الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء
أخبرنا نصر بن علي، وأحمد بن أبي عبيد الله السليمي، أخبرني قالا: ثنا أبو قتيبة، مسلم بن قتيبة، عن الحسن بن علي الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاءني جبريل فقال: يا محمد! إذا توضأت فانتضح".
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
قال: وسمعت محمدًا يقول: الحسن بن علي الهاشمي، منكر الحديث.
قال: وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان، وابن عباس، وزيد بن حارثة، وأبي سعيد.
وقال بعضهم: سفيان بن الحكم، أو الحكم بن سفيان، واضطربوا في هذا الحديث (1).
* الكلام عليه:
أخرجه ابن ماجه (2) كذلك، من حديث الحسن بن علي الهاشمي أيضًا. وهو ضعيف عندهم، ضعفه أحمد (3) والنسائي (4) وأبو (5) حاتم الرازي.
وقال الدارقطني (6): يروي عن الأعرج عن أبي هريرة مناكير ضعيف واه.
(1) الجامع (1/ 71 - 72).
(2)
السنن كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 463 باب ما جاء في النضح بعد الوضوء.
(3)
الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (1/ 207) برقم 847.
(4)
الضعفاء والمتروكون (87) برقم 153 ط مؤسسة الكتب الثقافية.
(5)
الجرح والتعديل (3/ 20) برقم 76.
(6)
الضعفاء والمتروكون (193) برقم 188 وفيه حسن بن علي الهاشمي عن الأعرج عن أبي هريرة فقط والنص المذكور في تهذيب التهذيب (1/ 407) والله أعلم.
وقال ابن (1) حبان -فيما حكاه عنه ابن (2) الجوزي-: هذا باطل، فيه الحسن بن علي الهاشمي، يروي المناكير.
وأما حديث الحكم بن سفيان، أو سفيان بن الحكم؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بال توضأ وينتضح.
فعند أبي (3) داود، وفي رواية عنده (4)، عن رجل من ثقيف، عن أبيه؛ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم نضح فرجه.
وفي رواية (5) عن الحكم، أو عن ابن الحكم، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ، ونضح فرجه.
وأخرجه النسائي (6) وابن ماجه (7).
واختلف في سماع الثقفي هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو عمر (8): له حديث واحد في الوضوء، وهو مضطرب الإسناد.
وقال الترمذي (9) في العلل: سألت محمدًا عن حديث منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان، أو أبي الحكم، أو سفيان بن الحكم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ، ففرغ من وضوئه، أخذ كفًا من ماء، فرشه تحته؛ فقال: الصحيح ما روى
(1) المجروحون (1/ 234) ط دار المعرفة.
(2)
العلل المتناهية (1/ 355) برقم 586.
(3)
السنن كتاب الطهارة برقم 166 باب في الانتضاح.
(4)
السنن كتاب الطهارة برقم 167 باب في الانتضاح.
(5)
السنن كتاب الطهارة برقم 168 باب في الانتضاح.
(6)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 93) برقم 134 و 135 باب النضح.
(7)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 461 باب ما جاء في النضح بعد الوضوء.
(8)
الاستيعاب (1/ 360 - 361) برقم 531 ط دار الجيل.
(9)
علل الترمذي الكبير (1/ 125 - 126).
شعبة ووهيب.
وقال: عن أبيه، وربما قال ابن عيينة في هذا الحديث: عن أبيه.
وقال شعبة: عن الحكم، أو أبي الحكم، عن أبيه (1).
قال محمد (2): وقال بعض وَلَد الحكم بن سفيان: أن الحكم لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره.
وذكره أبو حاتم (3) بن حبان في معرفة الصحابة فقال: الحكم بن سفيان بن عثمان بن عامر بن معتب الثقفي من أهل الحجاز.
يروى عنه: مجاهد، وهو الذي يقال له: سفيان بن الحكم يخطئ الرواة في اسمه واسم أبيه. وأم الحكم: عائشة بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب.
