المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌37 - باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ١

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة الأولى* التعريف بأبي عيسى الترمذي وبمن بيننا وبينه:

- ‌ وأما مَنْ بيننا وبينه:

- ‌المقدمة الثانية* في ذكر كتاب "الجامع" لأبي عيسى وفضله:

- ‌فصل

- ‌1 - كتاب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌1 - باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور

- ‌2 - باب ما جاء في فضل الطهور

- ‌3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور

- ‌4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

- ‌6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

- ‌7 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك

- ‌8 - باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا

- ‌9 - باب الرخصة في ذلك

- ‌10 - باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة

- ‌11 - باب ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين

- ‌12 - باب الاستنجاء بالحجارة

- ‌13 - باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين

- ‌14 - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به

- ‌15 - باب ما جاء في الاستنجاء بالماء

- ‌16 - باب ما جاء أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب حدثنا محمد بن بشار: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حاجته فأبعد في المذهب

- ‌17 - باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل

- ‌18 - باب ما جاء في السواك

- ‌19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن بكار، من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدُكم من اللَّيل فلا يُدخل يده في الإناء حتَّى يُفرغ عليها مرتين أو ثلاثًا، فإنَّه لا يدري أين باتت يده

- ‌20 - باب ما جاء في التسمية عند الوضوء

- ‌21 - باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق

- ‌22 - باب المضمضة والاستنشاقِ من كفٍ واحدٍ

- ‌23 - باب ما جاء في تخليل اللحية

- ‌25 - باب ما جاء أنَّه يبدأ بمؤخَّر الرأسِ

- ‌26 - باب ما جاء أنَّ مسح الرأس مرَّة

- ‌27 - باب ما جاء أنّه يأخذ لرأسه ماءً جديدًا

- ‌28 - باب ما جاء في مسح الأُذُنين ظاهرهما وباطنهما

- ‌29 - باب ما جاء أن الأذنين من الرأس

- ‌30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع

- ‌31 - باب ما جاء ويل للأعقاب من النار

- ‌32 - باب ما جاء في الوضوء مرة مرة

- ‌33 - باب ما جاء الوضوء مرتين مرتين

- ‌34 - باب ما جاء في الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌35 - باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا

- ‌36 - باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثًا

- ‌37 - باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان

- ‌38 - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء

- ‌39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء

- ‌40 - باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء

الفصل: ‌37 - باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان

‌37 - باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان

حدثنا قتيبة وهناد؛ قالا: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي حية؛ قال:"رأيت عليًّا توضأ، فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه مرة، ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1).

قال: وفي الباب عن عثمان، وعبد الله بن زيد، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، والرُّبيِّع، وعبد الله بن أنيس.

حدثنا قتيبة وهناد؛ قالا: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عبد خير: ذكر عن علي مثل حديث أبي حية، إلا أن عبد خير؛ قال: كان إذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربه.

قال أبو عيسى: حديث علي رواه أبو إسحاق الهمداني عن أبي حية، وعبد خير، والحارث عن علي.

وقد رواه زائدة بن قدامة، وغير واحد، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي حديث الوضوء بطوله؛ وهذا حديث حسن صحيح.

قال: وروى شعبة هذا الحديث، عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه، فقال: مالك بن عرفطة.

قال: وروي عن أبي عوانة، عن خالد بن علقمة، عن عبد خير، عن علي.

قال: وروى عن مالك بن عرفطة، مثل رواية شعبة، والصحيح: خالد بن علقمة.

(1) الجامع (1/ 67 - 69).

ص: 420

* الكلام عليه:

قد تقدم هذا الحديث في "الوضوء ثلاثًا ثلاثًا"(1)، من طريق سفيان عن أبي إسحاق، وقال: هو أحسن شيء في الباب وأصح.

وهذه العبارة إن لم يقتضِ التصحيح ولا التحسين فليست مما يردُّ ذلك.

ولم يزد هناك على إيراده من طريق سفيان عن أبي إسحاق، عن أبي حية، ونبَّه هنا على تعداد طرقه، واشتهاره عن علي من غير طريق أبي حية، واشتهاره من غير طريق أبي إسحاق أيضًا، كما ذكر، لكونه صرح بتصحيحه هنا، ولم يصرح به هناك فاحتاج إلى تقويته بالطرق التي ذكرها، وإن كان طريقه أقوى من غيرها، فليس ذلك بمانع من أن يعتضد بما روى.

وقد تقدم عن الدارقطني ترجيح طريق أبي إسحاق، عن أبي حية، عن علي، على غيرها، لكن ترجيحها على غيرها من الطرق التي ذكرها هناك، وقد حكى الترمذي هنا من طرقه ما ليس عند الدارقطني (2).

