الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: الأذان
صفة الأذان
249 -
قوله: (أما تثنية التكبير في أوله على مذهب أهل الحجاز فروي من طرق صحاح عن أبي محذورة، وعبد الله بن زيد الأنصاري).
قلت: في قوله وعبد الله بن زيد نظر، فإن التثنية لا تكاد تصح عن عبد الله بن زيد بل هي باطلة عنه لأنها إنما وقعت غلطًا من بعض الرواة، فكيف تكون واردة عنه من طرق صحاح، وذلك أن الحديث ورد عنه من رواية ابن أبي ليلى عنه، أو عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ومن رواية ابنه محمَّد عنه ومن رواية سعيد بن المسيب عنه، وهؤلاء كلهم رووه عنه بتربيع التكبير، إلا أن سعيد بن المسيب رواه عنه الزهريّ، واختلف
أصحاب الزهريّ عنه في التكبير، فمحمد بن إسحاق وجماعة رووه عن الزهريّ بتربيع التكبير.
ورواه معمر ويونس عن الزهريّ بتثنيته على ما ذكره أبو داود ولم أجده مسندًا إلا من رواية يونس عند البيهقي، وذلك إنما ينشأ من اختصار الرواة وسهوهم عن ذكر التربيع، كما وقع في "صحيح مسلم"، في حديث أبي محذورة كما سيأتي، وكما وقع للبيهقي في هذا الحديث أيضًا، فإِنه رواه من طريق عبيد الله بن سعد الزهريّ، عن عمه يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه بذكر التربيع، ثم رواه من طريق أحمد بن حنبل، عن يعقوب بن إبراهيم وقال:(فذكره بإسناده مثله، إلا إنه ذكر التكبير في صدر الأذان مرتين -قال- وكذلك ذكر محمَّد بن سلمة، عن أبي إسحاق) اهـ. مع أن هذا الحديث في "مسند" أحمد، عن يعقوب بن إبراهيم بذكر التربيع أيضًا، فأما أن يكون السهو حصل، من البيهقي أو من بعض نسخ "المسند".
وكذلك رواية محمَّد بن سلمة، عن أبي إسحاق، هي عند ابن ماجه بتربيع التكبير أيضًا فهي مما وقع فيه السهو للبيهقي أو بغيره من الرواة وما عدا هذا فالروايات
متفقة على التربيع، عن عبد الله بن زيد، فما خالفها فهو ضعيف ناشيء عن سهو أو غلط.
وأما أبو محذورة فوردت التثنية عنه من طرق صحيحة في الظاهر إلا أن جميعها معلول لأنها غلط من بعض الرواة فالتثنية عنه أيضًا باطلة، وذلك أنها وردت من طرق:
• الطريق الأول: رواه مسلم عن أبي غَسَّان المِسْمَعِيّ، وَإِسْحاقَ بَنِ راهَويه، كلاهما عن مُعَاذ بن هشام، عن أبيه، عن عَامِرٍ الأحول، عنَ مَكْحُولٍ، عن عبد الله بن مُحَيْرِيز، عن أبي مَحْذُورَةَ:"أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان: اللهُ أكبْرُ اللهُ أكْبَر أشهدُ أن لا إله إلا الله" الحديث. وهو غلط من بعض رواة الصحيح، عن مسلم لأن نسخه تختلف، ففي بعضها هكذا، وفي بعضها بالتربيع، وهي رواية بعض طرق الفارسي، كما حكاه القاضي عياض، قال ابن القطان: وهي التي ينبغي أن تعد في "الصحيح".
قلت: وسواها باطل لأمور:
(أحدها) أن البيهقي خرّج الحديث من طريق الحسن بن محمَّد بن زياد، ثنا عبد الله بن سعيد، ثنا معاذ بن هشام به بالتربيع ثم قال:(رواه مسلم بن الحجاج في "الصحيح"، عن إسحاق بن إبراهيم، عن معاذ بن هشام)، فدل على أن ذلك هو النسخة الصحيحة.
(ثانيها): النسائي، رواه عن إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه شيخ مسلم -
فيه عن معاذ بن هشام، بالتربيع أيضًا.
وقال أبو عوانة في "مستخرجه" على "صحيح مسلم"(ثنا محمَّد بن حيويه أنبأنا علي بن المديني، ثنا معاذ بن هشام به بالتربيع أيضًا). فهذا إسحاق بن راهويه وابن المديني، وعبد الله بن سعيد، اتفقوا على روايته عن معاذ بن هشام بالتربيع فدل على أن روايته التي في صحيح مسلم كذلك هي بالتربيع.
