المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مصادر ترجمة المصنف رحمه الله - بهجة الناظرين إلى تراجم المتأخرين من الشافعية البارعين

[الرضي الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌وصف النسخ المخطوطة:

- ‌أولاً: نسخة الظاهرية:

- ‌ثانياً: نسخة الرباط:

- ‌نسبة الكتاب للمصنف رحمه الله

- ‌شكر وتقدير:

- ‌ترجمة المصنف -رضي الدين الغزي-رحمه الله 811 - 864 ه

- ‌اسمه وكنيته و‌‌مولده:

- ‌مولده:

- ‌آل بيت الغزي:

- ‌ترجمة الأب شهاب الدين الغزي: 770 - 822 هـ رحمه الله

- ‌ترجمة الابن -رضي الدين بن رضي الدين الغزي- 862 - 935 هـ رحمه الله

- ‌ترجمة الحفيد: بدر الدين الغزي 904 - 984 هـ رحمه الله

- ‌ترجمه ابن الحفيد -نجم الدين الغزي- 977 - 1061 هـ رحمه الله

- ‌مشايخه وأقرانه:

- ‌مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مصادر ترجمة المصنف رحمه الله

- ‌ بدر الدين ابن العصياتي

- ‌القلقشندي وبيته

- ‌الونائي

- ‌ابن كثير

- ‌ابن الشاغوري

- ‌الشيخ نجم الدين المرجاني

- ‌عز الدين ابن جماعة

- ‌شمس الدين الغَرّاقي

- ‌جمال الدين البهنسي

- ‌ابن ناصر الدين الدمشقي

- ‌محمد شمس الدين ابن أبي الحياة

- ‌الشيخ شمس الدين بن ركن الدين

- ‌الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد

- ‌شمس الدين الأسيوطي

- ‌شمس الدين الحصني ابن أخي الشيخ تقي الدين

- ‌شيخنا الشيخ شمس الدين الكفيري

- ‌الشيخ بدر الدين الرمثاوي

- ‌شمس الدين البيجوري

- ‌تاج الدين ابن بهادر

- ‌الشيخ تاج الدين ابن بهرمان

- ‌الشيخ تاج الدين الغرابيلي

- ‌الشيخ شمس الدين ابن الطباخ

- ‌شمس الدين البلاطنسي

- ‌الشيخ شمس الدين المكيسي

- ‌الشيخ شمس الدين ابن الحدادني

- ‌شمس الدين ابن الخراط

- ‌شمس الدين الأذرعي

- ‌الشيخ بدر الدين الزركشي

- ‌شمس الدين القليوبي

- ‌جمال الدين ابن ظهيره

- ‌الشيخ الصالح شمس الدين البرشنسي

- ‌الشيخ شمس الدين ابن المنهاجي

- ‌شيخنا العلامة شمس الدين البرماوي

- ‌العلامة بدر الدين ابن الشيخ -رحمهما الله

- ‌الشيخ شمس الدين النابلسي

- ‌شمس الدين الكفتي

- ‌الشيخ شمس الدين ابن القطان

- ‌جمال الدين الشيبي

- ‌شمس الدين القاياتي

- ‌القاضي بدر الدين ابن أبي البقا السبكي -وبيته

- ‌الشيخ شمس الدين ابن الجزري

- ‌الشيخ شمس الدين العيزري

- ‌الشيخ العلامة كمال الدين الدميري

- ‌الشيخ محمد البلالي العالم الصوفي

- ‌الشيخ البارنباي

- ‌الشيخ الشطنوفي

- ‌ شمس الدين الأسيوطي

- ‌قاضي القضاة شمس الدين الهروي

- ‌محمد الحمصي

- ‌بدر الدين الجعبري

- ‌الشيخ شمس الدين ابن زهره الحبراضي

- ‌الأحمدون

- ‌الشيخ شهاب الدين ابن العماد الأقفهسي

- ‌الشيخ شهاب الدين ابن حجّي-رحمه الله تعالى -شيخ الشافعية

- ‌شهاب الدين بن كيكلدي

- ‌الشيخ العلامة شهاب الدين الملكاوي

- ‌الشيخ شهاب الدين الحلبي

- ‌شيخ الإسلام الوالد -رحمه الله تعالى--شهاب الدين الغزي- نفعنا الله به

- ‌ولي الدين أبو زرعة العراقي

- ‌الشيخ شهاب الدين الطنتدائي-شارح جامع المختصرات

- ‌شهاب الدين الحسيني

- ‌شيخنا الإمام حافظ العصر ابن حجر

- ‌الخيوطي

- ‌شهاب الدين السلاوي

- ‌الشيخ شهاب الدين اين الناصحالمصري رحمه الله

- ‌بدر الدين الطُّنْبُذي

- ‌الشيخ شهاب الدين ابن المحمّرة

- ‌الشيخ العلامة شهاب الدين ابن الهائم

- ‌الشيخ العلامة شهاب الدين ابن نشوان

- ‌قاضي القضاة محب الدين ابن ظهيرة

- ‌شهاب الدين الوجيزي

- ‌الشيخ شهاب الدين ابن رسلان

- ‌قاضي القضاة شهاب الدين الباعوني

- ‌برهان الدين ابن علوان

- ‌أبو إسحق البيجوري

- ‌برهان الدين السرّائي

- ‌برهان الدين ابن زقاعة

- ‌الشيخ شهاب الدين ابن خطيب عذرا رحمه الله

- ‌إبراهيم الملكاوي

- ‌الحافظ أبو إسحاق الحلبي

- ‌إبراهيم الأصيل

- ‌الشيخ العلامة برهان الدين الأبناسي

- ‌الشيخ العلامة مجد الدين البرماوي

