الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقائد غامضة فيهم تشبه العقائد في الأولياء والصالحين، وقد قيل عن ابن الكماد إنه كان أحق بالتآليف لكثرة علومه لولا كثرة التدريس، وقيل عن سعيد المقري شبه ذلك.
وكان بعض المدرسين قد اشتهروا بتدريس مادة معينة كالفقه أو النحو، وبعضهم كان يجمع في دروسه عدة علوم، وقد كان الغالب عليهم الجمع بين علوم مختلفة، فنحن نجد مثلا في ترجمة أحمد الزكوطي المعروف بابركان أنه كان يقرئ تلاميذه في تلمسان حوالي ثمانية علوم من رسالة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه، إلى ألفية ابن مالك في النحو، إلى السلم المرونق في المنطق للأخضري، إلى حكم ابن عطاء الله في التصوف. وكان الشيخ محمد التواتي بقسنطينة يقرئ تلاميذه النحو الذي اشتهر به وعقائد محمد السنوسي في التوحيد وغير ذلك، وكان بعض المدرسين قد عرفوا بعلوم معينة كالعلوم الدينية مثل سعيد قدورة في مدينة الجزائر، وبعضهم قد اشتهر (بالعلوم العقلية) كعبد الكريم الفكون في قسنطينة الذي اشتهر بالخصوص في علوم النحو والصرف والبلاغة وأمثالها، ونتيجة لذلك اشتهرت أيضا بعض المدارس بعلوم معينة، فقد عرفت مدرسة مازونة بالفقه وبعض زوايا زواوة بالقراءات ومدرسة قسنطينة والخنقة بالنحو، وهكذا، ولكن بعض المدرسين قد برزوا في علم واحد حتى أصبحوا عند المعاصرين لهم كأنه علم عليهم، فهذا الفكون قد ظهر في النحو، وهذا ابن عمار قد اشتهر بالأدب والبلاغة.
3 -
المواد المدروسة:
وقد تقلصت المواد الرياضية والطبية من البرامج الثانوية والعالية واقتصرت العلوم المدروسة على العلوم الدينية واللغوية وبعض كتب التاريخ والسيرة وقانون ابن سينا في الطب، وهذه قائمة بالعلوم الدينية الشائعة عندئذ والتي كانت كملح الطعام في كل مجلس علم:
- تفسير القرآن الكريم بعدة كتب منها تفسير الثعالبي وتفسير السيوطي.
- الحديث الشريف، وخصوصا صحيح البخاري الذي كاد يقرأ أكثر من
القرآن، ومختصر ابن أبي جمرة، وكتاب الشفاء للقاضي عياض.
- مصطلح الحديث بألفية العراقي.
- الفقه المالكى برسالة ابن أبي زيد القيروانى، ومختصر ابن الحاجب الفرعي.
- الفقه الحنفي بكتب مختلفة وأساسية في المذهب.
- التوحيد أو علم الكلام بالمنظومة الجزائرية وعقائد السنوسي الثلاث.
- أصول الفقه وأصول الدين بجمع الجوامع للسبكي ومختصر ابن الحاجب الأصلي.
- القراءات بمنظومة الجزري والخراز وابن بري والشاطبيتين الصغرى والكبرى.
- التصوف بدراسة حكم ابن عطاء الله وكتاب إسقاط التدبير له أيضا.
وليس معنى هذا أن جميع الدروس كانت تشتمل على هذه العلوم، فقد عرفنا أن بعض المجالس كانت مقتصرة على علوم خاصة. كما أن طريقة تدريس كل علم كان لها دخل في تحبيبه إلى الطلاب أو إبعادهم عنه. وقد عرفنا أيضا أن بعض الكتب الدينية المشبعة بالأفكار والأوراد قد شاعت شيوعا خاصا خلال هذا العهد مثل (دلائل الخيرات) و (تنبيه الأنام)، ولكن خارج حلقات الدرس.
أما العلوم اللغوية ونحوها فقد كانت لا تخرج أيضا عن المواد التقليدية، يضاف إلى ذلك هبوط مستوى التحليل والاستنتاج وشيوع روح التصوف لدى مدرسيها أيضا، وهذه أهم هذه العلوم:
- النحو بالأجرومية وألفية ابن مالك وشروحها كالمكودي.
- الصرف بلامية ابن مالك في التصريف.
- فقه اللغة.
- البلاغة بجوهرة الأخضري وحواشي السعد التفتزاني ومتنه وتلخيص المفتاح.
- العروض بالخزرجية مع شرحها للشريف الغرناطي.
- المنطق بالسلم المرونق للأخضري وتهذيب السعد والجمل للخونجي ومختصر السنوسي.
- الخط.
- السير والأخبار.
ورغم سيطرة العلوم الدينية واللغوية فإن بعض المدرسين كانوا يهتمون بالعلوم (المحضة) ولكن عدد مدرسي هذه العلوم كانوا قلة، وتدريس هذه العلوم عندهم كان لا فائدة منه عمليا. ثم ان دراسة هذه العلوم لم تكن متطورة. فالحساب كان لفهم العمليات الأربع وممارسة التجارة، والفرائض كانت لمعرفة قسمة التركات ونحوها، وكذلك الأمر بالنسبة لعلم الوثائق وعلم الوضع، أما الفلك فقد كان يدرس لمعرفة الزوال وأوقات الصلاة والهلال ونحو ذلك، وليس للملاحة ونحوها، ومهما كان الأمر فهذه هي العلوم المحضة التي كانت متداولة في العهد العثماني ولو بشكل محدود.
- الحساب.
- الفرائض.
- الوثائق.
- علم الوضع.
- علم الفلك لأبي مقرع بالسراج للأخضري.
