الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُسْأَلُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ الاحْتِكَارُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ مِنْ قُوتِ النَّاسِ فَهُوَ الَّذِي يُكْرَهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: الْمُحْتَكِرُ مَنْ يَعْتَرِضُ السُّوقَ أَيْ: يَنْصِبُ نَفْسَهُ لِلتَّرَدُّدِ إلَى الأَسْوَاقِ لِيَشْتَرِيَ مِنْهَا الطَّعَامَ الَّذِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِيَحْتَكِرَهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الشِّرَاءِ وَحَصَلَ بِهِ ضِيقٌ حُرِّمَ وَإِنْ كَانَتْ الأَسْعَارُ رَخِيصَةً وَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ لا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إلَيْهِ فَلَيْسَ لِمَنْعِهِ مِنْ شِرَائِهِ وَادِّخَارِهِ إلَى وَقْتِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ مَعْنًى قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ: وَرُبَّمَا يَكُونُ هَذَا حَسَنَةً؛ لأَنَّهُ يَنْفَعُ بِهِ النَّاسَ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ بِاسْتِحْبَابِهِ انْتَهَى ملخصًا. قُلْتُ: فِي مَنَعَ التُّجَّارُ مَنْ اشْتِرَاءِ الْمَجْلُوبِ وَغَيْرِهِ مَنْ السِّلَعِ مضرة تعود عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ، وَهِيَ أَنَّ الجالب إذَا عَلمِ ذَلِكَ تَرَكَ الْمَجِيءَ وَإذَا أَشْتَرِي التُّجَّارُ السِّلَعِ وَالطَّعَامَ الْمَجْلُوبِ نْفَعُ ذَلِكَ أَهْلِ الْبَلَدِ إذَا احتاجوا إلَيْهِ وكثر الجالب وَقَدْ قَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:«دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» .
بَابُ النَّهْيِ عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ إلا مِنْ بَأْسٍ
2951-
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَازِنِيِّ قَالَ: نَهَى لنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُكْسَرَ سِكَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةُ بَيْنَهُمْ إلا مِنْ بَأْسٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ مَا فِي الْكَسْرِ مِنْ الضَّرَرِ بِإِضَاعَةِ الْمَالِ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ النُّقْصَانِ فِي الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا إذَا كُسِرَتْ وَأُبْطِلَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا
قَوْلُهُ: (إلا مِنْ بَأْسٍ) كَأَنْ تَكُونَ زُيُوفًا، وَلا يَخْفَى أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْكَسْرِ إلا إذَا كَانَ بِهَا بَأْسٌ، وَمُجَرَّدُ الإِبْدَالِ لِنَفْعِ الْبَعْضِ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى الضَّرَرِ بِالْكَثِيرِ مِنْ النَّاسِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اخْتِلافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ
2952-
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُ صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَرَادَّانِ» . رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
2953-
وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَةْ: «وَالْبَيْعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ» .
2954-
وَكَذَلِكَ لأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: «وَالسِّلْعَةُ كَمَا هِيَ» .
2955-
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَالْبَيْعُ مُسْتَهْلَكٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ» . وَرَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
2956-
وَلأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: وَأَتَاهُ رَجُلانِ تَبَايَعَا سِلْعَةً، فَقَالَ هَذَا: أَخَذْت بِكَذَا وَكَذَا، وَقَالَ هَذَا: بِعْت بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أُتِيَ عَبْدُ اللَّهِ فِي مِثْلِ هَذَا فَقَالَ: حَضَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مِثْلِ هَذَا، فَأَمَرَ بِالْبَائِعِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ، ثُمَّ يُخَيَّرَ الْمُبْتَاعُ إنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ إلا أَنَّهُ مَشْهُورُ الأَصْلِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ فُرُوعِهِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى قَبُولِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ كَمَا اصْطَلَحُوا عَلَى قَبُولِ (لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) وَإِسْنَادُهُ فِيهِ مَا فِيهِ قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ قَالَ: إنَّ
الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ إذَا وَقَعَ الاخْتِلافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فِي أَمْرٍ مِنْ الأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ مَعَ يَمِينِهِ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ التَّرَاضِي بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَادِّ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ بِلا خِلافٍ، فَلا يَكُونُ لَهُمَا خَلاصٌ عَنْ النِّزَاعِ إلا التَّفَاسُخَ أَوْ حَلِفَ الْبَائِعِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ بَقَاءِ الْمَبِيعِ وَتَلَفِهِ لِمَا عَرَفْت مِنْ عَدَمِ انْتِهَاضِ الرِّوَايَةِ الْمُصَرَّحِ فِيهَا بِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَبِيعِ لِلاحْتِجَاجِ، وَالتَّرَدُّدُ مَعَ التَّلَفِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ الْقِيَمِيِّ إذَا تَقَرَّرَ لَكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الاخْتِلافِ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُ، بَلْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلافًا طَوِيلًا عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْفُرُوعِ، وَوَقَعَ الاتِّفَاقُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالاخْتِلافُ فِي بَعْضٍ وَسَبَبُ الاخْتِلافِ فِي ذَلِكَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مِنْ أَنْكَرَ» فَبَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. انْتَهَى ملخصًا. قَالَ فِي
الْفُرُوعِ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةَ، لأَنَّ كُلا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِر صُورَة، وَكَذَا حُكْمًا لِسَمَاعِ بَيِّنَةِ كُلِّ مِنْهُمَا. قَالَ فِي عُيوُنِ الْمَسَائِلِ: وَلا يَسْمَعُ إِلا بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي بِاتِّفَاقِنَا فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ إِلا بِكَذَا ثُمَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ إِلا بِكَذَا، وَالأَشْهَرُ يَذْكُرُ كُلٌّ مِنْهٌمَا إِثْبَاتًا وَنَفْيًا يَبْدَآنِ بِالنَّفْيِ، وَعَنْهِ الإِثْبَات، ثُمَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخ، وَقِيلَ: يَفْسُخُهُ حَاكِم مَا لَمْ يَرْضَ الآخَرْ، وَمَنْ نَكَلَ قَالَ بَعْضُهمْ: لَوْ نَكَلَ مُشْتَرٍ عَنْ إِثْبَاتٍ قَضَي عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُقْبَل قَوْل بَائِع مَع يَمِينِهِ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ الْمَنْصُوصُ كَاخْتِلافِهِمَا بَعْدُ قَبْضِهِ وَفَسْخ الْعَقْدِ فِي الْمَنْصُوص. وَعَنْهُ مُشْتَر. وَنَقَلَ أَبُو دَاودُ قَوْلَ الْبَائِعِ أَو يَتَرَادَّان. قِيلَ: فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٍ؟ قَالَ: كَذَلِكَ. انْتَهَى.