الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولد سنة إحدى أو اثنتين وسبعين وسبع مائة، واشتغل بالعلوم.
قال رفيقه شيخنا ابن حجر: ومهر في مدة قريبة وأتقن الفقه والأصول والعربية وشغل الناس مدة وأقام بجامع عمرو بن العاص يعمل المواعيد ويشغل الناس بالعلم وانتفع به أهل مصر خصوصاً.
وكان متواضعاً منجمعاً حسن النظم والنثر له قصائد نبوية سائرة ومقاطيع مستحسنة.
حجّ في وسط عام ستة وثلاثين في البحر، وحصل له في الطريق مشاق، ودخل مكة فحصل له قبول تام، وعمل بها مواعيد وأقرأ الحديث وشغل بالعلم ثم حجّ مع الناس صحيحًا، فلما رمى الجمرة في الثالث مات آخر النهار، ودفن بجوار السيدة خديجة بالمعلا -رحمه الله تعالى.
* * *
شيخنا العلامة شمس الدين البرماوي
محمد بن (1) عبد الدائم بن موسى النعيمي العسقلاني الأصل البرماوي المصري شيخنا الإمام العلامة الأوحد البارع القدوة المحقق شمس الدين ذو الفنون الحديث والفقه والأصول والعربية والفرائض وغيرها من العلوم، ومصنفاته في الفنون نظماً ونثراً مشاهدة معدلة له بذلك.
كان رحمه الله أجمع من رأيناه للعلوم مع اتساع فيها ومن أحسنهم
كلاماً وتقريراً وبحثاً.
(1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 101 (776)، إنباء الغمر لابن حجر 8/ 161، الأنس الجليل للعليمي 2/ 112، الضوء اللامع للسخاوي 7/ 280 (725)، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 439 (193)، الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 1/ 151، شذرات الذهب لابن العماد 6/ 286، معجم المؤلفين -كحالة 10/ 132.
مولده كما وقفت عليه بخطه في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبع مائة.
تفقه على المشايخ، وأخذ العلم عن كبار مشايخ الفن كالشيخ وابن الملقن والزركشي والشيخ عز الدين بن جماعة وتلك الحلبة، والحديث عن العراقي، وبرع ومهر في الفنون.
ودرّس وأفتى وصنّف التصانيف الكثيرة النافعة في الفنون فمنها أرجوزته في الأصول وشرحها، وكذلك في النحو والحديث والفرائض، وشرح العمدة جمع فيه شيئاً كثيراً ووسمه بجمع العدة لفهم العمدة وقد وقفت عليه، وجمع كتاباً على البخاري وقفت عليه في القدس وهو حسن -بلغني أنه ألّفه بمكة في سنة تسع وعشرين في أخريات عمره لكنه أجحف في اختصاره.
وكان يقرأ على الشيخ في مختصر المزني وهو من أعيان جماعته الملازمين له وقد أكثر النقل عنه في مصنفاته وأذن له الشيخ بالإفتاء والتدريس.
ودرس وأفتى في أيام الشيخ وأفاد وناب في الحكم عن القاضي بدر الدين بن أبي البقاء في حياة الشيخ ولم يسهل على الشيخ ذلك لئلا يشتغل بالحكم عن العلم.
وكان شيخه العلامة بدر الدين الزركشي كثير التعظيم له حتى أذن له في إصلاح مصنفاته وتهذيبها كما قال لي شيخنا غير مرة وكان يصلح فيها بحضورنا في الدرس عليه غير مرة وقد ذكرنا ذلك في ترجمة الزركشي.
وتصدى لنفع الناس في الإشغال والإفتاء وصار شيخ الشافعية في القاهرة ثم قدم الشام في أوائل جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين في أخريات حياة الوالد.
وكان قبل قدومه بيسير أرسل القاضي جلال الدين ابن الشيخ كتاباً إلى الوالد وكان كثير المكاتبة والصحبة له وفي هذا الكتاب يقول وهذه عبارته بعد مقدمات الكتاب: والذي يطالع به العلوم الكريمة الآن: أن الشيخ الإمام العالم العلامة شمس الدين مفتي المسلمين البرماوي هو أحد أعيان أولاد
شيخ الإسلام رضي الله عنه في العلم والإشغال وله بالفقير خصوصية قديمة من زمان متقادم والآن فقد خطر له التوجه إلى الشام المحروس لزيارة الصالحين والإحاطة بالشام علماً وقد عرفه الفقير أن مولانا الشيخ هو شيخ الشام والمرجع إليه في الشام مع أهل العلم والاهتمام.
