الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن حجر: اشتغل كثيراً ولازم أبا البقاء والبلقيني وغيرهما.
وأفتى ودرّس ووعظ ومهر في العربية والتفسير والأصول وشارك في الفقه.
وكان ذكياً فصيح العبارة كثير المحبة للَّهو -سامحه الله تعالى-.
سمع على القلانسي وناصر الدين الفارقي في معجم الطبراني الصغير.
سمعت عليه قليلًا من البخاري بالمحمودية واستفدت من فوائده، وأول ما رأيته في سنة ست وثمانين.
مات في سنة سبع وثمان مائة بتقديم السين -انتهى.
قلت: أما قوله عنه وشارك في الفقه فهذا كلام من لا يعرف الفقه، فالشيخ بدر الدين من فقهاء المصريين الأعلام، وتخرّج عليه جماعة من الأئمة منهم شيخنا الإمام محيي الدين المصري وغيره، وأخبرني أنه لم يكن بالقاهرة نظيره في تقرير المذهب واستحضاره، غير أنه متساهل في دينه -عفا الله تعالى عنا وعنه بكرمه- آمين.
* * *
الشيخ شهاب الدين ابن المحمّرة
أحمد بن (1) محمد بن صلاح بن محمد بن عثمان الأموي المصري المعروف بابن المحمّرة الإمام العلامة قاضي القضاة شهاب الدين بقية الأعلام البارعين والحفاظ المتفننين، صدر المدرسين أبو العباس، مولده في صفر سنة سبع وستين وسبع مائة.
(1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 83 (764)، إنباء الغمر لابن حجر 8/ 432، الأنس الجليل للعليمي 2/ 112، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 14/ 361، الضوء اللامع للسخاوي 2/ 186، شذرات الذهب لابن العماد 9/ 341.
واشتغل بالعلوم ومهر في الفنون وسمع الحديث في سنة خمس وثمانين مع رفيقه الحافظ ابن حجر -كذلك أخبرني به- وكتب الطباق والأجزاء بخطه الحسن وقرأ في علوم الحديث على العراقي وكتاب المنهاج وكان يستحضره إلى آخر وقت وتفقه على مشايخ عصره كالشيخ وابن الملقن والمجد البرماوي وغيرهم من الأئمة المعتبرين.
وناب في الحكم للقاضي جلال الدين فمن بعده، ثم حجّ وجاور بمكة في سنة أحد وعشرين وثمان مائة، ورجع إلى بلده ودرس بالشيخونية وغيرها بحضرة الأعلام وولي مشيخة الشيوخ بخانقاه سعيد السعداء.
وأقبل على الأشغال وانتفع عليه جماعة وأفتى وعلَّق الكثير، ولم يصنف فيما بلغني غير أني سمعت أنه لما ولي الصلاحية في آخر عمره كما سيأتي علق كراريس على الروضة وكان يدرّس منها.
ثم ولي قضاء الشام في جمادى الآخرة سنة اثنين وثلاثين فباشرها مباشرة حسنة مدة ثلاث سنين وثلاثة أشهر إلا أياماً يسيرة.
واشتهر صيته بالشام ولم يكن بالمشهور ولا بالمشكور بين علماء القاهرة، ودرّس بالغزالية الدروس الحسنة المرتّبة بالكشاف في مدة ولايته لم يتم تفسير الفاتحة، وبغيرها من وظائف القضاء، ودرس بدار الحديث الأشرفية دروساً جليلة في فن الحديث.
وكان فاضلًا في الفقه والحديث والنحو حسن المشاركة في غيرها وله معرفة تامة بصنعة القضاء، وأشغل الطلبة بدمشق في الفقه والحديث.
وحضرت غالب دروسه في الفقه وكان محققاً متقناً مبيناً ضابطاً لما يقوله ويرويه وأذن بالإفتاء بعد وقوفه على شيء من كلامي وكان لي منه منزلة عظيمة ومحبة كثيرة.
وكان مواظباً على وظائف العبادات من الأوراد في الصباح والمساء وعلى صلاة النوافل كالضحى يصليها ثمان ركعات دائماً وغيرها من الصلوات المستحبة ومحاسنه كثيرة.
وخطب بجامع دمشق خطباً عظيمة جليلة لائقة بالزمان ويورد في أثنائها أحاديث مناسبة للوقت بأداء حسن وعليه سكينة ووقار ولين جانب منور الشيبة حسن الشكالة.
ولم يزل على هذه الأوصاف الحميدة إلى أن عُزل من القضاء في شعبان من سنة خمس وثلاثين فرجع إلى بلده، وكان حصل له ألم كثير من العزل لأنه من غير موجب فرجع إلى بلده وزار القدس والخليل في طريقه، وكان بعض وظائفه بالقاهرة طمع فيها من استنابه فرجعت إليه بكلفة.
وتم ببلده مقيماً على حاله من الإشغال والإفتاء ونفع الناس وصار شيخ الشافعية بالقاهرة بعد شيخنا البرماوي وطبقته.
فعرض عليه قضاء الشام ببذل شيء يسير فامتنع وصمّم وقال لهم كما بلغنا: لو طلبتم مني في مقابلته. . . من. . . . ما توليت، جزاه الله عن دينه خيراً، فعمل عليه بعض الدولة على إخراجه فولَّاه الأشرف تدريس الصلاحية بالقدس الشريف بعد مراجعته والتصميم على عدم قبولها فلم يقدر.
وكان ذلك من الحيز الذي سبق له في الأزل من الدفن في الأرض المقدسة فقبلها بعد مراجعة كثيرة، وقدم القدس في المحرم سنة تسع وثلاثين وباشرها على ما يليق به، وفرح به المقادسة، ودرّس بالصلاحية، وأشغل الناس ولم يبق معه لأحد في القدس كلمة، وأخرج نائب القدس الأمير حسن. . . لما تعد -وكان ظالماً غاشماً.
وتم على ذلك إلى أن أتاه أجله فمرض أياماً يسيرة، وتوفي إلى رحمة الله تعالى يوم الأحد سابع عشر ربيع الآخر سنة أربعين وثمان مائة، وحضره الجم الغفير وحزن عليه الناس وعامة أهل البلد متأسفين عليه إلى الآن -رحمه الله تعالى وإيانا بكرمه.
* * *