الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - كتاب الذبائح
الباب الأول: معرفة محل الذبح
1137 -
حديث: "ما قطع من البهيمة وهي حيّة فهو ميتة".
تقدّم في كتاب الطّهارة من النّجس.
1138 -
حديث: "أنّ أمةً لكعب بن مالك كانت ترعى غَنَمًا بِسَلْع فَأصيبت شاةٌ منها فأدركتها فذكّتها بحجر. فَسُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: كلوها". قال ابن رشد: خرجه
البخاري ومسلم.
قلتُ: وليس كذلك فإن مسلمًا لم يخرجه وإنّما أخرجه البخاري وأحمد وابن ماجه وابن الجارود والبيهقي من رواية نافع عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه كانت له غنمٌ ترعى بسلع، فأبصرت جاريةٌ لنا بشاةٍ من غنمنا موتًا فكسرت حجرًا فذبحتها به.
فقال لهم: لا تأكلوا حتّى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أو أرسل إليه فأمره بأكلها. وهو عند ابن ماجه مختصرًا. ورواه مالك في الموطأ عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ أنّ جاريةً لكعب بن مالك كانت ترعى غنمًا فذكره باللّفظ الذي عند ابن رشد. ورواه الحارث بن أبي أسامة وابن الجارود كلاهما من طريق يزيد بن هارون أنا سعيد عن نافع عن ابن عمر أنّ جارية لآل كعب بن مالك. . . الحديث. فهذه أقوال ثلاثة لنافع في سند هذا الحديث ..
1139 -
حديث أبي سعيد قال: سألنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن البقرة أو النّاقة أو الشّاة
ينحرها أحدنا فنجد في بطنها جنينًا أنأكله أو نلقيه؟ فقال: كلوه إن شئتم. قال: "ذكاته ذكاة أمّه". ثمّ قال ابن رشد: وخرّج مثله الترمذي وأبو داود عن جابر، واختلفوا في تصحيح هذا الأثر فلم يصححه بعضهم وصححه بعضهم، وأحد من صّححه الترمذي.
قلتْ: وَهِمَ في عزوه حديث جابر إلى الترمذي فإِنّه لم يخرجه وإنّما خرّج حديث أبي سعيد كما أنّه لم يصحّحه وإنما قال: حديث حسن. وإنّما صحّحه ابن حبّان والحاكم وابن الجارود وغيرهم من المتأخّرين من المحدّثين والفقهاء. وممّن ضعّفه ابن حزم في المحلّى وتبعه عبد الحق في الأحكام وابن القطان وكثير من الحنفية وليس كما قالوا بل الحديث صحيح لكثرة طرقه واعتضادها وشهرة الحديث بين الصحابة والسّلف بل بعض طرقه على انفرادها صحيح أو حسن. منها حديث أبي
سعيد المذكور فقد أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن الجارود والدارقطني والبيهقي كلَّهم من حديث مجالد عن أبي الودّاك عن أبي سعيد حسّنه الترمذي كما سبق، وقال ابن حزم: مجالد وأبو الوّدّاك ضعيفان. وليس كما قال: بالنّسبة لأبي الودّاك، فإِنه ثقة احتجّ به مسلم في صحيحه ووثّقه ابن معين والنَّسائي وابن حبّان وغيرهم ولم يضعفه أحد. فهو ممّا وهم فيه ابن حزم أو ضعّفه لأجل هذا الحديث الذي لم يرق في نظره وهو واهمٌ في ذلك أيضًا. أمّا مجالد فقد ضعّفوه ولكن لم يتّفقوا على ذلك فقد وثّقه جماعة وروى له مسلم في صحيحه مقرونًا بغيره، واتفقوا على أنّه صدوق في نفسه وإنّما ضعفه للوهم وكونه
