الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: «ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الأَقَارِبِ عَلَى الأَقَارِبِ، سَوَاءٌ كَانُوا وَارِثِينَ أَمْ لا، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَرِيبَ الأَقْرَبَ أَحَقُّ بِالْبِرِّ وَالإِنْفَاقِ مِنْ الْقَرِيبِ الأَبْعَدِ وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا فَقِيرَيْنِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِ الْمُنْفِقِ إلا مِقْدَارُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ بَعْدَ كِفَايَتِهِ.
قَوْلُهُ: «وَمَوْلاك الَّذِي يَلِي ذَاكَ» قِيلَ: أَرَادَ بِالْمَوْلَى هُنَا الْقَرِيبَ وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَهُ وَالِيًا لِلأُمِّ وَالأَبِ وَالأُخْتِ وَالأَخِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَلِيهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ. انتهى ملخصا.
بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِكَفَالَةِ الطِّفْلِ
3880-
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ اخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا هِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا وَقَالَ:«الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3881-
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَلِيٍّ، وَفِيهِ:«وَالْجَارِيَةُ عِنْدَ خَالَتِهَا، فَإِنَّ الْخَالَةَ وَالِدَةٌ» .
3882-
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وَعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ:«أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
3883-
لَكِنْ فِي لَفْظِهِ: وَأَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَزَعَمَ أَنَّهُ يَنْتَزِعُهُ مِنِّي.
3884-
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ غُلامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3885-
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ
.. رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَهِمَا عَلَيْهِ» . فَقَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (هَذَا أَبُوك وَهَذِهِ أُمُّك فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت» . فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
3886-
وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ وَلَمْ يَذْكُرْ فَقَالَ: «اسْتَهِمَا عَلَيْهِ» .
3887-
وَلأَحْمَدَ مَعْنَاهُ لَكِنَّهُ قَالَ فِيهِ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَهَا: قَدْ سَقَانِي وَنَفَعَنِي.
3888-
وَعَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ جَدَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَجَاءَ بِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ، قَالَ: فَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
الأَبَ هَا هُنَا وَالأُمَّ هَا هُنَا، ثُمَّ خَيَّرَهُ وَقَالَ:«اللَّهُمَّ اهْدِهِ» . فَذَهَبَ إلَى أَبِيهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
3889-
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: ابْنَتِي وَهِيَ فَطِيمٌ أَوْ شِبْهُهُ، وَقَالَ رَافِعٌ: ابْنَتِي،
…
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اُقْعُدْ نَاحِيَةً» . وَقَالَ لَهَا: «اُقْعُدِي نَاحِيَةً» . فَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَيْنَهُمَا قَالَ: «اُدْعُوَاهَا» . فَمَالَتْ إلَى أُمِّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ اهْدِهَا» . فَمَالَتْ إلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَعَبْدُ الْحَمِيدِ هَذَا هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ الأَنْصَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَوْلُهُ: (وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي) إنَّمَا سَمَّى حَمْزَةَ أَخَاهُ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
قَوْلُهُ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَالَةَ فِي الْحَضَانَةِ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالإِجْمَاعِ أَنَّ الأُمَّ أَقْدَمُ الْحَوَاضِنِ، فَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ أَنْ تَكُونَ الْخَالَةُ أَقْدَمَ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الأُمِّ وَأَقْدَمَ مِنْ الأَبِ وَالْعَمَّاتِ وَذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْهَادِي إلَى تَقْدِيمِ الأَبِ عَلَى الْخَالَةِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْهَادَوِيَّةُ إلَى تَقَدُّمِ أُمِّ الأُمِّ وَأُمِّ الأَبِ عَلَى الْخَالَةِ أَيْضًا وَذَهَبَ النَّاصِرُ
وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ الأَخَوَاتِ أَقْدَمُ مِنْ الْخَالَةِ وَالأَوْلَى تَقْدِيمُ الْخَالَةِ بَعْدَ الأُمِّ عَلَى سَائِرِ الْحَوَاضِنِ لِنَصِّ الْحَدِيثِ وَفَاءً بِحَقِّ التَّشْبِيهِ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالْعَمَّةُ أَحَقُّ مِنَ الْخَالَةِ وَكَذَا نِسَاءُ الأَبِّ أَحَقُّ يُقَدِّمْنَ عَلَى نِسَاءِ الأُمِّ لأَنَّ الْولايَة لِلأَبِّ وَكَذَا أَقَارِبَهُ، وَإِنَّمَا قَدِمَتْ الأُمِّ عَلَى الأَبِّ لأَنَّهُ لا يَقُومُ مَقَامهَا هُنَا فِي مَصْلَحَةِ الطِّفْلِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الشَّارِعُ عليه السلام خَالَة بِنْت حَمْزَة عَلَى عَمَّتِهَا صَفِيَّة لأَنَّ صَفِيَّةَ لَمْ تَطْلَبْ وَجَعْفَر طَلَبَ نائبًا عَنْ خَالَتِهَا فَقَضَى لَهَا فِي غَيْبَتِهَا. انْتَهَى.
قَوْلُهُ: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأُمَّ أَوْلَى بِالْوَلَدِ مِنْ الأَبِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنِّكَاحِ لِتَقْيِيدِهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَحَقِّيَّةِ بِقَوْلِهِ: «مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (خَيَّرَ غُلامًا) إلى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَنَازَعَ الأَبُ وَالأُمُّ فِي ابْنٍ لَهُمَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ تَخْيِيرُهُ فَمَنْ اخْتَارَهُ ذَهَبَ بِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَ مِنْ الأَوْلادِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى.
قَوْلُهُ: «اسْتَهِمَا عَلَيْهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْعَةَ طَرِيقٌ شَرْعِيَّةٌ عِنْدَ تَسَاوِي الأَمْرَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى التَّخْيِيرِ.
قَوْلُهُ: فَمَالَتْ إلَى أُمِّهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اهْدِهَا» اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى مَنْ اخْتَارَ ثَانِيًا، وَعَلَى ثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلأُمِّ الْكَافِرَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لا حَضَانَةَ لِلْكَافِرَةِ عَلَى وَلَدِهَا الْمُسْلِمِ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَالِاسْتِهَامِ مُلاحَظَةُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلصَّبِيِّ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الأَبَوَيْنِ أَصْلَحَ لِلصَّبِيِّ مِنْ الآخَرِ قُدِّمَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَلا تَخْيِيرٍ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَحَكَى عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ
تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ قَالَ: تَنَازَعَ أَبَوَانِ صَبِيًّا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَخَيَّرَ الْوَلَدَ بَيْنَهُمَا فَاخْتَارَ أَبَاهُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: سَلْهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَخْتَارُهُ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أُمِّي