الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - باب الرخصة في ذلك
حدثنا هناد، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال عليها قائمًا، فأتيته بوضوء فذهبت لأتأخَّر عنه، فدعاني، حتى كنت عند عقبيه، فتوضَّأ ومسح على خفيه.
[قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يحدِّث بهذا الحديث عن الأعمش، ثم قال وكيع: هذا أصحّ حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح وسمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول: سمعت وكيعًا فذكر نحوه].
[قال أبو عيسى](1): وهكذا روى منصور وعبيدة الضبي، عن أبي وائل، عن حذيفة مثل رواية الأعمش.
وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث أبي وائل، عن حذيفة أصح.
وقد رخَّص قوم من أهل العلم في البول قائمًا (2).
* الكلام عليه:
هذا حديث سكت عنه الترمذي وهو صحيع اتفق الشيخان البخاري ومسلم على إخراجه من حديث أبي وائل، عن حذيفة فرواه البخاري في "الطهارة" (3): ثنا آدم؛ قال: ثنا شعبة عن الأعمش.
(1) زيادة من المطبوع من جامع الترمذي نسخة أحمد شاكر.
(2)
الجامع (1/ 19 - 20).
(3)
أي في كتاب الوضوء من صحيحه (1/ 90 / برقم 223) باب البول قائمًا وقاعدًا.
وفي "المظالم"(1): ثنا سليمان بن حرب؛ قال: ثنا شعبة عن منصور كلاهما عن أبي وائل.
وفي "الطهارة"(2): أنا ابن عرعرة: ثنا شعبة.
وثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا جرير، كلاهما عن منصور، عن أبي وائل (3).
ومسلم: ثنا يحيى بن يحيى: ثنا أبو خيثمة؛ قال: ثنا الأعمش (4).
وثنا يحيى بن يحيى؛ قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل (5).
ورواه أيضًا (6) عن أبي داود، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل.
وألفاظهم مختلفة.
وحديث المغيرة رواه ابن ماجه، عن إسحاق بن منصور، عن أبي داود، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل (7).
وعن إسحاق بن منصور، عن أبي داود، عن سفيان، عن عاصم، عن المغيرة؛ ولم يذكر أبا وائل (8).
قال ابن عساكر: خالفه الأعمش ومنصور بن المغيرة فروياه عن أبي وائل،
(1) باب الوقوف والبول عند سباطة قوم (2/ 874 / 2339) من صحيحه.
(2)
أي في كتاب الوضوء من صحيحه (1/ 90 / برقم 224) باب البول عند سباطة قوم.
(3)
من صحيحه كتاب الوضوء (1/ 90 / برقم 223) باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط.
(4)
في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 228 / برقم 273) باب المسح على الخفين.
(5)
في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 228) برقم 273 باب المسح على الخفين.
(6)
ابن ماجه كما سيأتي بعد سطر عن الشارح.
(7)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 111 / برقم 306) باب ما جاء في البول قائمًا.
(8)
ابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 111) برقم 306 باب ما جاء في البول قائمًا وفيه: أبو وائل، وقد ذكر المزي في "التحفة" أنه لم يذكر أبا وائل وانظر الحاشية التالية.
عن حذيفة (1).
وذكره البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن المغيرة (2).
وقال: والصحيح ما روى الأعمش ومنصور، عن أبي وائل، عن حذيفة؛ كذا قال الترمذي وغير واحد من الحفاظ (2).
وحديث حذيفة قد سمعه شعبة من الأعمش ومنصور فحدَّث به تارة، عن الأعمش وتارة عن منصور (3) كما رواه البخاري (4) لا يُعدُّ ذلك خلفًا يوجب وهنًا.
قلت: هذا الترجيح لرواية الأعمش ومنصور على رواية حمَّاد وعاصم ترجيح بالأحفظ، وليس القول فيه كالقول في الخلف قبله على شعبة؛ فإن آدم بن أبي إياس رواه عنه عن الأعمش.
وسليمان بن حرب رواه عنه عن منصور.
وهما ثبتان أو متقاربان في الثقة والحفظ وليس كذلك الأعمش ومنصور مع
(1) انظر "تحفة الأشراف"(11502) قال الحافظ: ووافق عاصمًا، حماد بن أبي سليمان، فرواه عن أبي وائل عن المغيرة.
وقرأت بخط شيخنا الحافظ أبي الفضل: الذي في سنن ابن ماجه رواية شقيق عن المغيرة. اهـ.
قلت: شقيق هو أبو وائل، فراجع الحاشة السابقة.
(2)
في السنن الكبرى (1/ 101).
