الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قال عنه أبو حامد المشرفي الذي خصه بتأليف سماه (ياقوتة النسب الوهاجة) إن أبهلول قد (كسا علم التصوف طلاوة وبهجة. وكانت كراماته أوضح من شمس الضحى). وكان أبهلول من أشراف الأندلس الحسنيين جمع بين الشرف والصلاح إلى أن أصبح قطبا واضحا (1). ويبدو أن أبهلول المجاجي كان كالأخضري والثعالبي مشتعلا بالعلم والزهد، ولكن المتأخرين هم الذين نسبوا إليه الكرامات وسموه بالقطب ونحو ذلك. وقد نقل ابن سليمان من خطه بعض الأمور المتعلقة بحفظ القرآن وغيره كبلع قلب الغراب سخنا ممرغا في العسل (2).
5 -
محمد بن بوزيان والطريقة الزيانية:
غير أن محمد بن بوزيان، مؤسس الطريقة الزيانية، كان على خلاف ذلك. فسيرته تبرهن على أنه كان فعلا يهدف إلى نشر الدعاية للطريقة الشاذلية بالوسائل التي كان قد استعملها من قبل محمد الهواري وأحمد بن يوسف الملياني وأضرابهما من المرابطين الدعاة. وقد كانت زاوية درعة مصدر تأثير صوفي كبير على بعض الجزائريين سواء بدراسة هؤلاء فيها والتتملذ الصوفي وأخذ الورد أو بمرور زعماء الزاوية أنفسهم في الجزائر عند الحج ونحوه. وقد عرفنا أن سعيد قدروة قد توجه إلى سجلماسة وأنه أخذ العلم والتصوف بها. ولعل مجيء الشيخ علي بن عبد الواحد السجلماسي إلى مدينة الجزائر كان لا يخرج عما ذكرناه. ومهما يكن من أمر فإن الشيخ وزيان يعتبر نموذجا آخر لهذه الصلات والتأثير. فقد توفى والده، وهو في عمر مبكر، فخرج من قريته (التحاتة) القريبة من القنادسة، متوجها إلى زاوية سجلماسة حيث كان الشيخ بوبكر بن عزة، زعيم الطريقة الشاذلية، فدرس
(1) انظر (ياقوتة النسب الوهاجة). كما ترجم له صاحب (سمط اللال في معرفة الآل) وصاحب (كمال البغية) وكلاهما لا نعرف له مؤلفا الآن. كما ترجم له محمد بن أحمد المغراوي في (تمييز الأنساب). وفي قصيدة سعيد قدورة التي رثاه بها إشارات هامة إلى سيرته ومقتله.
(2)
ابن سليمان (كعبة الطائفين)، 2/ 111.
عليه القرآن الكريم. وقبل وفاة ابن عزة أخذ عليه بوزيان سر الطريقة أيضا. ثم توجه إلى فاس طلبا للعلم بناء على نصيحة شيخه. وبقي في فاس ثماني سنوات أخذ خلالها عن علماء بارزين في وقتهم، أمثال محمد بن عبد القادر الفاسي، وعبد السلام جسوس وأحمد بن الحاج، ثم عاد إلى مسقط رأسه بالقنادسة.
وتذهب مصادر الطريقة الزيانية إلى أن محمد بن بوزيان هو السابع والثلاثون في سلسلة الطريقة الشاذلية، ومن ضمن المذكورين في هذه السلسلة شيخه بوبكر بن عزة ومحمد بن ناصر الدرعي، بالإضافة إلى أبي مدين الغوث وأبي الحسن الشاذلي والملك جبرائيل. ومنذ عاد بوزيان إلى القنادسة بدأت تظهر عليه الكرامات وجاءه الناس من كل فج وأصبح عندهم قطب أهل التصوف واستوى في ذلك العامة والخاصة. حتى أن معاصره الشيخ عبد الرحمن القرزازي (مؤسس الطريقة القرزازية بالقرب من بني عباس) قد جاءه زائرا ونصح الناس بزيارته. وكان بوزيان يختفي فجأة عن أعين الناس لمدة أسبوع ثم يعود إلى الظهور، وكان يركب الحمار أو يمشي حافي القدمين. وكان غذاؤه من الأعشاب وأوراق الشجر، وكان يغسل ثيابه بنفسه. وقد بنى زاوية بالحجر والطوب أصبحت مقصد الزوار الذين بلغوا أحيانا أربعمائة زائر. وكانوا يأتون إليه بالقمح والشعير والشحم والعسل. وأصبحت القنادسة، بعد بناء الزاوية، غنية بعد فقر ومعرفة بعد أن كانت نكرة وراوية بعد عطش. فقد حفر بوزيان الآبار بالزاوية نفسها وفي غيرها للسابلة ولأهل البلاد الذين كان يعوزهم الماء، وكان يذهب بدوره لزيارة أضرحة مشائخه في سجلماسة حيث قبور ابن عزة وابن ناصر وغيرهما. وكان يزور صديقه المرابط عبد الرحمن القرزازي المعروف أيضا باسم بوفلجة. وكان بوزيان لا يخاف الولاة ولكنه لا يذهب إليهم، فكان موضع احترامهم.
واستعمل بوزيان تعاليم الطريقة الشاذلية إذا لم يكن قد بالغ فيها بعض الشيء نتيجة التخلف العلمي في المنطقة والحاجة إلى اتخاذ المقنعات عند الناس. فقد أشيعت عنه الكرامات واتخذ السبحة لازمة له حتى كان يقول