الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* وقيل: يستغفر الله من ذنوبه؛ فإن الذنب يذكر بالذنب (1).
* وقال القاضي أبو بكر بن العربي: يستغفر الله من الاستقبال الأول.
فإن أراد القاضي أبو بكر بـ "الاستقبال الأول"(2) قبل أن تتخذ الكنف: فلم يكن النهي بلغهم.
وأيضًا فأبو أيوب، لا يرى الأحاديث العارضة لروايته ناسخة ولا مخصصة، فالأول وغيره عنده سواء.
وإن كان يريد "بالأول" أول الدخول: فليس في الحديث ما يدل على أنه كان أول دخوله جالسًا لقضاء الحاجة نحو القبلة، ثم انصرف عنها.
وإن كان يشير إلى ما قد يقع من ذلك على سبيل الغلط أو السهو، فكان ينبغي أن يبينه. انتهى ما ألفيته في ذلك عن سلف.
وكلهم جعلوا بين الانحراف والاستغفار رابطة.
* ولو قيل بأنه أخبر عن أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر، لم يكن به بأس، أخبر عن الانحراف، لمعتقده بقاء الحكم في الكنيف وغيره، وعن الاستغفار المسنون الذي ورد عنه عليه الصلاة والسلام: أنه "كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك".
7 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك
حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله؛ قال:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام، يستقبلها".
(1)"العارضة"(1/ 25).
(2)
كلمة: الأول غير موجودة في "العارضة"(1/ 25).
وفي الباب عن أبي قتادة، وعائشة، وعمار؛ قال:"وحديث جابر في هذا الباب، حديث حسن غريب".
وقد روى هذا الحديث، ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة.
قال: أنا بذلك قتيبة، قال: ثنا ابن لهيعة، وحديث جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح من حديث ابن لهيعة. وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث؛ ضعفه يحيى بن سعيد القطان، وغيره.
حدثنا هناد، ثنا عبدة، عن عبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر؛ قال: رقيت يومًا على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته، مستقبل القبلة ثم (1) مستدبر الكعبة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
أما حديث ابن عمر: فمخرج في الكتب الستة (2).
وأما حديث جابر فعند أبي داود، وابن ماجه أيضًا (3).
وحديث عائشة: رواه الإمام أحمد، وابن ماجه (4)، ولفظه: عن عراك، عن عائشة؛ قالت: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم، فقال:"أَوَقد فعلوا؟ حولوا مقعدتي، قبل القبلة".
(1) كذا وقد رسم تحتها خط، وصوابه كما في "الجامع" المطبوع: مستقبل الشام مستدبر.
(2)
رواه البخاري في "صحيحه"(145) ومسلم (266) والنسائي في "السنن"(23، 24) وأبو داود (12) وابن ماجه (322).
(3)
"السنن"(13) أبو داود، و (325) ابن ماجه.
(4)
"المسند"(6/ 184) لأحمد، و"السنن" لابن ماجه (324).
قال أحمد (1): "أحسن ما روي في الرخصة حديث عراك -وإن كان مرسلًا- فإن مخرجه حسن".
قال الحافظ ضياء الدين، محمد بن عبد الواحد المقدسي:"سماه مرسلًا، لأن عراكًا لم يسمع من عائشة".
قال الحافظ أبو الحسين القرشي رحمه الله (2) -: "وفي سماع عراك من عائشة نظر، فإنه إنما يروي عن عروة عن عائشة".
وقال موسى بن هارون: "لا نعلم له سماعًا من عائشة، وقد أجرج مسلم (3) عن عراك بن مالك الغفاري عن عائشة: أنها قالت: "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات
…
" الحديث.
قال أبو الفضل الحافظ حفيد أبي سعد الزاهد -في كلامه على هذا الحديث-: "هذا عندنا حديث مرسل"، واستدل بقول أحمد، وموسى بن هارون.
ولم يخرج البخاري لعراك عن عائشة، شيئًا.
