الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
محمد السنوسي:
وما دمنا قد تعرضنا إلى محمد السنوسي فلنذكر هنا أنه هو صاحب (العقائد) المشهورة التي تبارى العلماء في شرحها ودرسها وتقريرها وحفظها. وهي أيضا في علم الكلام الذي عرف به السنوسي وجعله العلم المؤدي إلى معرفة الله لأنه في نظره، مفتاح جميع العلوم، وقد نقل عنه ابن مريم قولته في علم الكلام، وهي (ليس علم من علوم الظاهر يورث معرفته تعالى ومراقبته إلا علم التوحيد، وبه يفتح له في فهم العلوم كلها. وعلى قدر معرفته به يزداد خوفه منه تعالى وقربه منه)(1).
وحياة السنوسي حياة غنية وهي تعتبر ظاهرة هامة من ظواهر القرن التاسع. وليس من غرضنا هنا بسط القول فيها لأن بعض المؤلفين قد تكلفوا بذلك (2) رغم ما في دراستهم من نقص وعدم اهتمامهم بما نهدف نحن إليه في هذا المضمار. ويكفي أن نعرف أن السنوسي، كأستاذه الثعالبي، قد اتجه نحو علوم الآخرة والروحانيات والتصوف. وكان لا يرتاح إلى الحكام ولا إلى مجتمع عصره لأن الزمان في نظره قد تبدل وكثرت فيه الشرور فوجب الفرار منه إلى الله والنجاة بالنفس من الانحراف السياسي والاجتماعي عند المسلمين. وقد ظهرت عليه مخايل الذكاء وهو صغير وألف وهو ابن تسع عشرة سنة تأليفا في العقائد جعل أستاذه الحسن أبركان يخفيه عن الناس حتى بلغ السنوسي أربعين عاما مخافة الحساد، كما يقول ابن مريم.
وبالإضافة إلى ما ذكرنا تتلمذ السنوسي على مجموعة من الأساتذة الرياضيين في وقتهم، وهم أبو عبد الله الحباك ومحمد بن أحمد الجلاب وعلي القلصادي. كما تتلمذ في التصوف على إبراهيم التازي صاحب وخليفة
(1) نفس المصدر 277 وقد روى ابن مريم ذلك عن تلميذ السنوسي، محمد بن يحيى المغراوي.
(2)
خصص له ابن مريم في (البستان) عدة صفحات 237 - 248 وقد نقل معظم معلوماته عنه من كتاب (المواهب القدسية في المناقب السنوسية) للملالي. وقد سبق الحديث عن هذا الكتاب في قسم التاريخ والسير.
محمد الهواري الذي أسس زاوية بوهران وجعل يبت بدوره الطريق ومبادئ التصوف في وقت كانت فيه وهران مهددة بالغزو الإسباني وكانت تتلقى موجات متوالية من مهاجري الأندلس. والتازي هو الذي ألبس السنوسي الخرقة الصوفية وبصق له في فمه على عادتهم. وقد اشتهر السنوسي بغزارة العلم وكثرة الإنتاج فيه وبالتصوف، ولذلك نسبت إليه كرامات كثيرة من الذين ترجموا له فاقت الكرامات التي كانت تنسب إلى أستاذه الثعالبي. وهكذا اختلط السنوسي العالم المفكر بالسنوسي المتصوف الدرويش. ولكننا إذا تأملنا في قواه العقلية وفي تنوع إنتاجه أدركنا أن كثيرا مما نسب إليه من الخرافات كان من فعل المتأخرين الذين افتقروا إلى العلم وعجزت طاقتهم عن الإنتاج فيه فذهبوا يجرون وراء المحجبات ويلصقون بالسابقين بعض ما لم يقولوه أو يعتقدوه (1).
