المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌12 - باب الاستنجاء بالحجارة - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ١

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة الأولى* التعريف بأبي عيسى الترمذي وبمن بيننا وبينه:

- ‌ وأما مَنْ بيننا وبينه:

- ‌المقدمة الثانية* في ذكر كتاب "الجامع" لأبي عيسى وفضله:

- ‌فصل

- ‌1 - كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌1 - باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور

- ‌2 - باب ما جاء في فضل الطهور

- ‌3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور

- ‌4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

- ‌6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

- ‌7 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك

- ‌8 - باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا

- ‌9 - باب الرخصة في ذلك

- ‌10 - باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة

- ‌11 - باب ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين

- ‌12 - باب الاستنجاء بالحجارة

- ‌13 - باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين

- ‌14 - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به

- ‌15 - باب ما جاء في الاستنجاء بالماء

- ‌16 - باب ما جاء أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب حدثنا محمد بن بشار: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حاجته فأبعد في المذهب

- ‌17 - باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل

- ‌18 - باب ما جاء في السواك

- ‌19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن بكار، من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدُكم من اللَّيل فلا يُدخل يده في الإناء حتَّى يُفرغ عليها مرتين أو ثلاثًا، فإنَّه لا يدري أين باتت يده

- ‌20 - باب ما جاء في التسمية عند الوضوء

- ‌21 - باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق

- ‌22 - باب المضمضة والاستنشاقِ من كفٍ واحدٍ

- ‌23 - باب ما جاء في تخليل اللحية

- ‌25 - باب ما جاء أنَّه يبدأ بمؤخَّر الرأسِ

- ‌26 - باب ما جاء أنَّ مسح الرأس مرَّة

- ‌27 - باب ما جاء أنّه يأخذ لرأسه ماءً جديدًا

- ‌28 - باب ما جاء في مسح الأُذُنين ظاهرهما وباطنهما

- ‌29 - باب ما جاء أن الأذنين من الرأس

- ‌30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع

- ‌31 - باب ما جاء ويل للأعقاب من النار

- ‌32 - باب ما جاء في الوضوء مرة مرة

- ‌33 - باب ما جاء الوضوء مرتين مرتين

- ‌34 - باب ما جاء في الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌35 - باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا

- ‌36 - باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثًا

- ‌37 - باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان

- ‌38 - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء

- ‌39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء

- ‌40 - باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء

الفصل: ‌12 - باب الاستنجاء بالحجارة

والمبالغة في النظافة (1).

قال العلماء (1): إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار رديء فيكسبه رائحة كريهة فيتقزز الغير عن شربه أو الشارب نفسه، وهذا كالنهي عن النفخ في الشراب وما أشبهه.

‌12 - باب الاستنجاء بالحجارة

حدثنا هناد، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد؛ قال: قيل لسلمان: "قد علَّمكم نَبيُّكُم كُلَّ شيء حتى الِخراءةَ، فقال سلمانُ: أجلْ نهانا أن نستقبلَ القبلةَ بغائطٍ أو بول، أو أنْ نستنجيَ باليمين، أو يستنجيَ أحدُنا بأقلِ من ثلاثةِ أحجارِ، أو أنْ نستنجيَ برجيع أو بعظمٍ".

قال: وفي الباب عن عائشة، وخزيمة بن ثابت، وخابر، وخلاد بن السائب عن أبيه.

قال: حديث سلمان حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ وإن لم يستنجىِ بالماء إذا اتَّقى أثرَ الغائط والبولِ؛ وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق (2).

قد تقدم في الباب قبل هذا أن مسلمًا أخرج حديث سلمان هذا (3).

وأما حديث عائشة فعند الدارقطني خرَّجه (4)، وقال: حسن صحيح (5).

(1) قال أبو العباس القرطبي نحوه في "المفهم"(1/ 519).

(2)

"الجامع" للترمذي (1/ 24).

(3)

وذلك في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 141 / 401) باب التيمن في الوضوء.

(4)

في كتابه السنن (1/ 54 - 4/ 55).

(5)

بل قال: إسناده صحيح.