- ‌شرف الدين أبو الفدا اليمني المقرئ

- ‌شيخنا شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي شهبة

- ‌الزين المراغي

- ‌أبو بكر الخزرجي

- ‌الشيخ تقي الدين اللوبياني

- ‌الشيخ تقي الدين الحِصني

- ‌ حرف الباء *

- ‌حرف التاء

- ‌الشيخ العلامة تاج الدين البديري

- ‌ حرف الثاء *

- ‌ حرف الجيم *

- ‌حرف الحاء

- ‌الشيخ حسام الدين الأبيوردي

- ‌الشيخ بدر الدين ابن قاضي أذرعات

- ‌ حرف الخاء *

- ‌حرف الدال

- ‌الشيخ داود الكردي الحلبي

- ‌ حرف الذال *

- ‌حرف الراء

- ‌بهاء الدين البلقيني -ابن أخي الشيخ

- ‌ حرف الزاي *

- ‌حرف السين

- ‌الشيخ سعد الدين النَّوَاوِي

- ‌الشيخ سعد الدين الآمدي

- ‌الشيخ سالم النّاعوري

- ‌ حرف الشين *

- ‌حرف الصاد

- ‌الشيخ شرف الدين

- ‌الشيخ صدقة الترمنتي

- ‌ حرف الضاد *

- ‌حرف الطاء

- ‌الشيخ زين الدين ابن الصلف

- ‌ حرف الظاء *

- ‌حرف العين

- ‌الحافظ جمال الدين ابن الشرايحي

- ‌القاضي جمال الدين ابن الزهري -وفيها ترجمة والده

- ‌الشيخ جمال الدين الفرخاوي

- ‌العلامة جمال الدين الطيماني

- ‌عبد الله بن عنين

- ‌قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين ابن الشيخ

- ‌العلامة زين الدين الفارسكوري

- ‌الشيخ زين الدين ابن لاجين

- ‌الشيخ أبو هريرة ابن النقاش واعظ القاهرة

- ‌الشيخ زين الدين الملكاوي

- ‌الشيخ زين الدين الكردي الواعظ

- ‌الشيخ زين الدين بن الجلال العراقي

- ‌الحافظ الكبير زين الدين العراقي

- ‌شيخ الشافعية جمال الدين الأسنوي -تغمده الله برحمته

- ‌القاضي تاج الدين ابن الزُّهري رحمه الله

- ‌الشيخ زين الدين الكفيري وأخوه صدر الدين

- ‌الفقيه عمر الحمصي

- ‌قاضي القضاة نجم الدين ابن حجّي

- ‌الشيخ سراج الدين ابن الملقّن

- ‌الشيخ فخر الدين البرماوي

- ‌الإمام نور الدين الهيثمي

- ‌الإمام نور الدين السلمي

- ‌نور الدّين الأزرق

- ‌الإمام نور الدين الآدمي

- ‌الإمام نور الدين ابن الزيّات

- ‌الشيخ العلامة نور الدين الأبياري النّحوي

- ‌القاضي نور الدين ابن الملقن

- ‌الشيخ علاء الدين بن سَلامَّ

- ‌شيخنا الشيخ علاء الدّين ابن الصَّيْرَفِيّ

- ‌ابن خطيب الناصرية

- ‌الشيخ علاء الدين الصَّلَخْدِي

- ‌ حرف الغين *

- ‌ حرف الفاء *

- ‌ حرف القاف *

- ‌ حرف الكاف *

- ‌ حرف اللام *

- ‌حرف الميم

- ‌الشيخ ماهر المصري

- ‌الشيخ نور الدّين ابن خطيب الدَّهْشَة

- ‌موسى الحلبي

- ‌موسى البعلي

- ‌ حرف النون *

- ‌حرف الهاء

- ‌همّام الخوارزمي

- ‌ حرف الواو *

- ‌حرف الياء

- ‌شيخنا الشيخ محيي الدين المصري

- ‌يوسف النابلسي

- ‌يوسف الأنبابي

- ‌ابن خطيب المنصورية

- ‌يوسف التّبريزي

الفصل: ‌مصادر ترجمة المصنف رحمه الله

"وذاكرته في أنواع العلوم فوجدته كما وُصف وأبلغ. . . واجتمعنا هناك مرات في القلعة في قراءة الحديث. . . وزادت المودة بيننا. . . " وسوى هؤلاء وهؤلاء كثير ذكرهم في هذا المصنف رحمه الله.

‌مؤلفاته:

1 -

أدب القضاء -ذكره بروكلمان- مخطوط في برلين رقم 972.

2 -

بهجة الناظرين إلى تراجم المتأخرين من الشافعية البارعين - الكتاب الذي بين أيدينا.

3 -

سيرة الملك الظاهر جقمق 856 هـ ذكره صاحب كشف الظنون وكحالة في معجمه.

4 -

مناسك الحج - ذكره كحالة في معجمه.

‌وفاته:

قال السخاوي رحمه الله في الضوء اللامع في ذكر وفاة المصنف رحمه الله:

"مات في يوم الخميس مستهل ربيع الأول سنة أربع وستين وصلى عليه عقب الظهر بجامع دمشق ثم بجامع تنكز ودفن بمقبرة الصوفية عند رجلي الشهاب ابن نشوان بوصية منه -رحمهما الله وإيانا".

‌مصادر ترجمة المصنف رحمه الله

-:

الضوء اللامع للسخاوي 6/ 324 (1060) -كشف الظنون 34 - بروكلمان -مترجم- 6/ 125 - مجلة معهد المخطوطات العربية المجلد الثاني -الجزء الأول- سنة 1956 م - ص / 127 ترجمة رقم (42).

الأعلام للزركلي 5/ 333 - معجم المؤلفين- كحالة - 8/ 279.