كان رفاعًا. وهذا قد يضرّ بالحديث لو تفرّد بروايته عن أبي الودّاك وهو لم ينفرد بل تابعه يونس بن أبي إسحاق. قال أحمد: حدَّثنا أبو عبيدة ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي الودّاك جبر بن نوف عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذكاة الجنين ذكاة أمّه". ومن هذا الطريق رواه الدارقطني وصحّحه ابن حِبّان وابن دقيق العيد وهو صحيح لا يشك فيه إلَّا جاهل بالحديث فإِنّ رجاله رجال الصحيح. أبو عبيدة شيخ أحمد هو عبد الواحد بن واصل الحداد ثقة احتجّ به البخاري، وشيخه يونس ابن أبي إسحاق أشهر من أن يعرف به متفق على ثقته، وشيخه أبو الودّاك ثقة احتجّ به مسلم كما سبق فهذا سندٌ على انفراده صحيح لو لم يرد إلّا هو لوجب قبوله والقول به فكيف وللحديث طرق تكاد تبلغ عدد التواتر بل بلغته وزادت على رأي كثير من النّاس ثمّ إن لحديث أبي سعيد مع هذا طريق أخرى من رواية عطية العوفي عنه أخرجها أحمد والطبراني في الصغير والخطيب في التّاريخ وذكرها ابن حزم من رواية وكيع عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد ثمّ قال: ابن أبي ليلى سئ الحفظ وعطيّة هالك. وهذه مجازفة من ابن حزم. وأيّ سوء حفظ يطرأ في مثل هذا الحديث القصير المتن المشهور
سلمنا ذلك فالحديث ورد من غير طريق ابن أبي ليلى. قال الطبراني في الصغير حدَّثنا إبراهيم بن عبد السلام الوشاء البغدادي ثنا دليل بن خالد ابن نجيح المصري ثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة الكوفي ثنا مسعر بن كداء عن عطيّة به. وقال فيه أيضًا ثنا سعدون بن سهيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب العكاوي ثني أبي ثنا شيبان بن عبد الرّحمن أبو معاوية النحوي عن فراس بن يحيى عن عطية العوفي به. وعن الطبراني رواه أبو نعيم في مسند فراس له، فقد زال ما يخاف من سوء حفظ ابن أبي ليلى، وأمّا عطيّة فليس بهالِك كما يقول ابن حزم. وكيف يكون هالكًا من روى له البخاري في الأدب المفرد واحتجّ به أبو داود والترمذي وأحمد في مسنده وقال فيه ابن معين: صالح. وقال أبو زرعة لين. ووثقه ابن سعد. وقال كلٌ من أبي حاتم وابن عدي: هو مع ضعفه يكتب حديثه وهذا لا نعلم يتهم بكذب ولا سوء حفظ وإنما نقلوا عنه التدليس في حكاية ما أراها تصحّ مع الكلبي وقوّى الكلام فيه تشيّعه لعليّ عليه السلام حتى أنه رضي أن تحلقَ لحيته ويضرب أربعمائة سوط دون أن يسب عليًا عليه السلام كما فعل به ذلك بأمر الحجاج. فمن كان هكذا فما هو بهالك في عرف أهل الحديث وإنّما هو هالك في نظر النواصب أعداء الشيعة على أنّنا لو سلّمنا لابن حزم ذلك فهو بمعزل عن الحديث لوروده من الطريق الصحيحة المذكورة قبل هذه التي هي مقوية ومعضدة وشاهدة فقط.