ص: 185

ورواه أيضًا: أحمد (1)، وأبو داود (2)، وابن ماجه (3).

وذكر الترمذي في "العلل (4) ": ثنا هناد، ثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن عمرو بن خزيمة المزني، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

وقال وكيع: عن هشام، عن أبي خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن عبد الرحمن بن سعد، عن عمرو بن خزيمة [عن عمارة بن خزيمة](5)، عن خزيمة بن ثابت.

وقال مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت محمدًا عن هذا؟ فقال: الصحيح ما روى عبدة ووكيع.

وحديث مالك، عن هشام صحيح أيضًا، وأبو معاوية أخطأ في هذا الحديث إذ زاد: عبد الرحمن بن سعد.

وحديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الاستجمار توّ، ورمي الجمار توّ، والسعي [بين الصفا والمروة] (6) توّ، والطواف توّ، وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتوّ". رواه مسلم (7).

(1) في "مسنده"(6/ 108).

(2)

في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 37 / 40) باب الاستنجاء بالحجارة.

(3)

في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 14) برقم 315 باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة.

(4)

المعروف "بالعلل الكبير"(1/ 96).

(5)

كذا في العلل وهي ساقطة من المخطوط ت.

(6)

ما بين المعكوفتين ألحقه الناسخ لـ "ت" في الهامش وصحح اللحق.

(7)

في "صحيحه"(9/ 422 / 1300).

ص: 186

ولجابر رضي الله عنه في الباب حديث آخر رواه أحمد (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثًا".

وحديث خلاد بن السائب عن أبيه؛ قال أبو عمر (2): قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم: ثنا علي بن عبد العزيز: ثنا هدبة بن خالد: ثنا حماد بن الجعد: ثنا قتادة، حدثني خلاد بن السائب الجهني، عن أبيه السائب: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: "إذا دخل أحدكم الخلاء فليستنج بثلاثة أحجار".

قال الترمذي (3): سألت محمدًا عن حديث خلاد بن السائب هذا، فقال: لم أر أحدًا رواه عن قتادة غير حماد بن الجعد، وابن مهدي كان يتكلم في حماد بن الجعد.

وفي الباب أيضًا عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الاستنجاء بثلاثة أحجار وبالتراب إذا لم يجد حجرًا ولا يستنجي بشيء قد استُنجي به مرة".

رواه البيهقي (4) وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي. قال البيهقي: تكلموا فيه يروي عن قوم مجهولين (5).

وفي الباب عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"أولًا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجرًا للمسربة". رواه الدارقطني (6) وقال: إسناده حسن.

(1) في "المسند"(3/ 400).

(2)

في "التمهيد"(22/ 312).

(3)

كما في "العلل الكبير"(1/ 97).

(4)

في "السنن الكبرى"(1/ 112).

(5)

المصدر السابق.

(6)

في كتابه "السنن"(1/ 56 / رقم 10).

ص: 187

وفي الباب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار. الحديث: رواه البخاري (1) وأحمد (2) والدارقطني (3).

وفي الباب عن أبي هريرة؛ قال: اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت فدنوت منه، فقال:"ابغني أحجارًا أستنفض بها أو نحوه، ولا تأتني بعظم ولا روث". الحديث رواه البخاري (4).

وعن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ". . . مثل الوالد -وفيه كان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة". رواه الإمام أحمد (5)، وأبو داود (6)، والنسائي (7)، وابن ماجه (8).

وفي الباب عن طاوس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله فلا يستقبلها ولا يستدبرها ثم ليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب، ثم ليقل الحمد لله الذي أخرج ما يؤذيني وأمسك عليَّ ما ينفعني". رواه الدارقطني (9) كذا مرسلًا.

(1) في "صحيحه"(كتاب الوضوء 1/ 70 / 155) باب الاستنجاء بالحجارة.

(2)

في "مسنده"(1/ 418 و 427 و 450 و 465).

(3)

في كتابه "السنن "(1/ 55 / رقم 5).

(4)

في "صحيحه"(كتاب الوضوء 1/ 307 / 154) باب الاستنجاء بالحجارة.