* * *

ص: 17

كِتَابُ

بَهْجَة النَّاظِرِينَ

إلى تراجم المتأخرين

مِن الشَّافعيّة البَارعين

تصنيف

الإمَام رضيّ الدّين أبي البَركَات محمَّد بن أحمَد بن عَبد الله

الغزّي العَامِري الشَّافِعي "ت 864 هـ"

ضَبط النّص وعَلّق عَلَيه

أبو يحيى عَبد الله الكندري

ص: 19

ورقة الغلاف - نسخة الخزانة العامة بالرباط - المغرب

ص: 21

الورقة الأولى - نسخة الخزانة العامة بالرباط - المغرب

ص: 22

الورقة الأخيرة - نسخة الخزانة العامة بالرباط - المغرب

ص: 23

ورقة الغلاف - نسخة الظاهرية- سوريا

ص: 24

الورقة الأولى- نسخة الظاهرية - سوريا

ص: 25

الورقة الأخيرة - نسخة لظاهرية - سوريا

ص: 26

بسم الله الرحمن الرحيم

* رب أعن *

قال العبدُ الفقيرُ إلى الله تعالى، شيخنا وسيدنا، الإمام العلامة والبحر الفهّامة، رضيُّ الدين، مفتي المسلمين رحلةُ الطالبين، أوحد المجتهدين، محمد بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام، بَقِيةُ العلماء الأعلام، شهاب الدين قامع المبتدعين أبي نعيم أحمد بن الشيخ الصالح العلّامة جمال الدين عبد الله العامري الغَزِّي الشافعي تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنته. آمين.

الحمد لله مدبر الأمور، مميت الأحياء وباعث من في القبور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي هو بالرعب منصور، صلى الله وسلم عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين عدد الأيام والدهور، ورضي الله تعالى عن أصحابه وتابعيهم إلى يوم البعث والنشور.

وبعد فهذا مختصرٌ لطيفٌ قصدت به ترجمة الأئمة من أصحابنا الشافعية المتأخرين، وأعني بهم من أدركتهم واجتمعت بهم من العلماء البارعين، وبعضهم مشايخي الذين أخذت عنهم العلم، من أهل الفضل والحلم، وصدّرتهم بالإمام العلّامة شيخ الإسلام سراج الدّين أبي حفص عمر بن رسلان البلقيني المصري الشافعي، تغمده الله بالرحمة والرضوان، إذ هم على الحقيقة في العلم أولاده وبه افتخروا وسادوا، فهو في هذا العصر بالنسبة إلينا كالشافعي وهم أصحابه - واعلم أني إذا أطلقت في هذا

ص: 27

المختصر "الشيخ" فمرادي الشيخ سراج الدين البلقيني المذكور، وإن أردت غيره قيدته.

ثم بعد ترجمة الشيخ ذكرت "المحمدين" ثم "الأحمدين" ثم سردتهم على حروف الهجاء من الألف إلى الياء - ليسهل الكشف على مُطالعه والضبط لطالبه، اقتداءً بالقاضي العلّامة تاج الدين أبي نصر ابن السبكي في طبقاته، فإنها من أحسن المصنفات في هذا المعنى ومنه استقر من صنّف في زمنه وبعده في هذا الأُسلوب المعتنى، وإن اصطنع كل واحدٍ اصطناع فلا مشاححة في الاصطلاح.

ثم اعلم أني لا أُترجم إلا من تأخرت وفاته إلى هذا القرن التاسع ولو في أول سنة منه، وقد أُترجم بعض من تُوفي قبله استطراداً في ترجمة ابنه أو أبيه أو قريبه أو بلديِّه، وقد أترك ذلك لمعنى لا يخفى على الحاذق، وقد أترجم بعض رفقتي ممن مات في زمني.

وأما المتقدمون من أئمتنا وأعني بهم من الشافعين إلى آخر القرن الثامن، فقد اعتنى بتراجمهم أئمةٌ كثرةٌ ودوّنوا في ذلك دواوين عديدة ولله الحمدُ على ذلك وعلى سائر نعمه التي لا تحصى.

وهذا حين أشرع في المقصود والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اعتصمت بالله، فوضت أمري إلى الله، ما شاء الله كان وهو حسبي ونعم الوكيل، وإياه أسأل أن ينفع به إنه قريب مجيب.

* * *

ص: 28

ترجمة الشيخ رحمه الله تعالى

شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني

عفا الله عنه

هو أبو حفص (1) عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق بن عبد الحق البلقيني ثم المصري، الإمام العلم الحافظ الفقيه الأُصولي النحوي المفسر المتكلم النظّار، شيخ الإسلام بقية المجتهدين الأعلام منقطع القرين سراج الدين الكناني، العسقلاني الأصل البلقيني المولد، ولد بها في ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان المكرم سنة أربع وعشرين وسبعمائة.

وبلقينةُ (2) بُليدةٌ بالغربية من أعمال الديار المصرية.

حفظ القرآن ببلده وهو ابن سبع سنين، وحفظ الشاطبية والمحرر للرافعي والكافية الشافية لابن مالك ومختصر ابن الحاجب الأصولي.

ثم قدم القاهرة سنة ست وثلاثين واجتمع إذ ذاك بالشيخ تقي الدين السبكي والقاضي جلال الدين القزويني، وأثنى كل منهما عليه مع صغر سنه ثم رجع إلى بلده.

ثم قدم إلى القاهرة أيضاً في سنة ثمان وثلاثين، وقد ناهز الاحتلام مستوطناً بها، وحج بالموسم مع والده سنة أربعين وَدَرَسَ الفقه على الشيخ نجم الدين الأسواني وابن عدلان وزين الدين التلمساني وشمس الدين ابن

(1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 36 (737)، إنباء الغمر لابن حجر 5/ 107، لحظ الألحاظ لابن فهد 206، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 13/ 29، الضوء اللامع للسخاوي، 6/ 85 (286)، ذيل طبقات الحفاظ للسيوطي 369، شذرات الذهب لابن العماد 9/ 80، البدر الطالع للشوكاني 1/ 506 (254)، الأعلام للزركلي 7/ 284، معجم المؤلفين - كحالة 7/ 284.

