الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكريم وبعض الأحاديث والأسانيد ومبادئ الطرق الصوفية المذكورة. أما ما أخذه من ذلك عن طريق الإجازة فلا يعول عليه لأن الإجازة كانت عندئذ تعطي تقريبا لكل عابر سبيل. ومن جهة أخرى فإننا لا نعرف أن التجاني قد أسس في الجزائر، كما فعل بعض زملائه المرابطين، معهدا للتعليم أو أنه قد تصدر هو للتدريس. ومع ذلك فإن الطريقة التجانية قد انتشرت ووجدت لها أتباعا في الجزائر وأصبحت ذات أهمية كبيرة اجتماعيا وسياسيا. ولكن أهميتها قد ظهرت، كالطريقة الرحمانية، في العهد الفرنسي وليس في العهد العثماني.
8 -
الحاج مصطفى الغريسي والطريقة القادرية:
كنا أشرنا إلى أن الطريقة القادرية قد ظهرت في الجزائر قبل مجيء العثمانيين (1). وقد اختلطت تعاليمها بالطريقة الشاذلية وغيرها. وكان العثمانيون قد شجعوا القادرية في أول أمرهم. ومن الملاحظ أن بعض الحجاج الجزائريين من العلماء والصالحين كانوا يتوجهون بعد أداء فريضة الحج إلى بغداد لزيارة ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني وتقديم الهدايا الثمينة إلى حراس الضريح، وكانت تلك الزيارة عندهم جزءا مكملا للحج والرحلة من أجله، إذ لا يصح أن يعودوا إلى بلادهم دون الوقوف على ضريح (مولى بغداد) والتبرك به. ورغم أننا لا نعرف قبل زاوية القيطنة أن أحد المرابطين قد أسس زاوية خاصة بالطريقة القادرية فإن تعاليم هذه الطريقة كانت منتشرة خلال العهد الذي ندرسه. وقد أورد محمد بن سليمان مؤلف (كعبة الطائفين) أخبارا عن الطريقة القادرية. وروى الورتلاني من جهته أنه زار في بجاية القبر المنسوب إلى عبد القادر الجيلاني وتحدث عن كراماته.
ومهما كان الأمر فإن الشيخ الحاج مصطفى المختاري الغريسي قد
(1) انظر الفصل الأول من هذا الكتاب. ونشير هنا إلى أنه منذ القرن الثامن (14 م) نظم أبو الحسن علي بن باديس القسنطيني قصيدته الشهيرة بالسينية في مدح الشيخ عبد القادر الجيلاني كما تحدث محمد الزواوي الفراوسني في القرن التاسع (15 م) عن الطريقة القادرية في كتابه (المرائي).
أسس، حوالي سنة 1200، زاوية قادرية بالقيطنة، الواقعة على وادي الحمام قرب مدينة معسكر. وكان الحاج مصطفى من علماء الوقت وصلحائه وكان يتردد على الحرمين حتى بلغت حجاته أربع حجات. وفي إحداها توجه إلى بغداد ثم رجع وهو عاقد العزم على بناء زاوية تكون مركزا للتعليم ومبعثا للطريقة القادرية، فكان ما أراد. غير أنه أثناء عودته من الحجة الرابعة توفي في عين غزالة قرب درنة بليبيا، وقد تولى أمر الزاوية من بعده ولده محيي الدين الذي كان من شيوخ العلم المشهود لهم. وهو الذي تولى أيضا تعليم ولده عبد القادر، بطل المقاومة الجزائرية ضد الفرنسيين. وأصبح الشيخ محيي الدين يلقن أوراد الطريقة القادرية للمريدين وينشر العلم من الزاوية التي كانت عبارة عن معهد كما سبق أن أشرنا في فصل التعليم. وبالإضافة إلى نشر العلم وتلقين الورد كانت الزاوية محطة للزائرين والغرباء والفقراء. وقد قيل إن الناس كانوا يتنافسون في النفقة عليها. وبعد وفاة الشيخ محيي الدين سنة 1250 تولى ولده محمد السعيد أمر الزاوية، أما ولده عبد القادر فقد تولى أمر المقاومة التي أخذت عليه كل الوقت وأصبح رمزا لجمع الكلمة وتوحيد الشعب تحت راية الوطنية (1).
وكانت العلاقة ودية بين الزاوية القادرية والعثمانيين في أول الأمر. فنحن نعلم أن أحد بايات وهران قد أسهم في بناء مسجدها، ولعله قد أسهم أيضا في أوقافها، ولكن نقمتهم العامة على زعماء الطرق الصوفية قد شملت أيضا زعيم الطريقة القادرية. فقد احتجز الباي حسن، الشيخ محيي الدين أثناء ذهابه إلى الحج ومنعه من ذلك خوفا من نشاطه بعد أن أصبحت الزاوية على درجة كبيرة من الأهمية وبعد أن أصبح الناس يتجمعون بكثرة في الطريق، كما جرت العادة، لتوديع ركب الحج الذي كان محيي الدين على رأسه، ورغم أن الباي قد سمح للشيخ بالحج في موسم آخر فإن ذلك الموقف منه كانت له عواقب هامة. ذلك أن الباي قد أسرع بتسليم وهران إلى
(1) انظر مخطوط تاريخ الأمير عبد القادر بالمكتبة الوطنية - الجزائر. وكذلك (حياة الأمير عبد القادر) الذي ترجمناه عن تشرشل، الدار التونسية للنشر، تونس 1974.