(5)

في "مسنده"(2/ 250).

(6)

في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 18 - 19/ 8) باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة.

(7)

في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 41 / 40) باب النهي عن الاستطابة بالروث.

(8)

في "سننه"(كتاب الطهارة وسننها 1/ 114 / 313) باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة.

(9)

في "سننه"(1/ 57 / رقم 12).

ص: 188

وروى بعضه مرفوعًا عن ابن عباس وضعف من رفعه وقد تقدم.

وفي الباب عن أبي أيوب، قال ابن عبد البر (1): حدثنا خلف بن القاسم: ثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد: ثنا الربيع بن سليمان: ثنا بشر بن بكر؛ ثنا الأوزاعي: ثنا عثمان بن أبي سودة؛ قال: حدثني أبو شعيب الحضرمي؛ قال: سمعت أبا أيوب الأنصاري الذي نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تغوط أحدكم فليستنج بثلاثة أحجار فإن ذلك طهوره".

وكُلُّ هذه الأحاديثُ -من حديث أنس بن مالك وإلى حديث أبي أيوب- ليس بما أشار إليه الترمذي.

قال القاضي عياض رحمه الله في "مشارق الأنوار (2) ": والاستنجاء إزالة النجو وهو الأذى الباقي في فمِّ المخرج، وأكثر ما يستعمل في الأحجار، وأصله من النجو وهو القشر والإزالة، وقيل: من النجو وهو ما ارتفع من الأرض لاستتارهم وقيل: لارتفاعهم وتجافيهم عن الأرض عند ذلك.

وقال ابن سيده (3): والنجو: ما يخرج من البطن من ريح أو غائط، وقد نجا الإنسان والكلب نجوًا، والاستنجاء: الاغتسال بالماء من النجو والتمسح منه بالحجارة.

وقال كراع: هو قطع الأذى بأيهما كان ونجا غصون الشجرة واستنجاها قطعها (4). انتهى كلامه.

(1) في "التمهيد"(22/ 311 - 312).

(2)

(2/ 5).

(3)

في "المحكم والمحيط الأعظم"(7/ 386).

(4)

في "المحكم والمحيط الأعظم"(7/ 386).

ص: 189

واعلم: أن استفعل تكون متعدية وغير متعدية، فالمتعدية نحو استنجيت الشيء، وغير المتعدية نحو استقدم واستأخر، وتكون مبنية من فعل متعد وغير متعد؛ فالمبنية من متعد نحو استعصم أو استعلم هما مبنيان من عصم وعلم، والمبنية من غير المتعدي نحو استحسن واستفتح هما مبنيان من حسن وفتح.

ولها خمسة معان؛

* إحداها: الإصابة؛ كقولك استجدته أي أصبته جيدًا، واستكرمته واستعظمته أصبته كريمًا وعظيمًا.

* والثاني: الطلب؛ كقولك استعطيته العطية واستعتبته؛ أي: طلبت له العتبى، واستفهمته أي: طلبت منه أن يفهمني.

* والثالث: التحول من حال إلى حال نحو استنوق الجمل واستتيست الشاة.

* الرابع: معنى تفعّل؛ كقولهم تعظم واستعظم وتكبر واستكبر.

* والخامس: معنى فعل؛ كقولك مرّ واستمرّ وقرّ واستقرّ.

فأما الاستنجاء ها هنا؛ فهو من المعنى الثاني الذي هو الطلب كيف ما قدرته إن كان من باب الإزالة والقطع والقشر، كما ذكره كراع وعياض، أو من النجو؛ يريد المكان المرتفع الذي يصلح لارتياد ذلك؛ فهو طلب للإزالة أو طلب المكان الصالح للإزالة، وإن كان النجو هو نفس الخارج كما ذكره ابن سيده فهو أيضًا كذلك من باب الطلب له والتتبع بالآلة المقصودة لإزالته من ماء أو حجر.

والخراءة؛ قال القاضي في "المشارق (1) ": هي هيئة جلسة المتخلي لقضاء الحاجة، أو صفة التنظف منه.