(3)
علَّق الناسخ للمخطوط ت في الهامش قائلًا: "قال النسائي: أنا سليمان بن عبد الله ثنا بهز ثنا شعبة عن سليمان ومنصور، فجمعهما في حديث واحد".
قلت: أخرج هذا الحديث النسائي في سننه في كتاب الطهارة (1/ 30 / برقم 28) باب الرخصة في البول في الصحراء قائمًا.
(4)
في صحيحه كما تقدم فرواه عن الأعمش كما في حديث (222) ورواه عن منصور كما في حديث (2339).
عاصم بن بهدلة وحمَّاد بن أبي سليمان فوقع التنبيه على هذا الخلف والترجيح لما اقتضى النظر ترجيحه وإن كان من الجائز أن يكون أبو وائل أيضًا سمعه من حذيفة ومن المغيرة فحدَّث به عن حذيفة تارة، وعن المغيرة أخرى، ولم يقع تنبيه من أحد على الخلف الآخر ولا ترجيح لأحد الطرفين منه على الآخر.
وإذ قلنا ذلك فلنذكر من حال الأعمش ومنصور وحال حمَّاد وحال عاصم ما يوضح الترجيح الذي ذكرناه.
فأمَّا الأعمش: فسليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي الكوفي وستأتي ترجمته مبسوطة في الباب بعد هذا -إن شاء الله تعالى- ويكفينا من وجوه الترجيح ها هنا أنَّ الجماعة كُلَّهم أخرجوا حديثه، ولم يحتج بحماد، ولا بعاصم البخاري ولا مسلم.
وأمَّا منصور: فهو بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة، بضم الراء، وفتح الباء ثانية الحروف، بعدها ياء آخر الحروف، مكسورة مشددة -ويقال: ابن المعتمر بن عتاب بن عبد الله بن ربيعة.
سمع: زيد بن وهب، وأبا وائل، ورِبْعي بن حِراش، وأبا حازم الأشجعي، وإبراهيم النخعي، والشعبي والزهري، وأبا الضحى، والمسيب بن رافع، وهلال بن يساف، والحكم بن عتيبة، وسعد بن عبيدة، وسالم بن أبي الجعد، وسعيد بن جبير، وعبيد بن نسطاس، وعبد الله بن مرة، ومجاهد بن جبر.
روى عنه: سليمان التيمي، وأيوب السختياني، وحصين بن عبد الرحمن، والأعمش، ومسعر، والثوري. وهو أثبت الناس فيه، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وزهير، وإسرائيل، وزائدة، ووهيب، وأبو الأحوص، وشيبان بن عبد الرحمن، وروح بن القاسم، وعبد العزيز بن عبد الصمد، وأبو عوانة، ومُفَضل بن مهلهل، وحمَّاد بن
زيد، وفضيل بن عياض، وعمَّار بن زريق، وعَبِيدة بن حُميد.
سئل علي بن المديني: أيُّ أصحاب إبراهيم أعجبُ إليك؟ قال: إذا حدَّثك عن منصور ثقة فقد ملئت يديك لا تريد غيره (1).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: منصور أثبت أهل الكوفة (2).
وقال سفيان: كنت لا أُحدِّثُ الأعمش عن أحد من أهل الكوفة إلا ردَّه. فإذا قلت: منصور؛ سكت (3).
وقال يحيى بن سعيد: منصور، عن مجاهد أثبت من ابن أبي نجيح، عن مجاهد (3).
وقال أحمد بن حنبل: منصور أثبت من إسماعيل بن أبي خالد، وأثبت الناس في إبراهيم الحكم بن [عتيية] ثم منصور (4).
وقال يحيى بن معين: منصور أثبت من الحكم بن عتيبة، إذا اجتمع منصور والأعمش فقدَّم منصورًا (5).
قال ابن معين: وهو ابن عمِّ عتبة بن فرقد السلمي، [ومحمد بن علي السلمي](6) أخوه لأمه (7).
(1) لم أجده في سؤالات ابن أبي شيبة له وذكر هذا القول عنه ابن أبي خشيمة كما في "تهذيب الكمال"(28/ 552 - 553) وذكر أنه رآه في كتاب علي بن المديني فالله أعلم أي كتاب هذا فإن المديني له كتب كثيرة وأغلبها مفقود.
(2)
ذكره الترمذي في "جامعه"(2/ 461) و (3/ 558) و (5/ 35).
(3)
الجرح والتعديل (8/ 177 / برقم 778).
(4)
المصدر السابق (8/ 178)، "العلل"(3/ 352).
(5)
الجرح والتعديل (8/ 178 / برقم 778).
(6)
ألحق الناسخ ما بين المعكوفتين في الهامش وصحَّحه بوضع علامة صح في آخره.
(7)
التاريخ الدوري (2/ 588 / برقم 1630).