وحديث جابر رواه الدارمي وأبو داود والحاكم وأبو نعيم في الحلية كلّهم من حديث عتّاب بن بشير عن عبيد الله بن أبي زياد القدّاح عن أبي الزّبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذكاة الجنين ذكاة أمّه". وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ورواه الحاكم أيضًا وأبو نُعيم في تاريخ أصبهان والبيهقي من وجه آخر من حديث الحسن بن بشر عن زهير بن معاوية عن أبي الزبير به. ورواه أبو يعلى في مسنده من وجه ثالث من رواية حمّاد بن شعيب عن أبي الزبير به وأعلّ ابن حزم هذا الحديث بقوله: حديث أبي الزبير ما لم يكن عند اللّيث عنه أو لم يقل فيه أبو الزّبير سمعت جابرًا فلم يسمعه من جابر، وهذا من هذا النّمط لا يدري ممن أخذه عن جابر، فهو عن مجهول، ثم لم يأت عن أبي الزبير إلّا من طريق حَمّاد بن شعيب والحسن بن بشر وعتاب بن بشير عن عبيد الله بن أبي زياد القدّاح وكلّهم ضعفاء. وليس الأمر كما قال بالنسبة لغير حَماد بن شعيب فإنّ الحسن بن بشير صدوق من شيوخ البخارى وقد احتجّ به في صحيحه. وقال أبو حاتم: صدوق، ووثّقه مسلمة بن قاسم، وذكره ابن حِبّان في الثّقات، فحديثه على شرط البخاري ولا يلزم من وجود كلام في الراوي أن يكون ضعيفًا على الإطلاق ولا أن يكون جرحه مقبولًا على الإطلاق ما لم تقم الدّلائل على قبول ذلك الجرح وتحقّقه وإلَّا لم يكد يوجد في الدنيا ثقة.
فقبول ابن حزم للجرح دون النظر إلى جانب التعديل والتمييز بين حقّ ذلك وباطله وشديده من ضعيفه؛ ليس مما ينبغي وهو الذي يوقعه في هذه التطرّفات الغريبة، فهذا الطريق أقلّ أحواله أن يكون حسنًا ولابد، وكذلك الطريق الثاني من رواية عتاب بن بشير عن عبيد الله بن أبي زياد، فإِن الحقّ فيه ما قاله الحاكم فعتاب من رجال البخاري ووثّقه ابن معين والدارقطني وابن حبّان، وقال أحمد وابن أبي حاتم وابن عدي: لا بأس به وضعّفه بعضهم من جهة أحاديث منكرة وقعت في مرويّاته واعتذر عنه الآخرون بأنها من قبل شيخه خصيف لا من جهته، وشيخه عبيد الله القداح وثّقه العجلي والحاكم وقال كل من أحمد وابن معين والنسائي، ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ولا المتين هو صالح الحديث يُكتب حديثه يحول من كتاب الضعفاء، وقال ابن عدي: قد حدّث عنه الثقات ولم أر في حديثه شيئًا منكرًا فهذا الطريق أيضًا أقل أحواله أن يكون حسنًا، فإذا انضمّ إلى الذي قبله صار صحيحًا عن أبي الزبير. ثمّ إن له طريقين آخرين عن أبي الزّبير أيضًا لم يرهما ابن حزم. فقد رواه الدارقطني من طريق ابن أبي ليلى، وأبو نُعيم في الحلية من طريق سفيان كلاهما عنه، فلم يبق شك في صحته عن أبي الزّبير. أمّا أبو الزّبير فما ذكره فيه ابن حزم ففيه نوع مغالطة فإنّه ثقة مدلّس كما قال، ولكنّ رواية المدلّس ليس مقطوعًا بأنها جميعها منقطعة، وأنّ كلّ ما رواه بالعنعنة فهو لم يسمعه وهو مّما رواه عن مجهول كما جزم به أبو محمّد بن حزم، بل ذلك محتمل فقط، فيجوز أن يكون دلّسه وأن لا يكون دلّسه، واذا دلّسه فيجوز أن يكون عن ثقة ويجوز أن يكون عن ضعيف، فلا معنى للقطع بأنّه دلّسه وعن مجهول أيضًا لأنَّ المغايرة أن يجزم أيضًا بمقابل ذلك، وأنه لم يدلّسه وأنّه سمعه من جابر حتمًا لأن الأصل عدم التدليس لاسيما من الثقة الذي احتجّ به مسلم في صحيحه فأكثر من إخراج أحاديثه وتصحيحها، فالاعتدال هو الحق المطلوب وهو أَنَّ أبا الزّبير
متى عرف أنّه مدلّس فلا يركن إلى عنعنته حتى يقوم الدّليل على سماعه بتصريحه هو، أو من جهة أخرى أن يشتهر الحديث ويصحّ من طرق أخرى فلا يبقى خوف من تدليسه لأنّ غاية ما يخاف من التدليس أن يكون المدلّس سمعه من كذّاب وخصّه، أو رفعه وهو موقوف فأسقطه وسوّى الحديث فصار صحيحًا ظاهرًا وهو في الواقع باطل لا أصل له، أما مع ثبوت الحديث وصحته من طرق أخرى فالأمر واضح، فلا معنى لردّ حديث المدلّس والقطع بأنّه لا يصلح للاحتجاج بالمرّة لاسيما وفي الباب أيضًا عن جماعة من الصحابة بأسانيد فيها الصحيح أيضًا وفيها الضعيف، فقد ورد أيضًا من حديث ابن عمر وأبي هريرة وكعب بن مالك وأبي ليلى وأبي أيوب الأنصاري وابن مسعود وابن عباس وعليّ وأبي أمامة وأبي الدرداء وعمّار بن ياسر والبراء بن عازب.