(1) المعروف بـ "مشارق الأنوار"(1/ 231) نقله بنحوه.

ص: 190

وأجل؛ بمعنى انعم؛ بفتح الهمزة والجيم وتخفيف اللام والسكون.

قال الأخفش: إلا أنه أحسن من نعم في الخبر، ونعم أحسن منه في الاستفهام؛ وهما لتصديق ما قبلهما مطلقًا نفيًا كان أو إيجابًا، وبلى: ليست كذلك.

قال الجوهري (1): بلى؛ إيجاب لما يقال لك لأنهما ترك للنفي، وربما ناقضتها نعم؛ فإذا قال: ليس لك وديعة، فتقول: نعم؛ تصديق له، وقولك: بلى؛ تكذيب له ولكل كلمة مبنية على الوقف.

والرجيع: الروث؛ لأنه رجع عن الطعام فصار نجسًا، فعلى هذا يكون استنجاء مضمرًا دل عليه مظهرًا تقديره يستنجي بثلاثة وما قام مقامها ليس فيها رجيع ولا عظم.

والثاني: أن الرجيع هو الحجر الذي قد استعمل مرة فصار راجعًا عن الموضع النجس؛ فعلى هذا يكون تقدير الكلام: ويستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم؛ قاله الماوردي.

واستقبال القبلة واستدبارها قد تقدم الكلام فيه.

وأما الاستنجاء باليمين؛ فقد سبق في الباب قبل هذا بعضه، وينبغي أن يتقدم ذلك حكم الاستنجاء، أولًا، وما للعلماء فيه من الخلاف، ثم يأتي بعد ذلك حكمه باليمين إذ هو صفة له، والموصوف من حقه أن يتقدم الصفة [و](2) إلى وجوب الاستنجاء، ذهب الجمهور.

(1) في "الصحاح"(4/ 1622) مادة أجل.

(2)

يقتضيها السياق.

ص: 191

وقال أبو حنيفة: الاستنجاء غير (1) واجب، ويستدل له في ذلك بحديث أبي سعيد الخير عن أبي هريرة الذي تقدم ذكره في الباب قبل هذا (2):"من أتى الغائط فليستتر" الحديث، وفيه:"من اكتحل فليوتر؛ من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر؛ من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج"؛ فلما قرنه بالاكتحال ورفع الحرج عن تاركه دل على عدم الإيجاب؛ من حديث أبي هريرة هذا.

رواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) وابن ماجه (5) كما سبق بيانه.

وقد نقل تصحيحه عن أبي حاتم بن حبان (6) وغيره.

وذُكر أبو سعيد الخير في الصحابة (7).

ومع ذلك ففيه مجهولان؛ أحدهما (8).

والثاني: أبو سعيد الخير كما تقدم.

وأيضًا فالجواب عن قوله: "ومن لا فلا حرج" لو كان ثابتًا من وجهين؛

(1) ألحقها الناسخ في الهامش للمخطوط ت وصحَّح اللحق.

(2)

لا بل في الباب الذي قبل هذا الباب ببابين وهو باب الاستتار عند الحاجة باب رقم [10].

(3)

في "مسنده"(2/ 371).

(4)

في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 33 / 35) باب الاستتار عند الخلاء.

(5)

في "سننه"(1/ 121 - 122/ 337).

(6)

فقد أخرج الحديث في صحيحه برقم (1410) على ما فيه!.

(7)

ذكره فيهم ابن السكن وغيره ممن ذكرهم الحافظ في الإصابة (7/ 143 / 10005).

(8)

عبارة "المصنف" هنا غير معقولة المعنى ولعل في الكلام سقطًا وقع من الناسخ.

والمجهولان هما أبو سعيد الحبراني والراوي عنه الحصين الحبراني فكلاهما نصَّ على جهالته الحافظ في "التقريب".

ص: 192

أحدهما: أن قوله "من لا" عائد إلى الإيتار فإذا تركه إلى الشفع فلا حرج.

الثاني: عائد إلى ترك الأحجار فلا حرج فيه إذا تركه لما هو قائم مقامه.