وقال يحيى بن [معين](1): منصور أحبُّ إليَّ من حبيب، ومن عمرو بن مرة، ومن قتادة. قيل له: فأيوب؟ قال: هو نظير أيوب عندي (2).
وقال أبو حاتم: هو ثقة أتقن من الأعمش، لا يخلط ولا يُدِّلس (3).
وقال الثوري: ما خلفت بالكوفة آمن على الحديث من منصور (4).
وقال أبو زرعة: سمعت إبراهيم بن موسى يقول: أثبت أهل الكوفة منصور، ثم مسعر (5).
وقال سفيان: إذا جاءت المذاكرة جئنا بكلٍّ، وإذا جاء التحصيل جئنا بمنصور بن المعتمر (6).
وقال أبو حمزة: دخلت إلى بغداد (7)، فرأيت جميع من فيها يثني على منصور بن المعتمر، فلمَّا خرجت إلى الكوفة سمعت منه، فلمَّا عدت من مكة أقمت عليه حتى كتبت عنه، فأكثرت (8).
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن الحسين، ثنا خلف بن تميم؛ قال:
(1) في المخطوط ت يحيى بن منصور وهو تحريف والصواب ما هو مثبت كما في تاريخ يحيى بن معين برواية الدوري (2/ 588 / 1630).
(2)
المصدر السابق.
(3)
الجرح والتعديل (8/ 179).
(4)
المصدر السابق (8/ 178).
(5)
المصدر السابق (8/ 179).
(6)
تهذيب الكمال (28/ 553).
(7)
قال بشار عواد: هذا وهم لا شك فيه، بل ذهول شديد، فبغداد إنما بنيت بعد وفاة منصور بن المعتمر بأكثر من ثلاثة عشر عامًا، فلعل الصواب فيه: البصرة.
(8)
تاريخ بغداد (3/ 266).
سمعت زائدة يقول: صام منصور بن المعتمر أربعين (1) سنة؛ صام نهارها وقام ليلها، وكان يبكي اللَّيل؛ فإذا أصبح اكتحل وادَّهن وبرق شفتيه (2).
وقال زائدة أيضًا: كان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت: رجل قد أصيب بمصيبة ولقد قالت له أمه: يا هذا ما الذي تصنع بنفسك تبكي الليل عامته لا تكاد تسكت لعلك يا بني أصبت نفسًا فقتلت قتيلًا، قال: يا أمه! أنا أعلم بما صنعت بنفسي (3).
وقال أبو يزيد الواسطي: كان أوَّل ما يبلى من ثياب منصور بن المعتمر ما يلي ركبته من كثرة سجوده (4).
وقال أحمد بن عبد الله: منصور بن المعتمر كوفي ثقة ثبت في الحديث؛ كان أثبت أهل الكوفة، وكأن [حديثه](5) القدح لا يختلف فيه أحد، متعبد، رجل صالح، أكره على قضاء الكوفة (6).
وكان فيه تشيع قليل وكان قد عمش من البكاء صام ستين سنة وقامها توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئة (7).
(1) لا وجود لها في كتاب التهجد وهو الذي يقتضيه السياق؛ أي: صام سنة، والأثر ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/ 73). وفيه أربعين سنة، ورواية أخرى فيها بستين سنة عند أبي نعيم في الحلية (5/ 41)، وذكر الذهبي في السير (5/ 406) رواية الأربعين.
(2)
كتاب التهجد وقيام الليل (223) برقم 128.
(3)
كتاب التهجد وقيام الليل (213) برقم 128.
(4)
لم أقف عليه.
(5)
كذا في معرفة الثقات للعجلي وهي ساقطة من المخطوط "ت" لأن الكلام بدونها لا يستقيم، انظر الفقرة التالية.
(6)
معرفة الثقات للعجلي (2/ 299 / برقم 1795).
(7)
انظر ما سبق.
وقال زائدة: [أخذه](1) يوسف بن عمر -عامل الكوفة- يريده على القضاء فامتنع وأبى، فدخلت عليه وقد جيء بالقيد ليقيّد.
قال: فجاءه خصمان فقعدا بين يديه، فلم يسألمهما، ولم يكلمهما.
قال: فقيل ليوسف بن عمر: إنِّك لو نثرت لحمه لم يل لك القضاء، وقال: فخفي عنه (2).
وذكر وكيع عن الثوري، قال: أراد ابن هبيرة أن يستعمل منصور بن المعتمر على القضاء، قال: ما كنت لألي لك بعدما حدَّثني إبراهيم. قال: وما حدَّثك إبراهيم؟ قال: حدثني إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله بن مسعود؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة، وأعوان الظلمة، وأشباه الظلمة؟ حتى من يبري لهم قلمًا أو لاق لهم دواة، فيجمعون في تابوت من جديد (3) ويرمى بهم في جهنم (4) ".
