الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 - باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثًا
حدثنا ابنُ أبي عمر: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ: فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه مرتين، ومسح برأسه، وغسل رجليه.
قال: وهذا حديث حسن صحيح.
وقد ذكر في غير حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بعض وضوئه مرة، وبعضه ثلاثًا.
وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك لم يروا بأسًا أن يتوضأ الرجلُ بعض وضوئه ثلاثًا، وبعضه مرتين أو مرة (1).
* الكلام عليه:
أخرجه البخاري (2)، ومسلم (3)، وأبو داود (4)، والنسائي (5)، وابن ماجه (6)، مطولًا ومختصرًا.
وأما قوله: "وقد ذكر في غير حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بعض وضوئه مرة
(1) الجامع (1/ 66 - 67).
(2)
في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 80) رقم 183 باب الرجل يوضيء صاحبه وانظره في رقم 184، 188، 189، 194، 196.
(3)
في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 210 / 211) رقم 235 باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1 /) رقم 118 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 76) رقم 98 باب صفة مسح الرأس.
(6)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 149 - 150) رقم 434 مطولًا و (1/ 142) برقم 405 مختصرًا و (1/ 159) برقم 471 مختصرًا.
وبعضه ثلاثًا.
ففيه: اختلاف العدد في وضوء واحد.
فأما ما يتعلق بمسح الرأس فقد تقدم.
وأما غسل الرجلين فقد ورد التثليثُ فيهما في حديث عثمان، وحديث علي من رواية عبد خير، ومن رواية الرُّبيِّع العدد ثلاثًا.
وكذلك في حديث عبد الله بن عمرو، وروي عن معاذ بن جبل من طريق ابن لهيعة؛ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة واستنشق ثلاثًا، كل ذلك يفعله إلا رجليه، فإنه كان يغسلهما حتى ينقيهما.
ذكره الحافظ أبو الفتح القشيري في "الأحكام الكبرى"(1) له، وقد اختلف العلماء في استحباب التكرار في غسل الرجل ثلاثًا، وبعضهم لا يرى بهذا العدد في الرجل كما في غيرها من الأعضاء، وله من الأحاديث ما لا يوقت فيه، مما ذكرناه، ومن جهة المعنى أن الرجل لقربها من الأرض في المشي عليها؛ تكثر فيها الأوساخ والأدران، فيقال: الأمرُ فيها على مجرد الإنقاء من غير اعتبار العدد.
وقال شيخنا القشيري (2) رحمه الله: والرواية التي ذكر فيها العدد، زائدة على الرواية التي لم يذكر فيها، فالأخذ بها متعين.
والمعنى المذكور لا ينافي اعتبار العدد، فليعمل بما دل عليه لفظ الحديث.
وأحاديث هذا الباب وما تقدمه إلى حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، يعني: أن المرة مجزئة.
(1) لعله يقصد أحكام الأحكام (1/ 38) ط محمد حامد الفقي وأحمد محمد شاكر.
(2)
المصدر السابق.
وهذا مجمع عليه بشرط الإسباغ، وما زاد عليها فهو الأفضل، وكان ذلك منه عليه السلام في الاقتصار على المرة لبيان الجواز، وفي الزيادة عليها للأفضلية، وبيان الجواز في المرتين، ولكمال الأفضلية في الثلاث.
وقال القاضي الإمام أبو بكر (1) بن العربي رحمه الله قال: الرواية (2) عن النبي عليه السلام: أنه توضأ مرة ومرتين وثلاثًا، وذلك من قولهم لا يخلو أن يعبروا به عن الغرفات، أو عن إيعاب العضو كل مرة، ولا يجوز أن يكون إخبارًا عن إيعاب العضو كل مرة، فإن ذلك أمر مغيب لا يصح لأحد أن يعلمه، فعاد القول إلى أعداد الغرفات؛ فلأجل ذلك قال ابن القاسم: لم يكن مالك يوقت في الوضوء بمرة ولا مرتين ولا ثلاثًا إلا ما أسبغ.
وقد اختلفت الآثار في التوقيت، إشارة إلى أن التعويل على الإسباغ، وذلك يختلف بحسب اختلاف قدر الغرفة وحال البدن.
قال: إذا ثبت هذا، فليس للتفريع على الأعداد معنى. فإن المقصود الإيعاب، والأعداد له.
وأحسن مما قاله القاضي أبو بكر، قول الشيخ أبي (3) العباس: هو تعديد الغسلات لا تعديد الغرفات، كما ذهب إليه بعضهم، وليس بشيء إذ لم يجر للغرفات.
رأوا أنه إذا لم يجر الغرفات في هذا الحديث، ذكروا: إنما قال: غسل يديه ثلاث مرات، وثلاثَ: منصوب؛ نصبه المصدر لإضافته إليه، فكأنه قال: غسلات ثلاثًا، ومن ضرورة ذلك تعداد الغرفات (3).
(1) عارضة الأحوذي (1/ 56 - 57).
(2)
في المعارضة قال: الرواة وهو المناسب للسياق.
(3)
المفهم (1/ 480).
قلت: ومما يؤيد ما قاله الشيخ أبو العباس؛ أن الغسلة لا تكون حقيقة إلا مع الإسباغ، ليس للغرفة في كل ذلك مدخل.
قال أصحابنا (1): ولو شك في أنه غسل، أو مسح مرة، أو مرتين، أو شك في أنه فعل ذلك مرتين أو ثلاثًا؟ فوجهان:
• أصحهما: أنه يأخذ بالأقل، كما لو شك في عدد ركعات الصلاة.
• والثاني: ذكره الشيخ أبو محمد: أنه يأخذ بالأكثر؛ حذارًا من أن يزيد مرة رابعة، فإنها بدعة، وترك السنة أهون من اقتحام البدعة، لكن من قال بالأول لا يسلم أن الرابعة بهذه المثابة بدعة؛ بل لا شكون بدعة إلا إذا كانت الرابعة مقصودة يقينًا، وهي إذا كانت رابعة ممنوعة؛ إلا بنية التجديد عند بعضهم وأبو حنيفة ممن يرى ذلك.
ومذهب مالك: لا يشرع للمتوضئ التجديد حتى يفعل بذلك الوضوء صلاة.
وقال الشيخ محيي (2) الدين النووي: اتفق أصحابنا على استحباب تجديد الوضوء، ومتى يستحب فيه؟ خمسة أوجه:
• أصحها: إن صلى بالوضوء الأول فرضًا، أو نفلًا، استحب؛ وإلا فلا.
• الثاني: فإن صلى فرضًا، استحب؛ وإلا فلا.
• الثالث: يستحب إن كان فعل بالأول ما يقصد له الوضوء؛ وإلا فلا.
• الرابع: إن صلى بالأول، أو سجد لتلاوة، أو شكر، أو قرأ في مصحف، استحب؛ وإلا فلا.
(1) فتح العزيز (1/ 411 - 412) وكذا الجموع (1/ 440 - 441).
(2)
شرح صحيح مسلم (3/ 177 - 178).
• الخامس: يستحب ولو لم يفعل بالأول شيئًا أصلًا، حكاه إمام الحرمين؛ قال: وهذا لا يصح لا يخلل بين الوضوء والتجديد زمن يقع بمثله تفريق، فأما إذا وصله بالوضوء فهو شبه حكم غسله رابعة. وهذا غريب.
وقطع جماعة كثيرون: بأنه يكره التجديد إذا لم يفرد بالأول شيئًا (1).
* * *
(1) شرح صحيح مسلم (3/ 177 - 178).