الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْبُيُوعِ
أَبْوَابُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لا يَجُوزُ
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ النَّجَاسَةِ وَآلَةِ الْمَعْصِيَةِ وَمَا نَفَعَ فِيهِ
2777-
عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ» . فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ:«لا هُوَ حَرَامٌ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2778-
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ، فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الدُّهْنِ النَّجِسِ.
2779-
وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى حَجَّامًا، فَأَمَرَ فَكُسِرَتْ مَحَاجِمُهُ، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ ثَمَنَ الدَّمِ، وَثَمَنَ الْكَلْبِ، وَكَسْبَ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2780-
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2781-
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ: «إنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلأْ كَفَّهُ تُرَابًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
2782-
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: والعلة في تحريم بيع الخنزير وبيع الميتة هي النجاسة، عند جمهور العلماء، فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة، والعلة في تحريم بيع الأصنام عدم المنفعة المباحة، فإن كان ينتفع بها بعد الكسر جاز بيعها عند البعض ومنعه الأكثر.
قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ) إلى آخره، أي: فهل بيعها لما ذكر من المنافع جائز فإنها مقضة لصحة البيع، كذا في الفتح.
قَوْلُهُ: «لا هُوَ حَرَامٌ» الأكثر على أن الضمير راجع إلى البيع، ويؤيد ذلك قوله في آخر الحديث:«فباعوها» وحديث ابن عباس فيه دليل على إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم، وأن كل ما حرم الله على العباد فبيعه حرام لتحريم ثمنه فلا يخرج من هذه الكلية إلا ما خصه دليل. انتهى.
قَوْلُهُ: (حَرَّمَ ثَمَنَ الدَّمِ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ: أُجْرَةُ الْحِجَامَةِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لِمَنْ قَالَ: بِأَنَّهَا غَيْرُ حَلالٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الإِجَارَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ ثَمَنُ الدَّمِ نَفْسِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ، وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
قَوْلُهُ: (وَثَمَنَ الْكَلْبِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْكَلْبِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ أَوْ مِمَّا لا يَجُوزُ، وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ وَقَالَ عَطَاءُ وَالنَّخَعِيِّ: يَجُوزُ بَيْعُ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إلا كَلْبَ صَيْدٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَرِجَالُ إسْنَادِهِ
ثِقَاتٌ، إلا أَنَّهُ طُعِنَ فِي صِحَّتِهِ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزِّمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَيَكُونُ الْمُحَرَّمُ بَيْعَ مَا عَدَا كَلْبَ الصَّيْدِ إنْ صَلُحَ هَذَا الْمُقَيَّدُ لِلاحْتِجَاجِ بِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ فَمَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ بَيْعِهِ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَمَنْ قَالَ: بِجَوَازِهِ قَالَ بِالْوُجُوبِ، وَمَنْ فَصَّلَ فِي الْبَيْعِ فَصَّلَ فِي لُزُومِ الْقِيمَةِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ بَيْعَهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (وَكَسْبَ الْبَغِيِّ) فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (وَمَهْرَ الْبَغِيِّ) وَالْمُرَادُ مَا تَأْخُذُهُ الزَّانِيَةُ عَلَى الزِّنَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ) سَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى هَذَا فِي بَابِ: مَا يُكْرَهُ مِنْ تَزَيُّنِ النِّسَاءِ مِنْ كِتَابِ الْوَلِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ) فِيهِ أَنَّ التَّصْوِيرَ أَشَدُّ الْمُحَرَّمَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) الْحُلْوَانُ مَصْدَرُ حَلَوْتَهُ: إذَا أَعْطَيْته. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَصْلُهُ مِنْ الْحَلاوَةِ شُبِّهَ بِالشَّيْءِ الْحُلْوِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُؤْخَذُ سَهْلًا بِلا كُلْفَةٍ وَلا مَشَقَّةٍ. وَالْحُلْوَانُ أَيْضًا: الرِّشْوَةُ. وَالْحُلْوَانُ أَيْضًا: مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ لِنَفْسِهِ. وَالْكَاهِنُ، قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَةَ عِلْمِ الْغَيْبِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ عَنْ الْكَوَائِنِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: حُلْوَانُ الْكَاهِنِ حَرَامٌ
بِالإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى أَمْرٍ بَاطِلٍ، وَفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالْحَصَى وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنْ اسْتِطْلاعِ الْغَيْبِ.
قَوْلُهُ: (وَالسِّنَّوْرِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، بوَهُوَ الْهِرُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْهِرِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، طَاوُسٍ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى جَوَازِ بَيْعِهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ وَالْمُرُوءَاتِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.