ومنصور بن المعتمر كبير القدر، كثير المناقب؛ وإنَّما ذكرنا طرفًا من مناقبه يُعرف بها حاله وجلالته عند السَّلف رحمه الله.
وأما حمَّاد: فهو حمَّاد بن أبي سليمان، أبو إسماعيل، الأشعري. واسم أبي سليمان: مسلم -مولى إبراهيم بن أبي موسى-.
حكى محمد بن يحيى بن منده: أنه من أهل بُرْخُوار، وهي من
(1) كذا في تهذيب الكمال وهو الأنسب للسياق وفي المخطوط "ت" أخذ.
(2)
تهذيب الكمال (28/ 554).
(3)
كذا في المخطوط "ت" ومن السياق يتضح أنه: في تابوت من حديد، لا: من جديد كما جاء في المخطوط كما تقدم، وعند الزيلعي: تابوت واحد.
(4)
الحديث ذكره الديلمي في الفردوس من رواية أبي هريرة (1/ 255)، وقال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" (3/ 28): غريب.
نواحي أصبهان (1).
سمع: أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وزيد بن وهب، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وابن بريدة.
روى عنه: الحكم بن عتيبة، وأبو إسحاق الشيباني، والأعمش، ومسعر، والثوري، وشعبة.
سئل أحمد بن حنبل عنه فقال: رواية القدماء عنه مقاربة (2) كالثوري وشعبة وهشام، وأمَّا غيرهم فجاءوا عنه بأعاجيب (3).
وقال يحيى القطان: هو أحبُّ إلينا من مغيرة (4)، وحمّادٌ ثقة (5).
وقال أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة، وكان أفقه أصحاب إبراهيم، يُروى عن مغيرة: سأل حمادٌ إبراهيمَ، وكان له لسان سؤول، وقلب عقول، وكانت به موتة، وكان ربَّما حدَّثهم بالحديث فيعتريه [ذلك](6)، فإذا أفاق أخذ من حيث انتهى (7).
والمُوتة: طرف من الجنون.
وقال شعبة: كان صدوق اللسان (8).
وكان يحيى بن معين يُقدِّم حمَّاد بن أبي سليمان على أبي معشر زياد بن كليب (8).
(1) انظر أخبار أصبهان لأبي نعيم (1/ 288).
(2)
الأصل: مقارب!
(3)
"تهذيب الكمال"(7/ 272، رقم 1483).
(4)
الجرح والتعديل (3/ 147 / برقم 642).
(5)
قوله: "وحماد ثقة" إنما هو لابن معين قال الحافظ ابن حجر في التهذيب (1/ 483) وقال القطان: أحب إلي من مغيرة وكذا قال ابن معين وقال "حماد ثقة".
(6)
كذا في معرفة الثقات وهي ساقطة من المخطوط ت وتهذيب الكمال وإثباتها يوضِّح المعنى.
(7)
معرفة الثقات (1/ 320 / برقم 355).
(8)
الجرح والتعديل (3/ 147).
وقال أبو حاتم: هو صدوق، ولا يحتجُ بحديثه، وهو مستقيم في الفقه، فإذا جاء للآثار شوَّش (1).
وقال أبو أحمد بن عدي: حمَّاد بن أبي سليمان كثيرُ الرواية خاصة عن إبراهيم. ويقع في حديثه أفراد وغرائب، وهو متماسك في الحديث لا بأس به (2).
وقال ابنُ الجوزي: كذَّبه مغيرة (3).
وقال محمد بن سعد (4): كان ضعيفًا في الحديث فاختلط في آخر أمره.
وقال يحيى: هو ثقة (5).
وقال شعبة: صدوق اللسان (6).
مات حماد سنة عشرين ومئة (7).
قال الحافظ عبد الغني المقدسي: روى له الجماعة إلَّا البخاري (8).
وهذا الإطلاق يقتضي احتجاج مسلم به.
وقال الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي القرشي: روى له مسلم مقرونًا
(1) الجرح والتعديل (3/ 147).
(2)
الكامل (2/ 238 / برقم 413).
(3)
الضعفاء والمتروكون (1/ 233 / برقم 994).
(4)
في الطبقات الكبرى (6/ 333).
(5)
الجرح والتعديل (3/ 247).
(6)
تقدَّم آنفًا.
(7)
انظر تاريخ مولد العلماء (1/ 282).
(8)
بل روى له البخاري تعليقًا في صحيحه كتاب الأحكام (6/ 2622) باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء أو قبل ذلك للخصم ثم قال: -وقال حماد: إذا أقرَّ مرة عند الحاكم رجم- يعني الزاني".