(ثالثها): أن همام بن يحيى رواه عن عامر الأحول شيخ معاذ بن هشام فيه بالتربيع أيضًا، رواه عن همام أبو داود الطيالسي في "مسنده"؛ وعبد الصمد بن عبد الوارث في "مسند" أحمد. وسعيد بن عامر عند الدارمي وأبي داود وأبي عوانة حجاج عند الدارمي وأبي داود أيضًا وعبد الله بن المبارك عند النسائي. وعفان عند أبي داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن
الجارود، وأبي عوانة، والطحاوي وأبو عمر الحوضي عند الطحاوي، وعبد الملك بن أيمن -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"؛ وأبو الوليد الطيالسي عند الدارمي، وأبي عوانة، والطحاوي. وموسى ابن داود عند أبي عوانه. والعباس بن الفضل عند الحارث بن أبي أسامة، وأبي نعيم في "الحلية"، أكثرهم بلفظ الله أكبر أربع مرات، وأقلهم بلفظ الأذان تسع عشرة كلمة، فبطل هذا الطريق المخرج في الصحيح، واتضح أنه خطأ بيقين، وأن الصحيح فيه التربيع.
• الطريق الثاني: رواه أحمد عن سريج بن النعمان، ثنا الحارث، عن محمَّد بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه عن جده قال:"قلت يا رسول الله: علمني سنة الأذان، فمسح بمقدم رأسي وقال: قل الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول أشهد أن لا إله إلَّا الله" الحديث. وهذا غلط أيضًا يقطع النظر، عن ضعف الإِسناد.
فقد رواه أبو داود، والبيهقي من طريقه عن مسدد ثنا الحارث بن عبيد، به، وفيه:"فمسح مقدم رأسه وقال: تقول الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر" هكذا أربع مرات ومسدّد أحفظ من سريج بن النعمان وأوعي فقوله الصواب.
• الطريق الثالث: رواه أحمد عن محمَّد بن زكريا عن ابن جريج، قال: أخبرني عثمان بن السائب عن أم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة بالتثنية في التكبير.
وهكذا رواه الطحاوي في "معاني الآثار" قال: حدثنا علي بن معبد، وعلي بن شيبة قالا: حدثنا روح بن عبادة وحدثنا أبو بكرة ثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج، أخبرني عثمان بن السائب: قال أبو عاصم في حديثه: أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة. وقال روح في حديثه عن أم عبد الملك به مثله. وهذا غلط أيضًا، فإن عبد الرزاق رواه عن ابن جريج بهذا السند بتربيع التكبير، وعن عبد الرزاق رواه أحمد، ومن طريق عبد الرزاق أيضًا رواه أبو داود، والدارقطني.
وهكذا قال حجاج عن ابن جريج بالتربيع أيضًا أخرجه النسائي، والدارقطني. بل هكذا رواه أبو داود عن الحسن بن علي، عن أبي عاصم نفسه عن ابن جريج بالتربيع، وستأتي رواية روح بن عبادة عن ابن جريج بالتربيع أيضًا فلم يبق إلا محمَّد بن زكريا، وهو ضعيف متروك مضطرب الحديث.
• الطريق الرابع: رواه أحمد عن روح بن عبادة، ومحمد بن بكر، كلاهما عن ابن جريج قال: أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، أن عبد الله بن محيريز أخبره وكان يتيمًا في حجر أبي محذورة عن أبي محذورة فذكر الحديث بتثنية التكبير، وهو أيضًا غلط أو تساهل من الرواة.
فقد رواه حجاج عن ابن جريج بالسند المذكور بالتربيع، كما رواه النسائي والدارقطني، من طريق العباس بن محمَّد، وأبي أمية، ومحمد بن إسحاق وغيرهم قالوا: حدثنا روح عن ابن جريج به بالتربيع أيضًا.
وكذلك رواه مسلم بن خالد عن ابن جريج، رواه عنه الشافعي، ومن طريقه
رواه الدارقطني والبيهقي.
• الطريق الخامس: رواه النسائي، أخبرنا بشر بن معاذ قال: حدثني إبراهيم وهو ابن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: حدثني أبي عبد العزيز وجدي عبد الملك عن أبي محذورة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقعده فألقى عليه الأذان" فذكره بتثنية التكبير وهو غلط أيضًا.
