المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القماري اللذان سنتعرض لهما. أما مدرسة مازونة فقد كانت على - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ١

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌الإهداء

- ‌شكر واعتراف

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌حول المصادر

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الأولتراث القرن التاسع (15) م

- ‌المؤثرات في الحياة الثقافية

- ‌بين العلماء والأمراء

- ‌التاريخ والسير

- ‌الأدب واللغة

- ‌التصوف وعلم الكلام

- ‌ أحمد النقاوسي:

- ‌ عبد الرحمن الثعالبي وأحمد الجزائري:

- ‌ ابن زكري:

- ‌ محمد السنوسي:

- ‌ الحوضي:

- ‌ التازي:

- ‌ محمد الفراوسني والمرائي الصوفية:

- ‌ عيسى البسكري:

- ‌ بركات القسنطيني:

- ‌ أبو عصيدة البجائي:

- ‌العلوم والمنطق

- ‌القراءات والتفسير والفقه

- ‌ أحمد الونشريسي

- ‌كتاب الافتتاح للقسنطيني

- ‌الفصل الثانيالتيارات والمؤثرات

- ‌العلاقات بين الجزائريين والعثمانيين

- ‌فئات المجتمع

- ‌دور المدن

- ‌الحياة الدينية والأدبية والفنية

- ‌الجهاد أو الإحساس المشترك

- ‌الثورات ضد العثمانيين

- ‌الفصل الثالثالمؤسسات الثقافية

- ‌ الأوقاف

- ‌ المساجد

- ‌الزوايا والرباطات

- ‌المدارس والمعاهد العليا

- ‌المكتبات

- ‌الفصل الرابعالتعليم ورجاله

- ‌سياسة التعليم

- ‌وسائل التعليم

- ‌ المعلمون:

- ‌ أجور المعلمين:

- ‌ التلاميذ:

- ‌ تعليم المرأة:

- ‌ الكتب:

- ‌المناهج

- ‌ في التعليم الابتدائي:

- ‌ في التعليم الثانوي:

- ‌ المواد المدروسة:

- ‌ حوافز التعليم وأهدافه:

- ‌بعض كبار المدرسين

- ‌سعيد قدورة

- ‌ علي الأنصاري السجلماسي:

- ‌ سعيد المقري:

- ‌ عمر الوزان

- ‌الفصل الخامسفئة العلماء

- ‌مكانة العلماء ووظائفهم وميزاتهم

- ‌تنافس العلماء وأخلاقهم

- ‌علاقة العلماء بالحكام

- ‌هجرة العلماء

- ‌العلماء المسلمون في الجزائر

- ‌من قضايا العصر

- ‌الفصل السادسالمرابطون والطرق الصوفية

- ‌حركة التصوف عشية العهد العثماني

- ‌موقف العثمانيين من رجال التصوف

- ‌حالة التصوف

- ‌سلوك بعض المتصوفين

- ‌بعض المرابطين وأهم الطرق الصوفية

- ‌ أحمد بن يوسف الملياني

- ‌ محمد بن علي الخروبي

- ‌ عبد الرحمن الأخضري

- ‌ محمد بن علي أبهلول:

- ‌ محمد بن بوزيان والطريقة الزيانية:

- ‌ محمد بن عبد الرحمن الأزهري والطريقة الرحمانية:

- ‌ أحمد التجاني والطريقة التجانية:

- ‌ الحاج مصطفى الغريسي والطريقة القادرية:

- ‌ الطريقة الطيبية في الجزائر:

- ‌ الطريقة الدرقاوية والطريقة الحنصالية:

- ‌عبد الكريم الفكون ونقد المتصوفين

- ‌المحتوى

الفصل: القماري اللذان سنتعرض لهما. أما مدرسة مازونة فقد كانت على

القماري اللذان سنتعرض لهما. أما مدرسة مازونة فقد كانت على درجة كبيرة من الأهمية في النواحي الغربية من البلاد، وكان لها نظام راسخ وتقاليد متينة استمدتها من صلتها بالتعليم في تلمسان والأندلس والمغرب الأقصى. وهي أيضا من أقدم المدارس التي أسست في العهد العثماني. وقد اشتهرت بالخصوص في الفقه والحديث وعلم الكلام. واستمرت المدرسة تشع بالمعرفة حتى بعد انتقال العاصمة الإقليمية من مازونة إلى معسكر ثم إلى وهران. وكانت مقصد طلاب النواحي الغربية، ولا سيما ندرومة ومستغانم وتنس وتلمسان ووهران. ومن أبرز خريجيها أبو راس الناصر الذي تحدث عن شيوخه فيها في رحلته (فتح الإله)(1).

‌المكتبات

إذا حكمنا على النشاط الثقافي لأي بلد من كثرة الكتب والمكتبات التي فيه فإن الجزائر خلال العهد العثماني كانت في طليعة البلدان الكثيرة الكتب والمكتبات. وقد شهد على وفرة المكتبات فيها حتى خصوم العثمانيين، كالفرنسيين، الذين حكموا بأن العثمانيين لم يقدموا أي عمل لتنشيط الحياة الروحية والفكرية في الجزائر. وكانت الكتب في الجزائر تنتج محليا عن طريق التأليف والنسخ أو تجلب من الخارج ولا سيما من الأندلس ومصر وإسطانبول والحجاز. وكان هناك رصيد كبير من المكتبات قبل مجيء العثمانيين. فقد كانت تلمسان، كما سبق، عاصمة علمية مزدهرة بلغت فيها صناعة الكتاب، تأليفا ونسخا وجمعا، درجة عالية. وكذلك كانت بجاية وقسنطينة، بل إن إحدى الزوايا في مدينة وهران خلال القرن التاسع (15 م) كانت تضم مجموعة من الكتب العلمية والآلات الجهادية، أي أنها كانت

(1) أبو راس (فتح الإله ومنته في التحدث بفضل ربي ونعمته) مخطوطة، الخزانة العامة بالرباط رقم 2263، 2332 وهي الآن مطبوعة. وقد وصف المستشرق الفرنسي جاك بيرك مدرسة مازونة في (أنال) 1972، اعتمادا على معلومات استقاها من الشيخ المهدي البوعبدلي.

ص: 285

تضم مكتبة ومتحفا في نفس الوقت. فقد روى ابن صعد في (النجم الثاقب) أن زاوية إبراهيم التازي بوهران كانت تحتوي على (الخزائن المملوءة بالكتب العلمية وآلات الجهاد)(1).

1 -

ومع ضغط الإسبان على أهل الأندلس كثرت هجرة الكتب إلى الجزائر مع هجرة أهلها. فقد روى التمغروطي في أواخر القرن العاشر (16 م) أن مدينة الجزائر كانت كثيرة الكتب وأنه لا يضاهيها بلد في ذلك من بلدان إفريقية، ولا سيما كتب الأندلس. وهذه هي عبارته (والكتب فيها (مدينة الجزائر) أوجد من غيرها من بلاد إفريقية، وتوجد فيها كتب الأندلس كثيرا) (2).

وتشهد عبارات الباحثين الفرنسيين الذين شاهدوا وجمعوا المخطوطات من مكتبات المدن الجزائرية غداة الاحتلال أنهم كانوا مندهشين من كثرة الكتب التي وجدوها ومن تنوعها ومن جمالها والعناية بها. فقد اعترف بذلك البارون ديسلان الذي كتب تقريرا عن المكتبات بقسنطينة عقب احتلالها مباشرة، وكذلك أدريان بيربروجر الذي رافق الحملة الفرنسية على قسنطينة وتلمسان ومعسكر، وجمع المخطوطات من هذه المدن. وقد ذكر أيضا شارل فيرو الذي كتب عن المؤمسات الدينية في قسنطينة وعن العائلات الكبيرة بها، إن بعض هذه المؤمسات والعائلات كانت تحتفظ بمخازن من المخطوطات في حالة جيدة، وأن في هذه المخطوطات نوادر تعتبر فذة في موضوعها. وضرب على ذلك مثلا بمكتبة شيخ الإسلام بقسنطينة (عائلة الفكون) التي قال عنها إنها كانت غنية لا بالكتب الخاصة بالجزائر فقط، بل

(1) ابن صعد (النجم الثاقب)، مخطوط، 20. كان أصحاب الكتب والعلماء يخشون على تلف كتبهم من الغارات الأجنبية فكانوا أول ما يفكرون فيه إذا وقعت غارة أو توقعوها هو تهريب الكتب إلى أماكن أخرى. انظر بهذا الصدد رسالة الثعالبي في الجهاد في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر) فقد استنصحه أحد تلاميذه في زواوة بتهريب كتبه فنصحه الثعالبي بذلك.