وأما الاستنجاء باليمين: فالجمهور على أن كراهته والنهي عنه للتنزيه لا للتحريم، وقد قال بالتحريم فيه قوم من الظاهرية وغيرهم.

قال الحسين بن عبد الله الناصري البغدادي أحد فقهاء الظاهرية في كتابه المسمىَّ بـ "البرهان الواضح بالدليل الراجح": ولا يجزئ الاستنجاء باليمين.

قال أصحابنا: ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شيء من أمور الاستنجاء إلا لعذر، وقد سبقت الكيفية في الباب قبله وكل ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الإبط، وغير ذلك مما هو في معناه. والتيامن فيه مستحب كما يستحب التياسر في عكسه كما يأتي بيان ذلك مفصلًا في الكلام على حديث أبي هريرة عند الترمذي (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا (2) بأيمانكم" الحديث.

وتقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء لو خالفهما فاته الفضل وصحَّ وضوءه، خلافًا للشيعة فهو عندهم واجب، ولا اعتداد بخلافهم؛ قاله

(1) لم أجد الحديث بهذا اللفظ عند الترمذي رحمه الله في الجامع بل وجدت فيه حديثًا بمعناه على بعضه أخرجه الترمذي في "الجامع"(كتاب اللباس 4/ 209 - 210/ 7661، باب في القمص) وأما بالحديث للفظ الذي ذكره المصنف فقد أخرجه به أبو داود في "سننه"(كتاب اللباس 4/ 379 / 414، باب في الانتعال)، وأخرجه ابن ماجه في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 141 / 402) باب التيمن في الوضوء ولم يذكر فيه لفظ اللباس.

(2)

كذا مثبتة في عدد من المصادر التي خرجت الحديث وهي في ت غير مقروءة بوضوح لوجود طمس.

ص: 193

الشيخ محيي الدين (1) وقال: واعلم أن من أعضاء الوضوء ما لا يستحب فيه التيامن؛ وهو الأذنان والكفان والخدان بل يُطهَّران دفعةً واحدةً، فإنْ تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه، قدَّم اليميَن (2).

وفيه الاستنجاء بالحجارة، وقد تعلق به أهل الظاهر وقالوا: الحجر متعين لا يجزئ غيره.

وقد سئل سعيد بن المسيب عن الاستنجاء بالماء فقال: إنما ذلك وضوء النساء (3).

وعن غيره من السلف ما يشعر بذلك (4) أيضًا.

والسنة دلَّتْ على الاستنجاء بالماء كما سيأتي في حديثه بعد هذا بيسير إن شاء الله تعالى، ولعل سعيد بن المسيب رحمه الله فهم من أحد غلوًا في هذا الباب بحيث يمنع الاستجمار بالأحجار فقصد في مقابلته أن يذكر هذا اللفظ لإزالة ذلك الغلو وبالغ في إفراده إياه على هذه الصيغة.

وقد ذهب بعضُ الفقهاء وهو ابن حبيب من أصحاب مالك إلى أن الاستنجاء بالحجارة إنما هو عند عدم الماء (5).

فإذا ذهب إليه بعض الفقهاء فلا يبعد أن يقع لغيرهم في زمن سعيد، وكذلك غير الحجارة مما يستنجى به من خرق وخشب وغير ذلك كل ذلك قائم مقام الحجارة؛ وإنما المقصود إزالة العين، والتقييد بالحجارة تقييد بالغالب لأنها المتيسرة، فلا يدلُّ

(1)"شرح النووي" على مسلم (3/ 502).

(2)

المصدر السابق.

(3)

ذكره ابن قدامة في "المغني"(1/ 173).

(4)

انظر "الأوسط" لابن المنذر (1/ 345 - 346).

(5)

انظر "فتح الباري"(1/ 302).

ص: 194

على نفي الحكم عمَّا عداه، ويدلُّ على عدم تعين الحجر نهيه صلى الله عليه وسلم عن العظم والبعر والرجيع، ولو كان الحجر متعينًا لنهى عما سواه مطلقًا والذي يقوم مقام الحجر كُلُّ جامدٍ طاهرٍ مزيلٍ للعيِن ليس له حرمةٌ ولا هو جزءٌ من حيوان، قالوا: ولا يشترط اتحاد جنسه؛ فيجوز في القبل أحجار وفي الدبر خرق ويجوز في أحدهما حجر مع خرقتين أو مع خرقة وخشبة أو نحو ذلك.