قال صالح: بل هذا فقه ورأي لا رواية!
بغيره (1).
وهذا مستقيم فإنه أخرج له في الأشربة (2) مقرونًا بمنصور والأعمش عن إبراهيم النخعي.
وأمَّا عاصم: فهو ابن بهدلة أبي النَّجود، أبو بكر المقرئ، الأسدي، الكوفي.
قال سفيان وأحمد بن حنبل: بهدلة: أبو النجود (3).
وقال عمرو بن علي: اسم أُمِّه بهدلة (3).
وقال أبو بكر بن أبي داود: زعم بعضُ لا يعلم أنَّ أمَّه بهدلة وليس كذلك (4).
سمع: زر بن حبيش، وأبا وائل شقيق بن سلمة، وأبا رزين مسعود بن مالك، وأبا صالح السَّمان، وغيرهم.
روى عنه: عطاء بن أبي رباح، ومنصور بن المعتمر، والأعمش، وشعبة والحمَّادان، والسفيانان وغيرهم.
روى أبو نعيم عن سفيان: في حديثه اضطراب وهو ثقة (5).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ساكت أبي عنه، فقال: كان رجلًا صالحًا قارئًا للقرآن، وأهل الكوفة يختارون قراءته.
(1) قلت وكذا قال ابن منجويه في رجال صحيح مسلم (1/ 159 / 318).
(2)
من صحيحه (3/ 1579 / برقم 6) باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والختم والنقير وبيان أنه منسوخ وأنه اليوم حلال ما لم يصر مسكرًا.
(3)
تاريخ دمشق (25/ 227).
(4)
تاريخ دمشق (25/ 228).
(5)
المعرفة والتاريخ (3/ 197).
قال أحمد بن حنبل: وأنا أختار قراءته، وكان ثقة (1).
وقال محمد بن سعد: كان ثقة إلَّا إنَّه كان كثير الخطأ في حديثه (2).
قال أبو بكر بن عياش: قال أبو إسحاق: ما رأيت أقرأ من عاصم، قال: فقلت: هذا رجل قد لقي أصحابَ عليٍّ، وأصحابَ عبد الله، فدخلت المسجد من أبواب كِنْدَه، فإذا رجل غلبه جماعة، وعليه كساء، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا عاصم، فأتيته، فدنوت منه، فلما تكلَّم، قلت: حقَّ لأبي إسحاق أن يقول ما قال (3).
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: هو صاحبُ سنة، وقراءة للقرآن، وكان ثقةً رأسًا في القراءة، ويقال: إن الأعمش قرأ عليه وهو حدث، وكان يختلف عليه في زر وأبي وائل (4).
وقال أحمد بن حنبل: كان الأعمش أحفظ منه، وكان [شعبة](5) يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث (6).
وسئل يحيى بن معين عنه فقال: ليس به بأس (7).
(1) الجرح والتعديل (6/ 341 / برقم 1887) والعلل لأ حمد (1/ 421 / 918) بنحوه.
(2)
في الطبقات الكبرى (6/ 321).
(3)
تاريخ دمشق (25/ 232)، وعنده: أبواب كثيرة، عليه جماعة! وكان الأصل: لاحق! بزيادة (لا)، وهو خطأ واضح. وقوله: عليه جماعة، كذلك هو في "تهذيب الكمال". وهو محتمل.
(4)
معرفة الثقات (2/ 6 / برقم 807).
(5)
كذا في جميع المصادر التي ذكرت هذا القول عن أحمد وفي المخطوط سعيد وهو خطأ.
(6)
العلل ومعرفة الرجال (3/ 54 / 4136) والجرح والتعديل (6/ 341) وتهذيب الكمال (13/ 476) وتهذيب التهذيب (2/ 250).
وكأن الأصل: ثبت الحديث.
(7)
الجرح والتعديل (6/ 341 / برقم 1887).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن حمَّاد بن أبي سليمان، [وعاصم] فقال: عاصم أحب إلينا عاصم صاحب قرآن وحماد صاحب فقه] (1).
فقال (2)[وسألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال](3): هو صالح أكثر حديثًا من أبي قيس الأودي، وأشهر منه، وأحبُّ إليَّ من أبي قيس (4).
وسُئل (5) عن عاصم وعبد الملك بن عمير، فقال: قَدِّم عاصم على عبد الملك، عاصم أقل اختلافًا عندي من عبد الملك (6).
وسألت أبا زرعة عنه، فقال: ثقة، فذكرته لأبي، فقال: ليس محل هذا أن يقال ثقة، وقد تكلَّم فيه ابنُ علية، فقال: كُلُّ من اسمه عاصم سيئ الحفظ (6).