(2)

بلقينة: معجم البلدان - ياقوت الحموي 1/ 580 (2123).

ص: 29

القماح والأصول على الشمس الأصفهاني وأجازه بالإفتاء، وأخذ النحو والأدب على أبي حيان، وسمع البخاري من الشيخ جمال الدين بن شاهد الجيش، ومسلم من العلامة شمس الدين بن القمّاح، وسمع بقية الكتب الستة وغيرها من المسانيد من جماعة، وتخرج بغيرهم من مشايخ العصر، ولزم الاشتغال وحضر عند الشيخ تقي الدين السبكي وبحث معه في الفقه، وأجاز له من دمشق الحافظان المزي والذهبي وغيرهما كابن الحربي وابن نباتة وابن الخباز وغيرهم.

واشتُهر اسمه وعلا ذكره وظهرت فضائله وبهرت فوائده، ثم انتصب للاشتغال فاجتمعت الطلبة عليه بكرةً وعشية.

قال ولده القاضي جلال الدين: وكان يلقي الحاوي في الأيام اليسيرة، ووصل في ذلك حتى ألقاه في جامع الأزهر في ثمانية أيام.

وكان ممن يحضره في جامع الأزهر الشيخ فخر الدين بن جوشن، وهو من كبار أولياء الله الصالحين فجاء يوماً وأخبر الجماعة في الدرس: أنه رأى الليلة قائلاً يقول له:

فإن يك زين الدين ظن بعلمه

فبحر سراج الدين وردٌ لمن وَرَد

يشير إلى الشيخ زين الدين بن الكتاني تغمده الله برحمته.

ثم حجّ بعد ذلك في سنة تسع وأربعين ورحل إلى القدس واجتمع فيها بالشيخ صلاح الدين العلائي وحضر حلقته وبحث معه وعظّمه وقال له: أنت الذي يقال لك البلقيني وعامله بما يليق به، ثم صاهره الشيخ بهاء الدين بن عقيل في سنة اثنين وخمسين خطبه لابنته وغبّطه به الشيخ تقي الدين السبكي، وناب عنه لما ولي الشيخ بهاء الدين القضاء في سنة تسع وخمسين تلك المدة اليسيرة -وهي نحو ثمانين يوماً، ثم ولي تدريس الزاوية بعد وفاة ابن عقيل في سنة تسع وستين واستمرت بيده إلى حين وفاته ستة وثلاثين سنة يقرِّر فيها مذهب الشافعي على أعظم وجه وأكمله، وكان قبل ذلك قد ولي تدريس

ص: 30

الحجازية فإن واقِفَتَها عمَّرتها لأجله، وولي قضاء الشام سنة تسع وستين فباشره مدةً يسيرةً ثم استعفى، وعاد إلى القاهرة.

ثم ولي تدريس الملكية بعد وفاة الشيخ جمال الدين الأسنوي وتدريس جامع طولون وقضاء العسكر بعد وفاة أبي حامد بن السبكي، وكان قد ولي قضاء الشام وإفتاء دار العدل في سنة خمس وستين رفيقاً لبهاء الدين السبكي من يَلبُغا الخاصكي مدبر المملكة إذ ذاك، ودرس بالصلاحية جوار الشافعي وبالظاهرية الجديدة التفسير وله ميعاد فيها بعد صلاة الجمعة وليها مِن واقِفِها الظاهر برقوق الجركسي ودرس أيضاً بالبدرية والبيبرسية والأشرفية ثم نزل بعد ذلك عن وظائفه لِوَلَدَيه بدر الدين وجلال الدين، واستقر بيده الظاهرية الجديدة والزاوية إلى حين موته.

وصار هو الإمام المشار إليه والمعول في المشكلات والفتاوى عليه، وأتته الفتاوى من الأقطار البعيدة، ورحل الناس من الآفاق النائية للقراءة عليه، والحضور بين يديه.

وخرّج له تلميذه شيخنا الحافظ ابن حجر أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً، وخرّج له تلميذه شيخنا العلامة الحافظ ولي الدين العراقي مائة حديث من عواليه وأبداله.

وقد أثنى عليه علماء عصره طبقة بعد طبقة من قبل الخمسين إلى حين وفاته، وكان الشيخ شمس الدين الأصفهاني كثير التعظيم له، وأجازه الشيخ أبو حيان وكتب له في إجازته ما لم يكتب لأحد قبله وسِنُّه إذ ذاك دون العشرين، وكان الشيخ عز الدين بن جماعة يعظمه ويبالغ في تعظيمه جداً، وكتب له ابن عقيل على بعض تصانيفه: أحق الناس بالفتوى في زمانه، وقال له أيضاً: لِمَ لا تكتب على سِيبَويه شرحاً هذا مع اتفاق الناس في ذلك الزمان على أن ابن عقيل هو المرجوع إليه في علم النحو.

وذكر له ولده القاضي جلال الدين ترجمة في مجلدةٍ مشتملةٍ على مناقبه وفوائده وأنشد قول القائل:

ص: 31

وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

وقال في أولها: هو شيخ الإسلام، والعلم الفرد المستغني عن الألقاب والأعلام، ذو الفضائل التي لا تساما ولا تسام، والمآثر والمحامد الجسام، الذابِّ عن شريعة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام بالقلم واللسان، والمجاهد في الله حق جهاده بالعلم والعمل وإن لم يكن بالسيف والسنان، قمع المبتدعة فلم يظهر لهم رؤوس وكف المبطلين فهم في حال عبوس وأبطل ما قدر على إبطاله من المنكرات والمكوس، جمع الله فيه بين صفتي الاجتهاد من الإطلاق والتقييد، فهو المتمكن من استخراج العلم بالاستنباط من الدليل بالرأي السديد، والمتمكن من تخريج الفروع على قواعد الإمام الشافعي بالعلو والتوليد، كم له من مولدات أُلين له حديدها ففاقت مولدات ابن الحداد بالتفصيل والإجمال، وتخريجات فتح بها أقفال الإشكالات التي أعْيت القفال، وخطابة اعترف له فيها إمام الحرمين بالإمامة، وتقسيمات قلده الغزالي فيها الزعامة، وفصاحة أنست سحبان وائل، وغريبة جاء في حلبة سباقها مع الأوائل.