- الطب والصيدلة.
- ولعل الفرائض والوثائق كانت من أهم هذه العلوم استعمالا، وقد برع فيها عدد من المدرسين والعلماء حتى أصبح يشار إليهم، كما في تراجم الفكون. وقد اشتهر ابن حمادوش في أكثر هذه العلوم لأنه من غير المتصوفين، وهو الذي حكى كيف كان يحاول إقناع أحد الطلبة بتعلم الحساب بتذكيره بأن أهل تونس وأهل الأندلس كانوا أول ما يعلمون أولادهم
الحساب والنحو (ليذوقوا لذة العلم)(1).
وقد فرق بعضهم بين العلوم التي تبذل لطالبيها والعلوم التي تمنع عنهم. فأما علوم التوحيد والشريعة فيجب بذلها لطالبها، وأما علوم الصنائع والقضاء وأسرار الحروف فيجب، في نظرهم، التفرس في طالبها، فإن كان ورعا لا يخدم بها السلطان ولا يتعملها في أغراض سافلة فيعطاها وإلا كتمت عنه، ولا شك أن هذا هو رأي المتصوفة أو من يقرب منهم، فقد قال محمد بن سليمان ان (العلوم التي يجب بذلها إن تعينت ويندب إن لم تتعين إنما هي علوم التوحيد والشرائع العينية ومعاملة العبد مع مولاه التي لا يستغنى عنها. فمن كتمها عن سائلها ناله وعيد قوله صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم نافع فكتمه ألجم بلجام من نار. وأما العلوم الكفائية كالأحكام والقضاء والصنائع والحرف التي لم يكلف الله بها إلا من قام بها من الآحاد، وكذا حكم الله وأسراره في آياته وأسمائه، وكذا الجدول وأسرار الحرف، إلى غير هذا من الدعوات، فتنظر لطالبها فإن توسمت فيه خيرا وصلاحا وورعا يحجزه عن أن يتوصل بذلك إلى الأغراض الفاسدة كخدمة السلاطين. فهو كالأول وإلا فيحرم بذله له. وأسرار الله لا تبث إلا للخواص، أهل القلوب الصافية والفطر (السليمة). وهو يقصد بأسرار الله علوم التصوف ومعارفه، وهي صنف ثالث من أصناف العلوم إلى جانب ما سماه بالعلوم الشرعية والعلوم الكفائية (أو الدنيوية)(2). وقد عاش ابن سليمان في منتصف القرن الحادي عشر (17 م). ويبدو أن معظم العلماء كانوا في عهده يطبقون هذه النظرية في بث العلوم، ولذلك ضعفت العناية بالعلوم الدنيوية التي ذكرها، ليس كتمانا لها ولكن جهلا بها.
ولم تكن العلوم التجريبية والتاريخية تدرس في الجزائر خلال العهد العثماني، فلا نعرف أن أحد المدرسين قد عرف بتدريس الطب مثلا كما كان
(1) ابن حمادوش (الرحلة) مخطوطة.
(2)
ابن سليمان، (كعبة الطائفين)، 1/ 287. نسخة باريس.
مدرسو تلمسان أيام بني زيان (1)، رغم وجود بعض المتطببين والصيادلة، كما لا نعرف من اشتهر بتدريس علوم النبات والحيوان أو الرياضيات أو الكيمياء أو علم الملاحة، ومن العلوم التي كان الحديث يكثر فيها، علم الجغرافية والتاريخ والتراجم (المناقب) وهناك من ألف طبعا في هذه العلوم الثلاثة، ولكننا لا ندري من برز في تدريسها من الأساتذة. ونحب أن نلاحظ أن التاريخ كان في جميع أنحاء العالم عندئذ ما يزال فرعا من فروع الأدب. وكان يروى في شكل أخبار عامة فيها الصدق والكذب والمبالغات العجيبة والحكايات الغريبة. وممن اشتهر برواية الأخبار والتواريخ محمد بن عبد الكريم الجزائري وأبو راس وأحمد المقري. أما الجغرافية فالظاهر أن المعرفة بها كانت لا تعدو معرفة بعض مواقع الأقاليم والطرق والعواصم الإسلامية وبعض الخرائط. وقد ألف بعض الجزائريين عددا من الرحلات التي تدخل عادة ضمن علم الجغرافية. وأما الطب فقد كان يتعلم بالعادة والممارسة لا بالتدريس والتحصيل كما أسلفنا.
ولعل عدم تدريس الجزائريين للعلوم المحضة وممارستها هو ما جعل بعض الملاحظين الأجانب يهاجمون بشدة التعليم الجزائري عندئذ، ولا شك أن هجومهم فيه كثير من الحقيقة. فالجهل بالعلوم التجريبية وهي التي كانت شائعة في العصور الإسلامية الزاهرة والتي ألف فيها أكبر علماء المسلمين، كان غير مغتفر لمدرسي وعلماء الجزائر، كما أن إحلال التصوف محل الفلسفة (رأس الحكمة وأمها) ومدارسة العلوم الدينية والأدبية وحدها كان جناية على العقل الإنساني اشترك فيها المسؤولون والمدرسون على السواء. فقد قال الطبيب الإنكليزي شو إنه حاول عندما وصل إلى الجزائر أن يلتقي بالعلماء فعثر على أكبر عالم في الفلك فكان هو الذي يشرف على أوقات الصلاة ولكنه كان غير قادر حتى على إدارة عدال الشمس (المزولة)، ولعل في هذا القول بعض المبالغة ولكن فيه كثير من
(1) انظر رحلة عبد الباسط بن خليل الذي ذكر أن ابن فشوش كان ماهرا في الطب في الدرس والمزاولة.