فإنه سئل عن طريق أبي إسحاق، عن أبي حية، عن علي، وعن أبي إسحاق، عن عبد خير وحده، عن علي.

وعن أبي إسحاق عنهما، عن علي.

وعن أبي إسحاق، عن أبي حية، وعمر روى من غير علي.

وعن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي.

وعن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي.

(1) أي الترمذي كما في الجامع (1/ 63 - 64).

(2)

العلل (4/ 189 - 193).

ص: 421

وعن أبي إسحاق، عمن سمع عليًّا، ولم يسمعه.

وعن أبي إسحاق -مرسلًا-، عن علي.

فقال: وأصحها كلها قول من قال: عن أبي حية، عن علي؛ فالحديث السابق من طريق سفيان، عن أبي إسحاق، أحق بالتصحيح من حديث أبي الأحوص، هذا لسلامته من علة رواية أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، بعد الاختلاط والقصر، وقد تقدم (1).

وأما رواية سفيان عنه، فسليمة من ذلك، وسفيان عندهم أجلُّ أصحاب أبي إسحاق.

وأما الأحاديث التي ذكرها في الباب، فقد تقدمت، وحديث عبد الله بن أنيس، وفي الباب حديث المقدام بن معدي كرب الكِنْدي، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق. ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. أخرجه أبو داود (2).

وحديث معاوية بن أبي سفيان، وقد تقدم في "باب مسح الرأس"، عند أبي داود وغيره.

وحديث ابن أبي أوفى، وتقدم طرف منه في "تخليل اللحية".

وحديث وائل بن حُجر، وقد تقدم من طريق البزار، وحديث أبي كاهل؛ قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ادن مني أريك كيف تتوضأ للصلاة" فقلت: يا رسول الله! لقد أعطانا الله بك خيرًا كثيرًا، فغسل يديه ثلاثًا، وتمضمض واستنشق

(1) العلل للدارقطني (4/ 189 - 193).

(2)

في سننه كتاب الطهارة رقم 121 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 422

ثلاثًا ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح رأسه ولم يوقت، وغسل رجليه ولم يوقت، ثم قال:"يا أبا كاهل! ضع الطهور منك مواضعه، وأبقِ فضل طهورك لأهلك، ولا تشقق على خادمك".

أخرجه الحافظ أبو أحمد بن عدي في كتاب "الكامل"(1): من حديث الهيثم بن جمَّاز بفتح الجيم وتشديد الميم، وآخره زاي معجمة.

وذكر (2) عن يحيى بن معين: تضعيفه (3)، وعن أحمد (4): كان منكر الحديث، ترك حديثه. وحديث لأنس بن مالك: روى الطبراني (5) في "المعجم الأوسط"، من حديث بكار بن سفيان (6): حدثني راشد أبو محمد الحماني؛ قال: رأيت أنس بن مالك بالزاوية فقلت: أخبرني عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان؟ فإنه بلغني أنك كنت تُوضِّئه؛ قال: نعم، فدعا بوضوء، فأتيَ بطستٍ وبقدح نحت كما نحت في أرضه، فوقع بين يديه فأكفأ على يده في الماء، وأنعم غسل كفيه، ثم تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم أخرج يده اليمنى فغسلها ثلاثًا، ثم غسل اليسرى ثلاثًا، ثم مسح برأسه مرة واحدة، غير أنه أمرّهما على أذنيه فمسح عليهما، ثم أدخل رجليه في الماء.

رواه عن إبراهيم بن هاشم البغوي، عن إبراهيم بن الحجاج السامي، عنه.

السامي: بالسين المهملة، الحِمّاني: بكسر الحاء المهملة، وتشديد الميم بعدها نون.

(1) الكامل (7/ 2562).

(2)

أي ابن عدي.

(3)

التاريخ رواية الدوري (2/ 626).

(4)

انظر الجرح والتعديل (9/ 81) رقم 330.

(5)

المعجم الأوسط (3/ 194) رقم 2905.

(6)

العجم الأوسط بكار بن شُقير كما في طبعة عوض، وسُعَيْر كما في طبعة الطحان.

ص: 423

قال أبو حاتم (1): صالح الحديث.

وفيه حديث نفير أبي جبير الكندي: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فغسل يديه حتى أنقاهما، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثًا، ومضمض واستنشق ومسح برأسه، وغسل رجليه.

ورواه ابنُ المقرئ في "كتاب حرملة": عن ابن وهب، حدثني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه: أن أبا جبير الكندي

فذكره.

رويناه من طريق ابن قانع (2): ثنا حسين بن إسحاق التُّستري: ثنا حرملة.