فإن الحميدي رواه في "مسنده" عن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك المذكور عن جده عبد الملك عن أبيه أبي محذورة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى هذا الأذان عليه" فذكر التكبير في صدره أربع مرات. ومن طريق الحميدي رواه الدارقطني، والبيهقي.
وقال الإِمام الشافعي: (فأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز، وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز، عن أبي محذورة، عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ما حكى ابن جريج) يعني بالتربيع.
قلت: وكذلك رواه سميه وابن عمه إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت جدي عبد الملك يذكر أنه سمع أبا محذورة يقول: ألقى عليَّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفًا حرفًا. الله أكبر الله أكبر أربع مرات، رواه أبو داود عن النفيلي عنه.
• الطريق السادس: رواه أبو داود ثنا محمَّد بن داود الإسكندراني، ثنا زياد بن يونس، عن نافع بن عمر الجمحي، عن عبد الملك بن أبي محذورة أخبره عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة بالأذان، وفيه التكبير مرتين، وهو وهم أيضًا لأنه سبق من طرق متعددة، عن عبد الملك بن أبي محذورة، وعن عبد الله بن محيريز بالتربيع، وأيد كل هذا العمل المتوارث بمكة بين ذرية أبي محذورة وهو تربيع التكبير في الأذان مع اللفظ المروي عنه من طرق صحيحة، "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة" فإِن هذا مع العمل المتوارث قاطع لكل نزاع حاكم على ما خالفه بالوهم والفساد والبطلان المحقق، ومما يزيد هذا الوجه وضوحًا أعني كونه غلطًا من الرواة، ما رواه أحمد عن عفان، ثنا همام، ثنا عامر الأحول، ثني مكحول، أن عبد الله بن محيريز حدثه أن أبا محذورة حدثه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشر كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة. الأذان الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا الله"، الحديث. فذكر التكبير مرتين فقط مع أنه قال تسع عشرة كلمة، وذلك يقضي أنه لابد أن يكون التكبير أربع مرات ثم رواه أحمد في موضع آخر، عن عبد الصمد، عن همام، فأتى به على الصواب، قال أو لا تسع عشرة كلمة، ثم لما فسره ذكر:"الله أكبر" أربع مرات.
فائدة: روى البيهقي من طريق محمَّد بن نصر، ثنا أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس عن السنّة من الأذان فقال. . . . أذن سعد القرظ في هذا المسجد في زمان عمر بن الخطاب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فيه، فلم ينكره أحد منهم، فكان سعد وبنوه يؤذنون بأذانه إلى اليوم، ولو كان وال يسمع مني لرأيت أن يجمع هذه الأمة على أذانهم، فقيل، لمالك: فكيف كان أذانهم؟ قال يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر. . . ." فذكر الأذان هكذا بالتربيع والترجيع ثم قال: والإِقامة مرة مرة قال محمَّد بن نصر: فأرى فقهاء أصحاب الحديث قد أجمعوا على إفراد الإِقامة واختلفوا في الأذان، فاختار بعضهم أذان أبي محذورة منهم مالك بن أنس والشافعي وأصحابهما. واختار جماعة منهم أذان عبد الله بن زيد) اهـ.
فهذا يؤيد أيضًا الأذان مربع التكبير من رواية أبي محذورة، ومن رواية سعد القرظ وبه أخذ مالك كما إنه مربع أيضًا من رواية عبد الله بن زيد كما سبق ويأتي وإنما الخلاف بين عبد الله بن زيد وأبي محذورة في الترجيع، ففي أذان أبي محذورة وسعد القرظ الترجيح، دون أذان عبد الله بن زيد وبلال فيما قيل، لكنه ورد في حديث بلال كما سيأتي سند ضعيف.
250 -
قوله: (وتر بيعه أيضًا مروي عن أبي محذورة من طرق أخرى وعن عبد الله بن زيد).
قلت: وهذا هو الصحيح عنهما معًا، أما الطرق عن أبي محذورة فتقدمت في الذي قبله.
