذ.
وقد تقدم فيما روينا عن البيهقي (5)، عن ابن عباس ما يخالف هذه الرواية،
(1) معجم الصحابة (1/ 115).
(2)
الاستيعاب (1/ 195) رقم 238 ط دار الجيل.
(3)
السنن (1/ 95 - 96) رقم 4.
(4)
المعجم الأوسط (1/ 218 - 219) رقم 714.
(5)
معرفة السنن والآثار (1/ 290 - 291) رقم 676.
من طريق الطبراني.
وأحاديث المسح منهم من أوَّلها على أن ذلك تجديد للطهارة، لا عن حدث، وذكروا في ذلك رواية النزال بن سبرة، عن علي في هذه القصة، قال: أتي بكوز ماء، فأخذ منه حفنة واحدة، فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:"هذا وضوء من لم يحدث".
قال البيهقي -بعد أن حكم بأن حديث النزَّال ثابت-: وفي ذلك دليل على أن مسحه في كل حديث روي عنه مطلقًا، كان على هذا الوجه.
ومما يدل على ذلك: رواية خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي رضي الله عنه، في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا"؛ وكذلك هو في رواية زر بن حبيش وغيره، عن علي". انتهى كلام البيهقي.
ورأى غيره في هذه الأحاديث أنها منسوخة، قال الحازمي (1) -بعد ذكره حديث أوس بن أبي أوس المتقدم، من طريق يحيى بن سعيد، عن يعلى-: لا يعرف هذا الحديث مجودًا متصلًا إلا من حديث يعلى، وفيه اختلاف، وعلى تقدير ثبوته، ذهب بعضهم إلى نسخه بما أورده من طريق هشيم عن يعلى بن عطاء، الحديث وفي آخره: قال هشيم: كان هذا أول الإسلام.
وروى من طريق الطحاوي: ثنا فهد: ثنا محمد بن سعيد: أبنا عبد السلام، عن عبد الملك؛ قال: قلت لعطاء: أبلغك عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على القدمين؟ فقال: لا.
وروى من طريق أبي الشيح: ثنا القاسم بن فورك: ثنا علي بن سهل الرملي:
(1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (123 - 124) مكتبة عاطف (مصر).
ثنا مؤمل: ثنا حماد، عن عاصم الأحول، عن أنس بن مالك؛ قال: نزل القرآن بالمسح على القدمين، وجرت السنة بالغسل.
وذكر من طريق محمد بن جابر، عن عبد الله بن بدر، عن ابن عمر؛ قال: نزل جبريل بالمسح، وسنَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غسل القدمين.
محمد بن جابر ضعفه أحمد (1) ويحيى (2) والنسائي (3) وغيرهم (4).
وروى غيره (5) عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أنه قال: المسح على القدمين هو الوضوء الأول.
ومنهم (6) من حمل هذا وما أشبهه على مسح القدمين وهما في الخفين، وذهب غير الطائفتين المذكورتين إلى الجمع بين المسح والغسل، أخذًا بالكتاب في المسح والسنة في الغسل، يحكى ذلك عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (7)، وغيره.
قال أبو محمد بن الفرس (8): وأكثر من قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} بالخفض لم يروا المسح على الرجلين، بل رأوا أن فرضهما الغسل، إلا أنهم اختلفوا في تخريج هذه القراءة، ولم يحملوها على ظاهرها.
(1) العلل ومعرفة الرجال (1/ 374) رقم 719 و (3/ 16) رقم 4176.
(2)
تاريخ ابن معين رواية الدوري (2/ 507) وتاريخ الدارمي برقم 742 وكذا الدقاق (52).
(3)
الضعفاء والمتروكون برقم 533.
(4)
وممن ضعفه: الفلاس وأبو زرعة والبخاري، انظر تهذيب الكمال (24/ 567) برقم 5110).
(5)
ذكر هذا ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 597) والمصنف ينقل عنه.
(6)
كابن الجوزي في التحقيق (1/ 161).
(7)
تفسير الطبري (6/ 130) الطبعة المصرية (البابي).
(8)
تقدمت ترجمته.
فمنهم من قال: يحتمل أن يكون عطف بالمسح على المعنى، والمراد الغسل كما قال: علفتها تبنًا وماءً باردًا.
وهذا الوجه يضعف من قبل أنه يحتاج فيه إلى إضمار حرف الجر مع فعل متعلق به، مع أنه ليس في الكلام ما يدل على ذلك الفعل، وقيل:{وَأَرْجُلَكُمْ} خفض على الجوار.
* * *