المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حركة التصوف عشية العهد العثماني - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ١

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌الإهداء

- ‌شكر واعتراف

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌حول المصادر

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الأولتراث القرن التاسع (15) م

- ‌المؤثرات في الحياة الثقافية

- ‌بين العلماء والأمراء

- ‌التاريخ والسير

- ‌الأدب واللغة

- ‌التصوف وعلم الكلام

- ‌ أحمد النقاوسي:

- ‌ عبد الرحمن الثعالبي وأحمد الجزائري:

- ‌ ابن زكري:

- ‌ محمد السنوسي:

- ‌ الحوضي:

- ‌ التازي:

- ‌ محمد الفراوسني والمرائي الصوفية:

- ‌ عيسى البسكري:

- ‌ بركات القسنطيني:

- ‌ أبو عصيدة البجائي:

- ‌العلوم والمنطق

- ‌القراءات والتفسير والفقه

- ‌ أحمد الونشريسي

- ‌كتاب الافتتاح للقسنطيني

- ‌الفصل الثانيالتيارات والمؤثرات

- ‌العلاقات بين الجزائريين والعثمانيين

- ‌فئات المجتمع

- ‌دور المدن

- ‌الحياة الدينية والأدبية والفنية

- ‌الجهاد أو الإحساس المشترك

- ‌الثورات ضد العثمانيين

- ‌الفصل الثالثالمؤسسات الثقافية

- ‌ الأوقاف

- ‌ المساجد

- ‌الزوايا والرباطات

- ‌المدارس والمعاهد العليا

- ‌المكتبات

- ‌الفصل الرابعالتعليم ورجاله

- ‌سياسة التعليم

- ‌وسائل التعليم

- ‌ المعلمون:

- ‌ أجور المعلمين:

- ‌ التلاميذ:

- ‌ تعليم المرأة:

- ‌ الكتب:

- ‌المناهج

- ‌ في التعليم الابتدائي:

- ‌ في التعليم الثانوي:

- ‌ المواد المدروسة:

- ‌ حوافز التعليم وأهدافه:

- ‌بعض كبار المدرسين

- ‌سعيد قدورة

- ‌ علي الأنصاري السجلماسي:

- ‌ سعيد المقري:

- ‌ عمر الوزان

- ‌الفصل الخامسفئة العلماء

- ‌مكانة العلماء ووظائفهم وميزاتهم

- ‌تنافس العلماء وأخلاقهم

- ‌علاقة العلماء بالحكام

- ‌هجرة العلماء

- ‌العلماء المسلمون في الجزائر

- ‌من قضايا العصر

- ‌الفصل السادسالمرابطون والطرق الصوفية

- ‌حركة التصوف عشية العهد العثماني

- ‌موقف العثمانيين من رجال التصوف

- ‌حالة التصوف

- ‌سلوك بعض المتصوفين

- ‌بعض المرابطين وأهم الطرق الصوفية

- ‌ أحمد بن يوسف الملياني

- ‌ محمد بن علي الخروبي

- ‌ عبد الرحمن الأخضري

- ‌ محمد بن علي أبهلول:

- ‌ محمد بن بوزيان والطريقة الزيانية:

- ‌ محمد بن عبد الرحمن الأزهري والطريقة الرحمانية:

- ‌ أحمد التجاني والطريقة التجانية:

- ‌ الحاج مصطفى الغريسي والطريقة القادرية:

- ‌ الطريقة الطيبية في الجزائر:

- ‌ الطريقة الدرقاوية والطريقة الحنصالية:

- ‌عبد الكريم الفكون ونقد المتصوفين

- ‌المحتوى

الفصل: ‌حركة التصوف عشية العهد العثماني

‌حركة التصوف عشية العهد العثماني

لاحظنا أن حركة التصوف في العهد العثماني تعتبر امتدادا للحركة التي بدأت قبلها بعدة قرون وأن معظم كبار المتصوفين ومؤسسي الطرق الصوفية في التاريخ الإسلامي قد ظهروا قبل القرن العاشر (16 م). فالأسماء اللامعة في عالم التصوف مثل الغزالي والحلاج وابن عربي وابن الفارض وجلال الدين الرومي والحاج بكداش وعبد القادر الجيلاني وغيرهم قد ظهروا جميعا قبل التاريخ المذكور. وعلى مستوى المغرب العربي ظهر أيضا متصوفون لامعون قبل هذا التاريخ، ونذكر منهم أبا الحسن الشاذلي وابن مشيش وأبا مدين وأحمد زروق وغيرهم. فإذا اقتصرنا على الجزائر وجدنا عددا من المرابطين وأهل الزهد ورجال التصوف قد كثروا كثرة تلفت النظر قبل مجيء العثمانيين أيضا. فعبد الرحمن الثعالبي ومحمد الهواري وإبراهيم التازي وأحمد بن عبد الله ومحمد بن يوسف السنوسي كانوا من ألمع أولئك الرجال. وهناك آاخرون عاصروا بداية العهد العثماني ولكنهم قد تكونوا قبله مثل أحمد بن يوسف الملياني ومحمد أفغول ومحمد بن شعاعة ومحمد التواتي البجائي. فالحركة الصوفية إذن، سواء كانت على مستوى العالم الإسلامي أو على مستوى المغرب العربي قد ازدهرت قبل قدوم العثمانيين إلى الجزائر.

كما لاحظنا من قبل أن الترك كانوا في تكوينهم الديني والنفسي والحربي من أتباع الطرق الصوفية، فالطريقة البكداشية كانت منذ ظهورهم تقودهم وتؤثر فيهم وتحميهم وتدفع بهم إلى الجهاد والمغانم وتبارك أعمالهم، فكانوا يدينون لرجالها بالولاء ويتبركون بهم وينظرون إليهم نظرة

ص: 459

المريد لشيخه والسيد لسيده. ثم تعددت الطرق الصوفية وتأثيراتها على الترك فانتشرت بينهم أيضا، كما عرفنا، الطريقة النقشبندية والقادرية والمولوية ومغيرها. كما انتشرت في الأقاليم العثمانية طرق أصلية أو فرعية، ولا سيما تلك التي ظهرت في بغداد ومصر وسورية والمغرب العربي، وسنتحدث عن الطرق الصوفية التي ظهرت خصوصا في الجزائر خلال هذا العهد.

وقد كان الدين هو المبرر الأول لظهور العثمانيين في المشرق والمغرب. وإذا كان تاريخهم في المشرق لا يعنينا هنا فإن تاريخهم في المغرب كان أساسه الدين، كما عرفنا. فلولا الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا الغربية بقيادة إسبانيا ضد الجزائر (والمغرب العربي عموما - وكذلك الأندلس) لما كان هناك مبرر لتدخل آل عثمان. فقد كانوا هنا، كما كانوا في آسيا الصغرى قرونا من قبل، مدفوعين برغبة الجهاد والحماس الديني للدفاع عن حدود الإسلام الغربية، وكانوا بالطبع يبحثون لهم عن حلفاء ومؤيدين، فوجدوهم في رجال الدين، وخصوصا المرابطين. وهناك مبررات كثيرة لهذا التحالف أيضا. ذلك أن الظروف السياسية والاقتصادية والدينية كانت تستوجب ذلك.

أمام الضعف السياسي للدولتين الزيانية والحفصية لم يبق أمام المرابطين سوى أن يعتمدوا على أنفسهم في الدفاع عن الأراضي الإسلامية التي تعود إليهم، لذلك كانوا يتولون القيادة بأنفسهم ضد العدو، أو يوجهونها روحيا وذلك بإصدار الأوامر إلى أهل المدن الساحلية ونحوها للدفاع عن أنفسهم. وقد رأينا ذلك من موقف عبد الرحمن الثعالبي حين دعا أهل مدينة الجزائر وما حولها للجهاد وتوفير أدوات الحرب واتخاذ عدة النصر، وكذلك حين راسل أهل بجاية يحثهم على الاستعداد للحرب ومقاتلة الأعداء ويحذرهم من مغبة التهاون في أمر الجهاد (1). وجاء في رحلة بيري رايس العثماني أن الشيخ محمد التواتي كان (يحمي) مدينة بجاية من الإسبان وأن

(1) انظر دراستي لرسالة الثعالبي في الجهاد في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).