وقال أبو حاتم أيضًا: محله عندي محل الصدق، صالح الحديث، ولم يكن بذاك الحافظ (6).
وقال الدارقطني: في حفظه شيء (7).
وقال يحيى بن سعيد: ما وجدْتُ رجلًا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ (8).
(1) كذا في الجرح والتعديل (6/ 341) وسقط من المخطوط "ت" ما بين المعكوفتين فدخل كلام الإمام أحمد في كلام أبي حاتم انظر الفقرتين التاليتين.
(2)
أي: ابن أبي حاتم كما في الجرح والتعديل.
(3)
سقط ما بين المعكوفتين من المخطوط "ت" وهو موجود في الجرح والتعديل.
(4)
الجرح والتعديل (6/ 341).
(5)
أي: أبو حاتم.
(6)
الجرح والتعديل (6/ 341).
(7)
في سؤالات البرقاني له برقم (338).
(8)
ميزان الاعتدال (3/ 71 / برقم 4068).
وقال يحيى بن معين: كُلُّ عاصمٍ فيه ضعف (1).
وقال خليفة: مات سنة سبع وعشرين ومئة (2).
وقال القاسم بن سلام: سنة ثمان وعشرين (3).
روى له مسلم مقرونًا بعبدة بن أبي لبابة (4).
وأمَّا عبيدة الذي ذكره متابعًا لمنصور والأعمش: فهو بِضمِّ العين ابن مُعَتَّب بضم الميم وفتح العين المهملة وبعدها تاء ثالثة الحروف مشددة مكسورة، أبو عبد الكريم الكوفي الضبي روى عن إبراهيم وأبي وائل والشعبي روى عنه الثوري وشعبة وعبيدة بفتح العين ابن حميد وغيرهم، ذكر العقيلي عن شعبة قال: أخبرني عبيدة قبل أن يتغير وذكر عن زهير بن معاوية: ما اتهمت إلا عطاء [بن](5) عجلان وعبيدة قال: فذكرت ذلك لحفص بن غياث فصدقه في عطاء وكره ما قال لعبيدة.
وقال أيضًا عن يحيى وذكر حديث عبيدة الضبي حديث أبي أيوب "من صلى قبل الظهر أربعًا"[فرآني](6) أكتبه قال: لا تكتب أما إنه من عتيق حديثه.
قال: وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن عبيدة (7).
(1) انظر "شرح علل الترمذي"(2/ 875).
(2)
تاريخ دمشق (25/ 241)، و"الطبقات"(159).
(3)
تاريخ دمشق (25/ 242).
(4)
في صحيحه كتاب الصيام (2/ 828) باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها برقم (762).
(5)
كذا في الضعفاء للعقيلي (3/ 129) وفي المخطوط "ت": وابن عجلان وهو خطأ فإن ابن عجلان هو عطاء بن عجلان الحنفي أبو محمد البصري وهو متروك.
(6)
كذا في الضعفاء للعقيلي (3/ 129 / برقم 1114) وبهذه الكلمة يتسق الكلام وهي ساقطة من المخطوط "ت".
(7)
الضعفاء للعقيلي (3/ 129 / برقم 1114).
وقال أحمد بن حنبل (1): ترك الناس حديثه.
وسئل أحمد بن حنبل عنه، وعن جويبر، ومحمد بن سالم، فقال: ما أقرب بعضهم من بعض في الضعف (2).
وقال عمرو بن علي: كان عبيدة الضَّبْي سيئ الحفظ ضريرًا متروك الحديث (3).
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث (4).
وقال أبو زرعة: ليس بقوي (5).
وقال ابن عدي: فهو مع ضعفه يكتب حديثه (6).
وقال يحيى: ليس بشيء (7)، وقال مرة: ضعيف (8).
وقال محمد بن سعد: كان ضعيفًا جدًّا (9).
وقال النسائي: ضعيف، وكان قد تغير (10).
وقال ابن حبان: اختلط بأخرة فبطل الاحتجاج به (11).
(1) الحاشية رقم 2 من الصفحة السابقة.
(2)
العلل (1/ 415 / برقم 889).
(3)
الجرح والتعديل (6/ 94 / ترجمة 487).
(4)
الجرح والتعديل (6/ 94 / ترجمة 487).
(5)
الضعفاء له (2/ 680) فيه: "لأنه ليس بذاك القوي".
(6)
الكامل في الضعفاء (5/ 353 / ترجمة 1512).
(7)
التاريخ (2/ 388).
(8)
الكامل لابن عدي (5/ 353).
(9)
الطبقات (6/ 355).
(10)
الضعفاء ترجمة (405).
(11)
كما في المجروحين (2/ 173) بمعناه.
روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (1).