وأما عبد الله بن زيد: فرواه أحمد، والدارمي، وأبو داود، وابن ماجه، وابن الجارود، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم من حديث محمدُ بنُ إسْحَاقَ قال: حدثني محمَّد بن إبراهيم بن الحَارِثِ التيْمِي، عن محمَّد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه قال: "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس في الجمع
للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده فقلت له: يا عبد الله، أتبيع الناقوس قال ما تصنع به قال: فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك، قال: فقلت له: بلى قال: تقول الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر". هكذا أربع مرات؛ وذكر بقية الأذان.
وأسند البيهقي عن محمَّد بن يحيى الذهلي قال: (ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان خبر أصح من هذا .. لأن محمدًا سمع من أبيه. . . . وفي كتاب "العلل" لأبي عيسى الترمذي قال: سألت محمَّد بن إسماعيل البخاري، عن هذا الحديث فقال: (هو عندي صحيح).
طريق أخر: رواه أحمد، والبيهقي، من طريق الزهريّ، عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد مثله أيضًا.
وقال الحاكم في ترجمة عبد الله بن زيد: (هو الذي أرِيَ الأذان الذي تداوله فقهاء الإِسلام بالقبول. . . . قال: وأمثل الروايات فيه رواية سعيد بن المسيّب وقد توهم بعض أئمتنا أن سعيدًا لم يلحق عبد الله بن زيد، وليس كذلك فإن سعيد بن المسيّب كان فيمن يدخل بين علي وبين عثمان في التوسط وإنما توفي عبد الله بن زيد في أواخر خلافة عثمان، قال: وحديث الزهريّ عن سعيد بن المسيب مشهور، رواه يونس بن يزيد، ومعمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن إسحاق وغيرهم).
251 -
قوله: (وأما الترجيح الذي اختاره المتأخرون من أصحاب مالك فروي من طريق أبي قدامة: قال أبو عمر: وأبو قدامة عندهم ضعيف).
قلت: هذا غريب جدًا، فإن الترجيح مروي من طرق متعددة صحيحة، سوى طريق أبي قدامة منها.
• طريق عَامِرٍ الأحْوَلِ: عن مَكْحُول، عن عَبْدِ اللُهِ بنِ مُحَيْرِيزٍ، عن أبِي مَحْذورَةَ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذان، الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم يعود فيقول أشهد أن إله إلَّا الله)، الخ الأذان. رواه مسلم، والدارمي، وأبو داود، وابن ماجه، وأبو عوانة، والدراقطني، والبيهقي.
• ومنها طريق ابن جريج: عن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة عن
عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة قال:"ألقى عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التأذين بنفسه فقال: قل الله أكبر وفيه ثم قال لي ارجع امدد من صوتك ثم قال: أشهد أن لا إله إلّا الله" الأذان. رواه الشافعي، وأحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي.
• ومنها طريق ابن جريج أيضًا: عن عثمان بن السائب، عن أبيه وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أحمد، وأبو داود، والبيهقي.
• ومنها طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عَبْدِ المَلِكِ: عن أبيه وجده جميعًا عن أبي مَحْذُورَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بالترجيع، رواه النسائي، والترمذي وقال:(حديث صحيح).
• ومنها طريق إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت جدي عبد الملك عن أبيه أبي محذورة، رواه أبو داود.
• ومنها طريق أبي قدامة المذكور: وهو الحارث بن عبيد، عن محمَّد بن عبد الملك عن أبيه عن جده، رواه أحمد، وأبو داود، والبيهقي، والحارث أبو قدامة ضعفه ابن معين، وقال أحمد:(مضطرب الحديث)؛ وقال أبو حاتم: (ليس بالقوي)؛ وقال ابن مهدي: (كان من شيوخنا، وما رأيت إلا خيرًا أو قال: جيدًا). وقال الساجي: (صدوق عنده مناكير، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: (كان ممن كثر وهمه) واستشهد به البخاري في "صحيحه" متابعة. وما وصف به لا يضرّ في هذا الحديث، لما رأيت من متابعاته الكثيرة على الترجيح فيه والتربيع.
• وفي الباب: عن سعد القَرَظ، أخرجه ابن ماجه، والطبراني، في "الصغير"، والدارقطني، والبيهقي، من حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ، حدثني أبي عن جدي، عن أبيه سعد:"أن بلالًا كان يؤذن ثم يرجع عند الشهادتين"، الحديث. وعبد الرحمن بن سعد ضعفه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات".
* * *
252 -
حديث أبي ليلى وفيه: "أن عبد الله بن زيد رأى في المنام رجلًا قام على جذم حائط وعليه بردان أخضران، فأذن مثنى وأقام مثنى وأنه أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بلال فأذن مثنى وأقام مثنى".