(2)

التمغروطي (النفحة المسكية)، 139.

ص: 286

حتى بالكتب المتعلقة بالبلاد الإسلامية المجاورة (1). وكان يريد بذلك أن يبرهن على وجود الكتب بالجزائر وتذوق الفنون والعلوم من قبل أهلها، رغم عدم عناية العثمانيين بالثقافة.

وكانت مصادر الكتب متنوعة. فبالإضافة إلى الأندلس التي أشرنا إليها والتي كانت تغذي المكتبات الجزائرية الخاصة والعامة، هناك البلدان الإسلامية الأخرى. فقد روى العياشي في القرن الحادي عشر (17 م) أنه شاهد بتكورارن (؟) بأعماق الصحراء مكتبة غنية يملكها الشيخ محمد بن إسماعيل وكانت تبلغ ألفا وخمسمائة كتاب. ويهمنا من قصة هذه المكتبة هنا أن العياشي قال (وهي كتب نفيسة جدا اقتنى ابن إسماعيل أكثرها لما كان بمدينة إسطانبول)(2). وكان الشيخ محمد بن إسماعيل قد درس بالأزهر وجاور بمكة والمدينة وزار اليمن والسودان والعراق والمغرب الأقصى وتونس وطرابلس وإسطانبول. وسنعود إلى الحديث عن مكتبته بعد قليل. وكانت الكتب تنتقل مع الحجاج والعلماء إلى الأماكن البعيدة. فقد روى العياشي أيضا أنه شاهد وهو في قرية يقال لها (والي؟) بالقرب من ورقلة في روضة أحد الصالحين هناك نسخة من (نوازل البرزلي) بخط الإمام ابن مرزوق وعليها إضافات بخط مشرقي لأتباع الطريقة القادرية (3). وإذا كان العياشي قد تعجب من وصول هذا الكتاب إلى هذه القرية النائية فإن عجبنا نحن يكون أكثر من عجبه لا من وصول المخطوطات إلى تلك النواحي القاصية ولكن من تسرب الأفكار والمذاهب والطرق الصوفية أيضا إلى هناك.

وكانت الكتب تصل إلى الجزائر من مصر والحجاز أيضا. فقد روى المؤرخ الجبرتي أن والده قد ذكر له أنه ورد عليهم في مصر سنة 1196 بعض الحجاج الجزائريين وسألوه عن كتب يشترونها، ومن بينها (زيج الراصد)

(1) فيرو (كتاب العدواني) في مجلة (روكاي)1868.

(2)

العياشي (الرحلة) 1/ 41.

(3)

نفس المصدر، 40.

ص: 287

للسمرقندي الذي كانت لديه (والد الجبرتي) نسخة منه. وحاول الحاج الجزائري إغراء الشيخ الجبرتي بشراء نسخته منه، ولكن الجبرتي أبى أن يسمح في نسخته العزيزة عليه. وبعد أن أدى الرجل الجزائري فريضة الحج عاد إلى مصر وحضر لدى الشيخ الجبرتي ومعه رزمة كبيرة من الكتب من بينها نسخة من الزيج المذكور، وقال للجبرتي، وهو يطلعه على النسخة التي اشتراها بالحرمين (أيهما أحسن، نسختك التي ضننت بها أو هذه؟ وكنت لم أرها قبل ذلك، فرأيتها شقيقتها وتزيد عنها في الحسن صغر حجمها وكثرة التقييدات بهامشها) وقد أخبر الحاج الجزائري الشيخ الجبرتي بأنه اشترى نسخة الزيج بعشرين ريالا فقط من كتاب المجسطي وكتاب التبصرة وشرح التذكرة ونسخة البارع وزيج ابن الشاطر (وغير ذلك من الكتب التي لا توجد في خزائن الملوك، وكلها بمثل ذلك الثمن البخس، فقضيت أسفا، فأخذ الجميع، مع ما أخذ، وذهب إلى بلاده)(1).

ورغم أن والد الجبرتي لم يكشف عن اسم هذا الجزائري فإنه يبدو انه كان من العائلات الغنية لأن نفس المصدر تحدث عن خادم معه، كما يبدو أنه كان من العلماء والرياضيين خاصة، وليس من الفقهاء، لأن معظم الكتب المذكورة كتب علمية، ثم إن دخول هذه الكتب إلى الجزائر في أواخر القرن الثاني عشر موضوع يؤكد عناية الجزائريين بالكتب والاستفادة منها. وقد صدق الجبرتي حين قال إن مثل هذه الكتب لا توجد حتى في (خزائن الملوك) لأنها كتب نادرة حقا. ونحب أن نلاحظ أن هذا الحاج الجزائري لم يكتف بما اشتراه من الحجاز بل اشترى كتبا أخرى أيضا من مصر. وهذا ما تشير إليه عبارة الجبرتي (فأخذ الجميع مع ما أخذ) وسنعرف أن من مشاهير الجزائريين الذين حجوا وكانوا بمصر حوالي ذلك التاريخ هم أحمد بن عمار وعبد الرزاق بن حمادوش الذي اشتهر بالطب والرياضيات.

(1)(عجائب الآثار) 2/ 74.

ص: 288

وكانت تركيا والمغرب أيضا من البلدان التي اقتنى منها الجزائريون المخطوطات. فقد ذكر الكاتب الفرنسي لالوي أن المخطوطات التي جمعها بير بروجر من قسنطينة كانت جميلة كثيرا في الشكل والتجليد، وأنها كانت واردة من مصر وتركيا (1). ومن جهة أخرى ذكر ابن حمادوش في رحلته إلى المغرب أنه قد اشترى ونسخ مجموعة من الكتب هناك مع ذكر أثمانها وأسمائه (2). وهناك كتب وردت مع العثمانيين أنفسهم إلى الجزائر. فالدراويش الذين كانوا يرافقون الجنود أحيانا وكذلك القضاة الذين كانوا يعينون من إسطانبول في بادئ الأمر، كانوا يصطحبون معهم مكتباتهم الخاصة أو على الأقل بعضها. كما أن طائفة من علماء آل عثمان قد زاروا الجزائر، كما سنرى، وحملوا معهم أوراقهم ووثائقهم من إجازات ورسائل وتآليف. وأهم ما جاء الجزائر عن طريق العثمانيين هي كتب الفقه الحنفي ونسخ كثيرة من صحيح البخاري ومختصراته، كمختصر ابن أبي جمرة وكتب الأدعية والأذكار الصادرة عن الطرق الصوفية المزدهرة عندئذ في إسطانبول والمشرق كالبكداشية والمولوية والقادرية. ونفس الشيء يقال عن كتب المغرب الأقصى التي كان يحملها علماء الجزائر الذين درسوا هناك وعلماء المغرب الذين زاروا الجزائر وأقاموا فيها (3).

2 -

وتختلف طرق اقتناء الكتب ومنها الاستنساخ والنسخ. ذلك أن الحريصين على جمع الكتب كانوا ينسخون الكتب بأنفسهم أو يستنسخون غيرهم، مثل تلاميذهم إذا كانوا أساتذة أو كتابهم إذا كانوا أمراء ومسؤولين. وكان بعضهم يستنسخ الأصدقاء وحتى المؤلفين أنفسهم. وقد شاعت حركة النسخ والاستنساخ في الجزائر حتى أنه كان لها اختصاصيون مشهورون. ومن شروطها جودة الخط وحسن اختيار الورق واتقان صناعة الوراقة والسرعة

(1) لالوي (المجلة الأفريقية)، 1925، 107.

(2)

ابن حمادوش (الرحلة)، مخطوط.

(3)

انظر الفصل الخامس من هذا الكتاب فقرة هجرة العلماء وعلماء المسلمين في الجزائر.

ص: 289

والمهارة في التوثيق والدقة في العمل وصحة النظر.