أخبرناه يعقوب بن أحمد بن فضيل الحق -سماعًا-: ثنا عبد اللطيف بن يوسف: ثنا أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف: ثنا الحاجب أبو الحسن العلَّاف: ثنا أبو الحسن علي بن عمر الحماني، عنه.

وهو عند البيهقي من رواية الليث بن سعد، عن معاوية -قرأته على السيدة الأصيلة- مؤنسة خاتون ابنة الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب: أخبرتك الشيخة أم هانئ عتيقة بنت أحمد بن عبد الله الغارفاية -إجازة-: ثنا أبو طاهر عبد الواحد بن أحمد بن محمد الصباح: ثنا أبو نعيم الحافظ: ثنا أبو علي بن الصواف: ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي: ثنا داود بن منصور أبو سليمان المصيصي: ثنا ليث أسنده، وفيه -بعد غسل يديه فأنقاهما ثم تمضمض واستنشق بماءٍ وغسل وجهه وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، وغسل يده اليسرى إلى المرفق ثلاثًا، ومسح برأسه وغسل رجليه (3).

(1)"الجرح والتعديل"(3/ 484 رقم 1287).

(2)

"معجم الصحابة"(3/ 164 رقم 1139).

(3)

"السنن الكبرى"(1/ 46، 47).

ص: 424

فيه: غسل الكفين في أول الوضوء، وهو سنة باتفاق العلماء.

وقوله: "فغسل كفيه حتى أنقاهما"(1)، هذا قدرٌ مشترك بين كيفية غسلهما مجتمعتين أو متفرقتين. والفقهاء اختلفوا أيهما أفضل.

وفي حديث حمران عن عثمان: "فغسلهما ثلاث مرات"(2)، وهو في الصحيحين، وهو مبين لما العمل من العدد في حديث علي هذا وقد اختلفت الآثار في كيفية غسلهما. والحوالة على العدد أو الإنقاء كما سنذكره، وقد ذكرنا حديث الباب في ذلك وحديث حمران عن عثمان، وفي حديث أبي علقمة عن عثمان:"فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما إلى الكوعين".

وفي حديث عبد الله بن زيد من رواية وهيب عند البخاري: "فأكفأ على يده من التور فغسل يده ثلاثًا"(3).

وفي حديث عبد خير عن علي من رواية زائدة بن قدامة عن خالد بن علقمة عنه: "فأخذ بيمينه الإناء فأنقأ على يده اليسرى ثم غسل كفيه، ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه، ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه؛ فغسله ثلاث مرات"(4).

قال عبد خير: كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاث مرات؛ رواه الدارقطني ثم البيهقي (5).

(1) تقدم.

(2)

رواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة (1 /) رقم 109 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم والدارقطني في سننه (1/ 85) برقم 9 والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 47).

(3)

تقدم.

(4)

السنن (1/ 90) برقم 2.

(5)

السنن الكبرى (1/ 47).

ص: 425

وعند الدارقطني أيضًا من حديث: إسحاق بن يحيى عن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه، عن عثمان: أنه توضأ فغسل يديه ثلاثًا كل واحدة منهما

الحديث (1).

إسحاق بن يحيى، قال البخاري: يتكلمون في حفظه (2).

وقال الترمذي: ليس بذاك القوي عندهم وقد تكلموا فيه من قبل حفظه (3).

وقال البزار: قد روى عنه عبد الله بن المبارك وجماعة واحتمل حديثه (4).

وأما غسل الكفين قبل إدخالهما في الإناء فقد سبق في بابه.

وقد اختلفت أحاديث هذا الباب؛ فالعطف في بعض الأعضاء على بعض فيها بلفظة "ثم" التي تقتضي الترتيب وفي بعضهاب "الواو" التي تقتضي التشريك من غير ترتيب وهو موضع اختلف العلماء فيه: هل هو من فروض الوضوء أو من سننه؟ وهل هو جارٍ في جميع الوضوء مفروضة ومسنونة؟ أو هو مطلوب بين المفروضات خاصة؟

• فالمشهور من مذهب مالك أنه سنة وهو رواية المصريين (5).

• وروى علي بن زياد وجوَبه (5).

• وقيل: إنه مستحب؛ ذكره ابن شاس (6).

(1) السنن (1/ 91) برقم 1.

(2)

التاريخ الكبير (1/ 406) برقم 1299 وزاد في الضعفاء (21) برقم 21 يكتب حديثه ط محمود إبراهيم زايد.

(3)

الجامع (5/ 32) تحت رقم 2654.