وعراك بن مالك الغفاري المدني (4) هذا، روى عن: عبد الله بن عمر، وأبي هريرة، ونوفل بن معاوية، وغيرهم.
روى عنه: سليمان بن يسار، وجعفر بن ربيعة، وابنه خُثيم بن عراك وغيرهم. وثقه الرازيان.
(1)"الإمام"(ل 199 / ب) من طريق الأثرم.
وفي "المراسيل"(299) لابن أبي حاتم: مرسل،
…
، عراك من أين سمع عائشة؟ ما له ولعائشة! إنما يروى عن عروة! هذا خطأ.
(2)
هو الرشيد العطار في "غرر الفوائد"(2/ 715).
(3)
"الصحيح"(2630).
(4)
انظر "الجرح والتعديل"(7/ 38) و"تهذيب الكمال"(19/ 545).
وقال عمر بن عبد العزيز: "ما رأيت أكثر صلاة منه".
وقال عبد العزيز بن عمر: "ما كان أبي يعدل بعراك أحدًا".
وقال الواقدي: "توفي بالمدينة في خلافة زيد بن عبد الله، روى له الجماعة".
قال أبو الحسين القرشي الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وحديثه عن رجل عنها، لا يدل على عدم سماعه منها بالكلية، لا سيما وقد جمعهما بلد واحد، وعصر واحد، وهذا ومثله، محمول على السماع عند مسلم -رحمه الله تعالى- حتى يقوم الدليل على خلافه، كما نص عليه في مقدمة كتابه، فسماع عراك من عائشة رضي الله عنها جائز ممكن، وقد ثبت سماعه من أبي هريرة وغيره من الصحابة".
وقال ابن أبي حاتم: "ساكت أبي عن حديث حماد، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت عن عراك عن عائشة
…
الحديث.
فقال إني لم أزل أقفو أثر هذا الحديث حتى كتبت عن إسحاق بن بكر بن مضر، عن (1) بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عروه، عن عائشة موقوف وهذا أشبه".
* وقول الإمام أحمد، في حديث عراك عن عائشة: إنه أحسن ما روي في الرخصة، لعله يريد: أحسن في الاستدلال، وأصرح في الرخصة وإلا فحديث ابن عمر مخرج في الكتب الستة -كما قلنا- ولا علة تلحقه فيما نعلم.
وفي حديث عراك ما تقدمت الإشارة إليه، من الخلاف في الاتصال، والراجح عدمه. ومما يعلَّل به أيضًا ما ذكره الترمذي في "العلل" (2): أنه سأل البخاري عنه، فقال: هذا حديث فيه اضطراب، والصحيح عن عائشة قولها.
(1) في "العلل"(1/ 29 / 50): أو غيره عن بكر.
(2)
(1/ 90 / 91).
قلت: وقد رواه حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عراك.
وغيره يرويه عن خالد الحذاء،،، عن عراك، فسقط ابن أبي الصلت منه.
وذكر الترمذي في كتاب "العلل" -أيضًا- أن حديث جابر، عن أبي قتادة، غير محفوط (1).
وقال -في حديث جابر المخرَّج عنده هنا-: "إنه سأل محمدًا عنه، فقال: رواه غير واحد، عن محمد بن إسحاق (1).
فلعل غرابته عمن فوق محمد بن إسحاق فيه، وهي غرابة لا تنافي الحسن الذي وصفه به، فإنها ترجع إلى بعض الإسناد، وقد ذكر أن في بعض الحديث الذي وصفه بذلك، أحاديث عن قوم من الصحابة، سماهم، فلا يعترض عليه في وصفه بعد بالحسن، فهو حسن لمحل محمد بن إسحاق.
وأما أبان بن صالح (2): فشيخ مكي، يروي عن: أنس، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وغيرهم.
روى عنه: ابن عجلان، وابن إسحاق، والحارث بن يعقوب، وابن جريج، وغير واحد.
