الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سؤال القاهر عن خلفاء بني العبّاس]
وقال محمد بن عليّ الخراسانيّ [1] : أحضرني القاهر يومًا والحَرْبةُ بين يديه، فقال: قد علمتَ حالي إذا وضعت هذه.
فقلت: الأمان.
فقال: على الصّدق.
قلت: نعم.
قال: أسألك عن خلفاء بني العبّاس في أخلاقهم وسيمتهم.
قلت: أما السفاح، فكان مسارعًا إلى سفْك الدّماء. سفك ألف دم، واتَّبعه عُمّاله على ذلك، مثل محمد بن الأشعث بالمغرب، وعمّه صالح بن عليّ بمصر، وخازم بن خُزَيْمَة، وحُمَيْد بن قَحْطَبَة. وكان مع ذلك سمْحًا بحرًا، وصولًا بالمّال.
قال: فالمنصور؟
قلت: كان أوّل من أوقع الفُرْقة بين ولد العبّاس وولد أبي طالب. وكانوا قبله متفقين. وهو أوّل خليفة قرّب المنجمين وعمل بقولهم. وكان عنده نُوبَخْت المنجّم، وعليّ بن عيسى الأصطرلابي. وهو أوّل خليفة تُرْجِمت له الكُتُب السُّريانّية والأعجميّة ككتاب «كليلة ودمنة» ، وكتاب أرسطاطاليس في المنطق، وإقليدس، وكُتُب اليونان. فنظر النّاس فيها وتعلّقوا بها. فلمّا رأى ذلك محمد بن إسحاق جمع المغازي والسّيَر. والمنصور أول من استعمل مواليه وقدّمهم على العرب.
قال: فما تقول في المهديّ؟
قلت: كان جوادًا عادلًا منصفًا. ردّ ما أخذ أبوه مِن أموال النّاس غصْبًا، وبالغ في إتلاف الزّنادقة وأحرق كُتُبهم لمّا أظهروا المعتقدات الفاسدة كابن دَيْصان، وماني، وابن المقفّع، وحمّاد عَجْرد. وبنى [2] المسجدَ الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد بيت المقدس.
قال: فالهادي؟
[1] هو: محمد بن علي العبديّ الخراساني الأخباريّ، وقوله في: مروج الذهب 4/ 313- 320، ونقله السيوطي في: تاريخ الخلفاء 388، 389.
[2]
في الأصل: «بنا» .
قلت: كان جبّارًا متكبرًا، فسلك عُمّاله طريقَه على قِصَر أيّامه.
قال: فالرّشيد؟
قلت: كان مواظبًا على الجهاد والحجّ، وعَمَّر القصور والبِرك بطريق مكّه، وبنى الثغور كأَذَنَة، وطَرَسُوس، والمَصيصة، وعين زَربة، والحَدَث، ومَرْعش.
وعَمّ النّاسَ إحسانه. وكان في أيّامه البرامكة وما اشتهر من كرمهم. وهو أوّل خليفة لعب بالصوالجة ورمى النّشّاب في البِرْجاس، ولعبَ الشَّطَرنْج من بني العبّاس.
وكانت زوجته بنت عمّه أمّ جعفر زُبَيْدة بنت جعفر بن المنصور من أكمل النّساء. وَقَفَت الأوقاف وعملت المصانع والبِرَك، وفعلت وفعلت.
قال: فالأمين؟
قلت: كان جوادًا، إلّا أنّه انهمك في لذّاته ففسدت الأمور.
قال: فالمّأمون؟
قلت: غلبَ عليه الفضْل بن سهْل، فاشتغل بالنّجوم، وجالسَ العلمّاء.
وكان حليمًا جوادًا.
قال: فالمعتصم؟
قلت: سلكَ طريقه، وغلبَ عليه حُبّ الفُرُوسيّة، والتّشبُّه بملوك الأعاجم، واشتغل بالغزو والفتوح.
قال: فالواثق؟
قلت: سلك طريقة أبيه.
قال: فالمتوكلّ؟
قلت: خالفَ ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقادات، ونهى عن الْجَدَل والمناظرات في الأهواء، وعاقب عليها. وأمرَ بقراءة الحديث وسماعه، ونهى عن القول بخلق القرآن، فأحبّهُ النّاسُ.
ثمّ سأل عن باقي الخلفاء، وأنا أُجيبه بما فيهم، فقال لي: قد سمعت كلامك وكأني مشاهد القوم. وقام على أثري والحَرْبة بيده، فاستسلمت للقتل، فعطف على دُور الحُرَم [1] .
[1] في مروج الذهب 4/ 320 «ثم عطف نحو دار الخدم» .