الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَعَلَهَا اللَّهُ جَارِيَةً عَلَى أَيْدِي الْعِبَادِ لإِثَابَةِ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى يَدِهِ فَالْمَحْمُودُ عَلَى جَمِيعِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (فَيَقْبَلُهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَبُولِ وَلأَجْلِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومٍ فِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ الْقَبُولِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَبَضَ الْهَدِيَّةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا إلَى النَّجَاشِيِّ بَعْدَ رُجُوعِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْهَدِيَّةَ لا تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ الإِهْدَاءِ، بَلْ لا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا) بِجِيمٍ وَبَعْدَ الأَلِفِ دَالٌ مُهْمَلَةٌ مُشَدَّدَةٌ، أَيْ: أَعْطَاهَا مَالًا يُجِدُّ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ ثَمَرَتِهِ ذَلِكَ، وَالْجَدُّ: صِرَامُ النَّخْلِ وَهَذَا الأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ لِقَوْلِهِ: (لَوْ كُنْتِ جَدَدْتِهِ وَاحْتَرَثْتِهِ كَانَ لَكِ) وَذَلِكَ لأَنَّ قَبْضَ الثَّمَرَةِ يَكُونُ بِالْجِذَاذِ وَقَبْضَ الإِرْثِ بِالْحَرْثِ. انْتَهَى.
تَنْبِيه: لَفْظُ الْمُوَطَّأِ: لَوْ كُنْت جددتيه واحتزتيه بالزاي.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَتَصِحُّ هِبَة الْمَعْدُومِ كَالثَّمَرِ وَاللبَنِ بِالسُّنَّةِ، وَاشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ، بِخِلافِ الْبَيْعِ. وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولُ كَقَوْلِهِ:(مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِي فَهُوَ لَكَ) أَو: (مَنْ وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَالِي فَهُوَ لَهُ) . وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ يَحْصُلُُ الْمُلْكُ بِالْقَبْضِ وَنَحْوُهُ، وَلِلْمُبِيحِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا قَالَ قَبْل التَّمَلُّكِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْهِبَةِ يَتَأَخَّرُ الْقُبُولِ فِيهِ عَنْ الإِيجَابِ كَثِيرًا وَلَيْسَ بِإَبَاحَةٍ. انْتَهَى.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبُولِ هَدَايَا الْكُفَّارِ وَالإِهْدَاءِ لَهُمْ
3200-
عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَهْدَى كِسْرَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَ مِنْهُ وَأَهْدَى لَهُ قَيْصَرُ فَقَبِلَ، وَأَهْدَتْ لَهُ الْمُلُوكُ فَقَبِلَ مِنْهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
3201-
وَفِي حَدِيثٍ عَنْ بِلالٍ الْمُؤَذِّنِ قَالَ: انْطَلَقْت حَتَّى أَتَيْته - يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ مُنَاخَاتٍ عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ فَاسْتَأْذَنْت، فَقَالَ لِي:«أَبْشِرْ فَقَدْ جَاءَك اللَّهُ بِقَضَائِك» . ثُمَّ قَالَ: «أَلَمْ تَرَ الرَّكَائِبَ الْمُنَاخَاتِ الأَرْبَعَ» ؟
فَقُلْت: بَلَى، فَقَالَ:«إنَّ لَك رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كِسْوَةً وَطَعَامًا أَهْدَاهُنَّ إلَيَّ عَظِيمُ فَدَكَ فَاقْبِضْهُنَّ وَاقْضِ دَيْنَك» . فَفَعَلْت. مُخْتَصَرٌ لأَبِي دَاوُد.
3202-
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَصِلُهَا؟ قَالَ:«نَعَمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3203-
زَادَ الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} وَمَعْنَى رَاغِبَةً: أَيْ طَامِعَةً تَسْأَلُنِي شَيْئًا.
3204-
وَعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ سَعْدٍ عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ بِهَدَايَا ضِبَابٍ وَأَقِطٍ وَسَمْنٍ - وَهِيَ مُشْرِكَةٌ - فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} إلَى آخِرِ الآيَةِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3205-
وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ: أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً أَوْ نَاقَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَسْلَمْتَ» ؟ قَالَ: لا. قَالَ: «إنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْكَافِرِ، وَيُعَارِضُهَا حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الآتِي، وَسَيَأْتِي الْجَمْعُ بَيْنهَا وَبَيْنَهُ وَالآيَةُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْهَدِيَّةِ لِلْكَافِرِ مُطْلَقًا مِنْ الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ وَلا مُنَافَاةَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا بَيْنَ قَوْله تَعَالَى:{لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآيَةُ، فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي حَقِّ مَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَالآيَةُ الْمَذْكُورَةُ خَاصَّةٌ بِمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَأَيْضًا الْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَالإِحْسَانُ لا تَسْتَلْزِمُ التَّحَابَّ وَالتَّوَادَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَمِنْ الأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى:{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} وَمِنْهَا أَيْضًا: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَسَا عُمَرَ حُلَّةً فَأَرْسَلَ بِهَا إلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا) إلَى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُشْرِكِ وَعَلَى جَوَازِ إنْزَالِهِ مَنَازِلَ الْمُسْلِمِينَ.