وثقه الرازيان، ويعقوب بن شيبة، ولم يخرج له مسلم، ولا البخاري، في الأصول، ولكن البخاري أخرج له استشهادًا (3) -في باب هل على من لا يشهد الجمعة غسل، من النساء والصبيان- عن مجاهد (4).
(1)(1/ 85 - 87).
(2)
انظر "الجرح والتعديل"(2/ 297) و"تهذيب الكمال"(2/ 9 - 11).
(3)
قال المزي: استشهد به البخاري، وروى له الباقون سوى مسلم.
(4)
"الصحيح"(856).
وفي "الجنائز" عن الحسن بن مسلم (1).
توفي سنة تسع عشرة ومئة، بعسقلان، وكان مولده سنة ستين. وقد ذكره الحافظ عبد الغني المقدسي، فقال:"روى [له] البخاري". وأطلق وذلك في العرف محمول على الاحتجاج، ولم يقع حديثه عند البخاري كذلك، فليعلم.
وزعم أبو عمر: أن حديث جابر لا يحتج به، لضعف أبان بن صالح، وعلله أيضًا بما خالف فيه ابن لهيعة، من سنده ومتنه، وليس ذلك بطائل.
أما أبان: فليس مضطربًا، فقد قلنا بتوثيقه عن غير واحد، وأما الاضطراب، فقد رجح الترمذي حديث أبان على حديث ابن لهيعة، والله أعلم.
وذكر أبو محمد ابن حزم: "أن عبد الرزاق أخطأ فيه، فرواه عن خالد الحذاء، عن كثير بن الصلت، لأن الحذاء لم يدرك كثيرًا قَط"(2).
قد نبهنا على كون الحديث حسنًا، وكونه غريبًا، وعلى أن الجمع بينهما على هذه الصورة لا يتنافى لكن فيما ذكرته، من كونه حسنًا، أنه من رواية محمد بن إسحاق، وليس التحسين من عمل الترمذي في أحاديث ابن إسحاق مطردًا، فإنه تارة يصححها، وتارة يحسنها، فيحتاج إلى التنبيه على ما صححه منها في مواضعه، لم كان صحيحًا؟ وعلى ما حسنه في مواضعه، وهو أولى بالتنبيه، ما الذي قصر به عن التصحيح؟ وهو ربما صحح حديثه في غير ذلك الموضع.
فنقول: هنا قد حصل فيه مع رواية ابن إسحاق، تفرد أبان بن صالح به،
(1)"الصحيح" ك الجنائز، باب الإذخر والحشيش في القبر، حديث (1349).
(2)
رد ذلك الحافظ ابن حجر في "التهذيب"(1/ 95) على ابن عبد البر، وابن حزم، وقال: هذه غفلة منهما وخطأ تواردا عليه فلم يضعف أبان هذا أحد قبلهما، ويكفي فيه قول ابن معين، ومن تقدم معه، والله أعلم.
وانظر "التمهيد"(1/ 312) و"المحلى"(1/ 196 - 197).
الذي كان لأجله غريبًا كما ذكر أبو عيسى، وقد تبين من حال أبان، أن أقصى ما يتفرد به، أن يكون حسنًا على ما سبق بيانه، فانضم إلى رواية ابن إسحاق من تفرد أبان، ما قصر به عن الصحة، وفيه مع ذلك الخلف الواقع في إسناده، هل هو من رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -أو من رواية جابر، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
على أن هذا الخلاف لا يضر؛ لأمرين:
* أحدهما: كون رواية أبي قتادة غير محفوظة، كما تقدم.
* الثاني: أن كلًّا من جابر وأبي قتادة صحابي، فسواء ثبت الثاني أو سقط.
وأما حديث أبي قتادة: فقد أعله بابن لهيعة، وقال: ضعفه يحيى القطان، وغيره.