السباطة: ملقى التراب والأوساخ ونحو ذلك، يكون بفناء الدُّور مَرفقًا للقوم، ويكون ذلك في الأغلب سهلًا منثنًا (2)، لا يجد فيه البول ولا يرتد على البائل.
وقيل السباطة: الكناسة نفسها وإضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك لأنها كانت مواتًا مباحة.
وأما سبب بوله صلى الله عليه وسلم:
* فروى: عن الشافعي: أنَّ العرب كان تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا" قال: فيُرى أنَّه كان صلى الله عليه وسلم وجع الصلب إذ ذاك (3).
وروي نحوه عن أحمد (4).
* وقولٌ ثانٍ: روى البيهقي وغيره أنَّه صلى الله عليه وسلم بال قائمًا لعلة بمأبضه (5).
والمأبض: بهمزة ساكنة بعد الميم، ثم باء موحدة وهو باطن الركبة.
وقال البيهقي عن هذا الحديث: لا يثبت مثله (6).
ورواه من طريق يحيى بن عبد الله بن ماهان الكرابيسي (7)، ولا يعرف عن حمَّاد بن غسان الجعفي، وقد ضعَّفه الدارقطني (8).
(1) وأيضًا روي له البخاري تعليقًا انظر تهذيب الكمال (19/ 273).
(2)
كذا، ولعلها: لدمثها، ينحدر فيها البول.
(3)
"السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 101) ومعالم السنن للخطابي (1/ 29).
(4)
ذكره الحافظ عن الإمام أحمد في الفتح (1/ 394).
(5)
"السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 101).
(6)
"السنن الكبرى"(1/ 101).
(7)
المصدر السابق.
(8)
"ميزان الاعتدال"(2/ 122) و"لسان الميزان"(2/ 398) وذكر الحديث.
* قول ثالث: إنه لم يجد مكانًا للقعود واضَّطر إلى القيام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليًا مرتفعًا (1).
* وذكر الإمام أبو عبد الله المازري (2) والقاضي عياض (3) وجهًا رابعًا وهو: أنَّه بال قائمًا، لكونها حالة يؤمن فيها خروج الحديث من السبيل الآخر، بخلاف القعود، ومنه قول عمر رضي الله عنه:"البول قائمًا أحصن للدبر"(4).
* وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله: ويجوز وجه خامس: أنَّه صلى الله عليه وسلم فعله بيانًا للجواز في هذه المرة (5).
وقال الحافظ المنذري: أو لعلَّه كان فيها نجاسات رطبة وهي رخوة فخشي أن يتطاير عليه كذا قال (6).
ولعلَّ القائم أجدر بهذه الخشية من القاعد.
وأمَّا فعله صلى الله عليه وسلم ذلك في سباطة القوم يحتمل أوجهًا:
* أظهرها: أنَّهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهونه.
* الثاني: أنَّها لم تكن مختصة بهم بل كانت بفناء دورهم فأضيفت إليهم لقربها منهم وقد سبقت الإشارة إليه.
(1) انظر "معالم السنن" للخطابي (1/ 29) و"شرح النووي" على مسلم (3/ 165) وهو قول ابن حيان في صحيحه (4/ 274).
(2)
في كتابه "المعلم بفوائد مسلم"(1/ 238).
(3)
في كتابه "إكمال المعلم"(2/ 83).
(4)
ذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 394) وعزاه لمصنف عبد الرزاق.
(5)
"شرح النووي" على مسلم (3/ 166).
(6)
"عمدة القاري"(3/ 136) و"شرح السيوطي على النسائي"(1/ 20)، قال: وهو يؤول إِلى الوجه الثالث، وانظر "المعلم"(1/ 238).
* الثالث: أن يكونوا أذنوا لمنْ أراد قضاء الحاجة إمَّا بصريح الإذن أو بما في معناه.
وأمَّا بوله صلى الله عليه وسلم في السباطة التي بقرب الدور مع أن المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم التباعد في المذهب: فقد ذكر القاضي عياض (1) أنَّ سببه: أنَّه صلى الله عليه وسلم كان من الشغل بأمور المسلمين، والنَّظر في مصالحهم بالمحلِّ المعروف، فلعلَّه طال عليه فجلس حتى حفزه البول ولم يمكنه التباعد ولو بعد لتضرَّرَ، وارتاد السباطة لدمثها، وقام حذيفة بقربه يستره عن الناس. وهذا حسن.
قلت: وقد يكون ذلك لبيان الجواز في هذه الحالة وإن كان التباعد أولى.
فقوله: فأتيته بوضوء؛ بفتح الواو، وهو الماء المتوضأ به في الأكثر، والمصدر بضمِّها، هذا هو الأشهر فيهما. وقال الخليل (2): الفتح في الوجهين ولم يعرف الضم.
