الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُو قَوْلِ َمَالِكٍ فِي الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابُنَا، قَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَب عَلَى مَا قَالَ أَبُو بَكْرِ فِي عَدَمَ التَّفْرِقَةِ وَنَصُّ فِي الْخِلافِ بِأَنَّهُمْ فِي
البنيان أَحَقَّ بالْعُقُوبَةُ والردء كالْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَكَذَا فِي السَّرِقَةِ وَالْمَرْأَةِ التي تَحْضُرَ النِّسَاءِ لِلْقَتْلِ تَقْتُلْ. انْتَهَى.
بَابُ قِتَالِ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ
4124-
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حِدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4125-
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ الَّذِينَ سَارُوا إلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَيّهَا النَّاسُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلا صَلاتُكُمْ إلَى صَلاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلا صِيَامُكُمْ إلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قَضَى لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم لَنَكَلُوا عَنْ الْعَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ لَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ، عَلَى عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شُعَيْرَاتٌ بِيضٌ قَالَ: فَتَذْهَبُونَ إلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ» . قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فَقَالَ لَهُمْ: «أَلْقُوا الرِّمَاحَ وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ
حَرُورَاءَ» . فَرَجَعُوا فَوَحَشُوا بِرِمَاحِهِمْ وَسَلُّوا السُّيُوفَ وَشَجَرَهُمْ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ قَالَ: وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَمَا
أُصِيبَ مِنْ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إلَّا رَجُلَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: الْتَمِسُوا فِيهِمْ الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: أَخِّرُوهُمْ فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، قَالَ: فَقَامَ إلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَسَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إي وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4126-
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ:«وَيْلَك فَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْت وَخَسِرْت إنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» . فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ:
…
«دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ إلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى نَضِيِّهِ - وَهُوَ قِدْحُهُ - فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ» . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْت إلَيْهِ عَلَى نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي نَعَتَهُ.
4127-
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِيُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ، وَزَيْدٌ الطَّائِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ الْعَامِرِيُّ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي كِلَابٍ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟ فَقَالَ: «إنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ» . فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ:«مَنْ يُطِعْ اللَّهَ إذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي الله عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَأْمَنُونِي» ؟ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ
قَتْلَهُ - أَحْسَبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ:«إنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا - أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا - قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتهمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ تَعْزِيرٌ لِحَقِّ اللَّهِ جَازَ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ، وَأَنَّ قَوْمًا لَوْ أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ إذَا كَثُرُوا وَامْتَنَعُوا بِالسِّلَاحِ وَاسْتَعْرَضُوا النَّاسَ.
4128-
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَكُونُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمَا بِالْحَقِّ» .
4129-
وَفِي لَفْظٍ: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ: لا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ، وَلا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ. رَوَاهُ سَعِيدُ.
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنْ لا يُقَادَ أَحَدٌ، وَلا يُؤْخَذَ مَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَاحْتَجَّ بِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الْكَفِّ عَنْ قُتِلَ مَنْ يُعْقَدُ الْخُرُوجِ عَلَى الإِمَامُ مَا لَم يُنْصَبُ لِذَلِكَ حربًا أوَ يستعد لُهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: أَجْمَعَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ - مَعَ ضلالتهم - فُرْقَةٍ مِنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَجَازُوا مناكحاتهم وَأَكَلَ ذَبَائِحِهِمْ وَأَنَّهُمْ لا يُكَفِّرُونَ مَا دَامُوا متمسكين بِأَصْلِ الإِسْلامِ.
قَوْلُهُ: (وَلا يُؤْخَذُ مَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَخْذُ أَمْوَالِ الْبُغَاةِ إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا مَوْجُودًا عِنْدَ الْقِتَالِ.