قلت: هكذا قال حديث أبي ليلى، وإنما هو عبد الرحمن بن أبي ليلى
أخرجه أحمد، وأبو داود، والطحاوي، والدراقطني، والبيهقي، وابن حزم. إلا أنه اختلف عليه فيه فرواه أحمد، والدارقطني، من جهة أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل قال:"جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت في النوم كأني مستيقظ أرى رجلًا نزل من السماء عليه بردان أخضران نزل على جذم حائط من المدينة فأذن مثنى مثنى ثم جلس ثم أقام فقال مثنى مثنى، قال: نِعْمَ ما رأيت علِّمْها بلالًا، قال: فقال عمر: قد رأيت مثل ذلك ولكنه سبقني".
ورواه الطحاوي من طريق عبد الله بن داود، عن الأعمش،، عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أن عبد الله بن زيد رأى رجلًا نزل من السماء، الحديث.
ورواه أيضًا من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن
بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحابنا أن عبد الله بن زيد فذكر نحوه.
ورواه أحمد، وأبو داود، والبيهقي، من طريق المسعودي عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل قال:"أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال. . . ." فذكر حديثًا طويلًا وفيه: "ثم أن رجلًا من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم. . . ." الحديث.
ورواه الدارقطني، والبيهقي، من طريق ابن أبي ليلى، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد قال: "كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعًا شفعًا في الأذان والإقامة، قال الدارقطني:(ابن أبي ليلى هو القاضي محمَّد بن عبد الرحمن ضعيف الحديث يسيء الحفظ، وابن أبي ليلى لا يثبت سماعه من عبد الله بن زيد، وقال الأعمش، والمسعودي، عن عمرو بن مرة، عن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل ولا يثبت، والصواب ما رواه الثوري، وشعبة عن عمرو بن مرة، وحسين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى مرسلًا. . . .).
وقال البيهقي: (والحديث مع الاختلاف في إسناده مرسل، لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك معاذًا، ولا عبد الله بن زيد، ولم يسم من حدثه عنهما، ولا عن أحدهما).
قلت: وهذا غريب جدًا من البيهقي فإنه نفسه افتتح الباب بما رواه من
مصنف وكيع، ثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم "أن عبد الله بن زيد الأنصاري؛ جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله. . . ." وذكر الحديث.
وهكذا أخرجه الطحاوي وابن حزم من مصنف وكيع أيضًا فقد صرح ابن أبي ليلى بمن حدثه، وهم جماعة الصحابة الذين لا يضر الجهل بهم، ولهذا قال ابن حزم:(هذا إسناد في غاية الصحة، من إسناد الكوفيين، وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخذ عن مائة وعشرين من الصحابة، وأدرك بلالًا وعمر رضي الله عنهما).
قلت: أدركهما وهو صغير لكنه روى عن علي وسعد، وحذيفة وابن عمر وجماعة. والبيهقي لما لم يدرك المخرج من الحديث، لجأ إلى الطعن فيه بدون حجة، والواقع أن تثنية الإقامة فيه منسوخة بحديث أنس، أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة المذكور بعده كما بيّنه ابن حزم بدليله.
* * *
253 -
حديث أنس: "أُمِرَ بِلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذان وَيُوتِرَ الإقَامَةَ إلَّا: قد قامت الصلاة، فإنه يثنيها".
الطيالسي، وأحمد، والدارمي، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن الجارود، والطحاوي، والدارقطني، والبيهقي، وجماعة منهم الحاكم واستدركه لأنه وقع له بلفظ:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا أن يشفع الأذان، ويوتر الإِقامة" وأكثرهم زاد: "إلا الإِقامة"، وكذا وقع تعيين الأمر عند الدارقطني والبيهقي من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن أيُّوبَ، عن أبي قِلابَةَ، عن أنس.
254 -
قوله: (وخرج مسلم عن أبي محذورة على صفة أذان الحجازيين).
تقدم وفيه بيان بطلان ذلك وأنه من الرواة عن مسلم.
* * *
255 -
: قوله (واختلفوا في قول المؤذن في صلاة الصبح: "الصلاة خير من النوم" إلى أن قال: وسبب اختلافهم هل قيل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو إنما قيل في زمن عمر).