وقال أبو عمر (4): سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم عندي صحيح، لأنه نقله الثقات،
منهم: الثوري ولم يخالفه من هو في الحفظ والإتقان مثله.
وذكر أبو زرعة (5) نحوه.
وقال أبو الحسن (6) بن القطان في حديث الحكم هذا: أنه قد عدم الصحة من وجوه:
• أحدها: الاضطراب.
(1) علل الترمذي الكبير (1/ 125 - 126).
(2)
التاريخ الكبير (2/ 30) برقم 2647 دون قوله: ولم يره ط دار الكتب العلمية.
(3)
انظر الثقات له (3/ 85).
(4)
الاستيعاب (1/ 361) برقم 539 ط دار الجيل.
(5)
كما في العلل لابن أبي حاتم (1/ 46) برقم 103.
(6)
بيان الوهم والإيهام (5/ 130 - 137) واختصر المصنف كلام ابن القطان.
• والثاني: الجهل بحال الحكم بن سفيان، فإنه غير معروفها، ولا سيما على ما ارتضى أبو محمد؛ يعني: في ترجيح طريق النسائي، فإن النسائي رواه من حديث شعبة وفيه عن الحكم عن أبيه.
• والثالث: أن أباه المذكور، لا يعرف له صحبة، ولا رواية لشيء غير هذا.
• والرابع: تهافت لفظ الحديث المذكور، المجتمع من روايات رواته.
قلت: الاضطراب الذي أشار إليه أولًا، هو التهافت الذي عده وجهًا رابعًا، غير أن الأول كأنه يرجع إلى الإسناد، والأخير يرجع إلى المتن.
وأما الجهالة بحال الحكم بن سفيان: فبعد معرفة أبي زرعة الرازي، وابن حبان، وأبي عمر، لا يضره جهالة من جهله.
• والوجه الثالث عنده: الجهالة بأبي الحكم، وهي لا تضر، إذا عرف ابنه، وأكثر ما فيه صحابي روى عن مثله وصحبة ابنه إذا ثبتت وصحت، أفادت صحبة أبيه لروايته عنه، هذا على تقدير أن يكون الشك في تعدد الشخصين والظاهر أنه شك في اسمين لمسمى واحد، وهل يقال له: الحكم بن سفيان؟ أو سفيان بن الحكم؟ ومن هناك نشأ الشك، فتعدى إلى غير ذلك.
وقد روى من حديث مجاهد، عن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم (1).
ومن حديث مجاهد، عن أبي الحكم (2)، فأعلَّ أبو الحسن كل رواية بالأخرى، وجعل الحديث مترددًا بين الإرسال والانقطاع، فروايته عن مجاهد، عن الحكم، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة.
بين ذلك رواية من رواه عن الحكم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ورواية
(1) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة برقم 166 باب في الانتضاح.
(2)
رواه النسائي في سننه كتاب الطهارة (1/ 93) برقم 134.
مجاهد، عن أبي الحكم منقطعة تبين ذلك برواية من رواه عن مجاهد، عن الحكم، عن أبيه.
والظاهر أن المقتضى لذلك كله الشك في هذا الشخص هل هو: الحكم أو أبو الحكم؟ فبعضهم يقول فيه: الحكم، وبعضهم يقول: أبو الحكم، وبعضهم يقول: الحكم بن سفيان، وبعضهم يقول: سفيان بن الحكم، ومنهم من يرويه عن مجاهد عن رجل من ثقيف (1).
وقال ابن (2) أبي حاتم -في كتاب العلل-: سمعت أبا زرعة يقول في حديث رواه جرير عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان -أو أبي الحكم بن سفيان - عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نضح فرجه.
ورواه الثوري عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان -أو سفيان بن الحكم- عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه وهيب، عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم بن سفيان، عن أبيه.
ورواه ابن عيينة عن منصور، وابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن رجل من ثقيف، عن أبيه.