ص: 460

زاويته كانت ملجأ للمجاهدين وغزاة البحر، وأنه حين توفي الشيخ سقطت المدينة في أيدي العدو، وفر منها الأمير الحفصي (1). ومن الحكايات التي تروى عن احتلال وهران أن الشيخ محمد الهواري قد نقم على أهلها فرفع حمايته عنها ودعا عليها بالسقوط في أيدي الكفار، فكان الحال كذلك. والمؤكد أن بعض المرابطين والعلماء كانوا غير راضين عن تطور الأوضاع في تلمسان أواخر القرن التاسع وبداية العاشر فانضم (المعارضون) منهم إلى العثمانيين أمثال أحمد بن يوسف الملياني وابن آفغول ومحمد بن شعاعه. بينما توجه آخرون منهم إلى المغرب، ومنهم من ظل ناقما وهو في مكانه مثل الحاج محمد المناوي (2). فالأرضية السياسية إذن كانت ممهدة لظهور المرابطين وتوليهم مسؤولية الدفاع عن الإسلام بأنفسهم والتحالف مع قوى إسلامية جديدة.

وكان لتعاليم أبي الحسن الشاذلي أثر كبير في الجزائر، ونكاد نجزم بأن معظم الطرق الصوفية التي ظهرت بعد القرن الثامن الهجري (14 م) تتصل بوجه أو بآخر بتعاليم الطريقة الشاذلية. وقد أحصى بعضهم عدد الطرق الصوفية في المغرب العربي أواخر القرن الثالث عشر (19 م) فوجد ثلاث عشرة طريقة (من مجمع ست عشرة) وكلها شاذلية الأصل. وكان أبو الحسن الشاذلي قد تأثر بتعاليم عبد السلام بن مشيش، تلميذ أبي مدين. ورغم ذهاب الشاذلي إلى مصر ووفاته بها فإن تعاليمه قد انتشرت بعده في المغرب العربي انتشارا كبيرا. ويمكننا أن نعد الشيخ واضح ومحمد الهواري وإبراهيم التازي

(1) انظر (الكتاب البحري) كما ترجم منه مانتران في (مجلة الغرب الإسلامي) 15 - 16، 1973، 159. ونفس الكتاب قد ترجم منه بالإنكليزية ما يتعلق بالجزائر وتونس السيد سوشيك في مجلة (الأرشيف العثماني)، 1973، (1976). والظاهر أن محمد التواتي المذكور هو الذي حرض أهل وهران أيضا على محاربة الإسبان والاستعانة عليهم بأهل الأندلس في خبرتهم في الحرب. انظر قصيدته في ذلك في دراستنا لكتاب (كعبة الطائفين في كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).

(2)

ابن مريم (البستان)، 266.

ص: 461

ومحمد بن يوسف السنوسي وعبد الرحمن الثعالبي وأحمد الملياني وغيرهم من أتباع الطريقة الشاذلية. وجميعهم قد أثروا على معاصريهم وتركوا تلاميذ وأتباعا. وأسس بعضهم زوايا ظلت إلى اليوم، وألفوا كتبا في أصول هذه الطريقة وفي تراجم رجالها. ويمكننا القول إن الجزائر قبل العثمانيين كانت من الناحية الصوفية تحت نفوذ الطريقتين الشاذلية والقادرية.

وكان بعض هؤلاء المرابطين (السابقين للعهد العثماني) طبقات، فمنهم الراسخون ومنهم المتوسطون في العلم، ومنهم الخاملون الذين لا نعرف عنهم إلا الأسماء. ومن القسم الأول عبد الرحمن الثعالبي ومحمد بن يوسف السنوسي اللذان ألفا كتبا غزيرة الفائدة وكانا إلى الفقهاء أقرب منهم إلى المتصوفة وكانا واسعي الاطلاع على أحوال العصر، وكلاهما قد تصدر للتدريس وترك تلاميذ (1). ومن القسم الثاني محمد الهواري وأحمد الملياني وإبراهيم التازي، فقد عرف عن الأول أنه نظم عددا من المسائل الفقهية وغيرها، وكان كزملائه واسع الاطلاع أخذ العلم في مصر والحرمين والقدس ودمشق، وعاد لنشره في بلاده، واتخذ زاويته بوهران مقرا لنشاطه (2). وكان تلميذه إبراهيم التازي شاعرا أيضا وهو الذي ورث عن شيخه العلم وإدارة الزاوية (3). كما ترك أحمد بن يوسف الملياني بعض التآليف الصوفية، وسنتحدث عنها.