(4)

كشف الأستار (2/ 125) برقم 1354 وفيه حدث عنه ابن المبارك وغيره وهو لين الحديث.

(5)

التمهيد (2/ 80).

(6)

عقد الجواهر الثمينة (1/ 43).

ص: 426

• وكذلك المحكي عن مذهب أبي حنيفة (1) أنه ليس بواجب، وروى ذلك علي بن أبي طالب وابن عباس ذكره أبو بكر (2) بن أبي شيبة، عن معتمر، عن عوف، عن عبد الله بن عمرو بن هند؛ قال: قال علي: ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت.

وروى أيضًا عن حفص، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد؛ قال: قال علي: ما أبالي بدأت بالشمال قبل اليمين إذا توضأت (3).

قال: حدثنا حفص، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن مجاهد؛ قال: قال عبد الله: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء (4).

وإليه ذهب الأوزاعي (5)، والثوري (6)، والليث (7) بن سعد، والمزني (8)، وداود (9).

وقال بالوجوب قوم؛ منهم: الشافعي (10)، وأحمد (11)، وأبو

(1) البناية في شرح الهداية (1/ 182) وفتح باب العناية بشرح النقاية للقاري (1/ 46).

(2)

المصنف (1/ 39) والأوسط لابن المنذر (1/ 422).

(3)

المصدر السابق.

(4)

المصدر السابق.

(5)

الأوسط لابن المنذر (1/ 422) وانظر فقه الإمام الأوزاعي (1/ 36) برقم 20.

(6)

المصدر السابق وموسوعة فقه سفيان الثوري (246).

(7)

التمهيد (2/ 80).

(8)

المجموع للنووي (1/ 443) والتمهيد (2/ 80).

(9)

المحلى (2/ 66) برقم 206 وانظر التمهيد (2/ 80).

(10)

الأم (1/ 86) ط دار الكتب العلمية تحقيق محمد مطرجي.

(11)

مسائل أحمد لأبي داود (18) برقم 65 ط ابن تيمية تحقيق أبي معاذ طارق بن عوض وفيه سمعت أحمد قيل له: إذا قدم وضوءه بعضه قبل بعض قال: لا يجوز حتى يأتي به على الكتاب والسنة.

وانظر مسائل أحمد لابنه عبد الله (26) برقم 92، 94 ومسائل أحمد لابن هانيء (1/ 15) برقم 79. =

ص: 427

عبيد (1) القاسم بن سلام، وأبو (2) مصعب، وإسحاق (3)، وأبو ثور (4).

وقد خرَّج طائفة من أصحاب أحمد كأبي الخطاب (5) وغيره، رواية عن أحمد كمذهب أبي حنيفة.

فإنه نص فيمن أخَّر المضمضمة والاستنشاق، فغسلهما بعد اليد على روايتين، فطرد هؤلاء الخلاف في سائر الأعضاء. وأما قدماؤهم: فجعلوا النزاع مختصًا بهذين لعدم نص القرآن عليهما، ولحديث جاء فيهما، ولهذا في تسمية كل واحد منهما واجبًا روايتان عن أحمد ذكره الإمام أبو العباس (6) أحمد بن تيمية ولم يرجح طريقي المتقدمين والمتأخرين من أصحابه؛ إلا أنه علل تصرف المتقدمين تعليلًا يسير إلى ترجيحه.

والحديثُ الذي أشار إليه قد تقدَّم فيما ذكرناه من حديث المقدام بن معدي كرب بلفظة "ثمَّ" المقتضية للترتيب فيه جعل المضمضة والاستنشاق بعد غسل الذراعين وبعدهما مسح الرأس كذلك، وهو مخرج عند أبي داود عن أحمد بن حنبل، عن أبي المغيرة، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن

= وعن الإمام أحمد روايتان إحداهما: أنه واجب والثانية: هو سنة انظر الإنصاف (1/ 139) والمغني (1/ 138) والمبدع (1/ 115).

(1)

الأوسط لابن المنذر (1/ 423).

(2)

التمهيد (2/ 80) وحكاه عن أهل المدينة.

(3)

حكى عنه ابن منصور في مسائل أحمد وإسحاق (1/ 3) وانظر الأوسط (1/ 423) والاستذكار (1/ 185).

(4)

الأوسط (1/ 423) والاستذكار (1/ 185) وفقه الإمام أبي ثور (128).

(5)

الانتصار في المسائل الكبار (1/ 265 - 266) وانظر مسائل أحمد لأ بي داود (13 / برقم 38 ط عوض.

(6)

مجموع الفتاوى (21/ 407 - 420).

ص: 428

المقدام (1).

وحريز (2): وثقه أحمد (3)، ويحيى (4)، وأبو حاتم (5).