وقال ابن الأنباري: والوجه الأول وهو التفريق بينهما وهو الذي عليه أهل اللغة.
وقوله: "فذهبت لأتأخَّر عنه، فدعاني؛ حتى كنت عند عقبيه": قال العلماء: إنَّما استدناه صلى الله عليه وسلم ليستتر به عن أعين الناس من المارِّين وغيرهم فتأخَّر حذيفةُ رضي الله عنه، تأدبًا معه صلى الله عليه وسلم لكونها حالة يُستخفى بها ويُستحيى منها، واستدناه النبي صلى الله عليه وسلم للمعنى الذي أشرنا إليه من الاستتار ولأنه بول من قيام يؤمن معه خروج الحديث الآخر وغيره، ولم يفعل في هذا كما جاء في الحديث الآخر لما أراد قضاء الحاجة؛ قال:"تنحَّ"؛ لكونه كان يقضيها قاعدًا، ويحتاج إلى الحدثين جميعًا ولهذا قال بعض العلماء في هذا الحديث: السنة القرب من البائل إذا كان
(1) انظر "إكمال المعلم"(2/ 83).
(2)
"العين"(7/ 76) وضأ حيث قال: فأما من ضمِّ الواو فلا أعرفه.
قائمًا، فإن كان قاعدًا فالسنة الإبعاد عنه، والله أعلم. قال معناه الشيخ محيي الدين (1).
وقال: واعلم أنَّ هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد:
* ففيه: إثبات المسح على الخف.
* وفيه: جواز المسح في الحضر؛ خلافًا لمالك ومن يقوله وسيأتي في موضعه إن شاء الله.
* وفيه: جواز البول قائمًا.
* وفيه: جواز قرب الإنسان من البائل.
* وفيه: جواز طلب البائل من صاحبه الذي يدل عليه القرب منه ليستره.
* وفيه: استحباب الستر.
* وفيه: جواز البول بقرب الديار.
* وفيه: غير ذلك. انتهى ما ذكره.
قلت: وفيه أيضًا: كراهة مدافعة البول لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بال في السباطة قائمًا ولم يؤخره.
ومما يستفاد منه أيضًا كراهة الوسواس، والتنطع في الدين وبيان ذلك: أنَّ مسلمًا أخرج هذا الحديث من طريق، فقال في بعضها: حدثنا يحيى بن يحيى؛ قال: أنا جرير عن منصور، عن أبي وائل، قال: كان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة ويقول: إنَّ بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض،
(1)"شرح النووي" على مسلم (3/ 167).
فقال حذيفة: لوددت أنَّ صاحبكم لا يشدد هذا التشدد؛ ولقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم تتماشى فأتى سباطةً خلفَ حائطٍ، فقام كما يقوم أحدكم؛ قال: فانتبذت منه فأشار إليَّ فجئت فقمت عند عقبيه حتى فرغ (1).
فظهر من هذا أن مقصود حذيفة رضي الله عنه أن هذا التشدد خلاف السنة؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بال قائمًا ولا شكَّ في بول القائم معرضًا للترشيش، ولم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الاحتمال ولم يتكلف البول في قارورة كما فعل أبو موسى.
ومما يستفاد منه أيضًا: أنَّه إذا تعارضت مفسدتان، ولم يمكن دفعهما دفع أعظمهما، أو مصلحتان ولم يمكن الإتيان بهما أتي بأعظمهما، وذلك أنَّ مصلحة تقدم حذيفة لِيستْرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من المارة مرجحة على مصلحة تأخره عنه، لما يقتضيه التأدب معه صلى الله عليه وسلم تعظيم محلِّه من الدنو منه في تلك الحالة، فقُدِّمت المصلحة العظمى، وكذلك تجنب مدافعة البول أهمُّ من تجنب البول في السباطة؛ فروعي الأهم في ذلك.
وقول أبي موسى: "كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه" يعني: الجلود التي كانوا يلبسونها، قاله أبو العباس القرطبي (2)، قال: وقد سمعت بعض أشياخي يحمل هذا على ظاهره ويقول: إن ذلك كان من الإصر الذي حُمِّلوه (3).
قلت: وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الفتح القشيري يذكر ذلك في تعظيم أمر النجاسة مشيرًا إلى المعنى الثاني، والله أعلم.
* * *
(1) مسلم في "صحيحه"(كتاب الطهارة (1/ 227 / 74) باب المسح على الخفين.
(2)
يوجد كلام بالهامش عند قول القرطبي في نسخة ت (ل 43 / ب)"هذا التأويل يرده أن في بعض الروايات. . .".
(3)
"المفهم"(1/ 525).