هذه عبارة الإمام القاضي جلال الدين في كتابه إلى الوالد بسبب المذكور.
وهذه الترجمة من القاضي جلال الدين في حق المذكور منقبة فإن القاضي جلال الدين من كبار العلماء ولا يترجم بهذه العبارة إلا من هو في طبقة والده.
ولقد وقفت له على ترجمة لبعض العلماء البارعين دون هذه، والمقصود أن شيخنا كان يستحق هذه الترجمة وأعلى منها.
فقدم شيخنا إلى الشام فأكرمه الوالد وأضافه بمنزله بالصالحية وكذلك القاضي نجم الدين ابن حجي وأنزله في بيت الخطابة بجامع دمشق فلم تطل إقامته ورجع إلى بلده، ثم قدم بأهله وجماعته بطلب من القاضي نجم الدين في سنة ثلاث وعشرين بعد موت الوالد كما ستعلمه في ترجمته.
واستنابه القاضي نجم الدين في نيابة الحكم والخطابة بجامع دمشق وأحسن إليه، وولاه إفتاء دار العدل بعد والدي نيابة عني، والرّواحية بعد موت الشيخ برهان الدين بن خطيب عذراء والأمينية ودرس بها يوماً واحداً، وأضاف إليه وظائف أخرى تقوم بأوده وكان فقيراً جداً فانصلح حاله وانتفع به القاضي نجم الدين في العلوم وكان كثير المذاكرة عنده ويجتمع عندهم بعض الفضلاء فينتفع القاضي بواسطة ذلك.
وقرأ عليه طلبة دمشق الفضلاء منهم تاج الدين بن بهادر، وكان كثير الملازمة له وجلس للإشغال بجامع دمشق من بكرة إلى الظهر بباب الخطابة، وبعد ذلك بالإفتاء إلى آخر النهار.
وأقرأ المنهاج والتنبيه والحاوي، قسم كل واحد في سنة، ودرس
بالشامية البرانية والجوانية نيابة عن القاضي نجم الدين في الروضة وغيرها.
وبحث في الدروس مع علماء الشام إذ ذاك كابن سلام وشيخنا الكفيري شمس الدين وبلديه محيي الدين المصري وابن خطيب عذراء وغيرهم من الأعلام. وكان أكثر بحثه مع ابن سلّام لمشاركة كل منهما لصاحبه في الفنون ويكاد يحصل منهما الكلام السيء.
ثم إن شيخنا في آخر إقامته بدمشق قسّم المنهاج في أثناء سنة ست وعشرين وثمان مائة وحضره الفضلاء فوقع الفصل في أثناء ذلك فلم يتم الأمر.
وكان له ولد جميل الصورة -كان أحد القراء عليه في الكتّاب- فمات في الطاعون عن ثمانية عشر سنة ولم يكن له غيره فكمد من ذلك وظهر عليه الجزع والحزن وتأسف عليه غاية الأسف، وصادفه عزل القاضي نجم الدين من القضاء في تلك الأيام.
فرحل في منتصف شعبان من السنة إلى بلده، وأطبق عليه الطلبة وصار بركة مصره وشامه وعالم زمانه، وقصده الناس للإفتاء والأخذ عنه ثم رحل إلى الحجاز الشريف وجاور بمكة في سنة تسع وعشرين وفيها شرح البخاري، وانتفع عليه أهل الحجاز، فعاد في آخر السنة فتوفي إذ ذاك الشيخ شمس الدين الهروي بالقدس وكان شيخ الصلاحية كما سيأتي في ترجمته فولي شيخنا عوضه وكان ذلك بواسطة القاضي نجم الدين بن حجّي فإنه كان بمصر إذ ذاك.
فلما رجع الشيخ إلى القاهرة مكث أياماً يسيرة حتى تجهّز إلى القدس الشريف فقدمه في أثناء سنة ثلاثين وثمان مائة، وفرح بذلك غاية الفرح كما بلغني، وحق له ذلك، فإنها خاتمة حسنة عقيب المجاورة مباشرة.
فباشر الصلاحية بحمد الله على ما ينبغي وسر به المقادسة، وإلى الآن يتأسفون عليه كما شاهدته منهم ويذكرونه بكل جميل، وأحيا الله به العلم في تلك البقعة الشريفة.