فقال أبو زرعة: الصحيح: مجاهد، عن الحكم بن سفيان، وله صحبة.
وسمعت أبي يقول: والصحيح مجاهد عن الحكم بن سفيان، عن أبيه، ولأبيه صحبة (3).
وهكذا روى عن شعبة من طريق الحكم، عن أبيه في الأكثر، وهو الذي
(1) رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة برقم 167 باب في الانتضاح.
(2)
العلل (1/ 46) برقم 103.
(3)
العلل (1/ 46) برقم 103.
رجحه البخاري (1).
فالحديث إذن مضطرب اضطرابًا لا يترجح فيه وجه على غيره، وذلك مانع من القول بصحته، لا عيب فيه سوى ذلك.
وأما حديث ابن عباس فهو أصح من كل ما في الباب. قرأت على الحافظ الزاهد، أبي العباس أحمد بن محمد بن الظاهري وغيره: أخبركم أبو المنجا عبد الله بن عمر بن علي، البغدادي -قراءة عليه-. قال: ثنا أبو الوقت، عبد الأول بن عيسى؛ قال: ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن معاذ الداودي: ثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه: ثنا أبو عمران عيسى بن عمر بن العباس السمرقندي: ثنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (2): ثنا قبيصة: ثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ونضح.
وهذا صحيح على شرط الشيخين وقد تقدم مخرجًا عنهما بدون زيادة ونضح.
وأما حديث أسامة بن زيد وزيد بن حارثة: فإن ابن (3) ماجه روى عن إبراهيم بن محمد الفريابي، عن حسان بن عبد الله، عن ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة: ثنا أسامة بن زيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني جبريل الوضوء، وأمرني أن أنضح تحت ثوبي، لما يخرج من البول بعد الوضوء.
ورواه الإمام أحمد (4): من حديث ابن لهيعة، ورشدين بن سعد.
(1) علل الترمذي الكبير (1/ 125 - 126).
(2)
هو في سننه (1/ 194) برقم 711.
(3)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 462 باب ما جاء في النضح بعد البول.
(4)
في مسنده (4/ 161) من حديث ابن لهيعة و (5/ 203) من حديث رشدين بن سعد.
وروى الإمام أحمد (1)، وأبو القاسم (2) الطبراني في المعجم الكبير من رواية ابن لهيعة، من حديث أسامة بن زيد عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه في نضح الفرج بعد الوضوء.
رشدين، وابن لهيعة ضعيفان.
وذكره ابن (3) أبي حاتم في كتاب العلل: أن أباه سئل عن هذا الحديث؛ فقال: هذا حديث كذب باطل.
وأما حديث أبي (4) سعيد:
وفي الباب مما لم يذكره: حديث أبي الزبير، عن جابر؛ قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضح فرجه (5).
وحديث الزهري عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ نضح عانته.
رواه الدارقطني في "غرائب حديث مالك" من حديث القاسم بن عبد الله بن مهدي الأخميمي (6)، عن سخبرة (7) بن عبد الله قاضي القيروان، عن مالك، عنه؛ وقال: هذا باطل عن مالك لا يصح (8).
وهو عنده من جهة: الحسن بن أحمد بن المبارك، عن القاسم.
والحمل فيه على القاسم، فإنه قال: ضعيف جدًّا يتهم بوضع الحديث.
وحديث أخرجه أحمد بن عبيد في مسنده عن إسماعيل بن الفضل، عن
(1) المسند (4/ 161).
(2)
المعجم الكبير (5/ 85) برقم 4657.
(3)
العلل (1/ 46) رقم 104.
(4)
لم أقف عليه.
(5)
سنن ابن ماجه كتاب الطهارة (1/ 157) برقم 464.
(6)
الإمام لابن دقيق (2/ 78).
(7)
لسان الميزان (6/ 42) برقم 6717.
(8)
نقله الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (4/ 548 - 549) برقم 6822.