فلنذكر ما حضر من ذكر ابن لهيعة، ليعلم حاله:
وهو (1) عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان، أبو عبد الرحمن، الحضرمي الأعدولي -من أنفسهم- ويقال: الغافقي المصري، قاضي مصر.
سمع: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعطاء بن أبي رباح، وعبد الله بن هبيرة السبائي، وأبا الزبير المكي، ومحمد بن المنكدر، وعمارة بن غزية، ويزيد بن أبي حبيب، ومشرح بن هاعان، وعمرو بن دينار، وعمرو بن شعيب، وأبا قبيل حيي بن هانئ، والحارث بن يزيد الحضرمي، ويزيد بن عمرو المعافري، وحبان بن واسع، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبا عُشّانة المعافري، وأبا الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة، وصالح بن أبي عَريب، وأبا يونس مولى أبي هريرة، وأبا السمح درّاجًا، وسالمًا أبا النضر، وعياش بن عباس، وأبا صخر حميد بن زياد، وخالد بن أبي عمران.
(1)"تهذيب الكمال"(15/ 487 - 503)، "الجرح والتعديل"(5/ 145 - 148).
وقال روح بن صلاح: لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيًّا.
روى عنه: الأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وعثمان بن حكيم الجذامي، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن صالح -كاتب الليث-، والوليد بن مسلم، والوليد بن مزيد.
وسمع منه قبل احتراق كتبه: منصور بن عمار وقتيبة بن سعيد، وعمرو بن خالد الحراني، وأسد بن موسى، ومحمد بن رمح، ومحمد بن الحارث المصري المعروف بـ "صُدْرة"، وأشهب بن عبد العزيز، وزيد بن الحباب، وعثمان بن صالح السهمي، ومروان بن محمد الطاطري، ومُجّاعة بن ثابت، ومحمد بن معاوية النيسابوري، وكامل بن طلحة الجحدري، وحجاج بن سليمان الرعيني، وسعيد بن كثير بن عفير.
ذكر الحسن بن رشيق: عن الثوري أنه قال: عند ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع.
وقال سفيان: حججت حججًا لألقى ابن لهيعة.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: وددت أني سمعت من ابن لهيعة خمس مئة حديث، وأني غرمت مادا (1).
وقال ابن مهدي: ما أعتد بشيء سمعته من ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك، ونحوه.
وحدث ابن وهب بحديث، فقيل له: من حدثك بهذا؟ فقال: حدثني به -والله- الصادق البار، عبد الله بن لهيعة.
(1) كذا، وفي "تهذيب الكمال": مؤدى! قال: كأنه يعني دية.
وقال عثمان بن سعيد: "قلت ليحيى بن معين: كيف رواية ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر؟
قال: ابن لهيعة ضعيف الحديث" (1).
وقال ابن أبي مريم: "رأيت ابن لهيعة يعرض عليه ناس من الناس أحاديث من أحاديث العراقيين، فأجازه لهم، فقلت: يا أبا عبد الرحمن هذه الأحاديث ليست من أحاديثك، فقال: هي أحاديث قد مرّت على مسامعي"(2).
وقال أبو حاتم: سألت أبا الأسود، قلت: كان ابن لهيعة يقرأ ما يدفع إليه؟ قال: كنا نرى أنه لم يفته من حديث مصر كثير شيء، وكنا نتتبع أحاديث من حديث غيره، عن الشيوخ الذين يروي عنهم، فكنا ندفعها إليه فيقرؤها.
وقيل لابن مهدي: تحمل عن عبد الله بن يزيد القصير عن ابن لهيعة؟ قال: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلًا ولا كثيرًا، ثم قال عبد الرحمن: كتب إليّ ابن لهيعة كتابًا فيه: ثنا عمرو بن شعيب، قال عبد الرحمن: فقرأته على ابن المبارك، فأخرج إليّ ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة، فإذا حدثني إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن شعيب.
وروى ابن عدي من طريق عثمان بن سعيد، ومن طريق معاوية عن يحيى تضعيفه (3).
