الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ سراج الدين ابن الملقّن
عمر (1) بن علي بن أحمد بن محمد الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ المصنف سراج الدين بقية العلماء صدر المدرسين أبو حفص عمر بن أبي الحسن الأنصاري الأندلسي الأصل المصري المعروف بابن الملقن.
كان أبوه نحوياً معروفاً بالتقدم في ذلك، ومات وولده صغير فرباه زوج أمه الملقن فعرف به، ولد سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة.
وحفظ القرآن واشتغل بالعلم وأخذ عن مشايخ عصره ولزم منهم الشيخ جمال الدين الأسنوي وبرع عليه وصار من أعيان أصحابه وصنّف في حياته، ورأى الزنكلوني واجتمع بالشيخ تقي الدين السّبكي وابن عدلان وابن سيد الناس اليعمري وسمع من البدر الفارقي وأبي نعيم الأسعردي والنجيب وغيرهم.
وصنف قديماً في حياة مشايخه واشتهر شرح المنهاج الكبير المسمى بالعمدة له.
وسمعه عليه جماعة من أقرانه وكتبه بعضهم واشتهر صيته، وصنف التصانيف الكبيرة النافعة في الفنون.
قال بعضهم: ووقف الأذرعي على شرحه للمنهاج واستفاد منه ونقل منه في مواضع وقد مات الأذرعي قبله بدهر.
ودرّس وأفتى واشتهرت تصانيفه في حياته ونقلت إلى البلاد ونفع الله بها.
(1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 43 (739)، إنباء الغمر لابن حجر 5/ 41، لحظ الألحاظ لابن فهد 197، الضوء اللامع للسخاوي 6/ 100 (330)، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 438 (184)، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 369، شذرات الذهب لابن العماد 9/ 71، البدر الطالع للشوكاني 1/ 508 (255)، الأعلام للزركلي 5/ 57، معجم المؤلفين - كحالة 7/ 297.
وناب في الحكم ثم سعى فيه استقلالاً، وجرى له في ذلك كائنة وخلّصه منها الشيخ جزاه الله خيراً مع ما بينهما من التنافس وكان بينهما ما يكون بين الأقران وما كان ينصفه في المباحث.
قال شيخنا الحافظ ابن حجر: وتخرّج في الحديث بزين الدين الرَّحَبِي
وعلاء الدين مغلطاي وكتب عنهما الكثير وأكثر من تحصيل الأجزاء وسماع
الكتب الكبار وعني بالفقه فأخذ عن شيوخ عصره ومهر في الفنون.
وكان في أول أمره ذكياً فطناً، رأيت خطوط ذلك العصر في طباق
السماع توصفه بالحفظ ونحوه من الصفات العلية، ولكن لما رأيناه لم يكن
بالاستحضار ولا في التصرف بذاك، وكأنه لما طال عمره استروح وغلبت
عليه الكتابة فوقف ذهنه.
واعتنى بالتصنيف فشرح كثيراً من الكتب المشهورة كالمنهاج والتنبيه والحاوي، فله على كل واحد عدة تصانيف يشرح الكتاب شرحاً كبيراً ووسطاً وصغيراً ويفرد لغاته وأدلته وتصحيحه ونحو ذلك.
ومن محاسن تصانيفه شرح الحاوي ورأيت منه نسخة كتبت عنه في حدود سنة خمسين، وشرح البخاري في عشرين مجلد وعمله في نصفه الأول أكثر من عمله في نصفه الآخر ويذكر أن بينهما مدة عشرين سنة، ثم شرح زوائد مسلم ثم زوائد أبي داود ثم زوائد الترمذي والنسائي وابن ماجه -كذا رأيته بخطه ولكن لم يوجد بعده لأن كتبه احترقت قبل موته بقليل، راح فيها من الكتب النفيسة الموقوفة وغير الموقوفة شيء كثير جداً.
وجمع في الفقه كتاباً سماه الكافي أكثر فيه من النقول الغريبة واشتهر اسمه وطار صيته ورعب الناس في تصانيفه لكثرة فوائدها وبسطها وجودة ترتيبها، وكانت كتابته أنبل من استحضاره، فلما قدم الشام فاتحوه في كثير من مشكلات تصانيفه فلم يكن له بذلك شعور ولا أجاب عن شيء منه، فقالوا في حقه ناسخ كثير الغلط.
