الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا شك أن هناك آخرين قد اهتموا أيضا بعلم المنطق لأننا لاحظنا أن علماء هذا العهد كانوا مشاركين في عدد من العلوم.
القراءات والتفسير والفقه
1 -
ومن هذه العلوم علم القراءات ورسم القرآن. والجزائريون الذين تناولوا هذا الموضوع قلة نسبيا. وأحد هؤلاء القلة محمد بن عبد الله بن عبد الجليل التنسي، مؤرخ بني زيان، الذي سبق ذكره. فقد ألف كتابا سماه (الطراز في شرح الخراز) وأوضح أن سبب تأليفه يعود إلى أنه رأى من تناول نظم الشريشي المعروف بالخراز في علم الضبط (أي ضبط القراءات والرسم): إما اختصره اختصارا وإما أطال فيه إطالة مملة. لذلك عزم هو على وضع شرح على نظم الخراز يكون وسطا بين الاختصار والإسهاب (ويكون أنشط لقارئه وأقرب لفهم طالبه) والمعروف أن الخراز قد وضع نظما تناول فيه علم الرسم سماه (عمدة البيان) وهو يعني بالرسم هنا رسم خطوط المصاحف كبيان الزائد والناقص والمبدل وغيره. أما ما يرجع إلى علامة الحركة والسكون والشد والمد والساقط والزائد فهو ما يعرف (بعلم الضبط). ولذلك جاء في نظم الخراز هذا البيت:
هذا تمام نظم رسم الخط
…
وها أنا أتبعه بالضبط
وفي المعنى الأخير ألف التنسي شرحه الذي نحن بصدده (1).
ومن جهة أخرى وضع محمد بن أحمد المصمودي رجزا في القراءات سماء (المنحة المحكية للمبتديء القراءة المكية) تناول فيه أوجه الخلاف بين قراءة عبد الله المكي وقراءة الإمام نافع. وقد ابتدأه بسورة البقرة وانتهى بسورة
الناس، وهو رجز سهل. ومما جاء فيه:
يقول عبد للعظيم الجود
…
محمد بن أحمد المصمودي
(1) يوجد ضمن مجموع رقم ص 972 بالخزانة العامة بالرباط وخط هذه النسخة جيد. وفيها المتن والشرح معا وليس عليها اسم ناسخ ولا تاريخ.
وبعد فالقصد بذا النظام
…
تقريب فهم مقرا الإمام
الفاضل السني عبد الله
…
نجل كثير ذي الثنا والجاه
نزيل مكة التي قد شرفت
…
بالبيت ذي الأمن العميم واكتفت
وذاك فيما خالف الإماما
…
المرتضى نافعا على ما (1)
2 -
وباستثناء العناية بالسيرة النبوية فإن التأليف في علوم الحديث لم تتقدم تقدم الدراسات الفقهية وغيرها من العلوم الشرعية. حقا إن بعض العلماء قد تركوا فهارس بالعلوم التي قرأوها، ومنها على الخصوص كتب الحديث. ومن هؤلاء أحمد الونشريسي ومحمد الغربي القسنطيني وعبد الرحمن الثعالبي ومحمد بن عبد الكريم المغيلي. كما أن الإجازات قد بدأت تشيع بين العلماء. وهي غالبا ما تكون في العلوم الدينية. وقد اشتهر من المحدثين في القرن التاسع: التنسي والثعالبي.
3 -
أما التفسير فقد ضعفت العناية به. فكان بعض العلماء يتناولونه في مجالسهم ودروسهم ولكن قلما ألفوا فيه. ولولا تفسير عبد الرحمن الثعالبي المعروف (بالجواهر الحسان) لما وصل إلينا تفسير مكتوب من القرن التاسع. وينسب للمغيلي تفسير بعنوان (البدر المنير في علم التفسير) ولكننا لا نعرف أنه وصل إلينا منه شيء. وينسب أيضا لأبي جميل إبراهيم بن فائد الزواوي تفسير مكتوب للقرآن الكريم. غير أننا لا ندري إن كان هذا العمل قد أنقذ من الضياع. ولا شك أن هناك تفاسير أخرى مكتوبة لم نسمع بها.
وما دام تفسير الثعالبي هو الوحيد الذي وصل إلينا من القرن التاسع، فلنتوقف عنده قليلا. فقد سماه (الجواهر الحسان في تفسير القرآن) وهي تسمية واضحة وبسيطة. وانتهى منه في 25 ربيع الأول سنة 833، كما جاء في آخر الجزء الثاني. ومعنى ذلك أن الثعالبي قد عاش حوالي أربعين سنة بعد تأليفه، فهو إذن من أوائل مؤلفاته. ومما يستغرب في هذا الصدد هو
(1) مخطوط باريس، مجموع رقم 1057 من ورقة 195 إلى 206. وقد سبق أن قلنا إن المصمودي قد توفي سنة 897. انظر أيضا بروكلمان 2/ 367.
جمع الثعالبي، وهو في مقتبل العمر، كل المعارف التي أوردها أو أشار إليها في كتابه. فرغم أنه اعتمد فيه على تفسير ابن عطية فقد رجع أيضا لقريب من مائة تأليف، كما صرح هو بذلك. ومن هذه التآليف تفسير الطبري. وقد تحرى الثعالبي الحقيقة والرواية حتى أنه كان لا ينقل شيئا إلا بلفظ صاحبه خشية الوقوع في الخطأ. وهذه عبارات الثعالبي وهو يقدم تفسيره للقراء (فقد ضمنته بحمد الله، المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية وزدته فوائد جمة من غيره من كتب الأيمة، وثقاة أعلام هذه الأمة، حسبما رأيته أو رويته عن الاثبات، وذلك قريب من مائة تأليف. وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين ومعدود في المحققين. وكل من نقلت عنه من المفسرين شيئا فمن تأليفه نقلت وعلى لفظ صاحبه عولت، ولم أنقل شيئا من ذلك بالمعنى خوف الوقوع في الزلل)(1).
وهناك ناحية أخرى مهمة في (الجواهر الحسان) وهي كشفه عن تصوف الثعالبي المبكر. فرغم أنه كان ما يزال في ريعان الشباب، كما أشرنا، فإن الكتاب قد تضمن رؤى صوفية ومواعظ لا تخرج عن هذا الميدان. فقد روى الثعالبي في آخر الجزء الثاني أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة مرات أثناء اشتغاله بالكتاب، وأنه آكله وزار بيت كتبه ودعا له، كما أخبر أن بعض أصحابه (الثعالبي) قد أخبروء أنهم رأوا بعض الصحابة. ونحو ذلك من المرايا التي قلنا إنها شاعت في ذلك الوقت. وقد نصح الثعالبي بعد ذلك بقراءة تفسيره والعمل به لكي تحصل به البركة لمن قرأه. وأخبر أن كتابه قد أصبح معروفا ومقروءا بكثرة في حياته (2) وأنه يحتوي على أسرار صوفية لا يدركها إلا أربابها، أهل الذوق الصوفي. واعتبر حديثه على تفسيره بهذه الصفة من باب التحدث بالنعمة. وهذه هي عبارته في ذلك (إني رأيت لكتابي هذا المسمى
(1) مخطوط المكتبة الوطنية بباريس، رقم 460 في جزئين، وهو من أقدم النسخ وأجودها.
(2)
أخبر الرحالة عبد الباسط بن خليل أنه درس قليلا منه على الثعالبي وأن هذا قد أجازه. نشر تفسير الثعالبي أوائل هذا القرن، كما أعيد نشره بعد الاستقلال.