وقد اشتهرت قسنطينة ببعض النساخ والخطاطين حتى قارنهم بعض الكتاب بابن مقلة في حسن الخط. ومن هؤلاء أبو عبد الله بن العطار الذي كان من أسرة شهيرة تولت الوظائف الرسمية في العهد العثماني. وقد عرف العطار بجودة الخط وربما اشتهر به على ابن مقلة. وكان يقصده الخاص والعام في الوثائق والعقود (1). وكذلك اشتهر الشيخ إبراهيم الحركاتي. فقد كان مدرسا بالمهنة، ولكنه اشتهر أيضا بالنساخة وحسن الخط حتى أصبح مشهودا له بذلك (2). واشتهر محمد الزجاي بالنساخة حتى أصبح له فيها مهارة وطاقة كبيرة. ومن مهارته أنه كان (يكتب ويحدث الجالس بدون كلل ولا زلة قلم)(3). ولا شك أن الزجاي، الذي سنتحدث عنه في مكان آخر، كان ينسخ الكتب لنفسه. وذكر الورتلاني أن أحمد التليلي كان بديع الخط سريع اليد، وأنه كان ينسخ كراسا من القالب الكبير أثناء السفر. أما يوم الإقامة فكان ينسخ أكثر من ذلك. وأخبر عنه أنه كتب في برقة رحلة الدرعى وكتاب الصباغ عن الملياني (4)، وجميع ذلك حوالي ستين كراسة. وكان التليلي من علماء الظاهر والباطن. وقد رافق الورتلاني في حجته الأولى سنة 1153 (5).

وكان النسخ يتم بالخط الأندلسي الذي قال عنه ابن خلدون إنه قد تغلب على الخطوط الأخرى في المغرب العربي، وهو المعروف اليوم بالخط المغربي. وبالإضافة إلى ذلك جاء مع العثمانيين الخط المعروف

(1) عبد الكريم الفكوون (منشور الهداية) مخطوط.

(2)

نفس المصدر.

(3)

(إتمام الوطر) مخطوط باريس.

(4)

يقصد به (بستان الأزهار) الذي سنتحدث عنه. وهو من الحجم الكبير.

(5)

الورتلاني (الرحلة)، 119. وأحمد التليلي هو أحد أجداد الشيخ محمد الطاهر بن بلقاسم التليلي، عالم بلدة قمار اليوم. وقد رأيت لحفيده، قاسم التليلي، عدة تقاييد بخطه وتوقيعه. وهي في مكتبة السيد الصادق قطايم بقمار، كما أن حفيده الشيخ محمد الطاهر المذكور نسخ منها ما يتعلق بتاريخ قمار ورجالها.

ص: 290

(بالعثماني). وقد جاء ذلك مع أهل العلم الذين حلوا بالجزائر، كما جاء مع الخطاطين المختصين أيضا (1). فقد أخبر محمد خليل المرادي أن المسمى حسينا بن عبد الله الجزائري قد أسهم في إدخال الخط العثماني إلى الجزائر. وكان اسمه الحقيقي دولار، وهو رومي الأصل. وكان عبدا عند سيده الدرويش علي الكاتب القسطنطيني. وكان سيده مشهورا بالكتابة وحسن الخط. وبعد أن أخذ حسين الجزائري عن سيده الكتابة وحسن الخط فر هاربا منه إلى (جزائر الغرب (أي الجزائر) وسمى نفسه حسينا) واشتهر بالجزائري. ثم جاء إلى مصر ومات في القاهرة سنة 1125. ويهمنا من رواية المرادي قوله بعد ذلك أن حسينا الجزائري قد (اشتهرت خطوطه بين الناس وأخذ عنه الخط أناس كثيرون، وفاق أقرانه وشاع صيته .. له مهارة في صناعة التوريق (2). ورغم أن المرادي لا يذكر أين حل حسين الجزائري فإن المتوقع منه أن يكون قد حل بمدينة الجزائر. ولعله قد أقام في غيرها من المدن، كما أننا لا ندري المدة التي قضاها في الجزائر ولا التلاميذ الذين تخرجوا على يديه فيها.

وتشير المصادر إلى أنه كان بالجزائر خلال العهد العثماني بعض المشتغلين بصناعة الكتب عموما من وراقة وتجليد ونسخ وخط ونحو ذلك. فقد جاء في (منشور الهداية) أن الطالب محمد النقاوسي كان سمسارا في الكتب في قسنطينة (3). وفي تلمسان اشتهر علي بن تجيرست بالاشتغال

(1) من أشهر الخطاطين في مدينة الجزائر بكير حفيظ خوجة الذي كان أيضا يشغل وكالة ضريح سيدي يحيى. انظر كلاين (أوراق الجزائر)، 210. واشتهرت تلمسان بأسرة ابن صرمشق التي احترفت النقاشة. انظر فصل الفنون من الجزء الثاني.

(2)

محمد خليل المرادي (سلك الدرر) 2/ 55. انظر أيضا عنه محمد مرتضى الزبيدي (حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق) كما نشره عبد السلام هارون في (نوادر المخطوطات) مجموعة 5/ 94، القاهرة، 1973، ط 2. وبناء عليه فقد كتب حسين الجزائري ربعة شريفة في ثلاثين جزءا وعدة مصاحف، وعاش أيضا في مصر والشام وترك تلاميذ واصلوا مدرسته في الخط، ذكر منهم أربعة.

(3)

الفكون (منشور الهداية) مخطوط. 27.

ص: 291

بالوراقة، كما كان يسمع الحديث في الجامع الكبير هناك. وروى ابن حمادوش عن نفسه أنه كان يشتغل بالكتب بيعا وتجليدا ونسخا في مدينة الجزائر وأنه كان يملك دكانا لهذا الغرض قبالة الجامع الكبير. وكان في الجزائر سوق يدعى سوق الوراقين، ولعله هو سوق القيصرية الذي ذكر حمدان خوجة في (المرآة) أنه كان مخصصا لبيع الكتب وأن النساخين كانوا فيه بكثرة.

ومن أشهر المسؤولين الذين شجعوا على حركة النسخ والاستنساخ الباي محمد الكبير. فقد شجع الطلبة وكتابه الخصوصيين على اختصار الكتب المطولة ونسخ بعض الكتب الأخرى له. وكان يجيز كل واحد منهم بسخاء حسب عمله وجهده. فقد أمر بعضهم بجمع فتاوي العلماء في جوائز الملوك في كرامة (1)، وجمع له بعضهم كلام شارح السلوانية في الباز (2)، وكلام صاحب التذكرة في أقل من كراسة. وقام مؤلف (الثغر الجماني) باختصار كتاب الأغاني في نحو ثمانين كراسة، وباختصار طب القاموس وزاد عليه من كلام الأطباء، وأمر الباي بعض كتابه أيضا، وهو محمد المصطفى بن زرفة، بتقييد حوادث الجهاد التي كانت تجري بين الجزائريين والأسبان (3).

وكان الشراء من أهم طرق الحصول على الكتب. ولم يكن ذلك مقصورا على الأغنياء والأمراء ونحوهم بل كان يشمل حتى فقراء العلماء الذين كانوا يؤثرون الكتاب على ملء المعدة واللباس الفاخر والفراش الوثير. وقد كان الشيخ ابن إسماعيل قد اقتنى معظم كتبه، كما لاحظ العياشي، من إسطانبول. وكذلك كان الحاج الجزائري الذي تحدث عنه الجبرتي. فقد بذل النقود، سواء في الحجاز أو مصر لشراء الكتب الثمينة. وإذا كان الشيخ ابن

(1) هو كتاب (الاكتفاء) لابن زرقة الذي سنتحدث عنه.

(2)

القصيدة السلوانية (روضة السلوان) لإبراهيم الفجيجي وشارحها هو أبو القاسم الفجيجي. انظر فصلي النثر والشعر من الجزء الثاني.

(3)

ابن سحنون (الثغر الجماني)، مخطوط باريس.

ص: 292

إسماعيل من أصحاب الثروة فإن ابن حمادوش كان، بدون شك، من فقراء العلماء. ومع ذلك قد بذل ماله لشراء الكتب من المغرب الأقصى، ونسخها بنفسه بعد أن استعارها من أصحابها، ولعله فعل نفس الشيء في رحلاته إلى المشرق أيضا. ونحن نجد أخبارا عن الكتاب وحركته وأخلاق العلماء حوله في كتاب الفكون (منشور الهداية). وقد جاء في وثائق الجامع الكبير بالعاصمة أن المفتي سعيد قدورة (الذي كان أيضا وكيلا لأوقاف الجامع) قد اشترى لمكتبة الجامع كتبا كثيرة من فائض الأوقاف (1). والظاهر أن ذلك كان من الأسواق المحلية. وذكر البطيوي صاحب (مطلب الفوز والفلاح) أن شيخه ابن مريم صاحب (البستان) قد مات على أكثر من ستمائة (600) كتاب.

