الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَجْذَمُ» . فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضُهُ وَأَرْضُ وَالِدِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى: قَوْلُهُ: «مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا» فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «قِيدَ شِبْرٍ» . وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الشِّبْرَ إشَارَةً إلَى اسْتِوَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْوَعِيدِ، وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى تَغْلِيظِ عُقُوبَةِ الظُّلْمِ وَالْغَصْبِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ تُخُومَ الأَرْضِ تُمَلَّكُ، فَيَكُونُ لِلْمَالِكِ مَنْعُ مَنْ رَامَ أَنْ يَحْفِرَ تَحْتَهَا حَفِيرَةً قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ أَسْفَلَهَا إلَى مُنْتَهَى الأَرْضِ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ حَفَرَ تَحْتَهَا سَرَبًا أَوْ بِئْرًا بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الأَرْضِ مَلَكَ بَاطِنَهَا بِمَا فِيهِ مِنْ حِجَارَةٍ وَأَبْنِيَةٍ وَمَعَادِنَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ بِالْحَفْرِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِمَنْ يُجَاوِرُهُ. وَقِصَّةُ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي بَابِ اسْتِحْلافِ الْمُنْكِرِ مِنْ كِتَابِ الأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ َتعَالَى وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إذَا طُلِبَتْ يَمِينُ الْعِلْمِ وَجَبَتْ، وَعَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَعِظَ مَنْ رَامَ الْحَلِفَ.
بَابُ تَمَلُّكِ زَرْعِ الْغَالِبِ بِنَفَقَتِهِ وَقَلْعِ غَراسِهِ
3147-
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
3148-
وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . قَالَ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الآخَرِ فَقَضَى لِصَاحِبِ الأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ
مِنْهَا، قَالَ: فلقد رَأَيْتهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى: قَوْلُهُ: «فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ» . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا كَانَ الزَّرْعُ لِلْمَالِكِ لِلأَرْضِ، وَلِلْغَاصِبِ مَا غَرِمَهُ فِي الزَّرْعِ يُسَلِّمُهُ لَهُ مَالِكُ الأَرْضِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا
الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ ابْنُ رِسْلانَ: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ زَرَعَ بَذْرَا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَاسْتَرْجَعَهَا صَاحِبُهَا فَلا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا مَالِكُهَا وَيَأْخُذَهَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ أَوْ يَسْتَرْجِعَهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ، فَإِنْ أَخَذَهَا مُسْتَحِقُّهَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ فَإِنَّ الزَّرْعَ لِغَاصِبِ الأَرْضِ لا يُعْلَمُ فِيهِ خِلافٌ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الأَرْضِ إلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ وَضَمَانُ نَقْصِ الأَرْضِ وَتَسْوِيَةُ حُفَرِهَا وَإِنْ أَخَذَ الأَرْضَ صَاحِبُهَا مِنْ الْغَاصِبِ وَالزَّرْعُ فِيهَا قَائِمٌ لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ، وَخُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نَفَقَتَهُ وَيَكُونَ الزَّرْعُ لَهُ، أَوْ يَتْرُكَ الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ صَاحِبَ الأَرْضِ يَمْلِكُ إجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَيَكُونُ الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ عِنْدَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الأَرْضِ. وَحَدِيثَ «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَرَدَ فِي الْغَرْسِ الَّذِي لَهُ عِرْقٌ مُسْتَطِيلٌ فِي الأَرْضِ، وَحَدِيثُ رَافِعٍ وَرَدَ فِي الزَّرْعِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُعْمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَلا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ) إلَى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى مَنْ غَرْسَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ غُرُوسًا بِغَيْرِ إذْنِهِ بِقَطْعِهَا.
قَوْلُهُ: (عُمٌّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ جَمْعُ (عَمِيمَةٍ) وَهِيَ: الطَّوِيلَةُ.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَإِذَا فَسَدَتِ الْمُزَارَعَة أَوْ الْمُسَاقَاة أَوْ الْمُضَارَبَة اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ نَصِيب الْمِثْلِ، وَهُوَ مَا جَرَتْ الْعَادَة فِي مِثْلِهِ لا أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَإِذَا كُنَّا نَقُولُ فِي الْغَاصِِبِ إِنْ زَرَعَهُ لِرَبِّ الأَرْضِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَة فَلأَنْ نَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ إِنَّ الزَّرْعََ لِرَبِّ الأَرْضِ وَإِنْ كَانَ الْبَذْرِ لِغَيْرِهِ أَوْلَى.