الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِي: أَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا يَطْرَأُ أَوْ يَكُونُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَمَا خَفِيَ عَنْهُ مِمَّا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ.
الثَّالِثُ: الْمُنَجِّمُونَ، وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ كُلَّهُمْ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ.
قَوْلُهُ: «مَنْ اقْتَبَس عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ َ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ» قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا يَدَّعِيهِ أَهْلُ التَّنْجِيمِ مِنْ عِلْمِ الْحَوَادِثِ وَالْكَوَائِنِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ وَسَتَقَعُ فِي مُسْتَقْبِلِ الزَّمَانِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ مَعْرِفَتَهَا بِسَيْرِ
الْكَوَاكِبِ فِي مَجَارِيهَا وَاجْتِمَاعِهَا وَافْتِرَاقِهَا، وَهَذَا تَعَاطٍ لِعِلْمٍ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ. قَالَ: وَأَمَّا عِلْمُ النُّجُومِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الزَّوَالُ وَجِهَةُ الْقِبْلَةِ وَكَمْ مَضَى وَكَمْ بَقِيَ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ. وَمِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ التَّحَدُّثُ بِمَجِيءِ الْمَطَرِ وَوُقُوعِ الثَّلْجِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَتَغَيُّرِ الأَسْعَارِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ: «فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فَذَاكَ الَّذِي تَجِدُونَ إصَابَتَهُ لا أَنَّهُ يُرِيدُ إبَاحَةَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هَذَا يَحْتَمِلُ الزَّجْرَ عَنْهُ إذْ كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّتِهِ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ فَنُهِينَا عَنْ التَّعَاطِي لِذَلِكَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. والله أعلم.
بَابُ قَتْلِ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ مَنْ عَرَّضَ
4148-
عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَعُ فِيهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذِمَّتَهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4149-
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ:«أَنْشُدُ اللهَ رَجُلاً فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إلَّا قَامَ» . فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَدَلْدَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُهَا كَانَتْ تَشْتُمُك وَتَقَعُ فِيك، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلا
تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةُ جَعَلَتْ تَشْتُمُك وَتَقَعُ فِيك، فَأَخَذْت الْمِعْوَلَ فَوَضَعْته فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأْت عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلْتهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا
اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنهِ عَبْدِ اللَّهِ.
4150-
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: السَّامُّ عَلَيْك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَعَلَيْك» . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ السَّامُّ عَلَيْك» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ؟ قَالَ: «لَا، إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
4151-
وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ ذَا الْخُوَيْصِرَةِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْدِلْ وَأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ قَتْلِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَرِيحًا وَجَبَ قَتْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَّا أَهْلُ الْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ كَالْيَهُودِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: يُقْتَلُ مَنْ سَبَّهُ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَيُقْتَلُ بِغَيْرِ اسْتِتَابَةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ مِثْلَهُ فِي حَقِّ الْيَهُودِي وَنَحْوِهِ. وَرُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ فِي الْمُسْلِمِ أَنَّهَا رِدَّةٌ يُسْتَتَابُ مِنْهَا. وَعَنْ الْكُوفِيِّينَ إِنْ كَانَ ذِمِّيًّا عُزِّرَ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَهِيَ رِدَّةٌ. وَحَكَى عِيَاضٌ خِلَافًا هَلْ كَانَ تَرْكُ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ. إلى أن قال: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَرْكَ قَتْلِ الْيَهُودِ إنَّمَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُعْلِنُوا بِهِ أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ أَوْلَى كَمَا قَالَ الْحَافِظُ. انْتَهَى. والله أعلم.