فحديث ابن عمر ذكره ابن حزم من طريق أبي حذيفة ثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى قال: ذُكر لي عن ابن عمر عن النّبيَّ صلى الله عليه وسلم "في الجنين إذا أشعر فذكاته ذكاة أُمّه" ثمّ قال ابن حزم: أبو حذيفة ضعيف ومحمد بن مسلم أسقط منه ثمّ هو منقطع. وهذا غلوٌّ وإسراف من أبي محمّد، بل تهجّم يسقط اعتبار قوله بدون تأكّد. فمحّمد بن مسلم علق له البخاري واحتجّ به مسلم ووثّقه ابن معين وأبو داود والعجلي ويعقوب بن سفيان وابن حبّان والسّاجي إلّا أنّ هذين الأخيرين وصفاه مع الصّدق والثقة بأنه يهم وقال ابن عدي: له أحاديث حسان غرائب وهو صالح الحديث لا بأس به ولم أرَ له حديثًا منكرًا، فهل مثل هذا يقال فيه أنه أسقط من أبي حذيفة الضعيف عند ابن حزم وهو بلال الرازي لا كما ظنّ ابن حزم، فقد قال الطبراني في الصغير: ثنا محمَّد بن حسنويه الأصبهاني ثنا أحمد بن الفرات الرازي ثنا هشام بن بلال ثنا محمّد بن مسلم الطائفي عن أيّوب بن موسى عن نافع به، ثمّ قال لم يروه عن
محمد بن مسلم إلّا هشام فظهر أنّه أبو حذيفة المذكور. وقد ذكره ابن أبي حاتم في العلل وقال: سألت أبي عن حديث رواه هشام الرازي عن محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى عن نافع فذكره. قال أبي: هكذا رواه هشام في كتابي عنه، ورواه أبو مسعود بن الفرات عنه كذلك يعني أحمد بن الفرات السابق عند الطبراني، قال: والناس يوقفونه عبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة وغيرهم عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وهو أصحّ فعرف أنّ أبا حذيفة المذكور هو هشام الرازي شيخ أبي حاتم وأبي مسعود بن الفرات الحافظي لا أبو حذيفة البخاري الضعيف، ثمّ إن له طرقًا أخرى؛ فقد أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق عصام بن يوسف ثنا مبارك بن مجاهد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجنين:"ذكاته ذكاة أمّه أشعر أو لم يشعر" قال عبيد الله ولكنّه إذا خرج من بطن أمّه يؤمر بذبحه حتى يخرج الدم من جوفه. قال ابن القطان: وعصام رجلٌ لا يعرف له حال. وقال ابن الجوزي: مبارك بن مجاهد ضعّفه غير واحد.