وروى عنه من طريق عباس الدوري: "لا يحتج به"(4).
(1)"تاريخ الدارمي"(533).
(2)
قارن مع "الجرح والتعديل"(5/ 146).
(3)
"الكامل"(4/ 1462).
(4)
في "الكامل": لا يحتج بحديثه، وانظر "التاريخ" رواية عباس الدوري (2/ 327).
وذكر علي ابن المديني؛ قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قال لي بِشر بن السَّري: لو رأيت ابن لهيعة لم تحمل عنه حرفًا".
وقال الحميدي: عن يحيى بن سعيد، كان لا يراه شيئًا (1).
وذكر عن يحيى بن معين، أنه قيل له: أنكر أهل مصر احتراق كتب ابن لهيعة، فقال:"هو ضعيف قبل الاحتراق وبعده"(2).
وذكر عن السعدي: ابن لهيعة لا يوقف على حديثه، ولا ينبغي أو يحتج أو يعتد (3) بروايته.
وقال ابن بكير: "احتراق منزل ابن لهيعة وكتبه سنة تسع وستين ومئة"(4).
وقال البخاري .. نحوه (5).
وقال أحمد بن حنبل: ثنا إسحاق بن عيسى؛ قال: احترقت كتب ابن لهيعة سنة تسع وستين، ولقيته أنا سنة أربع وسبعين ومئة، وأظنه قال: ومات سنة أربع (6).
وقال أبو أحمد بن عدي: وأحاديثه حسان، وما قد ضعفه السلف، وهو حسن الحديث، يكتب حديثه، وقد حدث عنه الثقات: الثوري، وشعبة، ومالك، وعمرو بن الحارث، والليث.
(1)"التاريخ الكبير"(5/ 182).
(2)
"الكامل"(4/ 1462).
(3)
كذا الأصل، و"الكامل"، وفي "أحوال الرجال" (274): يغتر.
(4)
"التاريخ الكبير"(5/ 183) و"الصغير"(2/ 207) و"الكامل"(4/ 1462) و"تهذيب الكمال: سنة سبعين ومائة.
(5)
"الكامل"(4/ 1462).
(6)
"العلل ومعرفة الرجال"(2/ 67، 68/ 1572)، وفيه: وستين! ولعلها الصواب، ولأنه قال في وفاته: ثلاث أو أربع وسبعين!
وحديثه حسن، كأنه بستان (1) عمن روى عنه، وهو ممن يكتب حديثه.
وقال عمرو بن علي: احترقت كتبه، ومن كتب عنه قبل ذلك مثل: ابن المبارك، والمقري، أصح ممن كتب بعد الاحتراق.
وقال النسائي: "هو ضعيف"(2).
وقال مروان: قلت لليث بن سعد -ورأيته نام بعد العصر-: أتنام بعد العصر، وقد حدثنا ابن لهيعة، عن عقيل، عن مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من نام بعد العصر فاختلس عقله، فلا يلومن إلا نفسه"، فقال الليث: لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة عن عقيل (3).
وقال محمد بن سعد: كان ضعيفًا، وعنده حديث كثير، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالًا ممن سمع منه بأخرة.
وأما أهل مصر، فيذكرون أنه لم يختلط، ولم يزل أول أمره وآخره واحدًا، ولكن كان يُقْرأ عليه ما ليس من حديثه، فقيل له في ذلك، فقال: وما ذنبي؟ إنما يجيئوني بكتاب يقرؤونه، ولو سألوني لأخبرتهم أنه ليس من حديثي (4).
وقال أبو زرعة: سماع الأوائل والأواخر منه سواء " إلا أن ابن المبارك، وابن وهب، كانا يتتبعان أصوله، وليس ممن يحتج به (5).
وقال ابن حبان: سبرت أخبار ابن لهيعة، فرأيته يدلس عن أقوام ضعفاء، على أقوام ثقات قد رآهم، ثم كان لا يبالي؛ ما دفع إليه، قرأه سواء كان من حديثه
(1) في "الكامل"(4/ 1470): يستبان، وهذه مفهومة.