وقد تغير قبل موته فحجبه ولده إلى أن مات. انتهى.
وقال الشيخ شهاب الدين ابن حجّي: صنّف في أيام شيخنا الأسنوي قديماً شرح المنهاج ثم صنّف تخريج أحاديث الرافعي.
وَرَدَ علينا دمشق في سنة سبعين وسبع مائة طالباً لسماع الحديث فاعتنى به القاضي تاج الدين السبكي لما ورد عليه وكتب له على مؤلفه وأرسله إلى شيخنا الحافظ ابن كثير فكتب له أيضاً، وإنما استعان بكتاب ابن جماعة، ثم كتب بعد ذلك كتباً عديدة.
توفي في ربيع الأول سنة أربع وثمان مائة عن إحدى وثمانين سنة رحمه الله تعالى.
ومن مصنفاته غير ما تقدم الخلاصة في تلخيص تخريجه للرافعي ثم اختصره في تصنيف لطيف سماه المنتقى وتخريج أحاديث المهذب والوسيط وشرح العمدة سماه الأعلام بفوائد عمدة الأحكام وهو من أحسن مصنفاته وطبقات المحدثين والفقهاء وتاريخ دولة الترك وشرح منهاج الأصول وغير ذلك.
وقال عنه شيخنا الحافظ ابن حجر: من المصريين، هو الشيخ الإمام العلامة الأوحد الحافظ ذو الفنون أبو حفص عمر بن أبي الحسن الأندلسي الأصل المصري الشافعي الشهير بابن الملقِّن.
صاحب التصانيف الكثيرة المباركة النافعة، وهو أحد الرؤساء الذين ختم بهم هذا القرن الثامن -وقد تقدم ذكرهم في آخر المحمدين- في ترجمة الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب القاموس -وهو منهم.
فمن مشاهير مصنفاته الشروح المشهور على التنبيه والمنهاج والحاوي والبخاري والمنهاج للبيضاوي وتخريج أحاديث الرافعي سماه البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير في ست مجلدات ثم اختصره وسماه الخلاصة ثم اختصره وسماه المنتقى كما تقدم قريباً -وصنف من قديم في أيام مشايخه.
ودرس وأفتى وانتفع به كثيرون من الأئمة منهم شيخنا العلامة شمس الدين البرماوي ومحيي الدين المصري والشيخ ولي الدين العراقي
وابن أبي البقا جلال الدين وابن الصلاح قاضي الشام وشيخنا الحافظ قاضي القضاة ابن حجر والقاضي نجم الدين ابن حجي أجازهُ بالتدريس كما تقدم في ترجمتهما وخلق كثير من المصريين والشاميين، ورحل إليه الناس من البلاد للأخذ عنه ولكتابة تصانيفه.
وكان يناهز الشيخ بالقاهرة وهو من أقرانه وأخذ عن الأسنوي ومن في طبقته ورأى الزنكلوني، واجتمع بالشيخ تقي الدين السبكي ورحل إلى الشام فأخذ عن حفّاظها الذهبي وابن كثير والصلاح العلائي، وانتفع على العلامة قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي وأجيز بالفتيا والتدريس، ويحكى عنه أنه اجتمع بالخضر عليه السلام، وقد أخبرني شخص من علماء المصريين وهو من طلبته عنه مشافهة بذلك.
ثم ذكر مولده كما تقدم قبل مولد الشيخ بسنة ومات قبله بسنة وكسر فكلٌ منهما استوفى من صاحبه، وكذلك وقع للحافظ العراقي فإنه ولد بعد الشيخ بسنة وعاش بعده بسنة.
وحصل للشيخ سراج الدين ابن الملقن صاحب الترجمة اختلاط في عقله قبل موته بيسير فحجبه ولده الشيخ نور الدين عن الناس -أخبرني من أثق به من المصريين أن سببه احتراق كتبه.
وكان حسن الشّكالة منوّر الشيبة حسن اللباس له وقع وعظمة في النفوس.
وبالجملة: فهو ممن نفع الله به وبتصانيفه وبارك له وللمسلمين فيها، ووقفت له في هذه السنة على كتاب جليل في علوم الحديث، وآخر مختصر في الأصلين أصل الفقه والدين وهما بديعان، وقع لي بهما نسخة من تركة الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين رحمه الله وعفا عنه وعنا وعن سائر المسلمين. انتهى.
* * *