غير أن شراء الكتب لم يكن دائما للاستفادة منها علميا. فقد كانت بعض العائلات تفاخر بها مثيلاتها أحيانا، وكان أشباه العلماء يقتنونها للمباهاة والتشبه بأهل العلم. كما أن بعضهم كان يقتني الكتب للبركة والتعبد، ولا نعرف من تاريخ الجزائر الطويل أيام العثمانيين أن ولاتها كانوا يشترون الكتب أو يستنسخونها لإقامة مكتبات خاصة بهم (باستثناء الباي محمد الكبير) كما كان يفعل أمراء المسلمين في الماضي. ونحن لا نستغرب ذلك من ولاة لا يعرفون لغة البلاد ولا يتذوقون أدبها وفنها، بل كانوا في أغلبهم جهلة لا يعرفون حتى القراءة والكتابة. وكانت العناية بالكتب والتباهي والتقليد في اقتنائها قد شملت أيضا بعض القادة العرب من أهل الريف مثل ابن الصخري، شيخ العرب وقائد الذواودة والحنانشة. فقد ورد في أخبار هذا القائد أن أحدهم قد نسخ كتابا سنة 1019 (للخزانة العلمية، خزانة أميرنا ومولانا أبو (كذا) عبد الله محمد الصخري) (2) وتذكر بعض المصادر أيضا أن

(1) نور الدين عبد القادر (صفحات من تاريخ مدينة الجزائر)، الجزائر 1964، 279. نقلا عن ابن المفتي.

(2)

البوعبدلي، مقدمة (الثغر الجماني)، 58. ومحمد بن الصخري هذا هو أخ أحمد بن الصخري زعيم الثورة التي تحدثنا عنها والتي جرت سنة 1047. انظر الفصل الثاني من هذا الجزء.

ص: 293

الثائر ابن الأحرش (وهو من المغرب الأقصى)، قد حمل معه خزانة كتب الشيخ محمد الزجاي، التي كانت بتلمسان، إلى معسكره في الجبل أيام ثورته ضد العثمانيين (1).

وكان التأليف من الطرق الهامة لنمو المكتبات. وقد كانت حركة التأليف في العهد المدروس، رغم ما قيل فيه وعنه، حية ونشيطة. ولا نكاد نجد عالما إلا وله قائمة قصيرة أو طويلة من المؤلفات في مختلف العلوم المتداولة. وقد تمثل ذلك في الشروح والحواشي والتقاييد والتعاليق والرسائل والفهارس وفي التآليف ذات الأجزاء أيضا. ومن أشهر المؤلفين في هذه الفترة عبد الرحمن الأخضري وأحمد المقري وعبد الكريم الفكون وابن مريم وأحمد البوني وأبو راس وابن حمادوش وقدورة. وكان بعضهم قد ألف كتبه وهو في الجزائر وبعضهم ألفها وهو خارجها لمناسبة جو التأليف في المهجر أو لأسباب أخرى سنعرض لها عند حديثنا عن هجرة العلماء. فقد ألف المقري موسوعته عن تاريخ الأندلس (نفح الطيب) في مصر كما ألف (أزهار الرياض) في المغرب الأقصى. وألف يحيى الشاوي وعيسى الثعالبي وابن حمادوش معظم أعمالهم في الخارج أيضا. كما ألف ابن العنابي كتابه (السعي المحمود) في مصر. ومن جهة أخرى نذكر أن صالح باي، قد أوقف في قسنطينة عددا من الكتب على (المدرسة الكتانية) التي بناها، ولكنه لم يعرف عنه أنه كان يشجع حركة التأليف والنسخ، كما فعل زميله ومعاصره محمد الكبير، بل كان يشتري الكتب الموقوفة من أصحابها وما يزال بعضها يحمل ختمه إلى اليوم (2).

وكان الحج والرحلة في طلب العلم وراء انتشار حركة التأليف والنسخ واقتناء الكتب. وكان حجاج المغرب الأقصى يتركون آثارهم في الجزائر

(1)(إتمام الوطر) مخطوط باريس.

(2)

رأيت في مكتبة زاوية طولقة عددا من الكتب التي تحمل عبارات التحبيس وختم الباي المذكور.

ص: 294

ذاهبين وآيبين. فالعياشي تبادل الكتب والكراريس مع علماء الجزائر أثناء مروره بها في القرن الحادي عشر (17 م)، كما تبادل معهم ذلك وهم في الحجاز ومصر. ونذكر من هؤلاء العلماء عيسى الثعالبي وعبد الكريم الفكون. أما عبد الرحمن الجامعي فقد ورد على الجزائر بكتبه ومذكراته وأشعاره فشرح رجز المفتي الحلفاوي في فتح وهران الأول (1)، والتقى بعلماء الجزائر أمثال محمد بن ميمون، والمفتي الشاعر ابن علي، والعالم الزاهد أحمد بن ساسي البوني، والفقيه مصطفى الرماصي القلعي. وعندما ورد أحمد الورززي التطواني اجتمع عليه علماء مدينة الجزائر واستمعوا إلى دروسه. ولا شك أنه حمل إلى الجزائر كتبه وبعض كتب غيره أيضا. وقد ألف أبو القاسم الزياني شطرا من تاريخه الكبير أثناء إقامته بتلمسان وكانت معه مكتبته وأدواته في البحث، وألف محمد التواتي مجموعته (كتاب الخبر في معرفة عجائب البشر) الذي استقاه من مصادر الأدب والطرائف عندما كان في قسنطينة ونواحيه (2).

ومن جهة أخرى كانت تونس معبرا ومدرسة للجزائريين. فهم يتصلون بعلمائها ويتبادلون معهم التآليف والإجازات ونحو ذلك. ومن هؤلاء أحمد بن عمار الذي حل بها سنة 1195 وألف كتابا في تاريخ علي باي وعلق على بعض أعمال تلميذه إبراهيم السيالة. ونذكر كذلك محمد بن محمود المعروف بابن العنابي الذي تبادل الكتب والشعر مع علماء تونس، وخصوصا

(1) ما يزال هذا الشرح مخطوطا، وهو مليء بالأخبار عن الحياة الثقافية في الجزائر خلال القرن الثاني عشر للهجرة.

(2)

انتهى منه سنة 1024 وتوفي سنة 1031 بباجة بتونس هاربا من بعض ولاة قسنطينة، وهو أستاذ عبد الكريم الفكون القسنطيني صاحب (منشور الهداية). ولا ندري إن كان التواتي في قسنطينة أو خارجها عندما انتهى من كتابه. وكان التواتي قد ورد على قسنطينة من المغرب الأقصى ودرس القراءات في زواوة. ومن علماء المغرب أيضا علي الأنصاري، وابن زاكور وأحمد الغزال والدرعي وغيرهم. وقد ذكر محمد بن سليمان في (كعبة الطائفين)، 3/ 264 أن الشيخ عيسى البوسعدي الهنتاتي قد ورد عليهم من فاس واستفادوا منه كثيرا.

ص: 295

محمد بيرم، سنة 1245. وقد ذكر أحمد البوني شيوخه من التونسيين في إجازته التي سنعرض إليها. وأخبر أبو راس عن العلماء الذين لقيهم بتونس أثناء حجتيه، وكذلك فعل الورتلاني. كما ورد على الجزائر عدد من علماء تونس ومعهم مكتباتهم وتآليفهم ورسائلهم، ومن هؤلاء إبراهيم الغرياني وتاج العارفين وأحمد برناز ومحمد الشافعي وحمودة بن عبد العزيز وإبراهيم الرياحي. وقد أوحت مصر والحجاز وسورية والعراق وإسطانبول إلى عيسى الثعالبي وأحمد المقري ويحيى الشاوي بالتأليف. ولولا الرحلة في طلب العلم والحج لما نشطت همم هؤلاء العلماء للتأليف وتغذية المكتبات بإنتاجهم.

3 -

ويمكن تقسيم المكتبات في الجزائر إلى عامة وخاصة. وما دمنا قد أشرنا إلى أن الولاة لم يشجعوا على التأليف ولا على جمع الكتب لأنفسهم، فإن ما يسمى أحيانا بالمكتبات السلطانية أو الأميرية لا وجود له تقريبا في الجزائر العثمانية. فالمقصود إذن بالمكتبات العامة هنا هو تلك المكتبات الملحقة بالمساجد والزوايا والمدارس، والتي كانت مفتوحة للطلبة خصوصا ثم لجميع القراء المسلمين. ولا نتوقع في ذلك العهد وجود مكتبة عمومية أو شعبية أو وطنية بالمعنى الذي نستعمله اليوم. لذلك فإن قول أحد الكتاب بأنه كان في تلمسان مكتبة عامة خلال القرن الحادي عشر (17 م) قول محير. ولعله كان يقصد بذلك إحدى المكتبات الملحقة بالمؤسسات المذكورة. فقد كانت الجوامع، وخصوصا جوامع الخطبة، تحتوي على خزائن الكتب الموقوفة على الطلبة والعلماء.