وقد شهد له في حداثة سنه منصفو أئمة عصره بالتقدم في الفتوى والأولوية، واعترفوا له في ذلك بالأحقية، وسلموا له الفتوى من ستين سنة إلى حين وفاته، وانعكفت عليه الطلبة واستغرق باشتغالهم غالب أوقاته.

تجاوزت فتاواه الآلاف الكثيرة، وطبّقت طلبته الأرض بعلومهم الغزيرة، لم يسمع عمن مضى من الأئمة أنه أفتى كفتواه، ولا انفرد كتفرده، وليس من ناوأه، وانتهت فتاواه، وطار اسمه إلى أقصى البلاد.

وركن الناس إليه وجعلوا على فتواه الاعتماد، يود ملوك أقطار الأرض أن يتملوا برؤية وجهه المبارك الميمون، وإذا سمعوا عن أحد أنه من أصحابه وتلامذته فبه يتبركون، وصل من طلبته إلى بلاد خراسان من صار له فيها المكانة والإمكان، وقُصد من أطراف الأرض للاشتغال من الحجاز واليمن، ومن بلاد العراق والعجم فضلاً عن الشام ومن بها سكن، وفاقت طلبته عن الحصر وهذا

ص: 32

كله مشاهد بالعيان ولا يحتاج إلى الدليل والبرهان، وأنشد البيت:

وليس يصح في الأذهان شيءٌ

إذا احتاج النهار إلى دليل (1)

إن تَكَلم في التفسير فهو إمامه، أو في النحو فهو الذي يلقى إليه زمامه، أو في التصريف فمنه يستفاد أوزانه ونظامه، أو في أصول الدين فهو الأستاذ على الحقيقة، أو في أصول الفقه فكم استنبط وأوضح فيه من طريقه، أو في الحديث فهو حافظ الزمان، أو في التعليل فمن تضعيفه الأمان، أو في الفقه فهو الأستاذ على الإطلاق، الجامع بين طريقتي خراسان والعراق، والمُظهر من النصوص ما لم يكن في الحساب، والآتي من الأبحاث بما يقضي منه العجب العجاب، أو في المنطق فهو ينسينا أداء ابن سينا، أو في الخلاف والجدل، فهو الذي يحصل بكلامه لسامعه من تقريبه إلى الإفهام والجذل، وإن تكلم في الوعظ والتصوف فكلامه إليه المنتهى، وحضور ميعاده هو المختار والمشتهى. انتهى كلامه رحمه الله لو قدم السجعة الثانية وهي المشتهى وختم بالمنتهى لكان غاية في حسن الختام.

قال: وقد ختم القرآن العظيم بميعاده، وأتى فيه من الوعظ ما يكون إن شاء الله سبباً لإسعاده، وكان من العلوم بحيث يقضي له في كل علم بالجميع، وكان كثير الصدقة طارحاً للتكلف، قائماً في الحق، ناظراً للسنة، قامعاً لأهل البدعة، مبطلاً للمكوس والمظالم، معظماً عند الملوك، أبطَلَ في دولة الأشرف مكس الملاهي، وأبطل في دولة المنصور مكس القراريط، وكان مكس القراريط كثير الشناعة جداً، وعرض عليه الملك المنصور أيام طشتمر قضاء الديار المصرية فامتنع.

وقال شيخنا الشيخ شهاب الدين ابن حجر -رحمه الله تعالى- في ترجمة الشيخ- طلب العلم في صغره وحصل الفقه والنحو والفرائض وشارك

(1) البيت للمتنبي من قصيدة مطلعها:

أتيت بمنطق العرب الأصيل

وكان بقدر ما عينت قيل

ديوان المتنبي / مكتبة مصر / 263.

ص: 33

في الأصول وغيره وفاق الأقران في الفقه ثم أقبل على الحديث وحفظ متونه ورجاله فحفظ من ذلك شيئاً كثيراً، وكان في الجملة أحفظ الناس لمذهب الشافعي، واشتهر بذلك وطبقة شيوخه موجودون وبَعُدَ صيتُه ثم قدم علينا قاضياً بالشام وهو إذ ذاك كهلٌ فبُهِر الناس بحفظه وحسن عبارته وجودَةِ معرفته وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت واعترفوا بفضله ثم رجع إلى بلده وبنى مدرسته بالقاهرة وأثرى وكثر ماله، وتصدر للفتوى والإشغال، وكان يعول الناس في ذلك كله عليه ورحلوا إليه، وكثر طلبته في البلاد وأفتوا ودرسوا وصاروا شيوخ بلادهم في أيامه، وكان صحيح الحفظ قليل النسيان ثم صار له اختيارات يفتي بها وله نَظْم كثير متوسط في الحكم والمواعظ ونحو ذلك، وله تصانيف كثيرة لم تتم، يصنف قطعاً ثم يتركها، وقلمه لا يشبه لسانه -انتهى كلام الشيخ شهاب الدين ابن حجر.

قلت: والسبب في عدم إكماله المصنفات كما قال ولده القاضي جلال الدين لاشتغاله بالإشغال والتدريس والإفتاء.