قلت: أمّا عصام فالأمر فيه بخلاف ما قال ابن القطان فإنّه معروف حدّث عنه عبد الصمد بن سليمان ومعمر بن محمد البلخي وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان صاحب حديث ثبتًا في الرّواية ربّما أخطأ. وقال الخليلي: صدوق، وضعّفه ابن سعد، مات ببلخ سنة خمس عشرة ومائتين، وأمّا مبارك بن مجاهد فإِنهم لم يضعّفوه لكونه متّهمًا في الحديث أو ضعيفًا فيه؛ فقد قال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأسًا وإنَّما ضعّفوه للمذهب، وذلك أنه كان قدريًا وكان أهل الحديث الذين لا علم معهم يضعّفون الراوي بذلك ما لم يشتهر أو تشتدّ الحاجة إليه، فعند ذلك يغمضون العين عن مذهبه
ويصحّحون أحاديثه كما هو الحال في الكثير من رجال الصحيحين المتّفق على ثقتهم كما هو معروف ومع هذا فلم ينفرد بل تابعه عليه أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر، أخرجه الطبراني في الصغير عن أحمد بن يحيى الأنطاكي قرقرة ثنا عبد الله بن نصر الأنطاكي ثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر به، لكن عبد الله بن نصر الأنطاكي ضعيف وللحديث طريق آخر عن نافع أخرجه الحاكم من طريق محمد بن الحسن الواسطي عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر به مرفوعًا "ذكاة الجنين إذا أشعر ذكاة أمّه ولكنّه يذبح حتّى ينصب ما فيه من الدّم". قال الزيلعي: ومحمد بن الحسن الواسطي ذكره ابن حبان في الضّعفاء وروى له هذا الحديث.
قلت: وهذا غريب من الزيلعي دفعه إليه حبّ الانتصار للمذهب وإِلَّا فمحمّد بن الحسن الواسطي المذكور ثقة من رجال الصحيح احتجّ به البخاري ووثّقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود وابن سعد والدارقطني وذكره ابن حبّان في الثّقات وفي الضّعفاء معًا بهذا الحديث، وقال: إنّما هو قول ابن عمر موقوفًا عليه. فأخطأ ابن حبّان في ذلك لأنّه ثقة ولم يرفعه وحده حتى يحكم عليه بالضّعف لذلك، بل قد رفعه جماعة كما سبق، وغاية ما في الأمر أنه عند نافع على الوجهين، فمرّةً كان يرفعه ومرّة كان يوقفه، وقد رواه الدارقطني في غرائب مالك من وجه آخر من رواية أحمد بن عصام الموصلي عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا "ذكاة الجنين ذكاة أمّه"، ثمّ قال الدارقطني: تفرّد برفعه هذا الشيخ وهو في الموطأ موقوف.
قلت: هو كذلك في الموطأ مطوّلًا ولفظه "إذ نُحرت النّاقة فذكاة ما في بطنها
في ذكاتها إذا كان قد تمّ خلقه ونبت شعره، فإذا خرج من بطن أمّه ذُبح حتى يخْرُج الدّم من جوفه". ومالك قد عرف عنه أنه يوقف المرفوع، فكم حديث في الصّحيحين مرفوعًا رواه مالك موقوفًا. وعلى فرض أنّه موقوف فهو مرفوع معنىً لأنَّ هذا على خلاف الأصل ولا يمكن أن يقال من قِبَل الرأي لأنّ الرأي لا يعطي أن ذكاة الأصل تنوب عن ذكاة الفرع لاسيّما إذا أشعر وتمّ خلقه فإِنّه حينئذٍ يكون حيوانًا آخر له حكم نفسه، فلولا أنّ هذا توقيف من الشرع ما قاله أحدٌ عن رأيه.
وحديث أبي هريرة رواه حمزة بن يوسف السّهمي في تاريخ جرجان والحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن جدّه عن أبي هريرة به، وقال الحاكم: صحيع الإِسناد، وتعقبه الذهبي بأنّ عبد الله بن سعيد هالك وله طريق آخر عند الدارقطني من جهة عمر بن قيس عن عمرو بن دينار عن طاوس عن أبي هريرة به وعمر بن قيس المكي ضعيف، وقد أورده الذهبي في ترجمته وقال: إنّه منكر لكنه قال: عن طاوس عن ابن عباس.