وكانت الكتب بهذه الخزائن تقل أو تكثر تبعا لأهمية الوقف الذي تتغذى منه وتبعا لأهمية الجامع وأمانة الوكيل وضخامة عدد السكان في المدينة المعنية. ومن أشهر هذا النوع من المكتبات مكتبة الجامع الكبير بالعاصمة التي سنتحدث عنها بعد قليل، ومكتبة المدرسة الكتانية التي أسسها صالح باي بقسنطينة، ومكتبة المدرسة المحمدية التي أسسها الباي محمد الكبير في معسكر. ولا نعرف الآن أن إحدى الزوايا قد اشتهرت بمكتبتها شهرة مكتبة الجامع الكبير مثلا. غير أننا لا نشك في وجود ذلك. فقد سبقت

ص: 296

الإشارة إلى مكتبة زاوية الشيخ التازي بوهران، رغم أنها كانت قبل مجيء العثمانيين. كما أن صاحب كتاب (القول البسيط في أخبار تمنطيط) تحدث عن وجود كتب كثيرة في الزاوية البسكرية بتوات (1). وكانت زاوية القيطنة تحتوي على كتب كثيرة أيضا. وهي الكتب التي تثقف منها الأمير عبد القادر. ولا شك أن مدرسة مازونة وزاوية آقبو وزاوية الخنقة وغيرها كانت تضم مكتبات يطالع منها الطلبة والأساتذة.

أما المكتبات الخاصة فكثيرة وليس من السهل حصرها. غير أن بعض العائلات قد اشتهرت، لطول عهدها بالنفوذ، بالمكتبات دون الأخرى. فعائلة الفكون بقسنطينة كانت لها مكتبة ضخمة أصبحت مضرب الأمثال بعد الاحتلال الفرنسي، وهي المكتبة المعروفة باسم حمودة الفكون الذي كان موجودا عند دخول الفرنسيين قسنطينة. وكان لأبي راس مكتبة كبيرة حبسها عليه أحد بايات وهران وسماها (بيت المذاهب الأربعة). وذكر الورتلاني أنه كان لوالده (خزانة (كتب) عظيمة بحيث لا توجد عند غيره) (2). وكنا قد أشرنا إلى خزانة كتب الزجاي التي قيل إنها (إحدى الخزائن الكبار التي تحتوي على أحمال من المجلدات والأسفار)(3). كما سبقت الإشارة إلى مكتبة شيخ العرب ابن الصخري الذي يظهر أنه كان يشجع على نسخ الكتب أيضا. وقد ذكر العياشي أن مكتبة الشيخ محمد بن إسماعيل بتكورارن كانت تحتوي على حوالي ألف وخمسمائة تأليف (4).

ولما كانت السيادة في العهد العثماني للعلوم الدينية فإن محتوى المكتبات كان أغلبه لا يخرج عن هذه العلوم. فكثرتها كانت من كتب التفاسير والقراءات والأحاديث النبوية وشروحها وكتب الفقه والأصول

(1) فرج محمود فرج، أطروحة عن إقليم توات، مخطوطة، كلية الآداب، جامعة الجزائر، 1980. وقد أعدها صاحبها تحت إشرافي وهي الآن مطبوعة.

(2)

الورتلاني (الرحلة)284.

(3)

(إتمام الوطر) مخطوط باريس.

(4)

العياشي (الرحلة) 1/ 41.

ص: 297

والتوحيد ونحو ذلك. ولكن العلوم اللغوية والعقلية الأخرى كان لها أيضا حظ في هذه المكتبات. فقد اشتهرت مدارس النحو بزواوة وخنقة سيدي ناجي. ومع النحو يأتي الأدب واللغة والصرف والبلاغة والعروض. أما التاريخ والجغرافية والفلسفة والمنطق فقد كانت في درجة أقل من الذيوع. ولا شك أن كتب الحساب والفلك والطب وأمثالها كانت أقل من القليل، غير أن تآليف ابن حمادوش العلمية وقصة الحاج الجزائري التي أوردها الجبرتي ثم تقارير العلماء الفرنسيين إثر الاحتلال عن مكتبات الجزائر - كل ذلك يدل على أن هذه المكتبات كانت غنية بجميع أنواع المعارف المذكورة، رغم وفرة الكتب الدينية فيها (1).

وكان وقف الكتب يتم بنفس الطريقة التي تتم بها الأوقاف الأخرى. فالواقف عادة ينص على أن الكتاب موقف في سبيل الله على طلبة الجامع أو الزاوية أو المدرسة التي يوجد فيها. كما ينص على منع إخراج الكتب من المؤسسة الموجود فيه (2). وكان الواقف أيضا يضع، بعد عبارات الوقف الشرعية، ختمه الذي يحمل تاريخ الوقف وخطه الشخصي. وقد وجد الباحثون في مكتبات قسنطينة عددا من الكتب عليها عبارات توقيف وختم صالح باي والقاضي الحنفي محمد العربي بن عيسى. وغالبا ما كان الوكيل يضع ختمه إلى جانب ختم الوقف. وقد عرفنا أيضا أن الباي محمد الكبير قد أوقف مكتبة على جامعه الأعظم .. ولكن وقف الكتب، بالقياس إلى الأوقاف الدينية والاجتماعية الأخرى، كان ضئيلا وكان يقوم في الغالب على وقف الكتاب المفرد، ويشترك في وقف الكتاب بعض العامة الذين يجهلون حتى محتواه، ولكنهم كانوا يشترونه ويوقفونه تقربا إلى الله، فالكتاب في نظرهم كان مجرد صدقة. وعلى هذا النحو كان كثير من الكتب الموقوفة لا يخرج عن الحديث والفقه والمصاحف وكتب الدعاء والصلوات. وقد وجدنا

(1) سنذكر بعد قليل نماذج من محتوى بعض المكتبات.

(2)

نص في وقفية جامع الباي محمد الكبير على عدم إخراج الكتب من المسجد. انظر ليكليرك (المجلة الإفريقية)، 1859، 43.

ص: 298

في وقفية مسجد محمد بن يوسف السنوسي في تلمسان الكتب التالية (1):

1 -

نسختان من صحيح البخاري.

2 -

شرح الشبرخيتي على مختصر خليل فى أربعة أجزاء.

3 -

شرح الخرشي على مختصر خليل أيضا، الجزء الأول منه.

4 -

تنبيه الأنام في جزئين.

5 -

نسخة من سيرة السنوسي للملالي (وهو المواهب القدسية في المناقب السنوسية).

6 -

نسختان من الشيخ العروسي في سفرين (2).

كما وجدنا أن السيدة فاطمة بنت ابن جبور قد أوقفت على مسجد الغريبة بتلمسان أيضا.

1 -

نسخة من تأليف الجوزي.

2 -

نسخة من تأليف السيوطي.

وكلاهما في أحوال الآخرة (3). كما أن الباي محمد الكبير قد أوقف نسخة من صحيح مسلم وغيره من الكتب على مدرسة مازونة سنة 1212 (4).

4 -

ولكن مصير المكتبات كان غير آمن. فقد ضاع أو تلف كثير منها بالحروب والأوبئة والنهب والتهريب والإهمال. فالحروب التي وقعت بين الجزائريين والأجانب، وبين الجزائريين والعثمانيين والحروب القبلية، ونحوها، قد أدت إلى بعثرة الكتب وسوء التصرف بالمكتبات. من ذلك مكتبة ابن الصخري التي أشرنا إليها والتي تلفت نتيجة حروب عائلته ضد الأتراك، ومكتبة الزجاي وغيره التي تبعثرت نتيجة حرب درقاوة وفتنة ابن

(1) انظر هذه الوقفية في نصها العربي في بروسلار (المجلة الإفريقية) 1861، 323.

(2)

الظاهر أنه هو الشيخ بركات العروسي القسنطيني. انظر عنه الفصل الأول من هذا الكتاب.

(3)

بروسلار (المجلة الإفريقية) 1860، 169.

(4)

جاك بيرك (أنال) 27، 1972، 150.