والحديثُ نصٌّ في ثلاثة أحجار وهو محمول عندهم على ثلاث مسحات واستيفاؤها لا بدَّ منه عند أصحابنا.

قال الشيخ محيي الدين (1): فلو مسح مرةً أو مرتين فزالت عين النجاسة وجبت مسحةً ثالثة وبهذا قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور.

وقال مالك وداود: الواجب الإنقاء فإنْ حصل بحجر أجزأه، وهو وجه لبعض أصحابنا والمعروف من مذهبنا ما قدَّمناه.

قال أصحابُنا: ولو استنجى بحجر له ثلاثةُ أحرف مسحَ بكل حرف مسحةً أجزأه؛ لأنَّ المراد المسحات. والأحجار الثلاثة أفضل من حجر له ثلاثةُ أحرف، ولو استنجى في القُبل والدُبر وجب ستُ مسحاتٍ لكلِّ واحد ثلاثُ مسحات، والأفضل أن تكون ستةُ أحجارٍ فإنْ اقتصرَ على حجر واحد له ستةُ أحرف أجزأه، وكذلك الخرقة الصَفِيْقَة التي إذا مُسحَ بأحد جانبيها لا يصل البللُ إلى الجانب الآخر، يجوز أن يمسح بجانبيها.

وإذا حصل الإنقاء بثلاثة أحجار فلا زيادة عليها فإنْ لم يَحُصْل بثلاثةٍ وجبْ رابعٌ فإن حصل الإنقاء به لم تجب الزيادة ولكن يستحب الإيتار بخامس، فإن لم يحصل بالأربعة وجب خامسٌ فإن حصل به فلا زيادة وهكذا فيما زاد حتى يحصل الإنقاء بوتر فلا زيادة وإلا وجب الإنقاء واستحب الإيتار.

(1)"المجموع" للنووي (2/ 104).

ص: 195

قوله: "أو يستنجي برجيع أو عظم" قد تقدم تفسير الرجيع والعلة فيه النجاسة وقد أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بحجرين وألقى [الروثة](1) وقال: "هذه ركسٌ" في حديث ابن مسعود، ويلتحق به ما في معناه ولا فرق في النجس بين المائع والجامد فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الحجر لأن الموضع صار نجسًا بنجاسة أَجْنَبْيَّةٍ.

[فأما](2) العظم فلكونه طعامًا للجن فنبَّه به على جميع المطعومات ويلتحق بها المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك، وقد علَّل النهي عن الاستنجاء بالرجيع والعظم معًا لكونهما زادٌ للجنِّ.

روى أبو داود (3) من حديث عبد الله بن مسعي قال: قدم وفدُ الجن على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد! انه أُمَّتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حُمَمَة؛ فإن الله جعل لنا فيها رزقًا؛ قال: فنهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

وروى البخاري (4) من حديث أبي هريرة قال: فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: "هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نَصِيْبيِنَ ونعم الجن؛ فسألوني الزاد فدعوت الله أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا".

وفي بعض الحديث "فأما الروث فعلف دوابهم".

ويؤخذ من هذا الحديث احترامُ أطعمةِ بني آدم وتنزيهها من استعمالها في هذه القاذورات، ووجهه أنه إذا منع من الاستنجاء بالعظم والروث لأنهما زاد الجن وطعامهم فأحرى وأولى زاد الإنس وطعامهم.

(1) غير مقروء في ت ولكنها ثابتة في عدد من المصادر التي أخرجت الحديث.

(2)

يقتضيها السياق وهي غير مقروءه في ت.

(3)

في "سننه"(كتاب الطهارة 1/ 36 - 37/ 39) باب ما يُنهي عنه أن يستنجى به.

(4)

في "صحيحه"(كتاب فضائل الصحابة 3/ 401 / 3647) باب ذكر الجن وقول الله تعالى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} .

ص: 196