وحديث كعب بن مالك رواه الطبراني في الكبير من جهة إسماعيل بن مسلم المكّي عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه. وإِسماعيل بن مسلم ضعيف. وقد رواه سفيان عن الزهريّ عن ابن كعب بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: ذكاة الجنين ذكاة أمّه. وهذا سند صحيح وله حكم الرّفع كما قدّمناه.
وحديث أبي ليلى رواه الطبراني في الأوسط من جهة حليس بن محمد
الكلابي وهو ساقط متهم، لكن له طريق جيد ذكره ابن حزم من طريق ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بزيادة "إذا أشعر" ثمّ قال ابن حزم: ابن أبي ليلى سيء الحفظ ثمّ هو منقطع. وابن أبي ليلى وإن كان سيء الحفظ إلَّا أنّه ثقة. لكن رواه الحاكم من جهة شعبة عنه عن أخيه عن أبي أيوب الأنصاري وقال: ربّما توهم متوهّمٌ أنّه صحيح وليس كذلك.
وحديث أبي أيوب تقدّم في الذي قبله.
وحديث ابن مسعود رواه محمد بن مخلد العطّار في جزئه والدارقطني في السنن من طريق أحمد بن الحجاج بن الصّلت ثنا حسن بن بشر ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال ابن مخلد قال لنا أحمد بن الصّلت أحسبه رفعه قال: "ذكاة الجنين ذكاة أمّه". وأحمد بن الحجاج اتّهمه الذّهبي بوضع حديث في المهدي. وقد صحّ الحديث عن ابن مسعود من قوله: وله حكم الرّفع كما قدّمناه.
وحديث ابن عباس وحديث عليّ رواهما الدارقطني من طريق موسى بن عثمان الكندي عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذكاة الجنين ذكاة أمّه" وعن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وموسى بن عثمان قال ابن القطان: مجهول. وليس كما قال بل هو معروف روى عنه محرز بن هشام وعباد بن يعقوب وعبد الرحمن بن صالح الأزدي، وقال أبو حاتم: متروك،
وقال ابن عدي: حديثه ليس بالمحفهوظ، وقال الذهبي: غال في التّشيّع. قلت: ويأتي لابن عباس قريبًا حديث آخر له حكم الرّفع.
وحديث أبي أمامة وأبي الدرداء رواه أبو عمرو بن حمدان في فوائد الحاج، قال: حدثنا الحسن بن سفيان ثنا جبارة بن مغلس ثنا بشر بن عمارة عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد وأبي عون عن أبي أمامة وأبى الدرداء قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذكاة الجنين ذكاة أمَّه" ومن طريق بشر بن عمارة رواه أيضًا البزار والطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل إلّا أنه وقع عند البزّار عن خالد بن معدان بدل راشد بن سعد، وبشر بن عمارة فيه مقال، وقد قال ابن عدي: ليس له حديث منكر وهو إلى الاستقامة أقرب.
وحديث عمّار بن ياسر رواه البخاري في التاريخ الكبير من حديث محمد بن مسلم أبي ثمامة البصري أنه سمع حنظلة أبا خلدة قال: قال عمَّار بن ياسر: يا حنظلة أحلّت لكم بهيمة الأنعام إنما أنزلت فيما أبهم عليه الرّحم إذا تمّ خلقه ونبت شعره فذكاته ذكاة أمّه. وهذا عند أهل الحديث مرفوع لأنه تعيين لما نزلت فيه الآية. وقد ورد مثله عن ابن عبّاس قال سعيد بن منصور ثنا جرير عن منصور عن قابوس قال: ذبحت في الحي بقرة فوجدنا في بطنها جنينًا فشويناه وقدمنا إلى أبي ظبيان فتناول لقمة منه فقال: هذا الذي حدَّثنا به ابن عباس أنّه من بهيمة الأنعام. ورواه عكرمة عن ابن عباس قال في بهيمة الأنعام: هو الجنين ذكاته ذكاة أمّه ذكره البيهقي. وروى البيهقي عن عبد الله بن عمر نحوه.
1140 -
حديث: "ذكاة الجنين ذكاة أمّه أشعر أو لم يشعر".
تقدّم.