الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضْلِ الْعَفْوِ عَنْ الِاقْتِصَاصِ وَالشَّفَاعَةِ فِي ذَلِكَ
3936-
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ إلا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3937-
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا رُفِعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرٌ فِيهِ الْقِصَاصُ إلا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.
3938-
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ فِي جَسَدِهِ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ إلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً وَحَطَّ بِهِ عَنْهُ خَطِيئَةً» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
3939-
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاثٌ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنْ كُنْتُ لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ: لا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا، وَلا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ عز وجل إلا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالتَّرْغِيبُ فِي الْعَفْوِ ثَابِتٌ بِالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
بَابُ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ بِالإِقْرَارِ
3940-
عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: إنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه هَذَا قَتَلَ أَخِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
…
«أَقَتَلْتَهُ» ؟ فَقَالَ: إنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْت عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ. قَالَ: نَعَمْ قَتَلْتُهُ. قَالَ: «كَيْفَ قَتَلْتَهُ» ؟ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَحْتَطِبُ مِنْ شَجَرَةٍ فَسَبَّنِي فَأَغْضَبَنِي فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلْته. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ لَك مِنْ شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِك» ؟ قَالَ: مَا لِي مَالٌ إلا كِسَائِي وَفَأْسِي. قَالَ: «فَتَرَى قَوْمَك يَشْتَرُونَك» ؟ قَالَ: أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِي مِنْ ذَاكَ فَرَمَى إلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ. وَقَالَ: «دُونَك صَاحِبَك» . قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ» . فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: «إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ» .
وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِك
وَإِثْمِ صَاحِبِك» ؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَعَلَّهُ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ» . فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
3941-
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحَبَشِيٍّ فَقَالَ: إنَّ هَذَا قَتَلَ أَخِي. قَالَ: «كَيْفَ قَتَلْته» ؟ قَالَ: ضَرَبْت رَأْسَهُ بِالْفَأْسِ وَلَمْ أُرِدْ قَتْلَهُ. قَالَ " «هَلْ لَكَ مَالٌ تُؤَدِّي دِيَتَهُ» ؟ قَالَ: لا. قَالَ: «أَفَرَأَيْتَ إنْ أَرْسَلْتُك تَسْأَلُ النَّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ» ؟ قَالَ: لا. قَالَ: «فَمَوَالِيك يُعْطُونَك دِيَتَهُ» ؟ قَالَ: لا. قَالَ لِلرَّجُلِ: «خُذْهُ» . فَخَرَجَ بِهِ لِيَقْتُلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
…
«أَمَا إنَّهُ إنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلُهُ» . فَبَلَغَ بِهِ الرَّجُلُ حَيْثُ سَمِعَ قَوْلَهُ فَقَالَ: هُوَ ذَا فَمُرْ فِيهِ مَا شِئْت. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْسِلْهُ يَبُوءُ بِإِثْمِ صَاحِبِهِ وَإِثْمِهِ فَيَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ» . قَدْ اسْتَشْكَلَ هَذَا بَعْدَ إذْنِهِ صلى الله عليه وسلم بِالِاقْتِصَاصِ وَإِقْرَارِ الْقَاتِلِ الْقَتْلَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالأَوْلَى حَمْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي قَوْلِهِ: «إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ» لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْمَأْثَمِ، وَكَيْفَ يُرِيدُهُ وَالْقِصَاصُ مُبَاحٌ، لَكِنْ أَحَبَّ لَهُ الْعَفْوَ فَعَرَّضَ تَعْرِيضَا أَوْهَمَهُ بِهِ أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلَهُ فِي الإِثْمِ لِيَعْفُوَ عَنْهُ، وَكَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَقْتُلُ نَفْسًا كَمَا أَنَّ الأَوَّلَ قَتَلَ نَفْسًا، وَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ ظَالِمًا وَالآخَرُ مُقْتَصًّا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَانَ مِثْلهُ فِي حُكْمِ الْبَوَاءِ فَصَارَا مُتَسَاوِيَيْنِ لا فَضْلَ لِلْمُقْتَصِّ إذَا اسْتَوْفَى عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ رَدْعَهُ عَنْ قَتْلِهِ، لأَنَّ الْقَاتِلَ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ، فَلَوْ قَتَلَهُ الْوَلِيُّ كَانَ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ مِثْلَهُ لَوْ ثَبَتَ مِنْهُ قَصْدُ الْقَتْلِ.
3942-
يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُتِلَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدُفِعَ الْقَاتِلُ إلَى وَلِيِّهِ، فَقَالَ الْقَاتِلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت قَتْلَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمَا إنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَقَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ» .