وعبد الرحمن (6) بن ميسرة: وثقه أحمد (7) بن عبد الله العجلي، وليس غيرهما في إسناده موضع السؤال عنه فلا مانع من الاحتجاج به.

وهو عند الدارقطني (8)؛ من طريق ابن عقيل: أن علي بن المسيب أرسله إلى الربيع بنت معوذ يسألها عن وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه: فيغسل وجهه ثلاثًا، ثم يمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ثم يغسل يديه، ثم يمسح رأسه.

وعنده (9) أيضًا تقديم المضمضة على غسل الوجه، من حديث عثمان، بسند جيد، ولكن بـ "الواو" لا بـ "ثم".

ومن ترك الترتيب ناسيًا ففيه قولان لأصحابنا (10):

(1) السنن كتاب الطهارة برقم 121 باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

انظر ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 289) برقم 1288، وتهذيب الكمال (5/ 568 - 581) برقم 1175 وتهذيب التهذيب (1/ 375 - 377).

(3)

الجرح والتعديل (3/ 289) سؤالات أبي داود للإمام أحمد (261) برقم 290.

(4)

تاريخ ابن معين برواية الدوري (2/ 106) برقم 5125 وكذا تاريخ الدارمي (92) برقم 241.

(5)

الجرح والتعديل (3/ 289).

(6)

انظر ترجمته في الجرح والتعديل (5/ 285) برقم 1362 وتهذيب الكمال (17/ 450، 451) برقم 3973 وتهذيب التهذيب (2/ 558).

(7)

الثقات (2/ 89) برقم 1081.

(8)

السنن (1/ 96) برقم 5.

(9)

أي الدارقطني كما في السنن (1/ 91 - 92) برقم 4.

(10)

انظر فتح العزيز شرح الوجيز (1/ 360) بهامش المجموع.

ص: 429

• الجديد (1): أنه كالعامد لا يعذر.

• والقديم: أنه معذور وأما من راعى الترتيب في المفروض دون المسنون فروينا في الموطأ (2) قال يحيى: سئل مالك عن رجل توضأ فنسي؛ فغسل وجهه قبل أن يمضمض، أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه.

فقال: أما الذي غسل وجهه قبل أن يمضمض؛ فليمضمض ولا يعد غسل وجهه.

وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه؛ فليغسل وجهه، ثم ليعد غسل ذراعيه، حتى يكون غسلهما بعد وجهه، إذا كان ذلك في مكانه، أو بحضرة ذلك.

قال أبو عمر: قوله هذا يدل على أن الترتيب لا يراعى في المسنون مع المفروض، وإنما يراعى في المفروض من الوضوء، قلت: وقوله: "إذا كان ذلك في مكانه، أو بحضرة ذلك"(3)، يقتضي: أن ذلك ليس من قبيل الواجب، كما هو المشهور من مذهبه.

وقد ذكرنا حديث المقدام، والرُّبيِّع وما عن عثمان والرواية عن أحمد في ذلك.

وحجة من لم يوجب الترتيب: أن "الواو" لا تقتضي الترتيب.

قال أبو عمر: وقد روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود أنهما قالا: ما أبالي بأي الأعضاء بدأت إذا أتممت وضوئي. وهم أهل اللسان.

قلت: أما قول أبي عمر: عبد الله بن مسعود، قد تقدم فيما ذكرناه الخبر

(1) الأم (1/ 30) باب تقديم الوضوء ومتابعته.

(2)

(1/ 20) برقم 7.

(3)

الموطأ (1/ 53) برقم 38 ورواه عن مالك أبو مصعب الزهري (48) وسويد بن سعيد (24).

ص: 430

بذلك، عن علي وابن عباس، من طريق ابن أبي شيبة (1).

وليس فيه أكثر من: مجاهد عن عبد الله، والظاهر: أنه ابن عباس، كما ذكرنا لا ابن مسعود.

وكذلك فهمه بعض أهل العلم، وفسره به، وقومه (2) ذلك رواية مجاهد عنه.

وقد تعرض أبو عمر لرد هذا الأثر، بالانقطاع بين مجاهد وابن مسعود، بناء على ما ذكر، والظاهر غيره (3).

ولو كان أبو عمر أورد الخبر عن ابن مسعود، من غير طريق مجاهد، لكان الحمل على أنه روي في ذلك عن ابن مسعود وابن عباس معًا (4).

وأما مجاهد عن عبد الله، فتفسيره بابن عباس أولى، والله أعلم.

وأما من ذهب إلى الترتيب، فقال: الواو توجب الجمع، والرتبة معًا، كذلك هو عند أهل الكوفة، الكسائي، والفراء، وهشام، ومعاوية، ومن ذهب مذهبهم.