أبي حسين الرازي، عن الحسين بن زيد، بن علي بن الحسين، عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه، قال: وضأت النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ، نضح فرجه.
ذكر ذلك شيخنا الحافظ، أبو الفتح (1) القشيري، قال أبو سليمان (2) الخطابي رحمه الله تعالى: الانتضاح هنا الاستنجاء بالماء وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة لا يمسون الماء. وقد يتأول الإنضاح أيضًا على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء به، ليدفع بذلك وسوسة الشيطان، وقال ابن (3) العربي: معناه إذا توضأت فصب الماء على العضو صبًّا، ولا تقتصر على مسحه، فإنه لا يجزئ فيه إلا الغسل، دون إسراف، ولذلك أنكر مالك: حتى يقطر ويسيل، فكره أن يجعل القطر والسيلان حدًّا وإن كان لا بد منه مع الغسل.
وقيل معناه: استبرأ الماء بالنضح والتنحنح يقال: نضحت: أسلت، وانتضحت: تعاطيت الإسالة.
وقال ابن (4) سيده: نضح عليه الماء ينضِحه نضحًا، إذا ضربه لتيء فأصابه منه رشاش، ونضح عليه الماء: ارتشّ.
وقال ابن (5) الأعرابي: النضح: ما كان على اعتماد.
والنضخ -يعني: بالخاء المعجمة-: ما كان على غير اعتماد.
وقيل: هما لغتان بمعنى وكله رشٌّ.
(1) الإمام (2/ 78 - 79).
(2)
معالم السنن (1/ 89) بهامش أبي داود.
(3)
عارضة الأحوذي (1/ 58).
(4)
المحكم (3/ 93).
(5)
نقله ابن سيده في المحكم (3/ 93).
والنضح والنضيح الحوض لأنه ينضح العطش.
وقيل: هما الحوض الصغير.
والنضح: سقى الزرع وغيره بالسانية ونضح زرعه: سقاه بالدلو.
والناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه الماء، والأنثى بالهاء.
واستنضح الرجل وانتضح، نضح شيئًا من ماء على فرجه بعد الوضوء (1).
وجه خامس: قاله ابن العربي (2) أيضًا وقال: وقيل معناه: إذا توضأت فرشّ الإزار الذي يلي الفرج بالماء ليكون ذلك مذهبًا للوسواس.
وروى عن قتادة: النضح من النضح، يقول: من أصابه نضح من البول، فعليه أن ينضحه بالماء.
ويكون على هذا معنى الحديث الوارد: عشر من الفطرة، فذكر انتقاص الماء.
ورواه أبو عبيدة: انتضاح الماء، وفسره بما قدمناه.
وقال الشيخ محيي الدين: قال الجمهور: الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس.
وهذا كالوجه الذي حكيناه عن الإمام أبي سليمان الخطابي ثانيًا إلا أن ذلك قال بعد الاستنجاء. وهذا قال بعد الوضوء وهو أشبه من بعض ما تقدمه لمطابقته ما حكيناه عن أهل اللغة في كلام ابن سيده.
وفيما حكاه ابن العربي عن مالك ما يشير إلى أنه جعل النضح واسطة بين الغسل والمسح إذ الغسل عنده صب الماء مع التقاطر والسيلان.
(1) المحكم (3/ 93 - 94) بتصرف يسير.
(2)
عارضة الأحوذي (1/ 59).
والنضح: صب الماء دون ذلك من غير سيلان ولا تقاطر والمسح دون النضح إمساس الماء من غير صب.
وهو أيضًا أشبه بقول اللغويين من قول من جعله الاستنجاء وصح عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ نضح فرجه، وشكا له مولى لابن الأزهر البول، فقال: إذا توضأت فانتضح واله عنه فإنه من الشيطان.
وعن ابن عباس نحوه وعن القاسم بن محمد، وميمون بن مهران مثله.
وروى ابن عوف عن ابن سيرين أنه: كان إذا توضأ وفرغ قال بكف من ماء في إزاره هكذا.
* * *