وإذا كان عبد الرحمن الثعالبي قد اشتهر بالتأليف في علوم الدين فإن تلميذه السنوسي قد اشتهر بكثرة الشروح وندرة التأليف الشخصي. لكن التلميذ فاق الأستاذ في كثرة الكتب وتنوع مواضيعها. فالسنوسي كاد لا يترك فرعا من فروع المعرفة إلا ووضع فيه شرحا لمتن أو تعليقا على منظومة أو نحو ذلك. وقد تنوعت موضرعاته فكتب في التوحيد والفقه، وفي الطب والحساب، وفي المنطق والجبر والمقابلة، وفي القراءات والفرائض، وفي الحديث والتفسير، وفي التصوف والأذكار، وهكذا. وبلغ حرصه على الشرح أنه شرح هو (عقائده) عدة مرات فكان هناك الشرح الكبير والوسط والصغير (2) ولهذا شرح أصغر دعاه السنوسي (المقدمات)(3).
(1) تنسب إلى السنوسي أيضا رسالة تسمى (المجربات) موضوعة في باب الطلاسم، مكتبة جامعة برنستون الأمريكية (قسم يهودا) منها ثلاث نسخ تحت أرقام وكلها مجاميع: 2394، 2964، 349.
(2)
اصطلح اللاحقون على تسميتها (بالعقيدة الكبرى) و (العقيدة الوسطى) و (العقيدة الصغرى) وأحيانا يكتفون بالوصف فيقولون كبرى السنوسي ووسطاه وصغراه، وهكذا.
(3)
شاعت هذه (المقدمات) أو مختصر المختصرات في التوحيد وتداولها الناس. وقد =
وما دامت هذه (المقدمات) قد اكتسبت شهرتها من اختصارها وسهولة عباراتها وما دام السنوسي قد أثر بها على دارسي علم التوحيد من الأجيال اللاحقة فلنعرض لبعض أفكارها باختصار. قسم السنوسي عمله إلى ثماني وحدات تحدث في الوحدة الأولى عن الحكم منطقيا فقال إنه هو إثبات أمر ونفيه. وهو (الحكم) إما أن يكون شرعيا أو عاديا أو عقليا. وفي الوحدة الثانية حصر المذاهب بالنسبة للأفعال في مذهب الجبرية ومذهب القدرية ومذهب أهل السنة. وتحدث في الوحدة الثالثة عن أنواع الشرك فجعلها ستة وهي شرك الاستقلال (أي وجود إلهين مستقلين) وشرك تبعيض وشرك تقليد وشرك الأسباب وشرك الأغراض. والملاحظ أن السنوسي قد حكم على أهل الشرك الخامس (وهم الفلاسفة) بالكفر إجماعا. وعندما تناول في الوحدة الرابعة أصول الكفر والبدعة جعلها سبعة وهي الإيجاب الذاتي والتحسين العقلي والتقليد الرديء والربط العادي والجهل المركب والتمسك (في عقائد الأعيان) بظواهر الكتاب والسنة والجهل بالقواعد العقلية. وننبه هنا إلى ما قلنا من أن السنوسي قد وافق المغيلي على هدم بيع اليهود في توات لأن إحداثها في نظره كان بدعة. وفي الوحدة الخامسة وجد السنوسي أن الموجودات لا تخرج عن أربعة وهي الغنى عن المحل المخصص (وهو الله) والمفتقر إليهما (وهو العرض) والمفتقر إلى المخصص فقط (وهو الجرم) والمفتقر إلى المحل فقط (صفات الله) أما الممكنات التي تناولها في الوحدة السادسة فهي لا تخرج عنده عن ستة وهي الوجود والعدم والمقادير والصفات والأزمنة والأمكنة والجهات. وخصص الوحدة السابعة للحديث عن القدرة الإلهية والإرادة والعلم والحياة والكلام الأزلي. وختم الوحدة الثامنة بتحديد مفهوم الأمانة والخيانة (1).
ومن الواضح أن منهج السنوسي في المقدمات هو منهج أهل السنة.
= ترجمها إلى الفرنسية السيد لوسياني ونشرها بالجزائر سنة 1908، والنص مع الترجمة.
(1)
أخذنا هذه الخلاصة من النص الذي نشره لوسياني.