قالوا: وذلك زيادة في فائدة الخطاب، في قول القائل: أعط زيدًا وعمرًا.

قالوا: ولو كانت الواو توجب الرتبة أحيانًا، كما قال:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} ، ولا توجبها أحيانًا، كما قال:{وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} ، لكان في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بيانًا لمراد الله عز وجل من ذلك، لأنه لم يتوضأ قط منذ افترض الله عليه الوضوء، إلا على نسق (5).

فصار ذلك فرضًا، كما كان بيانه لعدد ركعات الصلوات ومقادير الركعات

(1) التمهيد (2/ 81).

(2)

في ت: كأنها قدمه.

(3)

المصنف (1/ 39).

(4)

التمهيد (2/ 83).

(5)

التمهيد (2/ 86) و (2/ 82).

ص: 431

فرضًا (1).

واحتجوا أيضًا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر في الحج من قوله: "ابدأوا بما بدأ الله به"، حين بدأ بالصفا.

وحديث جابر عند مسلم (2).

وقد روي بصيغة الخبر، وبصيغة الأمر:"نبدأ" أو "أبدأ"، وروي:"ابدأوا" عند النسائي (3).

وكذا رواه الطبراني عند البيهقي بما روى مسلم (4)، من حديث عدي بن حاتم (5): أن رجلًا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم (6)، فقال: من يطع الله وسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى (7)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله"(8).

فتعلق به من زعم أن الواو تقتضي الترتيب.

(1) قارنه بما في التمهيد (2/ 80 فما بعدها) فكأن المصنف ينقل عنه مع تصرف يسير.

(2)

صحيح مسلم كتاب الحج (2/ 886 - 892) برقم 1218 باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

رواه النسائي في سننه كتاب المناسك (5/ 264) برقم 2969 ذكر الصفا والمروة، والترمذي في سننه كتاب الحج (3/ 216) برقم 862 باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة، وأبو داود في سننه كتاب المناسك (2 /) برقم 1905 باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه في سننه كتاب المناسك (2/ 1023) برقم 3074 باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

مسلم في صحيحه كتاب الحج (2/ 888) برقم 1218 باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(5)

في السنن الكبرى (2/ 413) برقم 3968 كتاب الحج باب الدعاء على الصفا.

(6)

المعجم الكبير (17/ 98) برقم 234 و 235.

(7)

السنن الكبرى (3/ 216).

(8)

في صحيحه كتاب الجمعة (2/ 594) برقم 870 باب تخفيف الصلاة والخطبة.

ص: 432

قالوا: ومن الدليل على ذلك: دخول المسح بين الغسلين، لأنه لو قدَّم ذكر الرجلين، وأخر مسح الرأس لما فهم المراد من تقديم المسح، فأدخل المسح بين الغسلين، ليعلم أنه قدم على الرجلين، ليثبت بذلك الرأس قبل الرجلين، ولولا ذلك لقال: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم. وما معناه أنهم أجمعوا على إجزاء الوضوء المرتب واختلفوا في غير المرتب (1).

فالمرتب مجمع عليه بيقين، والعمل بما أجمعوا عليه أولى من العمل بما اختلفوا فيه.

ذكر معناه أبو عمر.

قلت: أما الأولوية فلا نزاع فيها، والأولى أن يلزم بهذا من انتحل مذهب مالك، إذ من قواعدهم مراعاة الخلاف، وأما الواو: فلا يتأتى الترتيب، حتى يقع التعارض بينهما وبين "ثم" التي تقتضيه.

وقد جاء الوضوء به منسوبًا بلفظة "ثم" المقتضية للترتيب، في غير حديث من الأحاديث الصحيحة، من ذلك: حديث عثمان، وحديث عمرو بن عبسة، وكلاهما عند مسلم (2).

وقد توضأ عليه السلام وضوءً مرتبًا، وقال:"هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به"(3).

وأما اقتضاء الواو الترتيب؛ فقد نقل عن ابن عباس في المشي إلى بيت الله، قوله: أن لا أكون مشيت لأني سمعت الله يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} ،

(1) التمهيد (2/ 86 - 89).

(2)

سبق تخريجها.

(3)

انظر التمهيد (2/ 83 - 84).

ص: 433

فبدأ بالرجال.

وروى عن عمر أنه سمع عبد بني الحسحاس ينشد:

عميرة ودع أن تجهزت غاديًا

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا

فقال عمر: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك، فهذا عن ابن عباس وعمر وهما هما، فلم يبقى في ذلك أكثر من الإجمال في "الواو" الواقعة في كتاب الله تعالى.

وهو مفسر بما جاء في السنة من ذلك قولًا وعملًا، كما تقدم.

وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في في بيان الواجب المجمل، محمولة على الواجب، وليس الإجمال في كل أعضاء الوضوء في القرآن.

فالبداءة فيه عند إرادة القيام لغسل الوجه، بالفاء المقتضية للتعقيب والترتيب، وعليه فحملها في الأمر والخبر والجزاء، ولا فرق، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءًا منكسًا، ولو كان لنقل، ولو لبيان الجواز، والله أعلم (1).

وأما إذا خالف المتوضئ؛ فتوضأ منكسًا.

قال أبو الحسن الماوردي: أجزأ منه غسل وجهه، وعليه أن يعيد غسل ما بعده.

فلو نكس وضوءه أربع مرات، حصل له منها وضوء واحد كامل، لأنه يعيد في المرة الأولى بالوجه، وفي الثانية بالذراعين، وفي الثالثة بالرأس، وفي الرابعة بالرجلين، ولو رتب الوجه والذراعين وقدم له

على الرأس

غسل الرجلين

(2) فلم يعرفه استأنف وضوءًا. لجواز أن يكون المتروك غسل وجهه، ولا

(1) الحاوي الكبير (1/ 142).

(2)

كذا ظهر لنا من هامش المخطوط.

ص: 434

يجوز أن يجتهد كما لو يجوز أن يجتهد في عدد ما صلى، إذا شك، فلو ترك المتوضئ موضعًا من وجهه، غسله وأعاد غسل ما بعد الوجه، ليكون بعد كمال غسل الوجه، فلو لم يعرف ذلك الموضع من وجهه؟ استأنف جميع وضوئه.

وأما تقديم اليسرى على اليمنى: فمجزئ، قاله الشافعي (1)، وقال الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب -في "الحاوي" (2) بعد كلام له-: فحصل من هذا أن أعضاء الوضوء تنقسم ثلاثة أقسام:

* قسم: يكون الترتيب فيه واجبًا، وهو الأعضاء الأربعة، يعني: المفروضة.

* وقسم: يكون الترتيب فيه مسنونًا، وهو تقديم اليمنى على اليسرى.

* وقسم: مختلف فيه؛ وهو الأعضاء المسنونة، في وجوب الترتيب فيه وجهان.

وأما الموالاة: فقال الشافعي (3): إن فرق وضوءه، وغسله أجزأه، واحتج في ذلك: بابن عمر أعلم أن الموالاة في الوضوء أفضل ومتابعة الأعضاء أكمل انقيادًا، لما يقتضيه الأمر من التعجيل، واتباعًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن فرق فالتفريق ضربان: قريب وبعيد.

فالقريب: معفو عنه، ولا تأثير له في الوضوء وحَده، ما لم يجف الأعضاء، مع اعتدال الهواء في غير حر، ولا برد، ولا حر مشتد، وليس الجفاف معتبرًا، وإنما زمانه هو المعتبر.

فأما البعيد: فهو أن يمضي زمان الجفاف في اعتدال الهواء، ففيه قولان:

(1) الأم (1/ 78) ط دار الكتب العلمية تحقيق محمود مطرجي وانظر الحاوي الكبير (1/ 143).

(2)

الحاوي الكبير (1/ 143).

(3)

الحاوي الكبير (1/ 136).

ص: 435

وبه قال في القديم أنه غير جائز، والوضوء معه غير صحيح.

وبه قال عمر بن الخطاب والأوزاعي وأحمد.

والقول الثاني: وبه قال في الجديد أنه جائز، والوضوء معه صحيح، وبه قال عبد الله بن عمر والحسن وسعيد بن المسيب والثوري وأبو حنيفة.

وقال مالك والليث بن سعد: إن فرقه بعذر؛ جاز، وإن فرقه بغير عذر؛ لم يجز.

ووجه القول الأول -أنه لا يجوز: أن مطلق أمر الله تعالى بالوضوء فقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} الآية، يقتضي الفور والتعجيل، وذلك يمنع من التأجيل.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ على الولاء، ثم قال:"هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به"(1)؛ يعني: إلا بمثله في الموالاة.

وروى قتادة عن أنس: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد توضأ، وترك على قدميه مثل موضع الظفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ارجع فأحسن وضوءك"(2).

ولأنها عبادة، يرجع في حال العذر إلى شرطها، فوجب أن تكون الموالاة من شرطها كالصلاة.

ووجه قوله في "الجديد" بأنه يجوز هذا التفريق: هو أن لا يمنع من امتثال

(1) رواه ابن ماجه في سننه (1/ 145) برقم 419 كتاب الطهارة وسننها باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا.