أما القسم الثالث فقد اشتهر بالاسم فقط أمقال محمد واضح دفين الشلف الذي خصه موسى بن عيسى المازوني بتعريف هام في كتابه عن صلحاء الشلف. وكذلك محمد التواتي دفين بجاية الذي ذكرته المصادر العثمانية والجزائرية. وأمثال هؤلاء كثير. والذي يرجع إلى الأدب الشعبي

(1) انظر عن الثعالبي والسنوسي الفصل الأول من هذا الجزء.

(2)

توجد عنه دراسة ببيليوغرافية كتبها السيد داستونق في مقالين طويلين، انظر (المجلة الآسيوية) 1906، 242، 835.

(3)

تحدث الرحالة المصري عبد الباسط بن خليل عن التازي وزاويته بوهران، سنة 871.

ص: 462

وإلى الكتب المؤلفة في العهد العثماني مثل (البستان) و (منشور الهداية) ورحلة الورتلاني وغيرها يعثر على عدد من هؤلاء المرابطين المغمورين الذين لا يعرف الناس عنهم أكثر من أسمائهم وبعض الأساطير حولهم. ومهما يكن من أمر فإن ذلك يدل على خصوبة الحياة الصوفية في الجزائر قبل العهد العثماني.

ومن جهة أخرى فإن التصوف قد انتشر في المدن قبل الأرياف. ذلك أن معظم المتصوفين قد ظهروا في المدن الكبيرة مثل بجاية وتلمسان ووهران وقسنطينة والجزائر. وكان ذلك ظاهرة عامة في الأندلس وتونس وفاس ومصر أيضا. وكان أبو الحسن الشاذلي نفسه قد عاش في تونس ثم في القاهرة، وكانت الأولى عاصمة للحفصيين والثانية عاصمة للأيوبيين (1). وكان أبو مدين قبله أندلسيا ثم بجائيا ومات في تلمسان، ونفس الشيء يقال عن عبد الرحمن الثعالبي الذي تلقى العلم في بجاية وتونس وغيرهما من المدن ثم استقر به الحال في مدينة الجزائر وهكذا كانت الزوايا أيضا مدنية كما كان أتباعهم من أهل المدن. غير أن هذه الظاهرة لم تظل كذلك، فمع ضعف الإدارة المركزية وتعفن الأحوال السياسية وكثرة الظلم والفساد انتشرت حركة التصوف إلى داخل البلاد وأسس أتباع أولئك المرابطين زوايا لهم في الأرياف أصبحت هي نفسها ملتقى لنشر العلم وبث الأخلاق الفاضلة والتحريض على الجهاد ضد العدو. فالزوايا من هذه الوجهة قد تولت عبئا كبيرا كان من قبل من اختصاص الدولة (2).

(1) أهم مصدر عن حياة أبي الحسن الشاذلي هو (درة الأسرار وتحفة الأبرار) لمحمد بن أبي القاسم المعروف بابن الصباغ. وقد تابع تعاليم الشاذلي بعده في مصر الشيخ أحمد المرسي. انظر أيضا دراسة السيد أيلمر دوقلاص عن الشاذلي في مجلة (العالم الإسلامي) - بالإنكليزية - 1948. عن الشاذلية في العهد الفرنسي انظر الأجزاء التالية.

(2)

عن الرباطات ودورها قبل العهد العثماني انظر دراسة جورج مارسيه في (مجموع رينيه باسيه) 2، 1973، 395 - 430. كما أن ابن مرزوق في كتابه (المسند الحسن) قد تحدث عن الرباطات.

ص: 463