الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخنا الحافظ شهاب الدين ابن حجر: كان أصله من الشرق فأقدمه أبوه طفلًا فنزل حماه وتعلّم صناعة الخط ثم حُبّب إليه الاشتغال فمهر في مدة يسيرة.
ولازم الشيخ شرف الدين بن يعقوب خطيب القلعة والشيخ جمال الدين ابن خطيب المنصورية وصاهره، وأخذ بدمشق عن الشيخ زين الدين بن القرشي وغيره.
وشارك في الفنون وقدم حلب سنة ثلاث وسبعين وسبع مائة.
وناب في الحكم مدة ثم ولي قضاء الرها ثم قضاء الباب ومراغة، وولي عدة تداريس، وكان فاضلًا مفننًا مشكور السيرة.
مات بالفالج في ربيع الأول سنة ست وثمان مائة بحلب.
وأنجب ولديه الفاضلين الشاعرين الماهرين شمس الدين محمد وزين الدين عبد الرحمن.
وقد ذكره أيضاً القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه وأثنى عليه وقال أنه أخذ عنه. انتهى.
* * *
شمس الدين الأذرعي
محمد بن (1) سليمان بن أبي بكر الأذرعي، الشيخ العالِم الصالح المعمَّر شمس الدين بقية السلف الصالحين.
وأذرعات مدينة من آخر حوران من جهة القبلة، ووقع في كلام
بعضهم كما قال الإمام أبو شامة في تاريخه أنها من البلقاء وهو وهم -
(1) لم أعثر له على ترجمة.
والصواب أنها من حوران الإقليم المعروف قبلي دمشق فوق الكسوة المنزلة المعروفة على باب دمشق وهي بريد منها، وأذرعات بفتح الهمزة وكسر الراء كذا قيدها صاحب الصحاح كما حكاه عنه النووي في تهذيبه وهي بلدة معروفة بالشام بينها وبين دمشق مرحلتان ومنها إلى بصرى مرحلة وإلى بيت المقدس نحو أربع مراحل والنسبة إليها أذرعي بفتح الراء كما قاله النووي في كتابه المذكور.
ولد الشيخ المذكور بها في سنة خمسين وسبع مائة كما أخبرني به، ورحل منها إلى دمشق فتوطّن بها وحفظ الكتاب العزيز والمنهاج وله فيه ذيل وكان يستحضره إلى آخر وقت.
وسمع الحديث وأسمع وأفاد وأدرك الأئمة بدمشق كالشيخ جمال الدين الشريشي والد الإمام شرف الدين والعمادين ابن كثير والحسباني وابن خطيب يبرود والقاضي تاج الدين السبكي ولزمه وكان من أصحابه ونسخ له بخطه.
من مصنفاته التوشيح والترشيح وكتب بخطه الكثير وكان خطه حسناً.
ولزم الشيخ الجمال المعروف بدمشق بالصلاح والفضل وأخذ عنه وعن غيره من السادات كالقطب المزي العجمي الصالح المشهور قبل. . . . والموصلي الشيخ شمس الدين القونوي وغير هؤلاء من الأئمة الصالحين.
ثم توطّن محلة بيت (1) لهيا من ضواحي دمشق بمسجد لله عز وجل يسمى مسجد ابن فرفور وجاور فيه أكثر من خمسين سنة ويتردد إلى جامع دمشق في كل جمعة، وكان قبل الفتنة سكن مدة بالبادرائية وهو من فقهائها ومن رفقاء الشيخ تقي الدين الحصني والشيخ تقي الدين الكرماني وغيرهما.
والمقصود أن هذا الرجل كان من الخيرين وعلى طريقة حسنة وكان يقرئ الصغار بالمسجد المذكور ويشهد في بعض الأحيان.
(1) بيت لهيا: قرية مشهورة بغوطة دمشق -معجم البلدان- ياقوت الحموي 1/ 619 (2323).
وأدرك أيضاً من الأئمة بلديه الشيخ الإمام شهاب الدين الأذرعي وأخذ عنه ولم يزل مقيماً بمكانه يعلِّم الصغار ويؤم بالمسجد المذكور إلى أن هرم وضعفت إحدى عينيه مع كتابته الحسنة وعقله لم يختل وحجّ مرات.
إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الأول سنة أربعين وثمان مائة عن إحدى وتسعين سنة وقبر بمقابر بيت لهيا بوصية منه بذلك في يوم الجمعة قبل الصلاة.
وقد استفدنا منه الكثير وهو من جملة من روى لي مصنفات ابن كثير عنه، وكان شيخنا أيام الصغر في القرآن وله علينا الإحسان، جمع الله بيننا وبينه في دار كرامته.
* ثم أحببت أن أذكر ترجمة بلديه الشيخ شهاب الدين (1) الأذرعي فنقول:
أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني بن محمد بن سالم بن داود بن يوسف بن جابر الأذرعي الأصل ثم الحلبي الشيخ الإمام العلامة الأوحد البارع المطلع، عالم بلاد الشمال في عصره والمتقدم في تلك النواحي على أهل مصره شهاب الدين أبو العباس صاحب المصنفات السائرة النافعة المباركة.
كان المذكور إماماً عالماً كبيراً جليل القدر مطلعاً على كلام الأصحاب ونصوص الإمام الشافعي واسع الباع في ذلك، ليس لأحد من المتأخرين ما له من الفوائد والنقل والاستحضار مع الديانة وكثرة الخوف من الله تعالى وسلامة الصدر، كريماً سخياً محاسنه كثيرة، ومن اطلع على مصنفاته تحقق
(1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/ 140 (678)، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 125 (354)، إنباء الغمر لابن حجر 1/ 61، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 1/ 177، الدارس في أخبار المدارس للنعيمي 1/ 43، شذرات الذهب لابن العماد 8/ 479، البدر الطالع للشوكاني 1/ 35 (21)، الأعلام للزركلي 1/ 119، معجم المؤلفين - كحالة 1/ 210.
ما قلته، ورعاً في نقله كثير التحري والتفتيش مقتحمًا على الحق لا يسمح بالتخفيف سيما إذا كان الأمر معضلًا، أو يكون كلامه في المواضع التي مصالحها عامة كالقضاء وغالب المعاملات، وأنت ترى صنيعه في أخذ القوت سيما في أبواب القضاء وتلك المواضع. . . . فجزاه الله خيراً.
مولده كما ذكره لبعض طلبته في سنة ثمان وسبع مائة بأذرعات.
وأخذ عن الأئمة الأعلام أصحاب الفنون كالسبكي الكبير والفخر المصري ولزمه وتخرّج عليه وأذن له بالإفتاء سنة خمس وثلاثين.
ورحل في طلب العلم بنفسه وجدّ واجتهد وبرع في المذهب وسمع الحديث من المزي والذهبي وغيرهما وله اطلاع في علم الحديث ومعرفة رجاله.
ومن رأى مصنفاته شهد له بذلك وله السؤالات المسماة بالحلبيات للشيخ تقي الدين السبكي وبعض الأسئلة أفحل من الجواب.
وبحث مع الشيخ بالقاهرة في مسألة الجبيرة، وقد أثنى الشيخ عليه وعلى مصنفاته وقال إنها مفيدة غير مرة.
ورحل إليه الإمامان الزركشي والبيجوري وبحثا عليه، وكتب البيجوري القوت، قال جمال الدين ولد الشيخ شهاب الدين الأذرعي: إن البيجوري لما قدم عليهم كان يكتب المجلد من القوت في شهرين ويطالع ويبحث مع الشيخ في مسائل فتارة يوافقه الشيخ وتارة يخالفه ويبين له وجه الحق.
وبالجملة: فكان الشيخ شهاب الدين أحد أئمة المذهب في زمانه وفقيه عصره بل فقيه أوانه.
ومن مصنفاته القوت الشرح المشهور على المنهاج والغنية عليه أيضاً لكنها نكت عظيمة وهي أحسن من الشرح. . . . والمتوسط الكتاب الحافل على الرافعي والروضة ومنه استمد الزركشي في كتابه الخادم ومشى على سؤاله وروى لي عنه مصنفات النووي سماعه من شيوخي منهم الشيخ علاء الدين بن سلامة المكي وكذلك بلديه المتقدم الشيخ محمد الأذرعي، وأخذ عنه جماعة من القضاة يحصرون.
توطّن رحمه الله بحلب وتصدى بها لنفع الناس ودرّس بها بالأسدية وغيرها.