(2)

رواه أحمد في مسنده (3/ 146) وأبو داود في سننه كتاب الطهارة برقم 173 باب تفريق الوضوء، وابن ماجه في سنته كتاب الطهارة (1/ 218) برقم 665 باب من توضأ فترك موضعًا لم يصبه الماء.

ص: 436

الأمر، في قوله:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ؛ فوجب أن لا يمنع من الإجزاء، فإن قيل: الأوامر تقتضي الفور.

قيل: فيه بين أصحابنا خلاف.

وروى نافع عن ابن عمر: أنه توضأ في منزله، وفي رجليه خفاف، فلم يمسح عليهما، حتى خرج إلى المسجد، فحضرت جنازة، فدعا بماء، فمسح على خفيه، وذلك بالمدينة فلم ينكر عليه أحد.

ولأنه تفريق في تطهير، فجاز كالتفريق اليسير.

ولأن كل عبادة جاز فيها التفريق اليسير، جاز الكثير، كالحج طردًا والصلاة عكسًا، هذا عن أبي الحسن الماوردي (1). وقد استدل بعض أهل العلم، على جواز التفريق، بحديث رواه من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي سلمة وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة، بدأ فيغسل يديه ثلاثًا، ثم يأخذ بيمينه فيصب على يساره، فيغسل فرجه حتى ينقيه، ثم يغسل يديه غسلًا حسنًا، ثم يمضمض ثلاثًا، ثم يستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويغسل ذراعيه ثلاثًا، ثم يصب على رأسه ثلاثًا، ثم يغسل جسده غسلًا، فإذا خرج من مغتسله غسل رجليه (2).

قال (3): إذا جاز أن يجعل بين وضوءه، وغسله، وبين تمام ذلك بغسل رجليه، مهلة خروجه عن مغتسله، فالتفريق جائز.

وذهب عبد العزيز بن أبي سلمة إلى أن الموالاة فرض؛ قال أبو (4) محمد بن

(1) الحاوي الكبير (1/ 136 - 137).

(2)

رواه أحمد في مسنده (6/ 96).

(3)

لم أقف على اسم القائل.

(4)

سبقت ترجمته.

ص: 437

الفرس: وعلى هذا يحمل جماعة من المتأخرين مذهب مالك.

وقيل: هو سنة، وهو المشهور من مذهب مالك.

وقيل: فرض في المغسول، سنة في الممسوح، وهو قول مطرف، وابن الماجشون، وروايته عن مالك؛ وفيه: الشرب من فضل الوضوء.

وعند النسائي (1) في حديث أبي حية هذا: ثم قام فشرب فضل وضوءه، وقال: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنعت.

وترجم النسائي (2) على "باب الانتفاع بفضل الوضوء"؛ ثم تلاه بحديث أبي جحيفة الذي فيه: وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدروه الناس، فنلت منه شيئًا.

ثم أتبعه بحديث جابر، الذي فيه: فصب عليّ وضوءه.

وفي حديث أبي حية عند أحمد بن عبيد، في كلام ذكره: قال: كان إذا فرغ من طهوره، أخذ بكفه من فضلة طهوره، فشربه (3).

وأما ما روي عن محمد بن إسحاق العكاشي، عن الأوزاعي، عن مكحول، والقاسم بن مخيمرة، وعبدة بن أبي لبابة، وحسان بن عطية جميعًا: أنهم سمعوا أبا أمامة، وعبد الله بن بسر، وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الشرب من فضل وضوء المؤمن، فيه شفاء من سبعين داء، أدناها الهم"؛ فحديث لا يصح.

(1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 93 - 94) برقم 136 باب الانتفاع بفضل الوضوء.

(2)

المصدر السابق.

(3)

رواه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده كما في الإمام لابن دقيق العيد (2/ 74) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 75) وفي لفظه بعض اختلاف.

ص: 438

والعُكَّاشي: كذبه يحيى (1) بن معين.

وقال ابن عدي (2): يروى عن الأوزاعي أحاديث مناكير موضوعة.

وفيه الوضوء للتعليم.

قال أبو العباس (3) القرطبي: ووضوء المعلم للوضوء: إذا نوى به رفع الحدث، أجزأه، فإن لم ينو، لم يجزئه، عند من يشترط النية وكذلك المتعلم.

* * *

(1) الضعفاء للعقيلي (4/ 29).

(2)

الكامل (6/ 2176) ووقع في المطبوع روى عنه الأوزاعي وهي على الصواب كما في المخطوط (ل 787 / أ) والسياق يختلف نوعًا ما وما ذكره ابن الجوزي عن ابن عدي في الضعفاء (3/ 40) برقم 2880 هو الموافق.

(3)

المفهم (1/ 484).

ص: 439