الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعمّر بعد رفقته وأقرانه إلى آخر وقت ومتعه الله بعقله وحواسه.
ولما جلست للاشتغال في أيامه بالجامع، كان يعجب بذلك ويفرح به ويدعو لي، ويحض الجماعة على ملازمتي -رحمه الله تعالى.
توفي إلى رحمة الله تعالى بعد انقطاعه أياماً يسيرة في ليلة الأربعاء عاشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وثمان مائة وقد ناهز التسعين ودفن في ضحوة النهار المذكور بمقبرة باب الفراديس وشهده الجم الغفير.
* * *
الشيخ تقي الدين الحِصني
أبو بكر (1) بن محمد بن عبد المؤمن الحِصني الشافعي الدمشقي الشيخ الإمام العالم العلامة الزاهد الرباني العابد الورع تقي الدين بقية السلف الصالحين مولده في أواخر سنة اثنين وخمسين وسبع مائة.
وقدم دمشق وسكن البادرائية وأخذ عن المشايخ الموجودين الشيخ شرف الدين الشُّريشي والشيخ شهاب الدين الزهري وابن الجابي والصلخدي والغزّي شرف الدين وغيرهم من علماء العصر.
وكان في أول أمره خفيف الروح منبسطاً له نوادر ويخرج مع الطلبة إلى المفترجات ويبعثهم على الانبساط واللعب وذلك مع الدّين.
وتزوج عدة نساء ثم إنه أقبل على العبادة قبيل الفتنة وتخلّى عن النساء وانجمع عن الناس مع المواظبة على الاشتغال بالعلم.
وبعد الفتنة زاد تقشفه وإقباله على الله تعالى وانجماعه عن الناس
(1) طبقت الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 86 (759)، درر العقود الفريدة للمقريزي 1/ 90، إنباء الغمر لابن حجر 8/ 110، الضوء اللامع للسخاوي 11/ 81 (220)، شذرات الذهب لابن العماد 9/ 273، البدر الطالع للشوكاني 1/ 66 (110)، الأعلام للزركلي 2/ 69، معجم المؤلفين 3/ 74.
وصار له أتباع وسكن في القدس مدة وصنّف فيها بعض تصانيفه واشتهر اسمه وامتنع عن مكالمة أكثر الناس لا سيما من يتخيل فيه شيئاً، وأطلق لسانه في القضاة ونحوهم من أرباب الولايات.
وله في الزهد والتقليل من الدنيا حكايات لا يوجد في تراجم كبار الأولياء أكثر منها ولم يتقدموه إلا بالسبق في الزمان والحاصل أنه ممن جمع بين العلم والعمل.
وكان أشعرياً منحرفاً على الحنابلة يطلق لسانه فيهم ويبالغ في الحط على ابن تيمية.
وسكن بالشاغور (1) عند مسجد المزاز عدة سنين بعد الفتنة إلى وفاته، وأصاب وقر في سمعه وضعف في بصره.
وعمّر في آخر عمره رباطاً داخل باب الصغير وخاناً بمحلة المصلى وساعده الناس في ذلك بأنفسهم وأموالهم.
وكتب بخطه كثيراً قبل الفتنة وبعدها، جمع شرحاً على التنبيه في خمس مجلدات، وشرحاً على المنهاج كذلك، وشرح كتاب مسلم في ثلاثة، ولخص المهمات في مجلدين، ولخص أحاديث الإحياء في مجلد، وشرح النواوية في مجلد، وأهوال القبور وسير نساء السلف العابدات مجلد، وقواعد الفقه مجلد، وجمع من التفسير آيات متفرقة مجلد، وسير السالك مجلد، وتنبيه السالك على مظان المهالك ست مجلدات، وشرح الغاية والنهاية وقمع النفوس ودفع الشبه وشرح أسماء الله الحسنى وغير ذلك.
وكان رحمة الله عليه من المهابة والأنس الكثير ما لا يخفى لمن له فطنة أنه وليّ الله في زمانه، واجتمعت به مرات وكان يحبني ولي منه منزلة وترحّم على والدي.
(1) الشاغور: محلة بالباب الصغير من دمشق مشهورة وهي في ظاهر المدينة -معجم البلدان- ياقوت الحموي 3/ 352 (6936).
وعمل في آخر عمره مواعيد بالجامع الأموي وهرع إليه الناس وكنت في جملة من سمعه.
ويتكلم بكلام حسن مقبول منقول عن السلف الصالح كالحارث المحاسبي وبشر الحافي والجنيد والسري والشبلي ومشاهير أئمة الصوفية رضي الله عنهم.
ولم يزل على ما ذكرناه إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى ليلة الأربعاء منتصف شهر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثمان مائة بتقديم التاء وكان يوماً مشهوداً، ودفن بالقبيبات عند والده وأقاربه على جادة الطريق قبلي جامع كريم الدين -رحمه الله تعالى- وجمع بيننا وبينه في دار كرامته آمين.
* * *