ص: 299

الأحرش، وقد قال صاحب كتاب (إتمام الوطر) إن خصوم الشيخ الزجاي قد دفنوا كتبه في الثرى. كما عانت مكتبة الشيخ أبي راس أو بيت المذاهب الأربعة (1). ومكتبة أحمد بن سحنون وأوراقه (2). وعندما تعرضت مدينة الجزائر إلى القصف من أسطول إحدى الدول الأوروبية اضطر إلى نقل مكتبة الجامع الكبير إلى قلعة مولاي حسن، بعيدا عن القصف، وكان النقل يتم بواسطة الجمال لمدة ثلاثة أيام. وكانت الكتب تنقل في الغراير (3). ولا شك أن نقلها على ذلك النحو قد أضر بالكتب كما أنه أدى إلى تفريقها في الأيدي أيضا.

وكان الإهمال والنهب والوباء من أقسى ما أصاب الكتب أيضا. فقد روي أن الحاج أحمد قدورة وكيل ومفتي الجامع الكبير بالعاصمة كان مهملا لمكتبة الجامع، مما سمح لبعض العلماء بأخذ الكتب منها إلى بيوتهم وبيع بعضها خارج الجزائر. وقد تحدث ابن المفتي الذي وصف طابع وحياة العلماء خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر (17 م و 18 م) أنهم وجدوا عند الشيخ محمد بن ميمون، بعد وفاته، أكثر من أربعين كتابا من مكتبة الجامع الكبير. كما أخبر أنهم وجدوا عند الشيخ الطاهر بن الماروني عددا من الكتب التي أخذها من هذه المكتبة. وعند وفاة ابن الماروني أخذ ابنه الكتب إلى تونس وباعها وقبض ثمنها هناك. كما أخذ الشيخ عبد القادر بن الشويهت وعبد الرحمن المرتضى وابنه وغيرهم كمية أخرى من مكتبة الجامع. وهكذا تفرقت مكتبة الجامع الكبير نتيجة الإهمال وضعف الضمير. ومع ذلك أخبر ابن المفتي أن هذه المكتبة كانت على عهده (سنة 1153)

(1) وصف أبو راس ذلك في رحلته (فتح الإله). ولا شك أنه فصل القول أيضا في كتابه المفقود (درء الشقاوة في حروب درقاوة).

(2)

تحدث عن ذلك في كتابه المخطوط (الأزهار الشقيقة) الذي سنتحدث عنه في الجزء الثاني.

(3)

نور الدين عبد القادر (صفحات) 280، وكذلك ديفوكس (المجلة الإفريقية)1866. 289. وكلاهما يروي عن ابن المفتي.

ص: 300

تحتوي على حوالي ثلاثمائة مجلد، وذلك بفضل محاولات بعض المفتين، أمثال محمد بن المبارك، صيانتها وتجديدها وتعويض المفقود منها. ومن جهة أخرى أخبر الورتلاني أن خزانة كتب والده التي قال عنها إنها كانت عظيمة وأن غيره لا يملك مثلها، قد ضاعت عند حدوث الوباء (1).

وبالإضافة إلى ذلك كان بعض أصحاب المكتبات يوصون بحمل مكتباتهم، بعد وفاتهم، إلى خارج الجزائر، كالمدينة المنورة. فقد حكى العياشي أن الشيخ محمد بن إسماعيل المذكور سابقا قد أوصى أن تحمل مكتبته إلى الروضة النبوية مع جثمانه، وأوصى كذلك بثلاثمائة دينار إلى من يحمل الجثمان. ولكن المكتبة قد عانت في الطريق قبل أن تصل إلى المدينة. فقد حملت إلى القليعة (المنيعة) تهريبا لها من متولي بلدة تكورارن الذي كان ينوي أخذ المكتبة إليه، وظلت في القليعة سنوات إلى أن أخذها علي بن الشيخ الحفيان معه إلى الحج. وقد ضاع منها الكثير، كما يقول العياشي أيضا، في الطريق. فبعد أن كانت المكتبة تحتوي على ألف وخمسمائة مجلد لم يصل إلى المدينة المنورة إلا حوالي مائة وسبعين كتابا فقط. وهو العدد الذي رآه العياشي في المدينة (2).

ولعل أقسى تجربة مرت بها المكتبات هي التي عرفتها من الاحتلال الفرنسي وما رافقه من حروب وما نتج عنه من تخريب ومن هجرة كبار العلماء والأغنياء إلى الخارج مع بعض كتبهم ووثائقهم. وقد روى الفرنسيون أنفسهم قصصا مثيرة عما وقع لمكتبات قسنطينة ومعسكر وتلمسان وغيرها. والذي يطلع على تقارير بيروبروجر وديسلان المعاصرين للاحتلال ثم كتابات شارل فيرو ولالوي وأضرابهما يصاب بالاندهاش والصدمة والأسف. كما أن الذي يعرف ما وقع لمكتبة الأمير عبد القادر أثناء حادثة الزمالة لا يستغرب ما وقع لمكتبة الشيخ حمودة الفكون وباش تارزي في قسنطينة، ثم ما وقع

(1) الورتلاني (الرحلة)، 284.

(2)

العياشي (الرحلة) 1/ 40.

ص: 301

لمكتبات الجامع الكبير وغيره من المساجد في هذه المدينة وفي معسكر وتلمسان وبجاية والعاصمة وعنابة، ومكتبات الزوايا ثم المكتبات العائلية في مختلف أنحاء القطر. وقد نفي المفتي ابن العنابي، من العاصمة فحمل معه بعض كتبه إلى مصر، وهي لا تزال إلى الآن تحمل ختمه وخطه. كما هاجر الشيخ الصديق بن يحيى من نواحي قسنطينة إلى تونس ومعه (كل الوثائق التاريخية)(1).

أما الكتب التي أرسلها الجنود الفرنسيون هدية إلى مكتباتهم المحلية في فرنسا فلا حصر لها (2). وبعد حوالي خمسين سنة من الاحتلال وجد السيد فانيان بقايا مكتبة الشيخ الفكون، التي كان يضرب بها المثل في الكثرة والتنوع والصيانة، تباع كما قال (بطريقة مؤسفة) وهي طريقة ميزان الورق القديم، وذلك حين اضطر بعض المدانين من العائلة إلى بيع كمية ضخمة من الكتب بثلاثين فرنكا فقط، أما الباقي فلا حديث عنه، كما يقول فانيان (3). ولكن الحديث عن مصير المكتبات بعد 1246 (1830 م) يعود إلى مرحلة أخرى من هذا الكتاب، أي الأجزاء الخاصة بالعهد الفرنسي إن شاء الله.

5 -

وقبل أن نطوي هذه الصفحات عن المكتبات نود أن نعرض إلى محتويات بعضها أثناء العهد العثماني لنعرف من خلال ذلك نوع الثقافة السائدة في البلاد. ذلك أن معرفة نوع الكتاب ومدى انتشاره تساعد على الكشف عن حقيقة الحياة العلمية في البلد المعني. وقد أخبرت التقارير الفرنسية المكتوبة غداة الاحتلال أن أهم المكتبات العامة في قسنطينة كانت في المساجد والزوايا وأن أشهر المكتبات الخاصة هي مكتبة الشيخ

(1) فيرو (روكاي) 1868، 5، في مقدمته لكتاب العدواني.

(2)

انظر دراسة لالوي في (المجلة الإفريقية)، 1925، 107.

(3)

فانيان (المجلة الإفريقية) 1892، 165. وهي نفس المكتبة التي قال عنها فيرو (المجلة الإفريقية) 1866، 188 إنه اطلع فيها على أكداس ضخمة من الكتب متراكمة كأنها أكوام من القمح، وإنها (أغنى مكتبة شرقية في الجزائر)، وإن فيها كثيرا من الوثائق والرسائل من باشوات الجزائر وإجازات ونحوها مما يتعلق ببدايات الحكم التركي.

ص: 302

الفكون ومكتبة باش تارزي ومكتبة ابن عيسى. وكان بيروبروجر قد رافق الحملة على قسنطينة وأخذ يجمع المخطوطات من المساجد وغيرها، ومن أيدي الجنود، بل حتى من الشوارع، وقد جمع حسب التقارير ما يزيد على ثمانمائة مخطوط وعاد بها إلى مدينة الجزائر. ولكن قبل أن تصل إلى هناك ضاع منها الكثير في الطريق أيضا. ومن بين هذه المخطوطات مجموعة من الكتب للرياضيين الإغريق ومجموعة أخرى من علوم الفلسفة والطب وغيرها استفاد منها الفرنسيون فائدة عظيمة (1).