(2)
"الضعفاء والمتروكين"(363).
(3)
"الكامل"(4/ 1463).
(4)
"الطبقات"(7/ 516).
(5)
"الجرح والتعديل"(5/ 147).
أو لم يكن من حديثه، فوجب التنكب عن رواية المتقدمين عنه، قبل احتراق كتبه، لا فيها من الأخبار المدلسة عن المتروكين، ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين، بعد احتراق كتبه، لا فيها مما ليس من حديثه (1).
وقال أبو بكر الخطيب: حدث عن ابن لهيعة: سفيان الثوري، ومحمد بن رمح، وبين وفاتيهما أربع وتسعون سنة (2).
ومات ابن لهيعة سنة أربع وسبعين ومئة، في خلافة هارون، وصلى عليه داود بن يزيد الأمير، وكان مولده في سنة سبع وتسعين.
وقال ابن أبي خيثمة: "سمعت ابن معين يقول: ليس بذاك". قال: "وقال -مرة-: ليس حديثه بالقوي".
وقال الآجري: قال أبو داود: أنكر ابن أبي مريم احتراق كتبه، وقال: لم يحترق له ولا كتاب، إنما أراد أن يوقفوا (3) عليه أمير مصر، فأرسل إليه خمس مئة دينار.
قال أبو داود (4): سمعت أحمد يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر، في كثرة حديثه، وضبطه، وإتقانه؟
وحدث عنه أحمد بحديث كثير.
قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد، يقول لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن وهب، أو ابن أخيه -يعني ابن أخي ابن لهيعة- إلا ما كان من حديث الأعرج.
(1)"المجروحين"(2/ 12).
(2)
"السابق واللاحق"(98)، وفيه: حدث عنه عمرو بن الحارث وابن رمح لكن جمع بينهما المزي في "تهذيب الكمال": عمرو بن الحارث والثوري.
(3)
غير واضحة في الأصل، وفي "تهذيب الكمال": يرفقوا من الرفق.
(4)
"السؤالات"(256).
وقال البيهقي: كان مالك يحسن القول في ابن لهيعة، ويقال: إنه روى عنه حديث العُربان في "الموطأ"، عن الثقة -عنده- عن عمرو بن شعيب، ويقال: ابن وهب، حدثه عن ابن لهيعة.
رقي (1) إلي الشيء: بكسر القاف، ورُقيًّا، ورُقُوًّا: صعد، وارتقى، وترقى، مثله، ورقى غيره، والمَرْقاة، والمِرْقاة: الدرجة، ونظيره: مَسْقاة، مِسْقاة، ومَثْناة، ومِثْناة، للحبل. ومَبْناة، ومِبْناة: للعيبة أو النِّطع -يعني: بفتح الميم وكسرها فيها- عن ابن سيدة (2).
وحكى القاضي عياض: رقيت بفتح القاف، بغير همز، وبالهمز أيضًا، وقال: هي لغة قليلة.
وفي بعض ألفاظ الحديث -وليس مما في كتاب الترمذي- على لبنتين، يقال: لَبِنَة، ولَبِن، مثل: كَلِمة وكَلِم، ويقال لِبْنة، ولِبَن، مثل: لِبْدة، ولِبَدْ.
قد تقدم فيما حكيناه: أن من ذهب إلى النسخ في حديث أبي أيوب، وما في معناه، تمسك بهذه الأحاديث، وأن الراجح من هذه المذاهب، القول بالتخصيص، والتفرقة بين الصحاري، وما يتخذ في البيوت من الكُنُف، وروى أبو داود من حديث مروان الأصفر؛ قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته، مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس (3).
ورواه أبو داود عن محمد بن يحيى الذهلي، عن صفوان بن عيسى، عن الحسن بن ذكوان عنه (3).