ومن مصنفاته: كتاب محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح في علوم الحديث، وتصحيح المنهاج في مجلدات أكمل منه الربع الأخير في خمسة أجزاء ومن النكاح جزءٌ ونصف، والكشاف على الكشاف وصل فيه إلى أثناء البقرة في ثلاث مجلدات ضخمة، وشرح البخاري كتب خمسين كُرَّاساً على أحاديث يسيرة إلى أثناء الإيمان سماه بالفيض الجاري على صحيح البخاري، والعرف الشذي على جامع الترمذي كتب منه قطعةً صالحة، ومنهج الأصلين أكمل منه أصل الدين، وكتب قريباً من نصف أصول الفقه والنصوص والنقول عن الشافعي كتب منه قطعة صالحة، وفتاويه مشهورة لكنها غير مرتبة وقد شرع في تتبعها وترتيبها بعض طلبة اليوم، والتدريب في الفقه وصل فيه إلى الرَّضاع وهو كتاب نفيس فيه ضوابط حسنةٌ في أول الأبواب، وحواشي الروضة في أجزاء، والفوائد المَحْضَةُ على الرافعي والروضة، والمُلِمَّات على المهمات، وإظهار المستند في تعدد الجمعة في البلد -عارض فيه السبكي لمنعه التعدد، والدلائل المحققة في الوقف على طبقة بعد طبقة - رداً على السبكي أيضاً في كتابه المباحث

ص: 34

المشرقة، والتعقب للواجب على الآمدي وابن الحاجب، وتلخيص المثال في تهذيب الكمال، وزهر الربيع في فنون المعاني والبيان والبديع، والفوائد الجسام على قواعد ابن عبد السلام وهو كتاب نفيس وقفتُ على بعضه وكتبت منه على نسختي بالقواعد.

وهذه المصنفات أيضاً لم يكملها والسبب فيه ما تقدم فإنه كان مشتغلاً في أول النهار بالدروس في مدارسه وبعد العصر إلى الغروب في الفتاوى.

وبالجملة وكان رحمه الله تعالى إمام زمانه وفارس ميدانه، لو رآه الشافعي لسره فضله ولأُعجب به.

وتخرج على المذكور فضلاء عصره من أهل مصر والشام وغيرهما من البلدان حتى صاروا أئمة المذهب وقضاة الإسلام، منهم ولداه العلامتان القاضيان بدر الدين وجلال الدين وشيخنا العلامة قاضي القضاة وليُّ الدين ابن العراقي والبياجرة الثلاثة برهان الدين وشمس الدين ونور الدين، وكذلك البرماوية الثلاثة مجد الدين وشيخنا شمس الدين وفخر الدين، وممن تخرج عليه أيضاً العلامة زين الدين الفارس كوري والعلامة بدر الدين الزركشي فيما قيل والعلامتان الرشيدي والحسيني، وممن تخرج عليه أيضاً من علماء دمشق شيخنا العلامة محيي الدين المصري وأجازه بالإفتاء في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، كما ذكر لي ذلك في إذنه لي بالإفتاء أول سنة ست وثلاثين وثمان مائة والعلامتان جمال الدين الطيماني وبدر الدين ابن قاضي أذرعات وغير ذلك من الأئمة لا سبيل إلى حصرهم.

وأما الوالد فإنه -رحمه الله تعالى- بحث معه وأخذ عنه في رحلاته إلى الشام مع الظاهر وآخرها سنة ست وتسعين وسبع مائة وأعجب به الشيخ وعظمه وفضله على بعض مشايخه وعلى أقرانه وأثنى عليه ثناءً حسناً ووصفه بالمهارة في العلوم الكثيرة.

وعاد الشيخ إلى بلده معتكفاً على نشر العلم إلى أن قاربته المنية، فضعف أياماً يسيرة ثم أفاق، ثم تزايد به الوجع في ذي القعدة فمات في يوم الجمعة عاشر ذي القعدة سنة خمس وثمان مائة عن إحدى وثمانين سنة

ص: 35

وثلاثة أشهر وعظم المصاب به سيما على أهل خرقته وأخرج يوم السبت وحضره الجمع الغفير وكان يوماً مشهوداً وتقدم للصلاة عليه ولده قاضي القضاة جلال الدين، ودفن في مدرسته ورثاه جماعة من الأئمة منهم رفيقه الإمام الحافظ الكبير أبو الفضل العراقي فقال:

والله يبقي شيخ المسلمين لنا

غناً عن الماضين للمتجدد

يحل في دروسه ما أُعضلت

من المسائل الصعاب العُنَّد

يقعد للفتيا بعد عصره

إلى غروبها بغير مقعد

يأتون من فجاج الأرض

واردين بحر علومه الفتيِّ المورد

فيسألون لا يَرُدُّ سائلاً

إلا بخطِّ أو بقول مرشد

وجمع الله شملنا

في جَنَّةٍ ومنزل مخلد

بعد صلاة وسلام

على النبيّ الأبطحي الأمجد

ومنهم تلميذه شيخنا الإمام الحافظ شهاب الدين ابن حجر -أينع الله ظلاله- رثاه بقصيدة طويلة ولكنها بديعية حسنة فأحببت أن أذكرها وهي قوله:

يا عين جودي لفقد البحر بالمطر

وأذري الدموع ولا تبقي ولا تذري

إلى آخرها لأنها تطول الفصل، فإن شهرتها تغني عن ذكرها بكمالها.

ورثاه جماعة كثيرة نظماً ونثراً قد استوعبها ولديه القاضي جلال الدين وعلم الدين في ترجمة أبيهما وكل منهما ترجمه بمجلد، وأحسن المراثي ما ذكرناه. وقد وقفت على الكتابين المذكورين وأثبت منهما في ترجمته المقصود.

وأما الذي مُدح به في حياته فكثير لا ينحصر من شعراء عصره وأُدبائهم، منهم ابن حبيب الحلبي وغيره.