قلت: هذا غريب جدًا فإن قول ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم معلوم مشهور، فروي من أوجه عديدة، وكان ابن رشد غره ما في "موطأ" مالك أنَّهُ بَلَغَهُ: "أنَّ المؤَذِّنَ جاءَ إلى
عُمَرَ بِنِ الخَطّابِ يؤذِنُهُ لِصَلَاةِ الصبْحِ، فَوَجَدَهُ نَائِمًا. فقالَ: الصلاةُ خَيْر مِنَ النوْمِ فَأمَرَهُ عُمَرُ أنْ يَجْعَلَها في نِدَاءِ الصبْحِ".
وقد قال ابن عبد البر: (لا أعلم أحدًا روى هذا عن عمر من وجه يحتج به وتُعْلَمُ صحته، وإنما جاء من حديث هشام بن عروة عنْ رجل يقال له إسماعيل لا أعرفه) قال: والتثويب محفوظ معروف في أذان بلال وأبي محذورة في صلاة الصبح للنبي صلى الله عليه وسلم) اهـ.
قلت: وفي "الآثار" لمحمد بن الحسن أخبرنا أبو حنيفة، عن حماد عن إبراهيم قال: مسألته عن التثويب قال: هو مما أحدثه الناس، وهو حسن مما أحدثوا وذكر أن تثويبهم كان حين يفرغ المؤذن من أذانه، الصلاة خير من النوم.
وكان مراد إبراهيم تثويبًا أحدثه الناس في سائر الصلوات؛ ففي "سنن" أبي داود عن مجاهد قال: (كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج بنا فإن هذه بدعة".
وفي "سنن الترمذي" عن إسحاق بن راهويه (التثويب المكروه شيء أحدثه الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذّن المؤذّن فاستبطأ القومَ قال: بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة، حي على الصلاة حي على الفلاح. قال الترمذي: وهذا الذي قال
إسحاق هو التثويب الذي كرهه أهل العلم. أما قول المؤذن في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم، فهو قول صحيح، ويقال له التثويب أيضًا، وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه). والمقصود أن التثويب في أذان الصبح لم يختلف فيه إنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبأمره لوروده من طرق متعددة من حديث بلال، وأبي محذورة، وعبد الله بن زيد، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعائشة وعبد الله بن بسر، وأبي هريرة، ونعيم بن النحام.
• فحديث بلال: رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، من حديث أبي إسْرَائِيلَ عن الحَكَمِ، عن عَبْدِ الرحْمن بن أبي لَيْلَى عن بِلَالٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَا تَثُوبَنَّ في شَيْءٍ مِن الصّلواتِ إِلَّا في صَلَاةِ الفَجْرِ" وقال الترمذي: (حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسْرَائِيلَ المُلَائِي، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة، إنما رواه عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة وأبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن أبي إسحاق وليس بذلك القوي عند أهل الحديث).
قلت: وهذا غريب من الترمذي فإِن حديث بلال ورد من غير رواية ابن إسرائيل عن الحكم، ومن غير رواية الحكم، عن ابن أبي ليلى ومن غير رواية ابن أبي ليلى عن بلال.
فرواه البيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن شعبة، عن الحكم بن
عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أُمِرَ بلالٌ أن يُثَوِّبَ في صلاة الصبح ولا يُثَوِّبَ في غيرها".
لكن روى أحمد في "مسنده" عن أبي قطن قال: (ذكر رجل لشعبة الحكم عن ابن أبي ليلى عن بلال بالحديث فقال شعبة: والله ما ذكر ابن أبي ليلى ولا ذكر إلا إسنادًا ضعيفًا، أظن شعبة قال: كنت أراه رواه عن عمران بن مسلم).
قلت: قد ورد عن ابن أبي ليلى من غير طريق الحكم. رواه أحمد، والبيهقي كلاهما من طريق علي بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن ابن أبي ليلى، عن بلال.
ورواه الدارقطني، من طريق أبي مسعود عبد الرحمن بن الحسن الزجاج، عن أبي سعيد، هو البقال، عن عبد الرحمن به. قال البيهقي:(وهذا الطريق مرسل لأن عبد الرحمن لم يلق بلالًا).