وأما الحديث الذي رواه عبد الرزاق عن زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام؛
(1) من هنا تتحد النسخ الثلاث وتكون النسخة (أ) هي الأصل.
(2)
"المحكم"(6/ 309).
(3)
"السنن"(1/ 11).
قال: سمعت طاوسًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم البراز، فليكرم قبلة الله عز وجل فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها".
رواه الدارقطني مسندًا، ومرسلًا، وكرواية عبد الرزاق، رواه وكيع عن زمعة، وكذلك رواه عبد الله بن وهب عن زمعة، عن سلمة، وابن طاوس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
ورواه سفيان بن عيينة: أنه سمع طاوسًا ولم يرفعه.
وقال ابن المديني: قلت لسفيان: أكان زمعة يرفعه؟ قال: نعم، وسألت سلمة عنه، فلم يعرفه، -يعني: لم يرفعه-.
وذكر عبد الحق: أن أحمد بن الحسن الضري، أسنده، وهو متروك، فقدح في مسنده، لا في مرسله.
وقال ابن القطان (1): إن مرسله يدور على زمعة بن صالح، ضعفه أحمد، وأبو حاتم.
فالعمل فيه متروك اتفاقًا فهذه مقدمة على علة الإرسال لأن تلك مختلف فيها، وهذه متفق عليها (2).
وقال الشافعي -في رواية الربيع عنه-: حديث طاوس هذا مرسل وأهل الحديث لا يثبتونه، ولو ثبت كان كحديث أبي أيوب، وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مسند حسن الإسناد، وأولى أن يثبت منه -لو خالفه-، وإن كان قال طاوس: حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها، فإنما سمع -والله أعلم- حديث أبي أيوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل ذلك على إكرام القبلة؛ وهي أهل أن تكرم،
(1)"بيان الوهم"(645).
(2)
في الأصل: فالعمل فيه متروك أبدًا (والعلة) مقدمة.
والحال في الصحارى، كما حدث أبو أيوب، وفي البيوت، كما حدث ابن عمر، لا أنهما مختلفان.
قال الشيخ أبو العباس القرطبي: وقد ذهب بعض من منع استقبال القبلة واستدبارها مطلقًا: إلى أن حديث ابن عمر، لا يصلح لتخصيص حديث أبي أيوب، لأنه فِعْل في خلوة، وهو محتمل للخصوص، وحديث أبي أيوب قول، قُعِّدت به القاعدة، فبقاؤه على عمومه أولى.
والجواب:
أما فعله عليه السلام، فأقل مراتبه أن يحمل على الجواز بدليل مطلق اقتداء فعل الصحابة به، وبدليل قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين سألتها المرأة عن قبلة الصائم:"ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ "، وقالت عائشة:[فعلته] أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا؛ تعني: التقاء الختانين.
وقبل ذلك الصحابة، وعملوا عليه، وأما كون هذا الفعل في خلوة فالحدث كله كذلك؛ لا يفعل إلا في خلوة، ويمنع أن يفعل في الملأ ومع ذلك، فقد نقل وتحدث به، سيما وأهل بيته كان ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور المشروعة.
وأما دعوى الخصوص:
فقال أبو العباس: لو سمعها النبي صلى الله عليه وسلم لغضب على مدعيها، كما قد غضب على من ادعى تخصيصه بجواز القُبلة، حتى قال:"والله إني لأخشاكم لله، وأعلمكم بحدوده"، في كلام كثير، ذكره أبو العباس.
ويكفينا في رد دعوى الخصوصية: أن الأصل عدمها، ولعل ما قد يتطرق إلى حديث ابن عمر، وحديث جابر، من هذه الاحتمالات -وإن كانت ضعيفة- هو
المقتضي لقول الإمام أحمد في حديث عراك الغفاري: إنه أحسن ما في هذا الباب، مع إرساله- وقد تقدم.