وأحسن ما وقفت عليه من ذلك مدح المحدث الفاضل الشيخ ناصر الدين بن عشائر الحلبي وقد ضمنها ببعض علوم الحديث وهي على

ص: 36

روية بانت سعاد فأحببت أن أذكرها فإنها بديعة وهي قوله:

رفقاً سعاد فعقد الصبر محلول

وسيف عزمي عن السلوان مغلولُ

حديث حبك مشهور ومتصل

وينشد عن ضعيف وهو مقبولُ

وحب غيرك مرفوع ومنقطع

مدَلَّسٌ مهملٌ زور ومعلولُ

صحيح قول عذولي منكرٌ أبداً

معللٌ وهو متروك ومجهولُ

رفقاً بمضطرب والسقم أنحله

لم يبقَ من رسمه إلا التماثيلُ

لا تسمعي شاذ قول فيه مخرجه

ومبهم الحال أضحى وهو معقولُ

مسلسل حزنه بالدمع متفق

والصبر مفترق عنه ومسلولُ

مقطوع قلب بإفراد القوى دَلِفٌ

والخط مختلف بالبعض منحولُ

إنَّ الوصال وأياماً به سلفت

كمرسل قد تقضى وهو مأمولُ

لم أنسها ومدام الثغر. . . .

للصب منه شفاء فيه تعليلُ

وناسخ الوصل منسوخ بما سمحت

من وصلها بعدما أعيت أباطيلُ

ما زلت أعتبها والليل يحرسنا

حتى بدا صارم الإصباح مسلولُ

وساء ذكر حالي من مهاجرها

معنعناً وعزيز الدمع مبذولُ

حان الزمان وسارت وهي هاجرة

. . . . الدار. . .

ومبتدا خبري قلبي لفرقتها

في مركب الشوق موضوع ومحمولُ

ومعضل الأمر موقوف على كرم

معاندٍ من وصال وهو موصولُ

يا لائم الصب في حبِّ ومدمعه

مُدَبَّجٌ بدماء القلب مهمولُ

لا تعذِلَنَّ وأقلل من ملامته

ما القلب عنها ولو أكثرت معدولُ

وحَسبيَ اليوم عالمٌ ورعٌ

في رأس ذا القرن بالإرسال مهمولُ

يا واحد العصر في علم وفي عمل

وقوله في أمور الدين مقبولُ

تغرب العبد عن أوطانه ثقةً

بأن يفوز بما في القلب مأمولُ

أَوْعَدْتَ أن دروسي قبل كل منىً

ولا يميلك عنه الآن تحويلُ

فَأَنْجِزِ الوعد إن العبد في قلق

إن الكريم عن الإيعاد مسؤولُ

أدامك الله في عزٍ وفي شرفٍ

وفي نعيم بأهنى العيش موصولُ

ص: 37

قول الشيخ ناصر الدين ابن عشائر في بعض هذه الأبيات: "في رأس ذا القرن" إشارة إلى الحديث المشهور المرفوع ولفظه: "إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة دينها".

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: - فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز، ونظرنا في المائة الثانية فنراه الشافعي رحمه الله وقد تكلم القاضي تاج الدين السبكي في طبقاته الوسطى على هذا الحديث ونظم في الجماعة الذين جدد الله بهم دينه في كل رأس مائة سنة إلى زمانه.

وملخص ما قالة بعد كلام الإمام أحمد في عمر بن عبد العزيز والشافعي، أن في المائة الثالثة ابن سريج وهو الإمام أبو العباس إمام الشافعية في زمنه وشهرته تغني عن الإطناب في أمره، ومنهم من قال أنه أبو الحسن الأشعري المتكلم وإليه جَنَحَ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في تبيين كذب المفتري.

وفي المائة الرابعة اختلفوا في ثلاثة فمن قائل أنه الأستاذ أبو الطيب بن الأستاذ أبي سهل الصعلوكي الإمام بن الإمام رئيس الشافعية في زمنه، ومن قائل أنه الإمام أبو حامد الإسفرايني إمام الشافعية ورأس العراقيين كالقفال في الخراسانيين، ومن قائل أنه القاضي أبو بكر ابن أبي الطيب الباقلاني تلميذ الأشعري المتقدم وإليه جنح أيضاً الحافظ ابن عساكر في كتابه المتقدم، أو يقال ذاك في فروع الإسلام وهذا في أصوله، كما جمع بهذا الكلام الوجهان بين الأشعري وابن سريج في المائة الثالثة وليس ببعيد.

وفي الخامسة بلا تردد حجة الإسلام الغزالي.

والسادسة على ما عليه الأكثر أنه الإمام فخر الدين الرازي وقيل الرافعي، ويمكن الجمع بينهما بما تقدم.

والسابعة بلا تردد الإمام تقي الدين القشيري المشهور بابن دقيق العيد.

ص: 38

وكل هؤلاء من أئمتنا المختلف فيهم والمرجح منهم إلا القاضي ابن أبي الطيب الباقلاني فإنه مالكي على ما نص عليه جماعة من العلماء ومنهم الحافظ أبو سعد ابن السمعاني وغيره، وبعضهم أنه شافعي والله أعلم.

قلت: والذي يظهر أن المبعوث في الثامنة الشيخ صاحب الترجمة، وقد صرح بذلك جماعة منهم المحدث ناظم هذه القصيدة، وقد مات قبل الشيخ بمدة قبل انقضاء القرن وكذلك غيره كما وقفت عليه من كلام أئمة هذا الشأن والعلامة المختصة موجودة فيه فإنه رحمه الله كان رأس علماء هذا القرن كما أن الشافعي وابن سريج والغزالي ومن ذكرناه قبل، كل منهم تأخر إلى أول القرن الذي يليه، وهذا من العلامة المذكورة من الشارع وإليها الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم:"على رأس كل مائة عام" الحديث المتقدم، وأيضاً فهو المشار إليه من بين أقرانه، لا ينكر هذا إلا جاهل بأيام الناس أو جاحد.