وعلى إثر الحملة على قسنطينة جاء المستشرق البارون ديسلان وكتب تقريرا عن محتوى الكتب التي حملها بيروبروجر معه إلى مدينة الجزائر، وعن محتوى مكتبة الشيخ حمودة الفكون في قسنطينة. وقد وضع ديسلان قائمة ببعض ما رآه هو هاما من المخطوطات:

1 -

كتاب الجمان في مختصر أخبار الزمان للشطيبي الأندلسي (2).

2 -

شرح (بانت سعاد) لابن هشام.

3 -

الحماسة مع شرح أبي علي.

4 -

المعلقات السبع للتبريزي.

5 -

المستملح من التكملة (حياة مشاهير الأندلسيين، لعلها تكملة ابن الأبار).

6 -

الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية للمناوي.

7 -

مقامات الحريري.

8 -

شرح مختصر خليل للخرشي.

9 -

الزهرة النيرة (تاريخ خير الدين)(3).

(1) لالوي (المجلة الإفريقية) 1925، 103، 106. انظر فقرة المكتبات من الأجزاء الخاصة بالعهد الفرنسي.

(2)

ينسب هذا الكتاب في بعض المصادر إلى أحمد المقري صاحب (نفح الطيب) وهي نسبة خاطئة.

(3)

انظر عنها فصل التاريخ والتراجم في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

ص: 303

10 -

ميزان الشعراني عن المذاهب الأربعة.

11 -

المؤنس في أخبار إفريقية وتونس للقيرواني (1).

12 -

نفح الطيب للمقري.

13 -

مروج الذهب للمسعودي.

14 -

فتح الحصون السبعة (قصة تاريخية عن فتح العرب لإفريقية).

15 -

الصحاح للجوهري.

16 -

القاموس المحيط.

17 -

شرح شواهد المغني للسيوطي.

18 -

كتاب التكمل في شرح المفصل (في النحو) للزمخشري.

19 -

جغرافية الإدريسي.

20 -

كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج لأحمد بابا.

21 -

فضائل الشيخ يعقوب الدهماني.

22 -

كتاب الأغاني الكبير للأصفهاني (نقله الهاشمي محمد بن محمد بن حوا للباي محمد سنة 1201)(2).

23 -

مجموعة شروح في الحساب.

24 -

شرح ابن الهيثم عن إقليدس وشرح آخر عنه للجياني.

25 -

مقالة النسبة والتناسب لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم، ومقالة أخرى في شرح النسب وأخرى في الشكل الملقب بالقطاع، ورسالة في البركار وكيفية التخطيط به، وعدة مقالات عن أولوطقيوس، ومقالات في التنجيم والأرصاد.

26 -

النهاية في غريب الحديث والأثر (مجد الدين مبارك ابن الأثير).

27 -

ديوان امرئ القيس.

28 -

يتيمة الدهر للثعالبي.

(1) المؤلف هو محمد بن أبي القاسم المعروف بابن أبي دينار. وقد طبع عدة طبعات.

(2)

حسبما جاء في (الثغر الجماني) فإن مختصره هو أحمد بن سحنون، لأنه هو الذي أمره الباي باختصار الأغاني وقد فعل ذلك وجعله في نحو ثمانين كراسة. وقد أثابه الباي بمائة سلطاني.

ص: 304

29 -

الإبريز المسبوك للأربيلي.

30 -

كتاب الأنس الجليل للحنبلي.

31 -

سراج الرواة للسيوطي.

32 -

الأمثال للميداني.

33 -

تاريخ بني عباس (العباسية) لمجهول (؟).

34 -

بيان ملوك الجزائر (1).

35 -

الإنشاء للحنبلي.

36 -

فتوح إفريقية (للواقدي؟).

37 -

تاريخ الطبري.

38 -

التذكرة للمقرزي (2) الخ.

وفي نفس الوقت ذهب ديسلان إلى قسنطينة غداة احتلالها واطلع فيها على مكتبة حمودة الفكون وكتب تقريرا عن بعض محتواها الذي تمكن من الاطلاع عليه. وقد أخبر أنه ظل يشتغل في هذه المكتبة خمسة أسابيع للاطلاع على (أهم) مخطوطاتها فوجدها تحتوي على أكثر من ألفين وخمسائة مجلد كلها في حالة جيدة (3)، وأنها تضم كتبا يعتقد أنها ضاعت

(1) لم يذكر ديسلان له مؤلفا. ولا ندري نحن من ألف كتابا بذلك العنوان، والغالب أن يكون ذلك من إنشاء بعض الجزائريين في القرن الثاني عشر (18 م) أمثال ابن المفتي الذي كتب تقييدا تحدث فيه عن باشوات الجزائر. انظر ديلفان (المجلة الآسيوية)1922. وقد يكون المؤلف هو بركات الشريف (القرن الحادي عشر) الذي ما تزال حياته غامضة والذي نسب إليه بعضهم عملا تاريخيا مجهول المؤلف. انظر فيرو (المجلة الإفريقية) 1866، 180. وقد ذكر فيرو هناك أن حمودة الفكون صاحب المكتبة المذكورة قد أكد أن مكتبته تحتوي على كتاب تاريخي لبركات الشريف. انظر أيضا فصل التاريخ والتراجم في الجزء الثاني من كتابنا هذا.

(2)

ديسلان (تقرير) 8 - 5 والقائمة غير كاملة.

(3)

أخبر فانيان أن ديسلان قد قدر أن مكتبة الفكون كانت تحتوي على أربعة آلاف كتاب، انظر فانيان (المجلة الإفريقية) 1892:165. ولعل فانيان قد اطلع على تقرير ديسلان الذي لم ينشر، وهو الذي لم نطلع عليه نحن.

ص: 305

منذ زمن طويل. وقد لاحظ ديلان أن أكثر ما في المكتبة من كتب الفقه والدين موزعة على النحو التالي: أكثر من خمسين كتابا في الفقه والعقيدة، ثلاثون في التوحيد، ثلاثمائة في الحديث، أحد عشر في مصطلح الحديث، مائة وثلاثون في علم القرآن، ثلاثمائة في فقه المذاهب الأربعة، أربعون في التصوف، وهلم جرا. أما الكتب التاريخية والأدبية والعلمية فقد ذكر منها ديسلان بعض العناوين التي ننقلها هنا لنفس الغرض، وهو الاطلاع على محتوى بعض المكتبات. وهذه الكتب وأمثالها هي التي كانت تغذي الحياة العقلية للشبان الجزائريين.

1 -

تاريخ الدولة العثمانية (لم نعرف لمن هو).

2 -

وفيات الأعيان لابن خلكان.

3 -

شرح لامية العجم للصفدي.

4 -

نفح الطيب للمقري.

5 -

سراج الملوك للطرطوشي.

6 -

رحلة العبدري.

7 -

حسن المحاضرة للسيوطي.

8 -

جغرافية ابن الوردي.

9 -

الطبقات للذهبي.

10 -

تاريخ سورية للواقدي.

11 -

رجال بجاية: الهداية في رجال بجاية (1).

(1) لا ندري الآن من هو مؤلف هذا الكتاب، والغالب أنه ليس هو (عنوان الدراية) للغبريني. وقد أخبر فيرو أنه حصل على نسخة من كتاب مؤلفه هو أبو علي إبراهيم المريني وعنوانه (عنوان الأخبار فيما مر على بجاية

) يعود إلى بداية العهد العثماني (المجلة الافريقية)، 1868، 245، 337. وهناك كتب أخرى عن بجاية مثل النبذة المحتاجة في أخبار صنهاجة) بافريقية وبجاية للصنهاجي - وهو محمد بن علي ابن حماد بن عيسى بن أبي بكر المتوفى سنة 628 - ولكن الكتاب الذي ذكره دسلان ما يزال محيرا.

ص: 306

12 -

ذيل الديباج (نيل؟).

13 -

التاريخ القسي.

14 -

أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض (للمقري).

15 -

حياة أحمد بن عروس (1).

16 -

نظم الدرر (كذا) للتنسي (2).

17 -

سلافة العصر.

18 -

فاكهة الخلفاء.

19 -

ديوان ابن حزم.

20 -

ديوان ابن عربي.

21 -

ديوان الخفاجي.

22 -

ديوان نور الدين (كذا؟).

23 -

الحماسة.

24 -

ديوان ابن خفاجة.