وأما حديث ابن عمر: فيصلح دليلًا على المذهب الرابع الذي يفرق فيه بين الاستقبال والاستدبار، فيمنع الاستقبال، ويباح الاستدبار، وذلك أن حديث أبي أيوب عام فيهما معًا، والعام إذا ثبت تخصيصه في صورة، كان فيما عداها باقيًا على عمومه، ولم يخص حديث ابن عمر، مما تناوله حديث أبي أيوب، إلا الاستدبار فقط، فبقي الاستقبال المنهي عنه في حديث أبي أيوب بحاله، ولا يحسن في الاستقبال، أن يقاس عليه لأمرين:
أحدهما: أنه أفحش من الاستدبار على كلا التعليلين: من حرمة القبلة -كما هو الراجح عند أصحاب الإمام مالك رحمه الله أو من حرمة المصلين، -كما اختاره أصحابنا-.
الثاني: أنّه تقديم للقياس، على مقتضى العموم، وفيه ما فيه كما هو معروف في أصول الفقه، فهذا ما في حديث ابن عمر.
وأمَّا حديث جابر: "فرأيته قبل أَن يُقبض بعام يستقبلها" تضمن أيضًا ذكر الاستقبال، فاستفيد الحكمان مِن الحديثين معًا، ولذلك أَودعهما الترمذي كتابه، وقدم حديث الاستقبال، إذ هو الأهم، كما أشرنا إِليه وأخَّر حديث الاستدبار -وإن كان أَقوى سندًا وأَصح مخرجًا- ولم يذكر حديث عائشة إلَّا بطرف منه، لمحل الإِرسال والاستفتاء عنه بما ذكره وإِذا قلنا بالتخصيص، كما ذهب إليه الشافعي رحمه الله ومن حكينا ذلك عنه، فالختار عند أَصحابنا أنه إِنما يجوز الاستقبال، والاستدبار في البنيان إذا كان قريبًا مِن ساتر -جدارٍ أو نحوه- بحيث يكون بينه وبينه ثلاثةَ أذرع فما دونها، وبشرط آخر، وهو: أَن يكون الحائل مرتفعًا، بحيث يستر
أَسافل الإنسان، وقدروه بأخرة الرَّحل، وهي نحو ثُلثي ذراع فإنْ زاد ما بينه وبينه على ثلاثة أَذرع، أو قَصُر الحائل عن أُخرة الرحل، فهو حرام كالصحراء، إلا إِذا كان في بيت بُني كذلك فلا حجر فيه كيف كان، قالوا: ولو كان في الصحراء، وتستر بشيء -على الشرط المذكور-، زال التحريم، فالاعتبار بوجود الساتر المذكور وعدمه، فيَحِلُّ في الصحراء والبنيان، بوجوده، ويَحرُم فيهما بعدمه، هذا هو الصحيح، المشهور عند أَصحابنا.
ومن الأصحاب من اعتبر الصحراء والبنيان مطلقًا، ولم يعتبر الحائل؛ فأباح في البنيان بكل حائل، وحرّم في الصحراء بكل حائل، والصحيح الأول وفرعوا عليه، فقالوا: لا فرق بين أن يكون الساتر: دابة أو جدارًا أو وهدة أو كثيب رمل أو جبلًا، أو أرخى ذيله مقابل القبلة، ففي حصول الستر وجهان لأصحابنا أصحهما -عندهم-، وأشهرهما: أنه ساتر، لحصول الحائل، والله أعلم.
قال ابن عمر: "رقيت يومًا على بيت حفصة"، قال بعض أهل العلم: هذا الرقي من ابن عمر، الظاهر منه، أنه لم يكن عن قصد الاستكشاف، وإنما كان لحاجة غير ذلك.
ويحتمل أن يكون ليطلع على كيفية جلوس النبي صلى الله عليه وسلم للحدث، على تقدير أن يكون قد استشعر ذلك وأنه تحفظ من أن يطلع على ما لا يجوز له، وفي هذا الثاني بعد، والله أعلم.
* * *