قال شيخنا حافظ عصره قاضي القضاة ابن حجر في ترجمة الشيخ: وشهد جمعٌ جمٌّ أنه العالم الذي على رأس القرن.

وممن رأيت خَطَّه بذلك في حقه الحافظ أبو الفضل ابن العراقي، بعد أن كان يصرح قديماً أن الأمر قد اقترب وانقضى ذلك، فلما انسلخ القرن ودخل القرن الآخر وصادف الشهرة التي حصلت للشيخ جزم في حقه بذلك -رحمهما الله تعالى- قلت: ويكفي الشيخ شهادة حافظ الإسلام في زمنه وحده له بذلك، لا سيما وقد ذكرنا جماعة ممن شهد له بذلك، فلا ريب فيه والله أعلم.

ورئيت له منامات صالحة بعد موته، وظهر له ومنه كشف في حياته، فمن الأول قال ولده شيخنا شيخ الإسلام جلال الدين: أخبرني صاحبنا العلامة جمال الدين السفردي أن الشيخ شهاب الدين ابن الخياط المقرئ العالم في ليلة الجمعة سادس عشر ذي الحجة رأى أن الشيخ جالس بمدرسته وهي مبيضة بياضاً حسناً إلى الغاية وولده القاضي جلال الدين إلى جانبه وهي مُكْتَسِيَة حصراً عيدواني من أحسن ما يكون والشيخ يتكلم بصوت جهوري على العادة، والشيخ شهاب الدين، قال شخص بجانبه: الشيخ قد مات، فقال له: أما علمت أن العلماء أحياء.

ص: 39

قال القاضي جلال الدين: وأخبرني الشيخ السنباطي قاري الميعاد أنه رأى شيخ الإسلام فقال له: قل لطلبتي يشتغلوا بالعلم فإن طلبتي عند الله علماء.

ورأى في ليلة أخرى القاضي بدر الدين بن أبي البقاء فقال له كيف حالك؟ فقال: بخير، ثم قال له: كيف حال شيخ الإسلام؟ فقال: ومن مثل شيخ الإسلام؟ ثم ذكر عدة منامات حسنة.

ومما وقع له في حياته أنه لما سمع الناس بكسرةِ الناصر على باب دمشق مع تمرلنك اللعين على طريقِهِ، عزّم المتكلم الأشعري أهل مصر على الجلاء إلى القبلي والبحري، قال ولده جلال الدين في فتاويه في ذلك: فأتى وأفهمني أن تمرلنك لا يدخل إلى مصر، فكان كما فهمه عنه، فأمر بقراءة كتابي البخاري ومسلم فقرئا عليه ثم ختما ثم جاء الخبر بعد ذلك بتوجه تمرلنك إلى بلاده.

ومن ذلك أنه كان يقول لي في حياة الأخ -رحمه الله تعالى- وكان أكبر مني بأكثر من أربع سنين: إنك تكون خليفتي.

وكتب لي على سؤال سألته عنه: وأنا أدعو الله للولد أن يكون خليفتي، اللهم أجب سؤالي وأصلح حال خليفتي وحالي، فكان كما قال رضي الله عنه.

انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

قاضي (1) القضاة صدر الدين المناوي

محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن الإمام العلامة

(1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 47 (740)، إنباء الغمر لابن حجر 4/ 315، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 12/ 277، الضوء اللامع للسخاوي 6/ 249 (867)، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 426 (161)، شذرات الذهب لابن العماد 9/ 55، الأعلام للزركلي 5/ 299، معجم المؤلفين -كحالة- 8/ 192.

ص: 40

صدر الدين أبو المعالي السلمي المناوي المصري قاضي القضاة بالديار المصرية.

مولده بها في رمضان سنة اثنين وأربعين وسبع مائة، وأبوه حينئذ ينوب عن القاضي عز الدين ابن جماعة، وأمه بنت القاضي زين الدين البسطامي الحنفي، ونشأ المذكور في سعادة وحشمة.

وحفظ القرآن العظيم ثم التنبيه وغيره من المحفوظات، وسمع من الميدومي والأربلي وابن عبد الهادي وجماعة من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب ومن بعدهم، وخرّج له شيخنا الحافظ أبو زرعة ابن العراقي مشيخة في خمسة أجزاء.

وبرع في العلوم وترقّى ودرّس، وأفتى وصنّف، وناب في الحكم وهو شاب ووليّ إفتاء دار العدل، وتدريس الشيخونية والمنصورية وغير ذلك، ثم ولي قضاء القاهرة استقلالاً أربع مرات في نحو خمس سنين في مدة إحدى عشرة سنة ونصف.

قال شيخنا الحافظ ابن حجر: وكتب شيئاً على جامع المختصرات، وخرّج أحاديث المصابيح وتكلم على مواضع منه وحدّث، حضرت بعض المجالس عليه، وكان كثير التردد إلى الناس مهاباً شهماً معظماً عند الخاص والعام، وله صورة كبيرة وحشمة بالغة وكلمة نافذة ويسار ظاهر.

وكان منذ نشأ يسلك طريق القاضي شهاب الدين ابن جماعة في التعاظم ثم ألان جانبه بعد الاستقلال بالقضاء.

وكانت له عناية بتحصيل الكتب النفيسة فحصّل منها شيئاً كثيراً عرف بعده.

وكان يهاب الملك الظاهر برقوق فلما مات أمن على نفسه وتحقق أنهم لا يقدمون على عزله لما تحقق له من المهابة فسافر مع العسكر إلى قتال تمرلنك فازدادت حرمته وعظم فوق ما في نفسه، ثم سافر معهم إلى قتال تمرلنك فانعكس الأمر وأُسر وأُهين وسافروا به وهو مقيد فغرق في نهر الزاب من الفرات في شوال سنة ثلاث وثمان مائة، بعد أن قاسى أهوالاً.

ص: 41