25 -

شرح مقامات الحريري.

26 -

شرح ابن نباتة عن ابن زيدون.

27 -

تاريخ ابن الجوزي.

28 -

الإنشاء لأبي المطرف.

29 -

ديوان ابن أبي الوفاء (؟).

30 -

السلوانية (3).

31 -

شرح التبريزي على المعلقات.

(1) الغالب أنه هو كتاب (ابتسام العروس) لعمر بن أحمد الجزائري الراشدي. انظر عنه الفصل الأول من كتابنا هذا.

(2)

انظر عنه الفصل الأول من هذا الكتاب، وعنوانه الحقيقي (نظم الدر والعقبان .. في شرف بني زيان).

(3)

هي قصيدة إبراهيم الفجيجي في الصيد أو شرحها، وتسمى (روضة السلوان). وسنعرض إليها في الجزء الثاني.

ص: 307

32 -

ديوان علي بن أبي طالب.

33 -

قصيدة ابن الوردي.

34 -

الصحاح للجوهري.

35 -

المزهر للسيوطي.

36 -

شرح ابن القوطية (في الأفعال، نحو).

37 -

معجم البلدان الكبرى.

38 -

العقد الفريد لابن عبد ربه.

39 -

تاريخ ابن الأثير (عز الدين علي بن محمد).

40 -

النهاية لابن الأثير (مجد الدين مبارك).

41 -

ستون كتابا في النحو منها ألفية ابن معطي (1).

42 -

ستة مجامع ضخمة في الحديث (2).

وأثناء نفس الرحلة تحدث ديسلان عن مكتبة باش تارزي بقسنطينة وغيرها من المكتبات. فقال عن مكتبة باش تارزي إنها أقل أهمية من مكتبة الفكون ولكنها كانت تضم أكثر من خمسمائة مخطوط، أغلبها كما قال، في الفقه والدين. وذكر أنه وجد فيها كتابين نادرين، هما معارف ابن قتيبة وشرح ابن نباتة على ابن زيدون. وقال إنه لو لم يكن يعرف أن منها نسختين في ليدن لنسخها (3)، لأنها في نظره من الكتب النادرة. وقال إن في قسنطينة

(1) هو يحيى بن معطي الزواوي صاحب (الألفية في علم العربية) انظر عنه قسم الأدب من الفصل الأول في هذا الكتاب.

(2)

ديسلان (تقرير)، 15.

(3)

في ذلك دليل على أن علماء الاستشراق الفرنسيين قد وجدوا في الجزائر ميدانا خصبا لهم وأنهم كانوا ينسقون جهودهم مع جهود المستشرقين الأوروبيين للاستفادة من مكتبات الشرق وأفكاره. وقد كانت الجزائر من أوائل البلدان الإسلامية التي أصيبت بالاستعمار الاقتصادي والفكري. فنهبت مكتباتها وبعثر تراثها العربي الإسلامي. وسنتحدث عن ذلك في الأجزاء اللاحقة إن شاء الله ، وعن مكتبة باش تارزي (وهو مقدم الطريقة الرحمانية في قسنطينة في أواخر العهد العثماني) انظر شيربونو =

ص: 308

مكتبتين أخريين خاصتين ولكنه لم يسمهما. ولاحظ أنهما أيضا تحتويان على الكتب الدينية في الغالب. أما عن خارج قسنطينة فقد ذكر أن الناس قد أخبروه أن في البادية مكتبات تحتوي كل منها على أكثر من خمسمائة كتاب. ولكنه أبدى حولها نفس الملاحظة، أي أنها كتب دينية. وأخبر ديسلان أن وفدا من تقرت قد حضر، وهو في قسنطينة، وأخبروه أن في تقرت كتبا غزيرة وأنه يمكنه الاطلاع عليها. ورغم أنه لم يذهب إلى هناك فإنه لاحظ أن محتواها لا يخرج في نظره عن الدين (1).

وفي سنة 1836 م كتب ادريان بيروبروجر إلى صديقه وأستاذه شامبليون فيجياك يخبره عن مغامرته في تلمسان ومعسكر لجمع المخطوطات العربية. فقال إنه تنكر في زي عسكري ورافق الحملة إلى معسكر لأنه قد سمع أن في تلمسان ومعسكر مكتبات تحتوي على مخطوطات (كثيرة جدا، بعضها عظيم الأهمية)، كما أخبره أنه قد جمع عددا كبيرا من المخطوطات (الشرقية) من معسكر وعاد بها إلى مدينة الجزائر في صندوق حمله على ظهر جمل. وفي الطريق مات له الجمل وضاعت الكتب ولم يحمل منها إلا ما رآه نادرا جدا واستطاع حمله على حصانه.

أما حظه في تلمسان فقد كان أحسن، حسب تعبيره. فقد جمع منها ومن ضواحيها (أكثر من مائتي مخطوط في مختلف الموضوعات) كما كان حسن الحظ أيضا في حملها إلى مدينة الجزائر إذ استطاع نقلها في سفينة بخارية من وهران. ولكنه لم يذكر كيف نقلها من تلمسان إلى

= (المخطوطات العربية في مكتبة سعيد بن باش تارزي القسنطيني) في (المجلة الآسيوية)، 1854، 433 - 444.

(1)

ديسلان (تقرير)، 5. ويظهر أن إحدى المكتبتين الخاصتين هي مكتبة القاضي الحنفي محمد العربي بن عيسى التي استولى عليها الفرنسيون أيضا عند دخولهم عنوة لمنزله - انظر بولسكي (العلم المثلث على الأطلس) 17. أما الأخرى فلا ندري ما هي، لكن يلاحظ أن هناك ابن عيسى، الذي كان الساعد الأيمن للباي الحاج أحمد. فلعل المقصود هنا مكتبة الأخوين ابن عيسى القاضي والسياسي معا.

ص: 309

وهران (1). وكنا ذكرنا أن حركة الكتاب قد ازدهرت في معسكر أيام محمد الكبير. أما في تلمسان فقد كانت مركز كتب منذ عهد الزيانيين، وخلال القرن الحادي عشر تحدث بعضهم عن وجود مكتبة عمومية بها، كما سبق، تقع في وسط المدينة، وكانت قد جمعت من مختلف نواحي البلاد بأمر من أحد الأمراء، ووضعت ليستفيد منها الطلبة والعلماء (2).

ونحب أن نختم هذا الحديث عن المكتبات بالإشارة إلى أهمية بعض المكتبات الريفية المتفرقة في أنحاء البلاد. ولا بد لنا من التنويه بمكتبات ميزاب التي كانت بني يزقن بالخصوص شهيرة بها والتي حافظ عليها أصحابها كعائلتي الثميني وأطفيش، بكل غيرة وعناية. وقد كانت توات، ولا سيما الزاوية البكرية وقصر ملوكة، مركزا هاما لحركة الكتاب في الجزائر الغربية والجنوبية. وكذلك كان الحال بالنسبة إلى مكتبات زواوة وبجاية وورقلة والخنقة الخ. وقد سبق حديث العياشي على بعضها. ومن يقرأ الدرعي والورتلاني والجامعي يدرك

أهمية هذا الموضوع وهو وفرة الكتب في الجزائر حتى في المناطق النائية، كما يدرك أن الشعب الذي حافظ على كل ذلك القدر من المكتبات كان شعبا على درجة كبيرة من التحضر خلافا لما زعمه الفرنسيون بعد احتلالهم للجزائر.

غير أن المكتبات ليست إلا وسيلة لنشر التعليم وشحذ أذهان العلماء والمدرسين. فكيف كانت حركة التعليم خلال العهد العثماني؟ وما كان نشاط العلماء، وخصوصا في ميدان التدريس؟ هذا ما سنحاول أن نتحدث عنه في الفصل التالي.

(1) انظر (المجلة الإفريقية)، 1927، 107، نقلا عن (لومونيتور يونيقرسال)، تاريخ 11 مارس 1836 ..

(2)

هذه المعلومات عن مكتبة تلمسان العمومية وردت في كتاب عنوانه (مذكرات أسير) المطبوع سنة 1659، وصاحب الخبر هو الضابط سيدن Siden الذي أقام في الجزائر حوالي خمسة عشر عاما وكتب تأليفه بالألمانية، ويوجد في المذكرات المذكورة تأليف توماس سكينر Skinner الانكليزي. وقد ساعدني في ترجمة هذه المعلومات زميلي الدكتور أبو العيد دودو مشكورا خلال يناير، 1976، بالجزائر.

ص: 310