قلت: قد ورد عنه من طريق من لقيه، فقد رواه ابن ماجه، والبيهقي من طريق الزهريّ، عن سَعِيد بن المُسَيبِ، عن بِلَالٍ: "أنّه أتَى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذِنُهُ بِصَلَاةِ الفَجْرِ، فَقيلَ هُوَ نَاِئمٌ، فقالَ: الصلاةُ خَيْرٌ مِنَ النوْمِ، الصلاة خَيْر من النَوْمِ فَأُقِرَّتْ
في تَأذِينِ الفَجْرِ فَثَبَتَ الأمْرُ عَلَى ذلِكَ".
ورواه البيهقي من طريق الحجاج بن أرطاه، عن طلحة بن مصرف، وزبيد عن سويد بن غفلة، "أن بلالًا كان لا يثوب إلا في الفجر، فكان يقول في أذانه حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم".
ورواه قاسم بن أصبغ من طريق وكيع عن الثوري، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة بنحوه، ومن طريق قاسم أخرجه ابن حزم، وقال:(سويد بن غفلة من أكبر التابعين، قدم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمس ليال، أو نحوها، وأدرك جميع الصحابة الباقين بعد موته عليه الصلاة والسلام).
ورواه الدارمي، والبيهقي، من طريق الزهري، عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن أن سعدًا قال: حدثني أهلي: "أن بلالًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذِنُهُ بصلاة الفجر" نحو ما سبق من رواية ابن المسيب.
• وحديث أبي محذورة: رواه عبد الرزاق، وأحمد، وأبو داود،
والنسائي، والطحاوي، والبيهقي، من رواية ابن جريج، عن عثمان بن السائب، عن أبيه وأم عبد الملك بن أبي محذورة إنهما سمعا من أبي محذورة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان وفيه وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم".
ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن إسماعيل، والدارقطني من طريق عمرو بن قيس، كلاهما عن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"ثَنّ الأولى من الأذان من كل صلاة وقيل في الأولى من صلاة الغداة الصلاة خير من النوم". لفظ عمرو بن قيس. وقال إبراهيم بن إسماعيل بعد حكاية الأذان، وكان يقول في الفجر، الصلاة خير من النوم.
ورواه النسائي، وابن حزم، من طريق الثوري، عن أبي جعفر المؤذن، عن أبي سليمان، عن أبي محذورة.
ورواه الطحاوي، والدارقطني، وأبو نُعَيم في "الحلية" من طريق أبي
بكر بن عياش، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي محذورة قال:"كنت غلامًا صبيًا فأذنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر يوم حُنَيْنٍ، فلما بَلَغْتُ حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحق فيها الصلاة خير من النوم".
• وحديث عبد الله بن زيد: رواه أحمد من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ذكر حديث الأذان وقال في آخره:"فكان بلال يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة قال: فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم فصرخ بلال بأعلى صوته الصلاة خير من النوم. قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر".
• وحديث أنس: رواه الطحاوي، والدارقطني، والبيهقي، من جهة أبي أسامة ثنا ابن عون، عن محمَّد بن سيرين، عن أنس قال:"من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم. . . ." قال البيهقي: (رواه جماعة عن أبي أسامة وهو إسناد صحيح).
• وحديث ابن عمر: رواه ابن ماجة من طريق عَبْدِ الرحْمن بن إسحَاقَ؛ عن الزهْرِي عن سَالِمٍ، عن أبيه، في قصة بدء الأذان، ورؤيا عبد الله بن زيد، وفي آخره
قال الزهريّ: "وزاد بل الذي نداء صلاة الغَداةِ، الصلاةُ خَيْر مِنَ النوْم، فَأقرها رسُول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر يا رسولَ اللهِ: قَدْ رَأيْتُ مِثْلَ الذي رَأى وَلكِنه سَبَقَنِي": فالظاهر أن هذا كله موصول بالسند الأول.
وقد روى الطحاوي والبيهقي من طريق ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر قال:"كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم. . . ." الخ.
• وحديث عائشة، وأبي هريرة: رواهما الطبراني في "الأوسط".
• وحديث عبد الله بن يسر: رواه الطبراني في "الكبير".
• وحديث نعيم بن النحام: رواه البيهقي؛ من طريق الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بن الأنصاري، أن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، حدثه عن نعيم بن النحام قال: كنت مع امرأتي في مرطها في غداة باردة فنادى منادي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح فلما سمعت قلت: لو قال ومن قعد فلا حرج؛ قال: فلما قال الصلاة خير من النوم، قال: ومن قعد فلا حرج".